مشروعية استهداف اليهود في الكيان الصهيوني
قمة الغباء اليوم تتجلى في اعتبار قضية التواجد اليهودي في فلسطين المحتلة منذ بداية القرن العشرين مجرد قضية أفراد هاجروا وولدوا هناك فقط، وذلك بمعزل عن المجتمع الذي يشكلون أفراده وأجزاءه، كما أن مشروعهم السياسي (القانوني) ليس إلا مشروع إقامة مجتمع استعماري لليهود في فلسطين، حيث لا يوجد مشروع صهيوني غير هذا المشروع في العالم اليوم، دون أن ننسى طبعا تطوره عبر السنوات الماضية إلى صيغة احتلال الاقتصاديات والسياسات والعقول عوضا عن الأرض فقط في ظل مشروع الشرق الأوسط الجديد.
فالمشكلة الأساسية في دولة إسرائيل المزعومة ومجتمعها الداخلي ليست العنصرية، بل إن عنصريتها مجرد انعكاس للمشكلة الأساسية (الرئيسية) وهي الاحتلال، لذلك فإن من يتسامح تحت أي غطاء مع مبدأ وجود دولة لليهود في فلسطين، فهو يتسامح عن حسن أو سوء نية مع المشروع الصهيوني، والمعركة مع الصهيونية كانت تدور منذ البداية حول عروبة أرض فلسطين، لا حول عدم قبول الصهيونية تقديم بعض التنازلات على الأرض أو طبيعة نظامها السياسي، فالمشكلة بالأساس هي وجود المجتمع الصهيوني على أرض فلسطين.
هذا ويشهد تاريخنا الطويل بأننا لم تكن لدينا
مشكلة يوما مع اليهود عندما عاشوا في فلسطين والعراق واليمن والمغرب كأفراد، لكن
الأفراد الذين يعيشون في فلسطين كجزء من المشروع الصهيوني اليوم ليسوا مجرد أفراد،
بل هم جزء من مشروع يستهدف العرب ككل، وذلك حتى لو تعاون وتحالف بعض الأفراد العرب
معه.
الحديث هنا هو عن اليهود الموجودين في فلسطين، وليس عن اليهود
الموجودين خارجها (الذين يحاسبون على مدى التزامهم بالصهيونية، فيما اليهودي في
فلسطين هو صهيوني موضوعيا)، وبالتحديد أكثر يدور الحديث هنا حول الحاجة العربية
إلى تفكيك المجتمع الصهيوني الإسرائيلي بالقوة، وليس هناك معنى آخر لمحاربة
الصهيونية غير هذا، أما الحديث عن إصلاح النظام السياسي الإسرائيلي من الداخل، وعن
كسب الرأي العام اليهودي وعن قبول إسرائيل إذا تخلت عن العنصرية، فيمثل محاولة
فاشلة للتعايش مع هذا المشروع الصهيوني، والفشل هنا ينبع من عدم إدراك هدف
الاستعمار الأوروبي من تأسيس هذه الدولة الصهيونية في فلسطين، أي هدف إقامة حاجز
بشري غريب يفصل الجناح الأسيوي عن الجناح الأفريقي للأمة العربية الإسلامية، ومن
عدم إدراك حاجة المشروع الصهيوني إلى إلغاء الهوية العربية الإسلامية لفلسطين
وللمنطقة العربية لكي يعيش ويستمر، حيث أنه وبحكم وجوده الجغرافي السياسي في
فلسطين، يشكل جزء من قاعدة استعمارية في قلب الوطن العربي.
اليهود
الموجودون في فلسطين اليوم أعداء للمجتمع الفلسطيني العربي، حتى لو ادعوا بأنهم
يساريون أو إنسانيو النزعة أو مؤيدون لحقوق الشعب الفلسطيني، فلو صدق هؤلاء لتخلوا
عن هذا المشروع العدواني الذي يشكلون جزءا منه، وذلك بمغادرة فلسطين، فإن فعلوا
ذلك لا تعود بيننا وبينهم مشكلة، إذا لم يؤيدوا الحركة الصهيونية من الخارج سياسيا
أو ماديا أو معنويا، وبعد التحرير يمكن أن نبحث مسألة وجود اليهود بيننا كأفراد،
ولكن ليس بصفة مجتمع يهودي له حق الوجود كمجتمع، وهذه قضية مبدأ لا يجوز أن تحكمها
الاعتبارات السياسية الآنية.
هذا ويمكن طرح مشروعية استهداف من يسمون
(المدنيين الإسرائيليين) لأسباب كثيرة أهمها، أنهم يحتلون أرضا ليست لهم بالقوة،
وأنهم مارسوا التطهير العرقي ضد سكانها الأصليين (الفلسطينيين العرب)، وأنهم منذ
1948م ما زالوا يرفضون السماح لهؤلاء (اللاجئين والنازحين) بالعودة إلى أرضهم
وبيوتهم، كما أنهم ما زالوا يصادرون الأراضي ويعملون على تهجير من بقي في أرضه من
الفلسطينيين، إضافة إلى ذلك كله ما زال هؤلاء المحتلين يقتلون ويضطهدون
الفلسطينيين يوميا، كما أنهم استغلوا ما يسمى (عملية السلام) من أجل تعزيز مكاسبهم
على الأرض ببناء وتوسيع المستعمرات القائمة والطرق الالتفافية، حيث أن المشروع
الصهيوني بأسره في فلسطين يقوم على شبكة من المستعمرات (المستوطنات) على أراض
عربية محتلة، وبهذا المعنى لا يوجد في الدولة الصهيونية مدنيون بالمعنى المتعارف
عليه.
أما من يقول
بأن استهداف المدنيين الإسرائيليين سوف يؤلب الرأي العام الغربي علينا، خاصة بعد
أحداث 11 أيلول/سبتمبر، فنقول قد اتضح أن الإعلام الغربي لا يتحدث أبدا عن الدم
الفلسطيني المهدور منذ عقود، ويتحدث فقط عن ما يسميه الإرهاب عندما يدافع الشعب
الفلسطيني عن حقوقه المشروعة ومنها حقه في المقاومة، وهذا يؤكد على الترابط العضوي
بين الصهيونية والغرب الاستعماري، وبأن من يعولون على الغرب لنيل الحقوق هم الذين
يجب أن يراجعوا حساباتهم، فالحقوق لا تؤخذ إلا بالمقاومة والنضال المستمر، وهما
القادران على تحقيق انسحاب الغزاة ودحر الإحتلال دون قيد أو شرط، تماما كما حدث في
غزة وجنوب لبنان.
ضمن هذا السياق يتوجب النظر إلى ظاهرة المقاومة المسلحة بأشكالها المختلفة (العمليات الاستشهادية) أو كل عمل موجه ضد من يسمون تضليلا (المدنيين الإسرائيليين)، لا كرد فعل طبيعي على ظروف الاضطهاد والاحتلال فقط بل كعمل اجتماعي ضروري لحماية وجود الجماعة العربية (المجتمع الفلسطيني العربي)، وذلك عن طريق تفكيك المجتمع الصهيوني الإسرائيلي اليهودي بالقوة وإجبار أفراده على المغادرة والهجرة، فهذا العمل المقاوم هو عمل اجتماعي بالوسائل المتاحة اجتماعيا وضمن ظروف أقل ما يمكن أن يقال فيها أنها بالغة الصعوبة، ومن هنا نجد التأييد العارم لها بين الشعوب العربية والإسلامية، وهذا التأييد ليس إلا انعكاس للوعي الجمعي العربي الإسلامي الحي بضرورة القضاء على إسرائيل ومشروعها الصهيوني الاستطاني الاستعماري.