أساسات مفاهيم الصراع والمقاومة والدين في طوفان الأقصى
تعكس الأحداث الجارية في غزة بعد
طوفان الأقصى، صراعات معقدة ومتنوعة تتعلق بالمقاومة والاحتلال من جهة، والتباينات
السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية من جهة أخرى في العالم اليوم، حيث يبدو أن
هناك تفاوتا كبيرا في الاستجابة لتلك الصراعات والمقاومة بين الثقافات والمجتمعات
المختلفة، ولهذا يجب على الجميع أن يكونوا على استعداد للنظر في الأمور من منظور
جديد ومتعدد الأبعاد لفهم حقيقة هذا الصراع والمقاومة بشكل أفضل وبناء على حقائق
الأمور، إضافة إلى فهم كيفية تأثير هذه الأحداث المتكررة على التفاعلات السياسية
والاجتماعية والثقافية والدينية على أبناء هذه المنطقة والعالم المحيط بها.
تاريخ الصراعات والمقاومة التي وقعت
في مناطق مختلفة من عالمنا العربي والإسلامي، وأهمها الصراع في فلسطين ضد اليهود
واليهودية والصهيونية، والمقاومة ضد الاحتلال البريطاني والفرنسي والإيطالي في
مناطق مثل مصر والجزائر وليبيا، أساسها بعد تحليل الأفكار الاجتماعية والدينية
التي ترتبط بالصراع والمقاومة، يعود إلى تأثير أفكار الداروينية الاجتماعية
والاعتقادات الثقافية (الدينية) على نظرة الغرب للآخرين والصراعات معهم، كما أن
القيم والمبادئ الدينية والاجتماعية في منطقتنا كان لها تأثير بالغ الأهمية في
استجابة الأفراد والمجتمعات للصراع والمقاومة مع الآخر، وأهمها الصبر والثبات
والتضامن والشجاعة كقيم توجه تفاعل الأفراد والمجتمعات مع تلك الأحداث، وتمكن
الأفراد والجماعات من مواجهة كل التحديات بكل ثقة.
كان ومازال الغرب تاريخيا يرى أن
مقاومة المحتل، المقاومة الشعبية والمسلحة من قبل المسلمين والعرب والآفارقة
والآسيويين واللاتينيين، إرهاب وعمليات إجرامية، وعمليات تخريبية وبربرية، وذلك من
مبدأ أنه ليس من حق هؤلاء أن يقاوموا المحتل إذا كان (السيد الأبيض) هو الذي
يحتلك، لأنه لا يقوم بذلك إلا ليجعلك أكثر رقيا وتحضرا، وما حربه وقتله واحتلاله
وتعذيبه وتشريده لهذه الشعوب إلا لمصلحتها، كما ومن حقك فقط أن تقاوم المحتل إذا
كنت أبيض البشرة، أشقر الشعر، ملون العينين، وهذا هو جوهر الأفكار الداروينية
الاجتماعية، والتي تعتبر هؤلاء أعلى في سلم التطور، وأن البقية أشباه حيوانات يجب
أن تخضع للعرق الأكثر تطورا.
الدفاع عن الأرض والنفس والحق يصبح
تطرفا في فلسطين، ولكنه ليس كذلك في أوكرانيا، حيث يتباكى الغرب عليها، ليلا
ونهارا، بل ويمجدون دفاع الجميع عن شعبها وأرضها وتاريخها، وهكذا يجب أن نعرف أن
الغرب على حقيقته، دون أقنعة، شرقهم وغربهم، كلهم في معسكر واحد، ولننزع عنا عبثية
خرق الإنسانية والحقوق والحريات والمساوة والنسوية وما شابهها من الخرق البالية،
التي يتشدقون بها علينا في كل حين، والتي ما هي في الحقيقة إلا ازدواجية
وبراغماتية أمام الواقع الذي يفرض على الغرب تجاوزه للحفاظ على مصالحه، وهو ليس
بمقدوره فرض هيمنته على العالم من خلالها فقط، حيث أن مصالح الدول والشعوب لا بد
من أن تتعارض، والعالم الحقيقي اليوم قائم على الصراع والحروب مع الآخر أيا كان.
ولهذا فإن ما يجري اليوم مؤلم جدا في
الحال، ولكنه مبشر جدا في المآل، والحكمة في العذاب تغيب وتخفى عنا أحيانا كثيرا،
وذلك لأننا لا ندرك كل شيء، ولا نعرف كل شيء من قصة هذه الحياة الدنيا، وخيار
الحرب هو خيار صعب علينا، لكنه خيار أصعب على الكيان، ويجب أن نعلم أن هؤلاء ومن
يدعمهم، لا يروننا أصلا ولا يهتمون بنا، ونحن في نظرهم لسنا بشرا كاملين مثلهم،
فما بالك بحياتنا وحياة أولادنا وحقوقنا ومشاعرنا وأحاسيسنا وغيره، فهي لا تعني
شيء لهؤلاء على الإطلاق ولا قيمة لها بتاتا.
أهل غزة صابرين محتسبين ثابتين على
الرغم من شدة الكربات والأهوال التي تزيل الجبال، وهذا من الابتلاء للمؤمنين
واشتداد الكربات عليهم، وهو الوعد الذي استحضره المؤمنون يوم الأحزاب، وأن الله
تعالى مع المؤمنين بتثبيت القلوب والربط عليها، كما أن هؤلاء القوم المحتلين أشد
الناس عداوة لنا، وها نحن نرى حقدهم وغلهم وعداوتهم الشديدة التي لا تتساوى مع
معطيات الحرب العادية، وها هم يثبتون للعالم كله جبنهم، فلا يواجهون من نكّل بهم،
بل يصبون نيرانهم وقذائفهم وصواريخهم على المدنيين من طائراتهم.
كما ويجب أن ندرك أننا نعيش بوادر
مرحلة استثنائية في التدافع بين الحق والباطل، وأن ما يحدث الآن على قسوته
وبشاعته، هو الطريق الوحيد لهذه الأمة، وذلك لتتميز إلى فسطاطين واضحين، فسطاط
إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، وهذا هو طريق العزة والكرامة،
الواضح والواحد الذي لا لبس فيه، وأن هذه المرحلة قد تكون مليئة بالآلام والمصاعب
الشديدة، ولكن إياك أن تشك أو يدخلك الريب في أن الله بعزته يدبر لدينه ولأوليائه،
وأن ما تراه من آلام فهو مقدمة الآمال، وأن النصر مع الصبر، وأن مع العسر يسرا، ومن
أحسن الظن بالله ازداد إدراكا لبعض حكمه سبحانه وتعالى.
هذا ويجب أيضا عدم النظر بالمقياس
الزمني المحدود على كل ما يجري، فالله تعالى يعلمنا أن الميزان ميزانه، وزمن النصر
هو بمدى قربنا من طاعة آوامره واجتناب نواهيه سبحانه وتعالى، وكل ما يجري يزيد
المؤمن بصيرة وإيمانا، مع كونه يزيد المرتاب ريبة، وقد يفتن بسببه ضعيف الإيمان،
ومن تغذى على حقائق القرآن، وفهم السنن الإلهية، وفقه أحوال الأنبياء؛ فإنه سوف
يسير بطمأنينة إيمانية عالية وهو ينظر إلى الأحداث، ويرى تدبير الله تعالى للكون،
ولا تزيده الوقائع إلا إيمانا بعظمة الله وعزته وحكمته.
هذه الأحداث اليوم حصل فيها قدر من
التمييز بين الطيبين الذين بذلوا وصدقوا وثبتوا ووقفوا مع إخوانهم بكل ما
يستطيعون، وبين الخبيثين والمنافقين الذين سارعوا إلى أعداء الإسلام أو وقفوا معهم
ولو بالكلمة وخذلوا أهل غزة وهم قادرون، وها نحن نرى دعمهم لبعضهم وتداعيهم
وتناصرهم، فهم جميعا متفقون على عداوتنا، وإن اختلفوا في الدين، وهذا حال وجود
التدافع بين الحق والباطل، حيث يظهر دائما هؤلاء في أوقات الأزمات، يلوموا
المسلمين والعرب (الضحية)، ويرجفوا ويخذلوا ويتآمروا، كما ويزداد حقدهم وبطشهم
وحربهم علينا مع مرور الأيام.
الألم كبير والجرح صعب وينزف، والخاسر
كل الخسران هو من يضيع وقته ونفسه اليوم، ومن كان كذلك فليتدارك الزمن بتوبة نصوح؛
لعل الله تعالى أن يكتبه من حملة هذا الدين الذين سيعلي بهم كلمته، وينصر بهم
دينه، كما أن هناك ثغور كثيرة لهذه الأمة يستطيع كل واحد منا التقديم فيها، ولنترك
ما نحن فيه من الركون إلى الدنيا والتناحر عليها، ولنحول الحسرة والألم بداخلنا
إلى أشكال مختلفة ومتنوعة من الدعم والنصرة للمستضعفين، وذلك كقيام الليل للدعاء،
المقاطعة، التثقيف، التعليم، الإعلام، نشر القصة الحقيقية وعدم الصمت عن الحق،
ولنعلم أن النهاية لن تكون اليوم ولا غدا ولا بعده، والطريق طويل ومازال مستمرا،
لكن الأمة والنفوس بحاجة لكثير من البناء والتزكية والتقدم، لتكون الأمة بمجملها
بتلك القوة والثبات حال الحرب والشدة ونيران الأعداء التي نراها هناك، ولتدعم
بمجملها ذاك التغيير وتلك العزة وذاك السعي والرفض للذلة والهوان، وهذه هي الحكمة والحنكة والصبر والفهم الصحيح العملي
للدنيا وما بعدها.
اعمل واستمر ولا تدع مكانك، كما وقد
لن تظهر نتيجة عملك إلا بعد أجيال، وحقيقة هذا الدين تقول أن قتلانا في الجنة
وقتلاهم في النار، ونسأل الله تعالى أن يتقبلهم شهداء، وبوادر النصر بدأت أصلا من
خلال ظهور العلمانية والإنسانية والنسوية الغربية بوجهها الحقيقي، وكشف زيف شعارات
الغرب أمام كل مسلم وعربي وإنسان حر في هذا العالم، وكيف تآلفت قلوب جميع المسلمين
في شرق الأرض وغربها على قضية واحدة، وكيف قوي إيمان هذه الأمة بعمل الجميع لخدمته
ونصرته وعزته.
كما وأن أحداث غزة الأخيرة أظهرت
طبيعة المعركة الدينية وخطورة الغرب المنافق على هذه الأمة، حيث أن الجميع في هذا
العالم يعترف بأنه من حق الشعوب تقرير مصيرها والنضال بكافة الوسائل المتاحة، وذلك
باعتباره من متطلبات التمتع الكامل بجميع حقوق الإنسان، وهذا ما تعترف به الأمم
المتحدة في عديد قراراتها التي تؤكد على شرعية كفاح الشعب الفلسطيني من أجل
الاستقلال، والسيادة على أراضيه ووحدتها الوطنية، والتحرر من الهيمنة الاستعمارية
الإسرائيلية، والفصل العنصري، والاحتلال الصهيوني بجميع الوسائل المتاحة، بما في
ذلك الكفاح المسلح؛ ولكن كل ذلك يتوقف تنفيذه عندما يتعلق الأمر بقضايانا (مسلمين
وعرب)، كما ولا أحد يتحدث عن ذلك في وسائل الإعلام الغربية أو حتى تلمح أو تقوله الحكومات
الغربية!!!