قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

مفهوم قطاع اللذة وارتباطه بالمنفعة.. السكرتيرة والنجمة السينمائية والمضيفة

مفهوم قطاع اللذة وارتباطه بالمنفعة.. السكرتيرة والنجمة السينمائية والمضيفة

قطاع اللذة يمثل شكلًا جديدًا من أشكال الجماعات الوظيفية في العصر الحديث، وهو جزء من قطاع استغلال أوقات الفراغ للبشر عمومًا، ولفهم وضع هذه الجماعات لابد أن نشير إلى أن النموذج العلماني للمجتمع يدور حول مفهومين أساسيين هما المنفعة واللذة، ولكن المفهومين متداخلان منذ البداية، إذ إن ما يُدخل اللذة على أكبر عددٍ ممكنٍ من الناس يعد خيرًا ونافعًا، بل إن المنفعة واللذة يكادان يكونان مترادفين؛ لأن كليهما عُرف داخل إطار المرجعية المادية، ومع هذا يبدو أن جانب المنفعة العملية هو الذي ساد في الفترة التقشفية التراكمية الرأسمالية حتى نهاية القرن التاسع عشر، ثم بدأ جانب اللذة يسود بالتدريج في الفترة الاستهلاكية أو الفردوسية الحالية، وذلك إلى أن أصبح مفهومًا أساسيًّا وهدفًا أسمى للإنسان في المجتمعات العلمانية الحديثة.


وقد عُرفت اللذة بشكلٍ حسي إلى أن أصبح العنصر الجنسي تدريجيًّا أساسًا فيها، كما نشأت الصناعات المختلفة للذة التي تهدف إلى إشباع الرغبات وإلى إثارتها في آنٍ واحدٍ، بل نجد أن عنصر اللذة بدأ يصبح عنصرًا أساسيًّا في كثيرٍ من الوظائف العملية، إذ أصبح يُعرَّف مدى نفع الوظيفة المقدمة بمقدار إدخالها اللذة على المستهلك، كما ويلاحظ أن قطاع الإعلانات في المجتمعات الاستهلاكية من أهم القطاعات التي تلتقي فيها المنفعة باللذة، ولذا صار يستخدم الجنس للإعلان عن سلعٍ نفعيةٍ محضةٍ ليست لها علاقة باللذة مثل الصابون والأكل والسفر، بحيث تستخدم أجمل الفتيات بأكثر الطرق إثارةً للإعلان عن أكثر السلع نفعًا.


فبعد أن كانت البغيُّ في الماضي تقوم بإشباع اللذة بمعزل عن المنفعة، بدأت تظهر شخصيات أخرى تعد تنويعاتٍ حديثة على شخصية البغي (تختلف في قربها وبعدها عنها) تمزج المنفعة واللذة، ويمكن مثلًا النظر إلى السكرتيرة أو المرافقة الخاصة في المجتمعات الغربية المتقدمة كوريثة للبغي التقليدية بعد ترشيد دورها، فهي لم تعد تقدم الخدمات الجنسية وحسب (اللذة)؛ بل أصبحت تقدم خدماتٍ فنيةٍ أخرى مثل الكتابة والاختزال والاتصالات التليفونية (المنفعة)، فالجنس هنا ما هو إلا جزءٌ من كلٍّ، فالسكرتيرة المرافقة تقدم خدماتٍ شاملةً للمدير، فهي بديل الزوجة والعشيقة والبغي دون أن تكون زوجةً أو عشيقةً أو بغيًّا، فوظيفتها تحقق المنفعة واللذة في آنٍ واحدٍ، والإصرار على العنصر التعاقدي الواضح في هذه الحالة، يهدف إلى خلق مسافة بين السكرتيرة المرافقة ومخدومها، وذلك حتى يمكن ضمان سير العمل وأيضًا حتى يتم ترشيد عنصر اللذة، والسكرتيرة الخاصة المرافقة بدورها ترتدي أزياء خاصة (قصيرة وذات صدر مفتوح مثلًا) لتبرز جاذبيتها الجنسية، وذلك حتى يتلذذ مخدومها وزواره أثناء أدائها عملها، ولكن يجب ألا تكون ملابسها فاضحة أكثر من اللازم حتى لا يتوقف سير العمل، إذ إنها تمتع رئيسها وتنجز له المهمات في الوقت نفسه، وعلاقة السكرتيرة المرافقة الحسناء برئيسها تشبه من بعض النواحي علاقة المرتزقة بالنخبة الحاكمة، فهي تقوم على خدمته (نفعيًّا وحسيًّا) وتقترب منه (حرفيًّا ومجازيًّا) حتى يعتمد عليها، وقد تصل درجة الاعتماد إلى حد أنها قد تهيمن عليه، فهي تعرف كل أسراره، ومع هذا يوجد ما يسمى (السكرتيرة المرافقة التي لا تجيد الطباعة)، وهي التي تعين لجمالها وحسب، وتكون مصدرًا للذة والمتعة فقط.


هذا ومن أهم التنويعات الحديثة لذلك النمط (حيث يصبح النفع الأساسي للوظيفة هو اللذة التي تمنحها للمستهلك) نجمات السينما وخصوصًا ملكات الإغراء الجنسي، فالنجمة السينمائية هي العنصر الأساسي في استثمار ضخم هو صناعة الأفلام والتي تهدف إلى إشباع رغبة المتفرجين في اللذة، ولذا تضع النجمة السينمائية نفسها (قلبًا وقالبًا، روحًا وجسدًا) تحت تصرف مخرج الفيلم والمجتمع ووسائل الإعلام والجمهور الذي يحلم بنجمته، بحيث يتعين عليها أن تكبر صدرها وأردافها (عمليات التجميل)، وأن تظهر دائمًا في أحسن صورة وأكثرها خلاعة وترتدي أحدث الموضات، كما ولابد أن يكون الماكياج فاقعًا (مميزًا) وكذلك الأصباغ، وأن تعطي إشارات حسية واضحة (فالاحتشام يشوه صورتها الإعلامية التي يروج لها وكيل أعمالها)، كما يتعين عليها ألا تظهر على الطبيعة، وإلا أصبحت بشرًا عاديًّا مثلنا وانفض المعجبون عنها، ولذا نجد أن رؤية النجمة على الطبيعة تعد دائمًا مسألة نادرة تثير الدهشة وخيبة الأمل، وعادةً ما يقال إن النجمة فلانة عادية جدًّا في الحياة الواقعية! كما أن حياتها الخاصة لابد أن تكون جزءًا من الصورة الإعلامية وتُوظف في خدمة النجومية، وحينما ترتكب فضائح أخلاقية، فهذه مسألة طريفة ومسلية، وتظهر مجلات كاملة مهمتها تزويد الجمهور بآخر الأخبار المسلية عن فضائح النجوم وزيجاتهم وطلاقهم ومغامراتهم وصورهم العارية وغير العارية، وهذه عملية حوسلة تعاقدية كاملة.


كما وتعد المضيفة أيضًا استمرارًا للنمط نفسه، فمهمتها إسعاد الركاب لا مجرد خدمتهم، فلابد أن تكون جميلة وصغيرة، ولابد أن تكون أنثى (وكم ستكون خيبة أمل الركاب لو أن شاغل هذه الوظيفة ذكر له شوارب)، ولابد أن تبتسم المضيفة للجميع وأن تكون ظريفة معهم ومع أولادهم، وأن تقول في نهاية الرحلة ذات الهدف العملي النفعي (الانتقال من مكانٍ لآخر)، أرجو أن تكونوا قد استمتعتم برحلتكم، ومع هذا لابد أن تظل العلاقة تعاقدية باردة، لهذا فهي ترتدي زيًّا يفصلها عن الركاب، كما ينبغي ألا تقضي وقتًا طويلًا مع راكبٍ بعينه، أي لابد أن توزع وقتها بطريقة تعاقدية باردة، كما أن نصيب راكب الدرجة الأولى من وقت المضيفة يزيد عن نصيب راكب الدرجة الثانية، ولعل ما يلخص الموقف هو العبارة الإنجليزية:


Coffee, Tea, Not me


أي اطلب ما شئت، قهوةً أو شايًا، وليس المضيفة نفسها، وفي رواية أخرى:


Coffee, Tea, Or me


أي اطلب ما شئت، قهوةً أو شايًا، أو حتى المضيفة نفسها.


والمسألة على كلٍّ خاضعة للتفاوض، كما هو الحال في معظم العلاقات الوظيفية، فهي موجودة في بقعةٍ رماديةٍ، ولكن البنية الأساسية لهذه العلاقة تظل تعاقدية تمامًا، وتنضوي العاملات في المطاعم والملاهي تحت النمط نفسه؛ إذ تختلط المنفعة باللذة.


رابط المقال في ساسة بوست:

https://www.sasapost.com/opinion/the-concept-of-the-pleasure-sector-and-its-association-with-benefit-secretary-movie-star-and-host/

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart