قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

الصورة المعقدة لحزب الله في سياق المشروع الإيراني الإقليمي والصراع مع إسرائيل

الصورة المعقدة لحزب الله في سياق المشروع الإيراني الإقليمي والصراع مع إسرائيل

يشهد العالم العربي والإسلامي منذ سنوات طويلة صراعا طائفيا وسياسيا معقدا تشارك فيه قوى إقليمية ودولية تسعى لتحقيق مصالحها في المنطقة، خاصة تلك المتعلقة بحزب الله وإسرائيل، حيث كان من المتوقع أن يتخلى حزب الله عن سلاحه بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في عام 2000، وذلك وفقا لاتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1989، ومع ذلك حافظ الحزب على سلاحه بحجة تحرير مزارع شبعا، وهي منطقة صغيرة تحتلها إسرائيل، مع وجود ادعاءات كثيرة بأن هذه المنطقة تنتمي إلى سوريا وليس لبنان.


هذا ولقد لعبت إيران دورا حاسما في تمويل وتسليح حزب الله منذ تأسيسه، كما قدمت دعما ماليا كبيرا للمناطق الجنوبية في لبنان التي تأثرت بالحروب مع إسرائيل، مما ساعد الحزب على بسط نفوذه واكتساب شرعية واسعة، وهذه الشرعية تجلت في صورة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، كما أن حضور الحرس الثوري الإيراني في جنوب لبنان ساهم في تدريب وتطوير القدرات القتالية للشباب الشيعي الملتحقين بالحزب، وعلى الرغم من أن خطاب حزب الله الرسمي يروج لتحرير القدس والمقاومة المسلحة، إلا أن ولائه الحقيقي بقي لإيران، حيث أن خطابه السياسي والديني يستمد مرجعيته من مشروع الولي الفقيه، الذي أسسه الإمام الخميني، وهذا ما جعله أداة إيرانية قوية ومهمة لتعزيز النفوذ الإيراني في لبنان والمنطقة ككل.


وهكذا برز حزب الله كقوة مؤثرة على الساحة اللبنانية والإقليمية، وتحول مع الوقت من حركة مقاومة لإسرائيل إلى أحد أبرز وكلاء إيران في المنطقة، ومع تعقيد النزاعات الإقليمية، وتطور الأوضاع في سوريا والعراق واليمن ولبنان، تزايدت الأسئلة حول دوره في المقاومة ضد إسرائيل من جهة، وتورطه في الصراعات الطائفية الدموية في هذه الدول، بحيث تصاعدت الانتقادات ضد حزب الله والمليشيات المدعومة من إيران عموما بسبب دورها في القمع الطائفي وارتكاب المجازر بحق المدنيين (السنة) في هذه الدول.


ولقد مثلت الثورة السورية امتحانا صعبا وخطأ استراتيجيا لحزب الله، حيث أن أفراد الحزب لم يذهبوا لسوريا لحل دبلوماسي أو إقناع الأسد بمزيد من الإصلاحات؛ بل ذهبوا ليخربوا ويوغلوا قتلا وتدميرا وتهجيرا في شعب أباده أصلا جيشه الوطني، حيث دخل هذا الحزب سوريا لإنقاذ النظام السوري، والذي روج فيه خطابا طائفيا لتبرير تدخله، وأكد على ضرورة حماية الأضرحة المقدسة والدفاع عن الشيعة في لبنان ضد تهديدات تنظيم الدولة والقاعدة، وهذا التورط الطائفي أثار انتقادات شديدة عليه، خاصةً وأنه كشف مدى انحراف الحزب عن مساره الأصلي كمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.


وهكذا نرى كيف حافظ حزب الله على ولائه الكامل لإيران في دعم نظام بشار الأسد، وتبريرهم الرئيسي كان أن فصائل الثورة السورية والجماعات الجهادية، والتي كان بالطبع معظمها إن لم يكن كلها مدعوما من أمريكا والناتو والخليج، بأنها ستقطع طريق الإمداد الأساسي للحزب من إيران عبر سوريا، وقد تناسوا بأنه سيكون هناك طرق أخرى لاستمرار هذه الإمدادات، فالحزب دولة داخل لبنان ومسيطر على معابر حدودية كثيرة ولن يعدم وسيلة لوصول أي شيء له، وها هي غزة محاصرة من كل جانب وكان يصلها الكثير بطرق متعددة ومتنوعة، فلا حجة مقنعة هنا، كما ويذكر في هذا الشأن أيضا كيف حافظت فصائل المقاومة الفلسطينية مثل حماس والجهاد على علاقات متوازنة مع إيران، وابتعدتا عن المشاركة المباشرة في الصراع السوري.


ولقد عكس المشروع السياسي والعسكري لحزب الله أجندة طائفية شيعية تتوافق مع مصالح الحكومة الإيرانية، مما جعله في تصادم مع العديد من القوى السنية في المنطقة، وهذا الصراع يعكس أيضا التوتر الأكبر بين المشروع الشيعي الذي تقوده إيران في المنطقة، والمشروع السني الذي لا يتبناه أي نظام حكم معين بشكل واضح، كما ولم تقتصر مشاكل حزب الله على تورطه في النزاعات الإقليمية، بل امتدت إلى اتهامات بالتورط في أنشطة غير قانونية مثل غسيل الأموال وتهريب المخدرات، خاصة في أمريكا اللاتينية، وهو ما زاد أيضا من تعقيد صورته في المجتمع الدولي.


كما ومن المهم هنا أن نميز بين الشيعة كطائفة إسلامية وبين حزب الله كتنظيم سياسي وعسكري، حيث أن أغلب الفقهاء المسلمين يعتبرون أن الشيعة مسلمون من أهل القبلة، وبالتالي فإن التعايش معهم ممكن ومطلوب، لكن المشكلة تكمن في السياسات التي يتبناها حزب الله وبعض الفصائل الشيعية الأخرى التي تتبع إيران وتنفذ سياسات عدائية ضد أهل السنة، وهذه السياسات تأتي في سياق المشروع الإيراني الإقليمي الذي يسعى إلى تعزيز النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.


طبعا لم يكن تدخل حزب الله في الحرب السورية دون تكلفة، حيث خسر العديد من أفراده وقادته العسكريين في المعارك، ورغم اكتساب مقاتلي الحزب خبرات قتالية جديدة ومتنوعة، إلا أن هذه الخبرات كانت لها فائدة محدودة في سياق الصراع مع إسرائيل، وأثبتت بعدها أنها لم تكن كافية، وذلك نظرا للفجوة الكبيرة في القدرات العسكرية بين الطرفين، وعلى الرغم من أن حزب الله أثبت نفسه كقوة عسكرية في مواجهة الكيان الصهيوني، إلا أن تورط الحزب في الصراع السوري ساهم في تراجع صورته كمقاومة وطنية وعربية إسلامية جامعة، وفقد رمزيته كمقاومة حقيقية ضد إسرائيل، وتحول إلى فاعل طائفي يخدم مصالح إيران، وبعيدا عن مصالح لبنان أو المصالح العربية والإسلامية المشتركة.

 

لكن ورغم كل التحديات التي يواجهها الحزب داخليا وخارجيا، فإنه لا يزال قوة مؤثرة في لبنان، لكن مستقبله يعتمد على مدى قدرته على التكيف مع التغيرات الإقليمية والدولية، وذلك في ظل الانتقادات المتزايدة لدوره كلاعب إقليمي مثير للجدل، كما إن مستقبله قد يكون مرتبطا بمدى قدرته على إعادة بناء صورته في الداخل والخارج، خاصة في ظل التوترات المتزايدة في العالم العربي والإسلامي، كما أنه وعلى الرغم من كل الانتماءات والخلافات الطائفية، يبقى الحزب لاعبا قويا على الساحة اللبنانية والإقليمية بسبب دعم إيران المستمر له، إضافة إلى أن إيران ورغم الطابع المذهبي لطموحاتها الإقليمية أيضا أثبتت قدرتها على التنسيق مع عدة جهات، وتجاوزت طهران الحواجز الأيديولوجية عند الضرورة لتحقيق أهدافها الجيوسياسية، ولهذا تبقى المقاومة في غزة ولبنان والعراق واليمن عنصرا مهما في المعادلة الإقليمية، وجزءا لا يتجزأ من المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل، وذلك رغم كل هذه التحالفات المعقدة والمواقف المتباينة، حيث تحمل جميعها نفس الهدف الأساسي وهو مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وذلك للأسف في ظل تخلي الدول العربية والإسلامية عن دعم غزة وفلسطين عسكريا أو اتخاذ أي موقف حازم تجاه إسرائيل، بل إن بعض هذه الدول العربية والإسلامية قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل.


وهكذا نرى كيف أصبح الصراع في الشرق الأوسط صراعا معقدا يمتد جذوره إلى عوامل طائفية وسياسية متعددة، وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة للحزب، يبقى الحزب جزءا لا يتجزأ من المشهد السياسي والعسكري في لبنان والمنطقة، وبالرغم أيضا من الضغوط العسكرية والسياسية المتزايدة التي يتعرض لها حزب الله مؤخرا، مثل الضربات العسكرية والاغتيالات التي تستهدف قادته، فإن الحزب لم يتم القضاء عليه بالكامل، وهذه الضربات قد تكون أضعفت الحزب من الناحية المعنوية والتنظيمية، لكنها لم تؤدي إلى انهياره الكامل، ويظل حزب الله متماسكا إلى حد ما، لكنه يواجه تحديات متزايدة من الداخل والخارج، كما إن مشاغلته لإسرائيل على جبهتها الشمالية يمنح بعض الهدوء لأهل غزة.


هذا وكما نعلم جميعا بأن الولايات المتحدة تعتبر دعمها لإسرائيل مسألة لا جدال فيها، وأنها ملتزمة بضمان بقاء إسرائيل وتفوقها العسكري على الجميع في المنطقة، وأن هذا التحالف يمتد إلى كافة المجالات، السياسية والاقتصادية والتقنية وغيرها، كما أن الولايات المتحدة تؤيد القضاء على أي قوى معارضة لإسرائيل، سواء كانت في غزة أو لبنان، وفي المقابل يدرك محور المقاومة الذي تقوده إيران وحزب الله وفصائل المقاومة الأخرى، أن الولايات المتحدة لن تسمح بهزيمة إسرائيل، وهي من جهتها أيضا لن تتخلى عن مواقفها المقاومة لذلك، كما أنها لن تسمح بسحق والقضاء التام على المقاومة سواء في لبنان أو غزة أو في غيرها من الدول في الإقليم.


وأخيرا نقول أنه للأسف سوف يؤدي التصعيد الإسرائيلي في جنوب لبنان إلى تحميل لبنان أعباء إضافية، وهو بلد يعاني أصلا من أزمات اقتصادية وسياسية متعددة، كما إن تكرار الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان يتسبب في تفاقم هذه المعاناة، خاصة مع موجات النزوح المستمرة التي تؤثر على الشعب اللبناني كله، وبذلك تصبح تشبه هذه المعاناة تلك التي يعاني منها سكان غزة، والذين يعيشون في ظروف مروعة للغاية، حيث أن الدعم الأمريكي المتواصل لإسرائيل مكنها من استمرار ارتكابها للجرائم ضد الفلسطينيين واللبنانيين وغيرهم دون مساءلة دولية، كما أنه ومع استمرار العمليات العسكرية في غزة وجنوب لبنان، لا يمكن الحديث عن أي هدوء في المنطقة دون وقف لإطلاق النار والانسحاب من الأراضي المحتلة وضمان حقوق أصحاب الأرض الأصليين، وفي حال نشوب نزاع شامل، فإنه متوقع من إيران ألا تقف مكتوفة الأيدي، وأن تقدم الدعم الكامل لحلفائها في لبنان وغزة قدر المستطاع، مع مشاركة حركات وقوى المقاومة الأخرى في اليمن والعراق وسوريا وغيرها.

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart