حرب غزة امتداد طبيعي لعقلية الإجرام الغربي تاريخيا
لقد مرت شهور عديدة منذ السابع من
أكتوبر 2023م، وقد قارب عدد شهداؤنا الأربعين ألفا، وجرحانا المئة ألفا،
والمفقودين بالآلاف، والمعتقلين والأسرى تجاوز العشرة آلاف حتى الآن، كما وأصبح
الاشتباك عام في فلسطين التاريخية كلها ولو بدرجات متفاوتة، أي من البحر إلى
النهر، وتداعيات الحرب على غزة ضغطت على نظام الفصل العنصري في تل أبيب، وكشفت
للجمهور العالمي أنه سيبقى دائما هدف المشروع اليهودي الصهيوني العالمي هو إقامة
دولة إسرائيل الكبرى في المنطقة العربية والإسلامية، وسوف يكون ذلك بهدم المسجد
الأقصى مستقبلا وبناء الهيكل المزعوم، وذلك تمهيدا لخروج المسيح وتحقيق نبوءة
التوراة المحرفة.
حرب غزة والحروب القائمة اليوم أسقطت
كل الأقنعة والأوهام عن العالم، وأثبتت أن الكل يجنح نحو مزيد من العنصرية والتطرف
والعنف والحروب، كما أن الجميع يتغذى على بعضه البعض، والنتيجة ما هي إلا مزيد من
الكراهية والدمار والقتل والحصار والتجويع والتهجير والإذلال والانتقام من الشعوب،
كما أن هذه الحروب اليوم هي حروب الغرب ضد الشرق، حروب البيض ضد الملونين، حروب
الليبرالية الإلحادية ضد كل ما هو محافظ ومؤمن.
ولهذا فإنه ينظر اليوم إلى دولة
الكيان في المنطقة على أنها امتداد طبيعي للغرب الأوروبي والأمريكي، وذلك في عقلية
الإجرام والعنف والقتل والتطهير العرقي والإبادات الجماعية للشعوب، وكله تحت شعار
واحة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، حيث أن فكر الإبادة والتطهير العرقي
والعنصرية هو فكر غربي أوروبي أمريكي بامتياز، ولهذا فإن إنحطاط إسرائيل وتوحشها
وشدة سفالة ممارساتها الإجرامية في غزة، ما هو في الحقيقة إلا محاولة لمحاكاة
لذلك، وهنا يجب دائما أن نذكر هذا الغرب بماضيه الملطخ بالجرائم والإبادات
والعبودية التي تعرضت لها شعوب وقارات كاملة على أيديهم، وذلك عندما يحاول تقديم
نفسه لنا كمعلم للأخلاق أو الدفاع عنها، وخاصةً عندما يتبنى هؤلاء الآن دور أفضل
ما يمكن وصفه بأنه العاهرة السياسية والقانونية لإسرائيل.
كما أن القاعدة الأصيلة التي يعتمد
عليها الكيان في استمرارية وجوده، هي أن اليهود في أمريكا يتحكمون بشكل كبير
بوسائل الإعلام الأمريكية، كما وأنهم يتحكمون بأعضاء الكونغرس، بحيث لا يسمحون
للكونغرس باتخاذ أي قرار ضد إسرائيل، ولهذا فإن إسرائيل قد تكون الأن معزولة فقط
خطابيا وإعلاميا (للجمهور)، أما على أرض الواقع فالغرب وأمريكا وكل الحلفاء
الآخرين مازالوا بكامل وبكل صور الدعم العسكري والمالي والدبلوماسي والسياسي لها،
ولهذا فإن الحرب والقتل والإبادة والتشريد والجوع مستمر وبلا توقف في غزة، كما وأن
الهولوكوست الذي وقع على اليهود في الحرب العالمية الثانية، طور لدى الشخصية
الإسرائيلية حالة تقول أنه بإمكانه أن يفعل ما يشاء باعتبار أنه الضحية دائما حتى
عندما يكون هو القاتل.
المخطط أكبر بكثير من تغيير الجغرافيا
في فلسطين وتشريد أهلها، وهو تشريد كل العرب واقتلاعهم من أرضهم، وابعادهم عن
دينهم ومن التاريخ قاطبة، والذي يحدث اليوم أمام أعيننا في غزة، يثبت وبشكل قاطع
أن لدينا زعامات وقيادات ضعيفة، تجامل الغرب على حساب الذي يحدث، وزعماء الغرب
حقيقة يستخفون بأولئك الذين لا قيمة لهم بين شعوبهم، حيث يجب أن يكون لدى هؤلاء
مواقف أعمق وأقوى وأقدر من ذلك.
كما أن الحال السياسي في منطقتنا
العربية والإسلامية يثبت أنه مع كل تنازلاتنا للأعداء والخصوم، وخذلاننا من
الأصدقاء والحلفاء لن تقوم دولة فلسطينية مستقلة، حيث يكذب قادة العالم الغربي
عندما يلتقون بزعماء العالم العربي والإسلامي، ويقولون لهم أنهم صنّاع لسلام
الشجعان مع دولة الكيان، ولكنهم في الحقيقة يتعاملون معهم على أساس أنهم صنّاع
لاستسلام الجبناء مع المحتلين الصهاينة، والحل الوحيد في هذا الوقت هو المقاومة
والصمود والصبر والتحمل وتراكم الإنجازات، وذلك للوصول إلى وقف العدوان على غزة
وانتصار حماس والمقاومة ولو بالصمود، وهو ما يشكل مصلحة فلسطينية وعربية وإسلامية.
دولة الكيان الصهيوني بعد طوفان
الأقصى، ومهما كانت النتائج، ستكون على بداية انقسام داخلي لم يسبق له مثيل، حيث
أن النسيج الاجتماعي فيها سينهار عاجلا أو آجلا بمجرد وضع السلاح، لأن العدو أصبح
منهم وفيهم وبينهم، وليس عدو مشترك خارجي عنهم، فالمهانة التي لحقت بدولة الكيان
غير مسبوقة تاريخيا، وأثبتت أن أسطورة إسرائيل ليست هي الواحة الأقوى والآمنة،
والديمقراطية الوحيدة وسط الخراب العربي والإسلامي، ولهذا يجب أن يتخلى هذا الكيان
عن غروره ويقتنع بأن العنف سيزيد عزيمة الفلسطيني لإزالة الاحتلال وليس العكس، كما
أن هذا الكيان الغاصب يكذب كما يتنفس، حيث أنه لا يعلن أبدا عن القتلى من الجنود
العرب أو البدو أو الدروز أو الأفارقة أو مزدوجي الجنسية أو المرتزقة الغربيين
العاملين في جيشه الجبان، وهذا يمثل قمة العنصرية البغيضة التي تمثل جوهر فكرة
تأسيس دولة الكيان، والتي ستقضي عليه في النهاية.
هذا ورغم كل هذا القتل والإجرام فإن ميزان الديموغرافيا في فلسطين التاريخية في هذه الحرب لم يمل لصالح العدو بل العكس، كما وما زالت قيادته تمني جمهورها في الداخل وحلفائها في الخارج بأنها على وشك إنهاء الحرب باجتياح كل غزة، ولكن كيف وإن لم تنتهي الحرب بذلك الاجتياح، بل كيف بالعدو وبحلفائه إن نشبت حرب جديدة أشد عشرات المرات من حرب غزة على الجبهات الأخرى، هذا وإن كان احتمال تدخل الولايات المتحدة الأمريكية المباشر في الحرب مانعا من توسعها في الأيام الأولى، فإن احتمال تدخلها الآن بعد عدة أشهر إذا توسعت الحرب أقل منه في تلك الأيام الأولى، وقد اقتربت الانتخابات الأمريكية وزاد الضغط الشعبي والقانوني على الحكومات المتحالفة مع إسرائيل، إضافة إلى ظهور أن حرب أوكرانيا ستطول وتثقل كاهل هؤلاء الحلفاء في المال وفي الذخيرة، أي أن العدو قد استنزف عسكريا واقتصاديا وسياسيا ودوليا ونفسيا، وتعب منه حلفاؤه ومواطنوه وجنوده، فإن كانت المفاجأة من جبهتين قد فاتت فإن الاستنزاف من جبهة تلي أخرى لم يفت، وإن كان العدو استنزف في هذه الشهور، وذلك في مدينة محاصرة وعمقها الاستراتيجي من جهة مصر مسدود، فكيف تراه سيستنزف من جبهات حليفة مددها مفتوح من السلاح والجنود.