قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

التباين الحاد في المواقف من حزب الله عربيا وإسلاميا

التباين الحاد في المواقف من حزب الله عربيا وإسلاميا

- الانقسام بين العقل والعاطفة -

يبرز في واقع الحال الذي يعيشه كثير من المسلمين والعرب اليوم، اضطراب واضح في المشاعر تجاه عدد من الفصائل السياسية والعسكرية المقاومة ذات الأدوار المتباينة عبر دول متعددة، ويعد حزب الله أحد أكثر هذه الفصائل إثارة للإشكالية، فبينما يشيد البعض بمواقفه الإيجابية في حماية لبنان والدفاع عن أراضيه من الاعتدءات الإسرائيلية منذ عام 1982م، إضافة إلى دعم القضية الفلسطينية تاريخيا، ولا سيما تقديمه الدعم العسكري والتقني للمقاومة في غزة، مما يجعله في أعينهم حليفا فعالا في التصدي للعدو الصهيوني، يُبدي آخرون إدانتهم لأفعاله في سوريا والعراق واليمن وغيرها وتدخلاته العسكرية والسياسية فيها، حيث ارتبط اسمه بأحداث دموية وصراعات طائفية قاسية خاصة ضد أهل السنة، مما جعله في نظر كثير من المسلمين السنة رمزا للعداء والإجرام الشيعي ضدهم، وهذا التباين الحاد يخلق موقفا مركبا ومتشابكا، حيث يضع الشعوب العربية والمسلمة – ولا سيما أولئك الذين يجدون أنفسهم مضطرين للاختيار بين طرفين – في موقف صعب، وذلك وسط مناخ عام سائد اليوم لا يقبل المواقف الوسطية أو المركبة.


وتتعمق هذه الإشكالية في عالمنا العربي والإسلامي بكون حزب الله فصيلا شيعيا، مما يضيف بُعدا عقديا إلى الخلاف الدائر اليوم، فلو كان الخلاف مثلا بين المسلمين والكافرين بشكل صريح كما في حالة الاتحاد السوفيتي وأمريكا، لكان الموقف أقل التباسا، إلا أن تداخل المواقف العقدية بين المسلمين السنة والشيعة تمثل واحدا من أكثر الموضوعات تعقيدا وحساسية في التاريخ الإسلامي، حيث تجذرت الاختلافات على مدى قرون طويلة، كما أن المواقف التكفيرية بين المسلمين السنة والشيعة تمثل قضية أخرى شائكة وحساسة، والتي تجذرت عبر قرون من الخلافات التاريخية والسياسية والعقدية، حيث يكفر بعض متطرفي السنة والشيعة بعضهم البعض، ويصل الأمر عند بعض الجماعات المتطرفة إلى تكفير من لا يكفر الطرف الآخر، مما يوسع دائرة الاستعداء.


لكن شكلت البيانات الصادرة عن الأزهر ومراجع شيعية معتدلة، والتي ترفض التكفير المتبادل وتؤكد على وحدة الأمة الإسلامية رغم الاختلافات الفقهية، إطارا مؤسسيا للتخفيف من حدة هذه الظاهرة، غير أن تعقيد المشهد يتزايد بفعل تداخل العوامل السياسية مع الدينية، حيث أسهمت الأحداث الإقليمية والصراعات المستعرة في تأجيج الخطاب التكفيري، واستغلال الخلاف المذهبي لأغراض سياسية، كما لعبت المواقف العاطفية دورا محوريا في تشكيل رؤية العديد من مجتمعات الدول السنية التي عانت من ويلات وصراعات دموية نفذت تحت شعارات مرتبطة بآل البيت وراية الحسين الشيعية، مما أفرز ردود فعل متطرفة في دول كالعراق وسوريا واليمن، والتي ترفض هذه الحركات وتنتقد التشيع كردة فعل على العنف الذي تعرضت له مجتمعاتهم السنية، وبالرغم من هذا المشهد المعقد، يبقى التمسك بضوابط التكفير الشرعية، والتركيز على القواسم المشتركة، واحترام خصوصية كل مذهب ضمن إطار الإسلام الواسع، هي الأسس الراسخة للتعايش السلمي بين الطائفتين، كما يمثل الحوار الموضوعي والاعتراف بالآخر مع الحفاظ على الخصوصية العقدية السبيل الأمثل لتحقيق هذا التعايش، لاسيما في ظل التحديات المصيرية المشتركة التي تواجه الأمة العربية والإسلامية.


وهنا يبرز الفلسطينيون وخاصة في غزة المحاصرة اليوم، حالة من الاحتياج الشديد لمن يقدم لهم يد العون وخاصة من الدول السنية المحسوبة منهم وعليهم، لكن ونتيجة للحصار العربي والإسلامي والعالمي على غزة، لم يجد الفلسطينيون حليفا مستعدا لدعمهم عسكريا وتكنولوجيا سوى إيران وحزب الله (الشيعة)، وهو ما دفعهم إلى قبول هذا التحالف على الرغم من إشكالية المواقف السياسية والعسكرية السابقة لحزب الله في دول عربية أخرى، فالإنسان في حالة الضرورة يبحث عما ينقذه حتى وإن لم يكن الحليف مثاليا، وهذا القبول يخلق صلات عاطفية وتأييدا شعبيا بين الفلسطينيين وحزب الله، حتى لو كان هذا الدعم قائما على المصالح المؤقتة.


كما أن من الأسباب الأخرى التي تزيد من تعقيد الموقف، هو ضعف دول أهل السنة وقلة قدرتهم على تقديم دعم فعّال لغزة، فعلى الرغم من نقاء قضية الجهاد في غزة ووضوح هدفها المتمثل في مقاومة الاحتلال وتحرير أرض فلسطين من طغيان اليهود الصهاينة، إلا أن ضعف الأمة السنية يجعلها غير قادرة على تقديم العون في مشهد الصراع القائم، مما يخلق فراغا تملؤه جهات أخرى مثل إيران وحزب الله وغيرهما، وهذا الضعف يتسبب في تبعية بعض المسلمين لحلفاء قد لا يتفقون معهم عقديا وسياسيا، كما يعرضهم للتلاعب من قبل أطراف أخرى تبحث عن مصالحها في هذا الصراع، حيث إن ضعف الأمة الإسلامية اليوم لا يخلق التبعية فحسب، بل يجعلها فريسة سهلة للخصوم، فالضعيف لا يمتلك حرية القرار، بل يصبح هدفا لكل من يراه في حالة ضعف، لذا جاء تأكيد القرآن الكريم على إعداد القوة كضرورة للحفاظ على الكرامة، إذ أن القوة لا تردع فقط العدو المباشر، بل تردع أطرافا أخرى تنتظر لحظة الضعف للانقضاض وفرض هيمنتها.


هكذا وفي مشهد سياسي معقد ومتشابك، يقف العرب والمسلمون اليوم أمام تحديات فكرية وعاطفية عميقة تتعلق بمواقفهم من حزب الله، وتحديدا في ظل التباين الصارخ في أدواره في العالم العربي والإسلامي، حيث لا يمكن تجاهل دور العاطفة في تشكيل المواقف تجاه هذا الصراع، فالمسلمون في سوريا ولبنان والعراق واليمن ممن عانوا من جرائم حزب الله أو الميليشيات المدعومة من إيران، لا يمكنهم بسهولة تجاوز تجاربهم الشخصية وتبني موقف عقلاني متجرد، فالذي شهد قتل أحبائه أو دمار بيته، يجد صعوبة بالغة في قبول فكرة "التفهم"، حتى لو كانت المصالح تتطلب التعاون، أما الفلسطيني في غزة المحاصرة، فلا يجد سوى يد العون من إيران وحزب الله، فيظل متمسكا بهذه اليد على الرغم من كل ما يسمعه عن حزب الله في البلدان السنية الأخرى، وهذا التمسك بالتحالف ليس عن حب للحزب بقدر ما هو ضرورة فرضها الواقع الصعب في ظل غياب الدعم العربي والإسلامي.


أخيرا وفي خضم تعقيدات الواقع وصعوباته البالغة، يبقى التفهم والعذر واجبا إنسانيا ودينيا، حيث ينبغي للسوري الذي ذاق مرارة الحروب، واللبناني، والعراقي وغيرهم، أن يدركوا ظروف الفلسطيني المضطر إلى التعاون مع حزب الله، وفي المقابل لا بد أن يستوعب الفلسطينيون بدورهم معاناة الشعوب الأخرى التي تأذت من ميليشيات شيعية نظمت نفسها تحت شعار "دعم آل البيت". ولا يخفى أن دماء المسلمين تتساوى، ولا يجوز إراقتها إلا دفاعا عن الحق، من دون تحريض أو إشعال فتنة عقيمة، لكن للأسف يتعاظم هذا التعقيد مع بعد عقائدي يغذيه الانقسام السني الشيعي، إذ يبقى يرى المسلم السني في تيار شيعي -كحزب الله- مصدرا للعنف والاضطهاد في سوريا والعراق واليمن، وذلك في صراع يعود جذوره إلى قرون مضت منذ العهد الأول للخلافة الإسلامية، حيث يتجدد التوتر السني الشيعي كلما اشتعلت الصراعات السياسية، وما يشهده العالم اليوم من انتهاكات وجرائم يعيد تغذية الأحقاد بين جميع الأطراف.

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart