مفهوم أهل الحرب (الحربيون)
أهل الحرب أو
الحربيون هم غير المسلمين (الكفار) الذين لم يدخلوا في عقد الذمة ولا يتمتعون بأمان
المسلمين ولا عهدهم، فكل من ليس بذمي ولا معاهد ولا مستأمن، فهو من أهل الحرب سواء
كان مدنيا أو عسكريا، وعليه فليست كلمة حربي ترادف كلمة عسكري، بل المدنيون من أهل
الحرب هم أيضا أهل حرب، ولكن المدنيين من أهل الحرب فيهم أصناف لا يجوز قتلهم باتفاق
العلماء، وفيهم أصناف لا يجوز قتلهم على خلاف بين العلماء، وفيهم أصناف يجوز قتلهم
باتفاق العلماء، والجدير بالذكر هنا أن حكم الحاكم أو القاضي واختيار ولي الأمر
يرفع الخلاف.
أما أصناف من لا
يقتل من أهل الحرب، وما ورد فيهم من أحاديث وآثار:
أولا: النساء والصبيان:
الحديث المتفق عليه عن نافع عن عبد الله عن ابن عمر قال: (أن امرأة
وجدت في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقتولة، فنهى رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم عن قتل النساء والصبيان).
ما رواه أبو
داود وابن ماجه عن رياح بن ربيع قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في
غزوة، فرأى الناس مجتمعين على شيء، فبعث رجلا: (أنظر علام اجتمع هؤولاء؟)، فقال:
على امرأة قتيل، فقال: (ما كانت هذه لتقاتل)، قال: وعلى المقدمة خالد بن الوليد، فبعث
رجلا، فقال: (قل لخالد: لا تقتل امرأة ولا عسيفا).
ما أخرجه
النسائي وأحمد وغيرهما عن الأسود بن سريع قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وغزوت معه، فأصبت ظهر أفضل الناس يومئذ، حتى قتلوا الولدان (وقال مرة: الذرية)، فبلغ
ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (ما بال قوم جاوزهم القتل اليوم حتى
قتلوا الذرية؟!)، فقال رجل: يا رسول الله!! إنما هم أولاد المشركين!! فقال: ألا إن
خياركم أبناء المشركين، ثم قال: ألا لا تقتلوا ذرية، قال: كل نسمة تولد على
الفطرة، حتى يهب عنها لسانها، فأبواها يهودانها وينصرانها).
ثانيا: العسفاء
(الأجراء):
والعسيف هو
الأجير للخدمة وقيل هو العبد، وإنما ذكرت لفظ (العسيف) موافقة للفظ النبوي الشريف،
فلا يحل التعرض للأجراء المنهمكون في أعمالهم، ما لم تكن الإجارة على غرض من أغراض
الحرب، ودليل ذلك حديث رباح بن الربيع السابق وفيه: (قل لخالد بن الوليد: لا تقتل امرأة
ولا عسيفا).
ويدخل فيه
الأطباء والمهندسون والمستخدمون بالمعامل والمصانع وعمال النظافة بالشوارع
والأزقة، بالإضافة إلى الفلاحين، فقد قال عمر رضي الله عنه: (اتقوا الله في
الفلاحين، فلا تقتلوهم إلا أن ينصبوا لكم الحرب)، فكل هؤولاء لا يتعرض لهم بالقتل
ما لم يشاركوا في القتال بأي نوع من أنواع المشاركة.
ثالثا: الشيخ
الهرم:
عن أنس بن مالك
أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (انطلقوا بإسم الله وبالله وعلى ملة
رسول الله، ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا ولا صغيرا ولا امرأة، ولا تغلوا وضموا
غنائمكم، وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين).
وقياسا على
المرأة، فما كان للشيخ والمريض أن يقاتل كما لم يكن ذلك للمرأة، ويندرج تحت هذا
الصنف ذوو العاهات كالعميان ومقطوعي الأطراف والمعتوهين والمقعدين وغيرهم، فلا يحل
قتلهم إلا إن شاركوا في القتال برأي أو مشورة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما
فرغ من حنين، بعث أبا عامر على جيش أوطاس، فلقي دريد بن الصمة، وقد كان نيف على
المائة، وقد أحضروه ليدبر لهم الحرب، فقتله أبو عامر، ولم ينكر النبي صلى الله
عليه وسلم ذلك عليه، وعليه يحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ضعيف: (اقتلوا
شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم)، ولا حجة فيه للشافعية فيما ذهبوا إليه من جواز قتل
الشيوخ مطلقا.
رابعا: الرهبان
المنقطعون للعبادة وأصحاب الصوامع:
فمن حبس نفسه
للتنسك وانقطع عن الدنيا وتخلى للعبادة، فلا يجوز التعرض له بالقتل، إلا أن يشارك
بالرأي، والدليل على ذلك حديث ابن عباس وفيه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا بعث جيوشه قال: (اخرجوا بإسم الله، تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله، لا
تغدروا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع).
يؤيده ما رواه
مالك في الموطأ أن أبا بكر الصديق بعث جيوشا إلى الشام، فخرج يمشي مع يزيد بن أبي
سفيان، فقال له: (إنك ستجد قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله، فذرهم وما زعموا
أنهم حبسوا أنفسهم له).
وقياسا على
المرأة والشيخ، فما كان للراهب أن يقاتل، فمذهب جمهور أهل العلم تحريم التعرض
لهؤولاء، وتجنب قتلهم قدر الإمكان، وخالف في ذلك الشافعية والظاهرية، فرأوا أن
القتال واجب في حق كل مشرك إلا ما استثناه النص، فلم يستثنوا إلا النساء والصبيان،
وزاد الشافعي الرهبان للآثار الواردة في ذلك، وسبب الخلاف في المسألة، الاختلاف في
الباعث على القتل، هل هو الكفر أم هو القتال والمحاربة؟ فمذهب الظاهرية والشافعية
الكفر، والجمهور على أن الباعث هو المحاربة، ودليل الجمهور قول الله تعالى:
(وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ
إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة 190)، ووجه الدلالة أن الآية
لم تجز قتال إلا من قاتل واعتدى، ولا يتعرض لغيرهم.
خامسا: التجار:
في مسند أبي
يعلى يقول: (حدثنا زهير حدثنا عباد بن العوام أخبرنا حجاج عن أبي الزبير عن جابر
قال: كنا لا نقتل تجار المشركين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).
ولهذا وإن أوجبت
الشريعة قتل الكفار في حالات محددة، فإنها لم توجب قتل المقدور عليهم منهم، بل إذا
أسر الرجل منهم في القتال أو غير القتال، مثل أن تلقيه السفينة إلينا، أو يضل
الطريق أو يؤخذ بحيلة، فإنه يفعل فيه الإمام الأصلح من قتله، أو إستعباده، أو المن
عليه، أو مفاداته بمال أو نفس عند أكثر الفقهاء.
كل الأحاديث
والآثار السابقة في النهي عن قتل النساء والصبيان والعسفاء والشيوخ والرهبان
والتجار كان لا بد لها من علة جامعة، والعلة أن هؤولاء جميعا ليسوا من أهل
المقاتلة والممانعة، ويبينه قوله عليه الصلاة والسلام في المرأة: (ما كانت هذه
لتقاتل)، حيث بين أن السبب الموجب لقتلها هي القتال، فكل من لم يقاتل لم يكن
مستحقا للقتل، وهذا هو الراجح عند مذهب الجمهور، وذلك في أن الباعث على القتل هو
المحاربة والقتال وليس الكفر، وهو المتفق مع مقاصد الشريعة في القتال والجهاد.
أما حكم قتل تلك
الأصناف السابقة عند الفقهاء، فإنه لا خلاف بين أهل العلم من المذاهب الأربعة في
حرمة قتلهم إذا لم يقاتلوا، بل حكي الإجماع على ذلك، سواء كان الجهاد فرض عين أم
فرض كفاية، دفاعيا أم هجوميا،في أرضهم أم في أرضنا، كما وهناك قول ضعيف خارج
المذاهب الأربعة بجواز قتلهم وهو غريب.
لكن هل أن من
عدا تلك الأصناف التي ذكرناها من أهل دار الحرب، يجوز قتلهم ولو لم يكونوا عسكريين
أم هل يلحق بهم في عدم القتل؟
المخرج الشرعي
حتى لا يقتل من عدا الأصناف السابقة من المدنيين هو أن يصدر قائد الجيش أمرا بالكف
عمن يرى في الكف عن قتله مصلحة، بحيث لولي الأمر أن يمنح الحماية من القتل لفئات
من بلاد الأعداء، يجوز في الأصل أن يوجه عليهم السلاح كغيرهم من أهل الحرب، ومثل
هذا التصرف إنما هو من باب الأمان الذي تمنحه السلطة الإسلامية المخولة بذلك
لأفراد أو لجماعات من البلاد المعادية، هذا وينبغي أن يحاط هذا الأمر بشروط واحتياطات
تحول دون استغلاله من قبل الأعداء في الإضرار بالمسلمين.
وبناء على ذلك
فإن الجيش الإسلامي أثناء اشتباك القتال مع جيش الأعداء أو حين اجتياحه لبلادهم، يحرم
عليه أن يتعرض بالقتل المقصود لأولئك الأشخاص من الأعداء الذين صدر الأمر بعدم
قتلهم، سواء أكانوا من المراسلين والمصورين الذين يتواجدون في ساحات المعارك في
الحروب الحديثة، أم كانوا من السياسيين أو من أهل العلم، أو من العمال الصناعيين،
أو ممن يشتغلون بالمستشفيات من مرضى وأطباء، أو من الأفراد العاديين أو غير ذلك
على حسب الأوامر الصادرة في هذا الخصوص.
وهكذا لا يجوز
أثناء القتال التعرض للأصناف السابقة ما لم يباشروا القتال أو يشاركوا بتحريض أو
رأي أو مشورة، وإذا ثبتت هذه العلة، فيمكننا بناء على تطور الحروب وتطور وسائلها
وأساليبها، أن نلحق بما سبق ذكره بعض الأصناف التي لم تتحقق فيها علة المقاتلة، ولم
يحل قتالها وهم:
1- المشتغلون
بالخدمات الإنسانية:
إن موظفي
الجمعيات الخيرية والوفود الطبية التي تشتغل بإسعاف الجرحى ونقلهم وعلاجهم كالهلال
والصليب الأحمر وأطباء بلا حدود ومنظمات الدفاع المدني وغيرهم، وكذا موظفي
المنظمات الإغاثية التي تعنى بإغاثة المناطق المنكوبة ومناطق الحرب مثل الأونروا
وهيئة الإغاثة العالمية وغيرهما، فكل هؤولاء لا يجوز التعرض لهم بالقتل ما لم
يشاركوا العدو أو يقدموا له أي وسيلة من وسائل الدعم.
2- رجال الصحافة
والإعلام:
إن كل الصحفيين
على اختلاف مهامهم، مراسلين أو مصورين أو تقنيين، كانوا أفرادا أو مؤسسات، لا يحل
التعرض لهم بالقتل، لأنهم لا غرض لهم بمقاتلة المسلمين ولا بمحاربتهم، فيجب تركهم
لأداء دورهم الريادي والحساس في نقل الحقائق والأحداث بصدق واستقطاب تعاطف الرأي
العام، علما أن التعرض لهم قد يسلبهم حياديتهم، مما يؤثر سلبا على سمعة أي قضية،
ولو كانت عادلة ومحقة وصادقة، فأشبهوا بذلك العسفاء والأجراء لاشتغالهم بصنعتهم
وعدم مشاركتهم في الحرب.
كما ومع عدم
جواز التعرض لهؤولاء لكونهم ليسوا من المحاربين والمقاتلين، فإنه لا يجوز أيضا،
لأن العرف الدولي ملزم لكل الطوائف المجاهدة، كيف وقد التزم به قائد المجاهدين
وإمامهم، رسول الأمة صلى الله عليه وسلم حين بعث إليه مسيلمة مع رجلين من أصحابه، فقال
لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشهدان أن مسيلمة رسول الله؟ قالا: نعم، فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما)، أي لولا جريان
عرف الدول بعدم قتل الرسل لفعلت، وقد جرى العرف في زماننا بعدم التعرض لصحفيين،
فلم يجز قتلهم.
هناك فتوى لبعض
من ينتسب للعلم يجيز فيها قتل النساء والصبيان في حالة ما إذا قتل الكفار نساء
المسلمين وصبيانهم، مستدلا بقوله تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ
بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِۦ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّٰبِرِينَ)
(النحل 126)، وقوله تعالى: (جَزَٰٓؤُاْ سَيِّئَةٍۢ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ
عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِ ۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ)
(الشورى 40) ونحو ذلك من الآيات، وهذا الاستدلال مع كونه مخالفا للإجماع غريب عجيب،
فإنه على هذا الاستدلال يجوز للشخص أن يقتل امرأة المسلم الذي قتل امرأته، وصبي
المسلم الذي قتل صبيه وهكذا، وليت هؤولاء يرجعون إلى كتب الفقهاء في هذه المسالة
وإلى الضوابط الشرعية التي ذكروها فيما يتعلق بالعقوبة بالمثل، والتي استنبطوها من
الأدلة الشرعية، وأخذوا فيها بالأدلة الشرعية جميعا ولم يجتزئوا منها ما يشتهون، وهذه
الفتاوى المستعجلة الغريبة الشاذة هي التي تدفع ببعض الشباب المتهور للقيام بأعمال
لا يرضاها الله ولا رسوله ولا العقل ولا العرف باسم الجهاد في سبيل الله، وهذه
المصيبة الكبرى.
وأخيرا نقول أن حكم الله تعالى في الأسرى الكافرين، حتى الذين كانوا يحاربون الله ورسوله
بالسيف، ويريدون قتل رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، فالحكم كان هو قول الله تعالى:
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَىٰ إِنْ
يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ
مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (الأنفال 70)، وقول الله
تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ
حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة 50)، أما قتل المنافقين يوم غزوة الخندق
ليست قتل للأسرى، لأنهم لم يكونوا أسرى في المعركة، ولكنها إعدام للذين خانوا
العهد وقت الحرب وتعاونوا مع العدو، وهذه الحالة في كل القوانين تعتبر خيانة عظمى
وحكمها الإعدام في قوانين جميع الدول.