قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

الاستراتيجية الإيرانية والمقاومة الفلسطينية: من الاحتفاظ بحق الرد إلى الفعل المبادر

الاستراتيجية الإيرانية والمقاومة الفلسطينية: من الاحتفاظ بحق الرد إلى الفعل المبادر

ما نعيشه اليوم هي معارك من حرب يبدو أنها ستطول وتمتد وتتعمق، حرب من الصعب أن لا تصل شرارتها إلى كل شبر من الشرق الأوسط، وهذا العدوان الدموي في غزة والذي يجسد مفهوم الابادة الجماعية، يفتح بدوره إلى تطور الأوضاع في المنطقة أمام مخاطر أكبر، وبات من الصعوبة بالتالي ضبط الأمور في إطار الخطوط الحمر المعهودة، وأصبحت الأوضاع في المنطقة أكثر تعقيدا، كما ويبدو أن إسرائيل تسعى من خلال تصعيدها المستمر إلى توسيع دائرة الحرب لتشمل عدة جبهات، من غزة إلى لبنان وإيران، وربما إلى دول أخرى مثل العراق وسوريا واليمن، وتهدف إسرائيل من خلال هذه السياسة إلى إنهاك المقاومة وضرب معنوياتها، وتحويل الصراع من حروب استنزاف إلى مواجهة عسكرية شاملة، والعمل على تغيير موازين القوى في المنطقة، والذي بدوره سيؤدي إلى تغيير دائم في المشهد الجيوسياسي للشرق الأوسط، وللأسف لا أفق عربي أو إسلامي أو حتى دولي أممي يقف سدا أمام هذه الطموحات لدولة الكيان في السيطرة والهيمنة على كل شيء في الإقليم.


ولهذا فإن ما تشهده المنطقة اليوم ليس مجرد حرب تقليدية، بل هو جزء من صراع طويل الأمد سيغير موازين القوى في الشرق الأوسط، فإسرائيل لا تزال تسعى لتحقيق طموحاتها التوسعية، بينما تسعى المقاومة إلى الحفاظ على وجودها وكرامتها، ومع استمرار هذا الصراع، يبقى الشعب الفلسطيني ومعه المقاومون في غزة هم المعجزة الحقيقية والاستثناء الأبرز في مشهد سياسي وعسكري معقد تسوده المصالح وتوازن القوى الكبرى، وهذه الخطوة ستجعل الكثير من خصوم إسرائيل مستقبلا أكثر حذرا وأكثر حرصا على تأمين أنفسهم، فالجميع يتعلم حتى ولو كان ذلك ببطئ أو بدفع أثمان باهضة.


اليوم تقف إيران والمقاومة في موقف حرج أمام التحديات المتزايدة، ويبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد مواجهات أوسع وأعنف على مستوى الجغرافيا والسياسة، وكما قلنا سابقا فإن المقاومة الفلسطينية تظل استثناء في مواجهة المشروع الصهيوني، ولكن يبقى السؤال: إلى متى يمكنها الصمود في ظل تراجع الدعم الإقليمي والعربي والإسلامي وانشغال دول المنطقة بصراعاتها الداخلية؟! فغزة وحدها تقاتل لأكثر من عام كامل بأكثر من 150 ألف شهيد وجريح ومصاب، ومليونيّ نازح ولاجيء ومهجّر.


ولقد ذهبت إيران في دعم غزة بما تسمح به طاقتها وظروفها ومنطقها كدولة، واستفادت المقاومة من هذا بما استطاعت في ظل انعدام النصير والحليف، والكل يعمل من منطلقاته ومصالحه، حيث قدمت طهران دعما ملموسا لحركات المقاومة، بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي، وذلك بهدف تعزيز قوتها وتماسكها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وقد استفادت المقاومة من هذا الدعم رغم التحديات الإقليمية والدولية المحيطة، ولا يمكن إنكار أن جزءا من صمود غزة اليوم يعود إلى هذا التعاون، إلى جانب شجاعة رجالها وقياداتها وشعبها، كما أن التجارب التي استفادت منها المقاومة الفلسطينية لم تقتصر على الدعم الإيراني فقط، بل تأثرت أيضا بتجارب مقاومين آخرين في مناطق مختلفة مثل أفغانستان، البوسنة، الشيشان، العراق، وحتى فيتنام، حيث صقلت هذه التجارب قدرات المقاومة على التنظيم والعمليات العسكرية، مما رفع من مستوى أدائها في مواجهة التحديات العسكرية والتكنولوجية الإسرائيلية المتفوقة.


هذا وعلى الرغم من أن حزب الله يعتبر الذراع الأقوى لإيران في المنطقة، إلا أن طهران تدرك أن دور الحزب لا يتجاوز كونه درعا يحمي مصالحها في لبنان والمنطقة، ولقد دعمت إيران حزب الله ماليا ولوجستيا وعسكريا، ولكنها في الوقت نفسه لن تضحي بنفسها لأجله، وهنا يجب ألا ننكر أن حزب الله عطّل بقتاله في جبهة جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة جزءا معتبرا من الجيش الإسرائيلي للتخفيف عن المقاومة (حماس والجهاد) في غزة، وذلك حتى لا يستفرد بهم هذا الجيش السادي والدموي، وهذا يعتبر أيضا من أسباب صمود المقاومة وهزيمة الكيان في غزة.


خطة اسرائيل لحزب الله في لبنان كبيرة، وهي كانت تحضر من سنوات لفكرة اجتياح لبنان، حيث لا يمكن أن تعيش إسرائيل بجانب قوة صاروخية معادية في الشمال، وبالتالي ستدخل تدريجيا في صراع تصفية مع الحزب، والذي يجري في جنوب لبنان مع حزب الله، هو التعامل معه كجيش دولة نظامي من قبل إسرائيل، ولهذا فإن كل هذا الإجرام والقتل والاختراق والضربات القاسية المتواصلة لكوادره، قد يكون سببه الرئيسي هو الكلام المبالغ فيه وشدة الغرور وتعالي الحزب عن كثير من بديهيات المقاومة والحرب؛ والترويج بكثافة إعلامية غير مدروسة بالثقة بقدرتهم على الردع بمجرد الكلام والتصريحات النارية، وغرور الاتكال التام على إيران في الدعم.


لا أحد يريد لإيران التورط في حروب مع إسرائيل أو أمريكا، كما أن إيران تدرك تماما الحدود التي رُسمت لها في سياق المواجهة مع إسرائيل وأمريكا، لهذا فبالرغم من استراتيجيتها التي تعتمد على العقلانية والنفس الطويل والصبر الاستراتيجي، إلا أن هذه السياسة قد بدأت تظهر عدم فاعليتها في ظل الهجمات المستمرة التي تتعرض لها طهران ومصالحها في المنطقة، كما أن تجنب السلطات الإيرانية الرد هزّ هيبتها وصورتها ومصداقيتها أمام الرأي العام العربي والإسلامي، وذلك على الرغم من أن إيران تمارس دور الفعل عبر ميليشياتها في مناطق مثل لبنان، سوريا، العراق، واليمن، فإنها تبقى تعتمد سياسة الاحتفاظ بحق الرد عندما يتعلق الأمر بالرد المباشر على إسرائيل، وهو ما يبرز مفارقة واضحة في السياسة العسكرية الإيرانية الإقليمية.


كما ولقد جاء اغتيال قيادات بارزة مثل إسماعيل هنية في إيران واغتيال صالح العاروري وحسن نصر الله في الضاحية الجنوبية ليشكل ضربة موجعة لإيران وحزب الله على حد سواء، وعلى الرغم من الجهود الإيرانية في دعم هذه القيادات، إلا أن الفارق الهائل في القدرات التقنية والعسكرية بين إيران من جهة، وإسرائيل المدعومة أمريكيا من جهة أخرى، ظل عائقا أمام قدرة طهران على حماية حلفائها، كما أن الضغوط الداخلية المتزايدة على إيران من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، إضافة إلى حالات الاختراق الأمنية واغتيال كبار العلماء النوويين والقادة العسكريين، قد ساهمت في زيادة التعقيدات التي تواجهها إيران على الساحة الإقليمية.


ما نراه اليوم بعيدا عنا كان غيرنا يراه مثل ذلك منذ زمن، ويجب أن نعلم أيضا أن هذا الصهيوني لا يفرق بين السني والشيعي، فدولة الكيان بنت كل خططها على الحروب والمواجهات الحتمية، ونحن بنينا كل خططنا على أن السلام أو بالأحرى الإستسلام كخيار استراتيجي ووحيد، ولهذا فإن تخطي إسرائيل للخطوط الحمر بهذا الشكل الواسع مع كل الجبهات، يعبر عن رغبة أكيدة وواضحة بجر الجميع إلى ردود أوسع في هذا الوقت والدفع نحو توسيع الحرب على كافة الجبهات، ومحاولة إضعاف فصائل المقاومة وضرب معنوياتها والانتقال من معارك الاستنزاف إلى حرب المواجهة الأوسع، وهذا يفترض أن ينتقل الجميع من شعار مساندة غزة، الى منطق عسكري جديد من المواجهة المباشرة نسبيا، ولأن غير ذلك سيضع الكل في الإقليم في موقع ضعيف، وسوف يسلط ضده كل سهام النقد ومسؤولية التراجع والهزائم مستقبلا.


وأخيرا نقول أن إيران تدعم المقاومة في فلسطين، لأن هذا هو الطبيعي والبديهي الذي تفكر فيه أي دولة لديها استقلال وطموح وتفكير استراتيجي سليم، وذلك لأن دعم غزة وفلسطين هو أيضا حماية للدول العربية والإسلامية الملاصقة والقريبة، وهذا من منطق المصلحة العلمانية القومية البحتة وليس من المصلحة الدينية الشرعية فقط، ولهذا فإن شعب أي بلد عربي أو إسلامي في هذه المنطقة، يرى في إسرائيل خطرا، فإنه سوف يدعم كل من يقاوم ويحارب إسرائيل ويعرقلها، والشعوب بطبيعة الحال ليست عميلة لأحد، كما ورغم كل هذه التحديات، تبقى المقاومة الفلسطينية مصدر فخر للعرب والمسلمين، ويعد التزامها بأخلاقيات الحرب من خلال التركيز على الأهداف العسكرية، ورفض استهداف المدنيين، نموذجا يجب أن يحتذى به، خاصة في ظل المجازر التي ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين في غزة ولبنان، وفي الوقت الذي تستمر فيه المقاومة في غزة بتقديم نموذج للمقاومة المثالية، فإن حزب الله في لبنان يدفع ضريبة التزامه بنصرة الفلسطينيين، وهو ما قد يؤدي إلى توسيع دائرة الحرب في المنطقة.                                       

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart