قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع).. من الجهاد في العراق إلى القيادة في سوريا

أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع).. من الجهاد في العراق إلى القيادة في سوريا

أصبحت القيادة الحالية لسوريا محور نقاش واسع بين مؤيد ومعارض لها، وذلك بعد هروب بشار الأسد وتغير موازين القوى في البلاد، ومن بين الشخصيات البارزة التي صعدت إلى الواجهة، أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، قائد القيادة الثورية الحالية في سوريا، وهو الذي تاريخه يذكر بأنه درس الطب لمدة سنتين فقط في دمشق، وفي بداية العشرينات من عمره، تحمس للالتحاق بالمقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي، مثل العديد من الشباب السوريين والعرب في تلك الفترة، وهناك تم اعتقاله من قبل القوات الأمريكية، حيث قضى سنتين في سجونها، والتقى بقيادات بارزة من القاعدة، وذلك قبل أن يسلم إلى السلطات العراقية، ليقضي ثلاث سنوات إضافية في السجن، ويكمل خمس سنوات في السجون بين الأمريكان والعراقيين، وخلال هذه الفترة بدأ الجولاني في التفاعل مع قيادات تنظيم القاعدة وبرز بين القيادات المحبوسة معه، مما ساهم في تشكيل شخصيته الدينية والفكرية والسياسية.


هذا وعقب الإفراج عن أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) واندلاع الثورة السورية في عام 2011، اقترح الجولاني على قائده البغدادي إنشاء امتداد لدولة العراق الإسلامية في سوريا، وهكذا تأسست جبهة النصرة، والتي قادها الزرقاوي ثم البغدادي، وكانت جزءا من تنظيم القاعدة بقيادة أيمن الظواهري، والذي بدأ نشاطه في العراق من خلال مقاومة الاحتلال الأمريكي، واستمر بعد ذلك في مواجهة الحكومة العراقية ذات الطابع الطائفي، ثم ذهبت القاعدة بعدها كما قلنا إلى سوريا تحت اسم جبهة النصرة، والذي جاء من فكرة "نصرة" الشعب السوري في وجه النظام، وكانت هذه الخطوة جزءا من مشروع الجهاد العالمي الذي تبنته القاعدة في سوريا.


وقد استقطبت جبهة النصرة مقاتلين من الداخل والخارج، لكن ومع مرور الوقت بدأت المشاكل تظهر داخل التنظيم، وذلك نتيجة التباين في الأهداف والأساليب بين القيادات والمقاتلين، كما كانت هناك محاولات لتنظيف صفوف التنظيم من العناصر المسيئة، خاصة أولئك الذين استغلوا اسم الجبهة لتحقيق مصالح شخصية أو ارتكبوا انتهاكات ضد المدنيين، وهذا الانقسام أدى لاحقا إلى ابتعاد بعض القيادات الأكثر اعتدالا عن داعش بقيادة البغدادي، وتشكيل خط مستقل بقيادة أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع)، وهنا ظهرت جبهة النصرة كقوة رئيسية في الثورة السورية، لا سيما بعد سيطرتها على مدينة إدلب، ورغم أن النظام السوري فتح الباب أمام ظهور هذه الجماعات المقاتلة لتصوير الثورة كحركة متطرفة، إلا أن النصرة استطاعت كسب دعم شعبي في بعض المناطق المحررة من سيطرة النظام بسبب خدماتها وإدارتها المحلية.


هذا وقد كان أول ظهور إعلامي لأبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) في عام 2013، حيث أجرى مقابلة مع تيسير علوني على قناة الجزيرة، وفي هذه المقابلة تحدث الجولاني عن أهداف الجبهة بإسقاط النظام النصيري وإقامة حكومة إسلامية عادلة تحكم بالشريعة الإسلامية، ولم يظهر وجهه في هذه المقابلة، بل ظهر من الخلف بوشاح أسود، مما أضاف هالة من الغموض حول شخصيته، ولاحقا أجرى مقابلة أخرى مع أحمد منصور وعلى قناة الجزيرة أيضا، حيث حافظ على لهجته الهادئة ولم يهاجم الولايات المتحدة بشكل صارخ كما كان يفعل قادة القاعدة الآخرون، وهذا الأسلوب أثار السخرية من البعض الذين وصفوه بأنه ناعم مقارنة بالصورة النمطية لقادة القاعدة.


لكن ومع توقف الثورة السورية عمليا بعد التدخل الروسي في سبتمبر 2015، بدأت الفصائل المسلحة تسلم مناطقها للنظام بعد حصار طويل، كما وانتقل العديد من هذه الفصائل إلى شمال سوريا، مما أدى إلى تقسيم المناطق الخارجة عن سيطرة النظام إلى كيانين: 1-شمال حلب بقيادة فصائل تدعمها تركيا مثل جيش الإسلام وأحرار الشام. 2-شمال غربي سوريا (إدلب) بقيادة النصرة تحت قيادة الجولاني، والتي كانت الحياة فيها عبارة عن معسكرات ضخمة من النازحين، الذين يسكنون مدنا كاملة من الخيام ومساكن مسبقة الصنع، كما كان ثلث السكان في إدلب، والذين يبلغ عددهم ثلاثة ملايين، يعيشون في خيام، ويذكر هنا أنه بعدها وفي عام 2016 أعلن الجولاني فك ارتباط جبهة النصرة بالقاعدة، وأعاد تسميتها إلى هيئة تحرير الشام (فتح الشام)، كما وظهر لأول مرة بوجهه في مؤتمر صحفي، مما أثار جدلا كبيرا حول صدق نواياه، حيث رأى العلمانيون والإسلاميون على حد سواء هذا التغيير بعين الشك، واعتبره البعض محاولة للتقرب من القوى الدولية والإقليمية.


وهكذا استقرت سوريا على وجود كيانين منفصلين في شمال البلاد، بحيث تتنافس إدلب مع مناطق شمال حلب اقتصاديا وعسكريا، وقد مثلت مخيمات اللاجئين في إدلب وحلب، مدنا مؤقتة وقنابل بشرية موقوته، قابلة لتشكيل طوفان جديد من المهاجرين للدول المحيطة بها، حيث كان تمويل هيئة تحرير الشام والفصائل الأخرى هو من تبرعات دول الخليج وغيرها، والسيطرة على المصانع في المناطق المحررة، والفدية من الرهائن الأجانب، لكن في ظل التحولات الإقليمية والدولية، بقي المستقبل في هذه المناطق وفي سوريا عالقا بين طموحات الجولاني وقادة الفصائل الأخرى، وتعقيدات المشهد السياسي الذي يحكم توجهاتهم المتنوعة والمختلفة.


ولهذا شهدت هذه المناطق صراعات داخلية بين الفصائل، بعضها كان بسبب التنافس الاقتصادي والسياسي، وبعضها الآخر بسبب التوجهات الفكرية والعقائدية، وكل ذلك كان مبني على فتاوى شرعية من كل طرف، وهذا النموذج لم يكن ظاهرة جديدة حيث يمكن للبشر عموما وليس الإسلاميين فقط أن يكون لهم مبررات لمواقفهم وتصرفاتهم، حتى لو كانت سيئة ومضرة بالآخرين، ولهذا كان هناك جهود متواصلة وحثيثة لتوحيد الصفوف، ومع مرور الوقت، بدأ الجولاني ينفتح على الفصائل الأخرى ويسعى لتوحيد الصفوف، خاصة بعد عام 2020، حيث بدأ الجولاني يغير خطابه بشكل واضح مع استقرار الأوضاع نسبيا في شمال سوريا، ودعا إلى التقارب مع الفصائل الأخرى وزار شخصيات ووجهاء من مختلف الأطراف، وهذا التحول أثار استحسان البعض، بينما بقي الآخرون يشككون في دوافعه ونواياه.


النجاحات التي حققها الجولاني في إدلب، ولو أنها قاصرة ولا يمكن تعميمها، لا يمكن أيضا إنكارها، وحتى خصومه أقروا بنجاحه في إدارة المناطق التي كانت تحت سيطرته وتقديم نموذج مختلف، وهذا النجاح أعطاه قبولا ومشروعية كبيرة وعامة، وقد استغل ذلك في سبتمبر الماضي، بحيث عاد إلى الواجهة من خلال افتتاح معرض للكتاب في إدلب، والمعرض كان بمثابة استعراض للقوة الناعمة، حيث حاول الجولاني إيصال رسالة مفادها أن هيئة تحرير الشام تقدم تجربة ناجحة في إدارة إدلب، كما أشار إلى أن إدلب تسير نحو "فجر جديد"، معتبرا أن النصر في دمشق بات قريبا، ورغم انتقادات البعض واعتبار كلماته مجرد أحلام، إلا أن التطورات الميدانية أشارت بعدها إلى أن هيئة تحرير الشام كانت قد عملت بجدية على تحقيق هذه التغييرات الملموسة على أرض الواقع.


وهكذا نرى كيف أن الجولاني يمثل حالة معقدة في المشهد السوري، حيث سعى لتقديم نفسه كقائد شرعي قادر على إدارة منطقة محررة، كما أنه وفي ظل التحولات الإقليمية والدولية، فإن الجولاني وهيئته عملوا كما ظهر مؤخرا على مدى سنتين للتحضير لجولة جديدة من المواجهة مع نظام بشار الأسد، حيث أُنشأ كلية عسكرية خرّجت مئات الضباط والعسكريين المدربين، وهذه الجهود أثمرت خلال الجولة الثانية من الثورة السورية التي بدأت في نوفمبر الماضي وأسقطت النظام في دمشق، كما أن حرب أوكرانيا وانشغال روسيا بالصراع، إضافة إلى التحركات الإسرائيلية ضد حزب الله واحتواء إيران، ساهمت كلها في تهيئة الساحة السورية لهذه التغيرات الكبيرة، وهذا الوضع دفع أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) لاستغلال الفرصة وتحريك قواته لتحقيق مكاسب على الأرض، ولهذا فإنه في بداية ديسمبر عام 2024، شهدت الساحة السورية تطورا كبيرا بسيطرة المعارضة المسلحة على الحكم وإسقاط نظام بشار الأسد.


وهذا النجاح الذي حققه أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) أصبح بالنسبة له سلاحا ذا حدين، فمن جهة أعطاه قبولا ومشروعية، ومن جهة أخرى أثار الخشية من مستقبل قيادته واحتمالية استبداده، ولهذا لا يمكن إنكار أن أحمد الشرع لعب دورا محوريا في تحرير مناطق واسعة من سوريا مؤخرا وصولا إلى دمشق، كما وتنسب له قدرات قيادية مميزة في التخطيط العسكري وإدارة الفصائل المتنوعة، مما أكسبه احتراما بين أتباعه، ومع ذلك لا يخلو سجله من الانتقادات، خاصة فيما يتعلق بادعاءات التعذيب واعتقال المعارضين في المناطق التي سيطر عليها.


أحمد الشرع يقول إنه تغير، وهذا التغير يواجه بالتشكيك من بعض المراقبين والمحللين، بحيث يصفه البعض بأنه أذكى وأكثر دبلوماسية من بشار الأسد، كما أنه يواجه اتهامات من بعض الناشطين السوريين بالتعاون مع الاستخبارات الأمريكية، حيث يزعم أنه قدم معلومات ساهمت في مقتل زعيم تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي، كما وعلى الرغم من تأكيد الشرع أنه ضد التعذيب والوحشية، تشير تقارير إلى وقوع انتهاكات داخل سجون إدلب، منها الضرب والضغط النفسي على المعتقلين، ومع ذلك تظهر هذه الشهادات أيضا أن هذه الانتهاكات أقل بكثير مقارنة بما كان يحدث في سجون النظام السوري، كما ويشير البعض إلى أن معظم المعتقلين لديهم أحكام قضائية، لكن يبقى هناك حالات اعتقال تعسفي وتعذيب وقتل خارج إطار المحاكمات العادلة والقانون، أما فيما يتعلق بمسؤولية أحمد الشرع عن هذه الانتهاكات، لا توجد أدلة قاطعة حتى الآن تثبت تورطه المباشر، وتشير الاتهامات إلى مسؤولين آخرين، مثل أبو ماريا القحطاني، الذي كان يدير الملف الأمني في إدلب وتعرض لاحقا للاغتيال، وهكذا سوف تبقى تثار العديد من التساؤلات حول مصداقية أحمد الشرع.

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart