بنية الحزب الشيوعي في الصين وتفاعلاته مع سلطة الدولة
الحزب الشيوعي الصيني هو الحزب الحاكم الوحيد منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949، كما أنه المصدر النهائي للسلطة السياسية في الصين، فيما أن الصراعات على السلطة داخل قيادة الحزب الشيوعي الصيني على مدى العقود الماضية هي الحالات الخطيرة الوحيدة للخلاف السياسي في البلاد، وبوجود أكثر من 85 مليون عضو، يعد الحزب الشيوعي الصيني حاليًا أكبر حزب سياسي حاكم في العالم، وحزب العمال الكوري الشمالي فقط هو الذي تولى السلطة لفترة أطول منه.
لقد أوضح الحزب الشيوعي الصيني على مدى عقود ماضية أنه غير مستعد للتخلي عن احتكاره للسلطة السياسية لتجربة ديمقراطية متعددة الأحزاب، كما ولا يبدو قادة الحزب مهتمين بالتوجه نحو نظام على النمط الغربي، يقوم على فصل السلطة بين الفروع التنفيذية والتشريعية والقضائية، إلا أن هذا لا يعني أن الحزب الشيوعي الصيني هو مؤسسة راكدة مقاومة تمامًا للتغيير السياسي، فعلى العكس من ذلك تمامًا، حيث شهد الحزب الشيوعي الصيني عددًا من التحولات العميقة من حيث توظيف النخب الحزبية والإصلاحات المؤسسية والتغييرات الأيديولوجية، علاوة على ذلك فإن قيادة الحزب الشيوعي الصيني اليوم ليست بأية حال مجموعة متجانسة يشترك جميع أعضائها في نفس الأيديولوجية والخلفية السياسية والتفضيلات السياسية.
يصف الحزب الشيوعي الصيني تاريخ قيادته من حيث الأجيال السياسية، أن (ماو تسي تونغ) هو قلب الجيل الأول من قادة جمهورية الصين الشعبية، وأن (دنغ شياو بينغ) نواة ثانية لخلية الحزب الأولى – إن صح التعبير – وأن (جيانغ زيمن) كنواة ثالثة وذلك على الرغم من أنه لم يتم تحديده صراحة، كما أن (هو جين تاو) هو رئيس الجيل الرابع من قادة الحزب الشيوعي الصيني، فيما أن الأمين العام والرئيس الحالي (شي جين بينغ)، يملأ هذا الدور للجيل الخامس، وعلى الرغم من التغيرات الهائلة في الأيديولوجية والسياسة على مدار هذه الأجيال، ظل الحزب الشيوعي الصيني يؤكد على الدوام أنه يلعب «الدور القيادي» في الدولة والمجتمع، وبالتالي لديه الحق في قيادة الحكومة ووسائل الإعلام، والنظام القانوني والجيش لصالح الحفاظ على النظام الاشتراكي في الصين.
هذا واحتل كبار قادة الحزب الشيوعي الصيني في الوقت نفسه أهم المناصب في الدولة أو الحكومة منذ إنشاء الجمهورية الشعبية، بما في ذلك رئيس جمهورية الصين الشعبية، رئيس الوزراء أو رئيس الوزراء لمجلس الدولة (الحكومة/مجلس الوزراء)، ورئيس المؤتمر الشعبي الوطني (السلطة التشريعية لجمهورية الصين الشعبية)، ورئيس اللجنة العسكرية المركزية، حيث أن كبار المسؤولين الحزبيين على مختلف مستويات الدولة (المحافظات والبلديات والمقاطعات والبلدات) يعملون في نفس الوقت كمسؤولين في منظمات الحكومة المحلية، فرئيس المنظمة الحزبية وسكرتير الحزب على أي مستوى من مستويات الإدارة هو الرئيس الحقيقي في المسائل السياسية العامة والسياسة المحلية.
كما وأنه على الرغم من أن الزعماء الصينيين رفيعي المستوى دعو بشكل متقطع إلى فصل أكبر بين الحزب والدولة، إلا أن الاتجاه الساحق في العقدين الماضيين كان توطيد وإحياء الحزب بدلًا عن تغيير النظام الحزبي الشيوعي، حيث كان شعار القيادة الصينية تحت قيادة زعيم الحزب السابق (هو جينتاو) تعزيز القدرة الحاكمة للحزب الحاكم، وهذا يعني أن مسؤولي الحزب، وخاصة النجوم الصاعدة الناشئة على مختلف مستويات القيادة، يجب أن يعملوا في مواقع مهمة داخل كل من الحزب والحكومة (الدولة).
أما فيما يتعلق بهيكل الدولة والحزب في الصين المعاصرة، فيتمتع الحزب بسلطة اتخاذ جميع القرارات المهمة المتعلقة بالموظفين والسياسة في المقاطعات، ولكن على الرغم من الدور الريادي الذي يضطلع به الحزب في صنع هذه القرارات، فإن العديد من المناقشات السياسية الهامة، وكذلك معظم الأنشطة المتعلقة بتنفيذ السياسات، تجري في أو من خلال المؤسسات الحكومية، وليس منظمات الحزب الشيوعي الصيني، لهذا ومن أجل فهم العلاقة المعقدة القائمة بين الحزب الشيوعي الصيني وحكومة جمهورية الصين الشعبية، فإنه من الضروري فهم البنية الأساسية المتداخلة لكل من الحزب والدولة.
هذا وتوجد منظمات الأحزاب في الصين على جميع المستويات الإدارية، وذلك من المركز في بكين وصولا إلى الوحدات الأساسية أو الشعبية التي تبلغ أكثر من 4 ملايين وحدة، والتي وفقًا لدستور الحزب الشيوعي الصيني، تتشكل في (الشركات، والمناطق الريفية، والأجهزة الحكومية، والمدارس ومعاهد البحوث، والمجتمعات المحلية، والمنظمات الاجتماعية، وشركات جيش التحرير الشعبي والوحدات الأساسية الأخرى)، حيث يمتد نطاق الحزب في جميع أنحاء البلاد، لكن السلطة تتركز بشكل كبير في المركز.
كما يتم انتخاب المكتب السياسي واللجنة الدائمة رسميا من قبل الكونغرس الوطني للحزب الشيوعي الصيني (أو حزب المؤتمر الوطني)، الذي ينعقد لمدة أسبوعين تقريبا في الخريف مرة كل خمس سنوات، وهو أهم مؤتمر سياسي في البلاد، حيث يجب على جميع المندوبين بالطبع أن يكونوا أعضاء في الحزب الشيوعي، وهناك تكهنات كثيرة حول ما إذا كانت ديمقراطية الحزب الداخلي هذه ستطبق أيضًا على اختيار المكتب السياسي، وهو التنظيم التالي في هيكل سلطة الحزب، وذلك كجزء من إستراتيجية الإصلاح السياسي الأوسع للحزب الشيوعي الصيني، والتي تهدف إلى جعل نظام الدولة أكثر انفتاحًا وتنافسًا وتمثيلًا، لكن دون إضعاف دورها القيادي.
هذا وتقوم اللجنة المركزية لفحص الانضباط (130 عضوًا)، بدور حاسم في مراقبة ومعاقبة إساءة استخدام السلطة والفساد وغير ذلك من الانتهاكات التي يرتكبها مسؤولو الحزب، كما وتقوم اللجنة في المقام الأول بمعالجة القضايا المتعلقة بمسؤولي الحزب، حيث إن أخطر عقوبة هي تطهير كبار المسؤولين وطردهم من الحزب، وذلك في الحالات التي يتم فيها تحديد أن جريمة قد تكون ارتكبت، حيث يتم تسليم المسألة إلى النظام القضائي للدولة، كما أن منظمات الأحزاب من المستوى الأدنى، بما في ذلك الهيئات الإقليمية والبلدية، لديها أيضًا لجان فحص الانضباط التي تقدم تقاريرها مباشرة إلى اللجنة على مستوى واحد فوقها، ولا يتم عادة اختيار رؤساء لجان فحص الانضباط المحلية من المواقع التي يخدمونها، ولكن يتم نقلهم من أماكن أخرى لتقليل إمكانية المحسوبية.
أما الأمانة العامة
(سبعة أعضاء) فهي هيئة قيادية مهمة تتعامل مع المسائل التجارية والإدارية
الروتينية للحزب، بحيث يجتمع أعضاء الأمانة يوميًا، وهم مسؤولون عن تنسيق الأحداث
واللقاءات الرئيسية في البلد، وصياغة الوثائق الهامة، وترتيب سفر كبار القادة
الأجانب والمحليين، وبمقارنة الأمانة العامة مع المنظمات الأخرى والأكثر قوة في
الحزب، فمثلًا المكتب السياسي لا يجتمع إلا مرة واحدة في الشهر، واللجنة الدائمة
تجتمع مرة في الأسبوع فقط.
رابط المقال في ساسة
بوست: