المنظور الديني (الإسلامي) لتقديم الرعاية لذوي الاحتياجات
الخاصة
تميز المجتمع الإسلامي بنظرته الإيجابية إلى ذوي الاحتياجات الخاصة (المعوقين)،
فالمسلمون ملزمون دينيا بالتعامل مع المعاقين ورعايتهم على قاعدة المساعدة والتضامن
والتكافل، وذلك من خلال تخصيص أفراد يساعدوهم على الحركة والتنقل، بالإضافة إلى إنشاء
المستشفيات والمراكز الخاصة برعايتهم والإهتمام بتلبية حاجاتهم، والتاريخ الإسلامي
يحمل في طياته صفحات مشرقة في التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة عبر مختلف العصور
والأزمنة.
هذا ويحث الإسلام كل من يتولى رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة سواء أكان من
الأسرة أو عاملا في مؤسسة خاصة بهم، أن يكون متصفا بعدة صفات وخصائص حتى يستطيع
بواسطتها ومن خلالها القيام بمهمة رعاية وخدمة هؤلاء الأفراد على الوجه والشكل
المطلوب، وإذا ما توفرت هذه الصفات في القائمين على رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة فإننا
سوف نضمن الحياة الكريمة لهم، ونستطيع بالتالي أن نساعدهم على التغلب على إعاقتهم
ومن ثم دمجهم في المجتمع، فيعيشوا بذلك الحياة الطبيعية (قدر الإمكان) والكريمة
شأنهم شأن أي إنسان آخر، وأهم وأبرز هذه الصفات هي:
- الإيمان بالقضاء والقدر
الإيمان بالله ربا وخالقا وشارعا وأنه العليم
الخبير بما ينفع ويصلح عباده، وأنه الذي قدّر معايشهم وأعمارهم وأرزاقهم، وأنه لا
يقدر أحد على نفع أحد أو ضره إلا بما شاء الله وقدّر، هذا الإيمان كله يعطي
الإنسان المصاب (أسرته) راحة نفسية تجعله راضيا بقضاء الله وقدره، ومرتبطا مع الله
بالعبودية والرجاء، حريصا على إتخاذ الأسباب التي توصل إلى الأهداف، معلقا قلبه
بالله تعالى الذي بيده مقادير الخلق جميعا.
- تحمل المسؤولية
يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): (كلكم راع ومسؤول عن رعيته)، فعلى من
يتصدى لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة أن يتحمل مسـؤولية كل ما يقوم به على أكمل وجه،
وهذا يدعو إلى أن تتعلم أسر هؤلاء الأفراد شيئا ولو بسيطا عن كيفية التعامل مع
المعاقين وتربيتهم ورعايتهم حتى تؤدي هذه المسؤولية على أحسن وجه، حيث يقول رسول
الله: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه)، ومنه فإنه يجب على دور رعاية
ذوي الاحتياجات الخاصة أن تكون مؤهلة لتحمل مسـؤولية التعامل معهم ورعايتهم، ويكون
ذلك بتعيين المتخصصين من أطباء وممرضين، وعلى أن تكون هذه الدور مجهزة بأحدث الأدوات
والوسائل اللازمة لخدمتهم ورعايتهم بالصورة المطلوبة.
- الصبر والرحمة
لقد جاءت كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تدعو الإنسان إلى
الصبر على ما يقابل من ضرر وإيذاء في سـبيل إصلاح الآخرين ومساعدتهم، فقد قال الرسول
(صلى الله عليه وسلم): (عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا
للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)، فإصابة
الإنسان بالإعاقة يعتبر شكل من أشكال الإبتلاء له ولأهله، لهذا فعليهم أن يصبروا
ويتقوا، حيث يقول الله تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً
وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (الانبياء 35).
فمجرد معرفة المؤمن بأن الإبتلاء قدر من الله تعالى لحكمة يعلمها جلّ جلاله،
فذلك يملأ النفس بالعزاء ويمنحها الطمأنينة، حيث يقول الله تعالى: (مَا أَصَابَ
مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ
قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ كَيْ لا تَأْسَوْا
عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ
مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (الحديد 22 – 23)، لذا فإن الإبتعاد والهرب واليأس من خدمة ورعاية
ذوي الاحتياجات الخاصة يتنافى مع روح الإسلام، حيث يقول الله تعالى: (إِنَّهُ لا
يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف 87)، كذلك لا
بد أن يتصف راعي وكل من يقوم على خدمة المعاق بالرحمة والعطف والحنان والود على هذا
الإنسان الضعيف، لأن ذلك سوف يساعده على أن يقبل على رعايته ومساعدته بحب ودون أي ضجر
أو ملل، وخاصة أن الإسلام دين الرحمة بكل معانيها وأبعادها، فالله تعالى من أسمائه
الرحمن الرحيم، حيث قال تعالى: (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ) (الكهف 58)،
كما قال رسول الله: (لا تنزع الرحمة إلا من شقي)، وقال: (الراحمون يرحمهم الرحمن)
وقال: (إرحموا ترحموا).
- الحلم
الحلم صفة من صفات الإنسان الذي يتعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، وبها يستطيع
التغلب على كثير من الصعاب والعقبات التي تقف أمام خدمة ذوي الاحتياجات الخاصة، فالإنسان
حينما يتحلى بهذه الصفة فإنه سيسيطر قدر الإمكان على الحوادث التي تواجهه في رعاية
هذا المريض أو المعاق، وهي بلا شك صعبة ومعقدة في أحيان كثيرة، وإذا ما فقد
الإنسان الراعي ومقدم الخدمة صفة الحلم فإنه يفقد السيطرة على الأمور، وقد يسبب ذلك
أضرارا نفسية أو جسدية للمعاق (قد لا تحمد عقباها)، ونقصد بالحلم هنا القدرة على
ضبط النفس وتحمل الأذى والعفو عن المتسبب فيها من ذوي الإحتياجات الخاصة.
- الإحسان
الإحسان من مجموعة الفضائل والأخلاق التي يجب أن يتحلى بها من يقوم برعاية ذوي الاحتياجات
الخاصة، وهي كلمة جامعة لمعاني الخير كله، لذلك نجد أن الآيات والأحاديث
الكثيرة تأمر وتحث على التمسك بهذا الخلق الكريم، حيث قال الله تعالى:
(وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة 195)، كما قال تعالى:
(وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) (القصص 77)، وقال تعالى: (ادْفَعْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (المؤمنون 96) .
- الإيثار
الإيثار خلق إسلامي أمرنا به القرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم،
حيث قال الله تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ
خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر 9)،
فلا بد أن نؤثر ذوي الإحتياجات الخاصة على أنفسنا، فإعاقته تدفعنا لمساعدته وتقديمه
على أنفسنا وعلى إخوته الأصحاء حتى نرفع من حالته النفسية والجسدية إن أمكن، ولعل
ذلك سوف يساعده على الشفاء أو على الأقل التخفيف من عجزه حتى يندمج مع أسرته
ومحيطه (المجتمع)، أما إذا أهمل بسبب الإعاقة فإن ذلك قد يسبب له أمراضا نفسية وجسدية
تزيد من حالته تعقيدا.