المواطنة العالمية الجديدة
المواطنة العالمية
هي شكل من المواطنة يعتبر أن البشر جميعا هم أعضاء في مجتمع عالمي واحد يتشاركون
فيه تحديات ومصائر مشتركة، وهذه المواطنة كغيرها تعطي مجموعة من الحقوق والواجبات
العالمية لكل أفرادها، وقد نشأ الاهتمام بالمواطنة العالمية بسبب التوافق والترابط
والاعتماد المتبادل الكبير بين شعوب العالم اليوم، إضافة إلى أزمة الشرعية
الديمقراطية للمؤسسات الدولية القائمة حاليا، والأزمة الأخلاقية التي تعانيها
الدولة القومية، حيث إنها أصبحت لا ترى لنفسها أي التزام أخلاقي إلا داخل حدودها
ومع رعاياها فقط.
البشر في العالم
اليوم لا يمكنهم السيطرة على مجريات حياتهم فقط من خلال الإطار القومي وحده، كما
أن منجزات المواطنة القومية على صعيد الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية أصبحت مهددة
بالتراجع في ظل العولمة وغياب إطار واضح وناظم للمواطنة متوافق مع الحقوق القومية
عبر العالم، وذلك كله بسبب تراجع قدرة الدولة القومية على السيطرة على التأثيرات
المستهدفة لمجتمعها القومي، والحاجة لمنظومة أخلاقية متجاوزة للدولة القومية
التقليدية للتعامل مع الأعباء المتجددة عالميا.
المنظومة
الأخلاقية المطلوبة يجب أن تنظر للحقوق المدنية والسياسية بعين المساواة بين كل
البشر، وليس بشكل قاصر على قومية أو مجتمع ما، كما أن أزمة الشرعية الديمقراطية للمؤسسات
الدولية القائمة حاليا، وغياب التأثير الحقيقي لسكان العالم في هذه المؤسسات،
والتي تصاغ فيها القرارات بعيدا عن تأثير البشر والمواطنين العاديين، أوجب ضرورة
تفعيل منظومة مواطنة جديدة تمكن سكان العالم كمواطنين من التأثير الديمقراطي في
هذه المنظمات.
لكن المواطنة
العالمية المطلوبة اليوم تفتقد للوضوح والتحديد في علاقة الحقوق والواجبات مع
الدولة القومية، إضافة إلى الرفض والتشكيك بالقدرة على فصل المواطنة عن إطارها
القومي التقليدي، وذلك لأن الطوعية والمبادرة الذاتية بعيدا عن الالتزام يجعل من
المواطنة العالمية صحوة أخلاقية واهية وضعيفة، إضافة إلى افتقاد المواطنة العالمية
إلى مجتمع سياسي حقيقي يمكن أن تمارس من خلاله المواطنة الفاعلة.
هذا وظهر ما
يسمى بالمواطنة العالمية الناعمة الأخلاقية (المواطنة المرنة)، وهي التي لا تدعو
بالضرورة إلى توسيع الحدود السياسية للدول، ولكنها تدعو لتوسيع الحدود الأخلاقية إلى
مستويات عالمية، وهي عبارة عن التزام أخلاقي فقط تجاه البشرية بمجموعها، ومجرد
واجب أخلاقي للبشر الآخرين عبر العالم، وذلك باعتبار أن الجميع متساوون وأقران،
وبالتالي يمنع الإساءة إليهم واستغلالهم، كما ويجب توفير الحماية لهم، حيث ينتمي
المواطنون أصلا إلى مجتمعاتهم السياسية القومية التقليدية، ولكن يكفي أن يتخيلوا
أنفسهم كمواطنين ومشرّعين منتمين لمجتمع عالمي واحد، وفي هذا المجتمع العالمي
الواحد تسود المساواة بين البشر وينظر إليهم كغايات أخلاقية بذاتهم أيا كانت
انتماءاتهم.
كما أن هناك أيضا
ما يسمى بالمواطنة القائمة على المؤسسات (المواطنة الصلبة)، وهي التي تدفع نحو
النضال لقضايا مشتركة عالميا مثل مخاطر التدمير النووي والأزمات البيئية المهددة
للنوع الإنساني وغيرها، وذلك بعد عجز الدول القومية في مواجهة هذه التحديات، إضافة
إلى ضرورة قيام مؤسسات وحركات اجتماعية مستقلة عن الدول تسعى لحماية الوجود البشري
عالميا، وهو ما يمثل دعوة لمبادرات شعبية وفردية للتعاون عالميا ضد المخاطر
المشتركة، كما أن هناك حاجة لفعل سياسي مبني على تواصل فعال بين المجتمعات
السياسية المختلفة (دول وجماعات)، يحمل قوة الرفض والتغيير لأي نظم وبنى وسياسات
مجحفة.
أخيرا دعاة المواطنة العالمية يقولون إنه كما تم الانتقال بالمواطنة من يد إطار المدينة الدولة الصغيرة إلى إطار قومي أوسع، فيمكن بالتالي الانتقال إلى إطار ما بعد قومي أشمل، حيث يرون أن الاتحاد الأوروبي مثال هام وواقعي لتشكيل جديد ما بعد قومي، ممكن أن تتشكل فيه المواطنة من جديد خارج الإطار القومي التقليدي، حيث أن الانتخابات على الصعيد الأوروبي تتم من خلال أن ينتخب المواطنون في الاتحاد ممثليهم على أساس المصلحة الأوروبية المشتركة، وبعيدا عن الولاءات القومية التقليدية، لكن يجب الانتباه هنا أن عددا من المفكرين الأوروبيين لا يدعون بالضرورة إلى إلغاء الدولة القومية، ولكن يحاولوا أن يوزعوا المركز السياسي بين مستويات ما تحت قومية وما فوق قومية إضافة لتلك القومية، وهم يدعون بالتالي إلى إحداث مستويات متعددة من المجال العام والمحلي والقومي وما فوق القومي.