قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

الله تعالى ملاذك لا خصمك

الله تعالى ملاذك لا خصمك

- الإيمان والثقة المطلقة برحمة الله تعالى في تشريعاته وآوامره -

الله تعالى هو الصادق في الأخبار، والعادل في الأحكام، كما أنه هو الذي أعطى كل ذي حق حقه، فالسيدة هاجر؛ إذ قالت لإبراهيم -عليه السلام- يوم أراد أن يتركها وولدها بواد غير ذي زرع: (الله الذي أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذن لا يضيعنا) (رواه البخاري)، ونقول بملء الفم كما قالت أميمة بنت رقيقة، وهي صحابية جاءت مع نسوة يبايعن رسول الله على أمور، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (فيما استطعتن وأطقتن، فقالت أميمة: (لله ورسوله أرحم بنا منا بأنفسنا) (صحيح الترمذي)، يعني إذا قضى الله أو رسوله أمرا؛ فإنا على يقين أن فيه من الرحمة ومراعاة مصالحنا أكثر مما نرحم أنفسنا، وذلك بإيمان وثقة مطلقة برحمة الله تعالى في تشريعاته وآوامره.


فيا من كرمك الله تعالى بإنسانيتك ثم بالإسلام، اعلم أنه إن ظلمك بشر؛ فالحل في شريعة رب البشر، فالله تعالى ملاذك لا خصمك؛ ولا يكون عندك أبدا عصب ملتهب تجاه ربك سبحانه، ولا نظرة توجس، بل حسن ظن مطلق، ويقين راسخ، كما ولا نقول لك سلّم واخضع لكل ما يقال لك أنه من الدين!! فنحن أمة شرفها الله تعالى بحفظ كتابها بالتواتر، وحفظ سنة نبيها بعلم الحديث، فالفيصل هو صحة الثبوت، وصحة الدلالة، فإذا ثبت نص وثبتت دلالته، وخالف ما تراه حقا وعدلا، فاتهم نفسك أولا، ولعل الخلل في نفسك ومدى علمك ومعرفتك، لكن أيضا ليس مطلوبا أن تتهم نفسك في كل مقام؛ فقد يكون ما يقال لك ليس من الإسلام بالفعل.


المعايير الحاكمة المطلقة، التي يحققها الإسلام هي الحق والعدل، لا الحرية والمساواة، وأن المساواة تكون أحيانا باطلا وظلما، فلا تصلح أن تكون مسطرة تقيس بها، وإذا نسب إلى الإسلام ما يظهر أنه يخالف الحق والعدل، ويبدو باطلا وظلما، لا ترفضه بدعوى أنه مناقض للحق والعدل، فقد يكون تقييمك أنت للحق والعدل غير صحيح!!، لكن أيضا لا تدخله إلى منظومتك المعرفية، ولا تمرره دون تحقق؛ فإنه قد يحدث لديك نفورا خفيا من الشريعة، لا تعرف سببه فيما بعد، وقد تجد من أشهر العلماء المعروفين من يقص على الناس قصص موجودة بالفعل في بعض المراجع والكتب عن بعض الأحداث والصحابة، وفيها ظلم وسكوت عنه، وبعدها ستقول: نعم، ربما حصل هذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فتأخذ القصة في نفسك وفي ذهنك خاتم الموافقة من النبي؛ وبالتالي يصبح هذا التعامل في القصة من الدين بالنسبة لك!! لا، بل يجب أن تقول لقائل هذا الكلام: هل صحّ ذلك فعلا؟ وهل مرّت الحادثة دون مساءلة من النبي والصحابة؟ وهل هذا الأثر المذكور أو القصة له إسناد صحيح، أو لا يصح في علم الحديث، فنفورك هنا منه ليس نفورا من الدين، بل هو نفور حق من خبر لا يصح، ولو ثبت فعلا، فلا يعني أن النبي أقرّه، ولا أنه أصبح من الإسلام، ولذا فعليك دائما استخدام التفكير الناقد، ليس مع أعداء الشريعة فقط، بل ومع المتكلمين باسمها، ومع أنصارها ممن قد يسيئون عن غير قصد.


وما ندعوك إليه هو أن تسلم لله تعالى وشريعته، وطبعا ليس لكل ما ينسب إلى الإسلام هكذا بلا تمحيص، وقد تقول هنا لكن هذا طريق صعب، فإزالة الصور النمطية، وطلب العلم، وفرز الشريعة عما نسب إليها بباطل، وتفكير ناقد، واتهام نفسي، فهذا طريق طويل وصعب، نعم، هو صعب إذا أركنت فيه على ذكائك وقدراتك فقط، وإذا لم يكن من الله تعالى عون لك، فإن أول ما يقضي عليك هو اجتهادك في الدين، لذا استحضر دائما عون الله تعالى في هذا الطريق مع ما سبق من متطلبات، حيث يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الأنفال: 29)، أي فرقانا تفرق به بين الحق والباطل.


لا تحرم نفسك لذة محبة كلام خالقك ورازقك الذي إليه معادك، لذة النور الذي يجعله في قلبك إذا أطعته وجاهدت نفسك وشهواتها، حيث يقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت: 69)، ولا تضعف أمام بعض المعاصي، واعترف بها لله تعالى لتدخل في رحمته سبحانه إذ قال: (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (التوبة: 102)، ولا تكابر ولا تبرر الذنب أبدا، وأرجوك لا تدافع عنه، فهذا كله من الظلم، واطلب من الله تعالى العون على الطاعة، حتى لا يحرمك من لذة محبة كلامه وشريعته، بشؤم معاصيك وذنوبك.


هذا وإذا بقيت تجد في نفسك نفرة من حكم شرعي، فابكي، وتباك، وتضرّع وقل: ربي أنا لك فلا تردني إليّ، وقل: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وتذكر قوله تعالى في الحديث القدسي، فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربِه عز وجل أنه قال: (يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أُطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليلِ والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إِنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب واحد منكم ما نقص من ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه) (رواه مسلم).


وأنت إن شاء الله على خير، وإياك أن تدخل في الوسواس العقدي؛ فيوسوس لك الشيطان أنك لا تحب الله، والله لا يحبك لأن في نفسك شيئا تجاه حكم من أحكامه، بل ما دمت تجاهد هذه النفرة، وتحاول إخضاع قلبك بصدق لشريعة ربك فأنت على خير، المهم أن لا تسترسل مع هذا النفور، وأن لا يصبح اعتقادا مستقرا، تبوح به وتدافع عنه، كما قالت الصحابة: (يا رسول الله إن أحدنا ليجد في نفسه ما لئن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به، فقال: ذاك صريح الإيمان ـ وفي رواية: ما يتعاظم أن يتكلم به، قال: الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة ـ أي حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهة العظيمة له ودفعه عن القلب هو من صريح الإيمان)، ولابد لعامة الخلق من هذه الوساوس، لكن من الناس من يجيبه فيصير كافرا أو منافقا، ومنهم من قد غمر قلبه بالشهوات والذنوب فلا يحس بها إلا إذا طلب الدين، فإما أن يصير مؤمنا، وإما أن يصير منافقا، ولهذا يعرض للناس من الوساوس لأن الشيطان يكثر تعرضه للعبد إذا أراد الإنابة إلى ربه والتقرب إليه والاتصال به، لكن ما دمت تعظم الله تعالى، وتعلم أن نفورك من حكم من أحكامه شيء سيئ، فهذا يدل على إيمانك أصلا.


وهكذا لتؤمن يا عزيزي إيمان الجاد، الإيمان الذي يفهم فيه العبد مقام العبودية لله رب العالمين، ففي زمان التعلق بالماديات، وتأله الإنسان، هزل لدى كثير من الناس؛ حتى من المنتسبين إلى الإسلام، هزل لديهم معنى العبودية، وهزل لديهم معنى الإيمان، ومن الهزل أيضا في أمر هذا الدين ومن انعدام الجدية فيه، أن تترك هذا الدين لأجل أمر فرعي لم تفهمه، أو خالف هواك، وطبعا المسألة ليست بعدد الأسئلة التي يجيبها الإسلام، بل ببراهين الإسلام وأدلته وبيناته، واتساقه في كافة تفاصيله وأحكامه، وعدم معارضته للعقل الصحيح والفطرة السليمة في هذا كله، فالإسلام لم يطالبنا بالتسليم لأمر يعارض العقل والفطرة، وذلك بخلاف بقية الأديان.


الخلاصة هي إن كنت جاد فليكن إيمانك جادا، وإذا وجدت في نفسك من أمر من أوامر الله شيئا، فتذكر مقام العبودية وعظمة المعبود، واطلب العلم، وصحح معايير الميزان، وأزيل عن الجاهلية زينتها، وعن الشريعة غبار التشويه، وادعو ربك والزم طاعة ربك وتقواه، ليجعل لك فرقانا، وأحسن ليرحمك بتحبيب الإيمان إلى قلبك، حيث يقول الله تعالى: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ) (الأعراف: 56).

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart