قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

قصة سيدنا عيسى عليه السلام

قصة سيدنا عيسى عليه السلام
إن سيدنا عيسى عليه السلام مثل آدم،خلقه الله من تراب وقال له كن فيكون،فهو إبن مريم العذراء ورسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم،وهو الذي بشر بالنبي محمد،وقد آتاه الله البينات وأيّده بروح القدس وجعله وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين،وقد كلم سيدنا عيسى عليه السلام الناس في المهد وكهلا،كما كان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيها فتكون طيرا،ويبرئ الأكمه والأبرص ويخرج الموتى،وكل ذلك بإذن الله،وقد دعا سيدنا عيسى عليه السلام (المسيح) قومه لعبادة الله الواحد الأحد ولكنهم أبوا وإستكبروا وعارضوه،ولم يؤمن به سوى بسطاء قومه،فرفعه الله إلى السماء وسيهبط به حينما يشاء الله إلى الأرض ليكون شهيدا على الناس.
إن الحديث عن نبي الله عيسى عليه السلام،يستدعي الحديث عن أمه مريم بل وعن ذرية آل عمران،هذه الذرية التي إصطفاها الله تعالى وإختارها كما إختار آدم ونوحا وآل إبراهيم على العالمين،حيث إن آل عمران أسرة كريمة مكونة من عمران والد مريم وإمرأة عمران أم مريم ومريم وعيسى عليه السلام،فعمران جد عيسى لأمه وإمرأة عمران جدته لأمه،وقد كان عمران صاحب صلاة بني إسرائيل في زمانه،وكانت زوجته (إمرأة عمران) إمرأة صالحة كذلك،إلاّ أنها كانت لا تلد،فدعت الله تعالى أن يرزقها ولدا،ونذرت أن تجعله مفرغا للعبادة ولخدمة البيت المقدس،فإستجاب الله دعاءها،ولكن شاء الله أن تلد أنثى وهي مريم،كما وجعل الله تعالى كفالتها ورعايتها إلى زكريا عليه السلام،وهو زوج خالتها،وقد قدّر الله تعالى ذلك لها لتقتبس منه علما نافعا وعملا صالحا.
وقد كانت السيدة مريم مثالا للعبادة والتقوى،فأسبغ الله تعالى عليها فضله ونعمه مما لفت أنظار الآخرين إليها،فكان زكريا عليه السلام كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا،فيسألها من أين لك هذا،فتجيب،حيث قال تعالى: {قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} وقد كان كل ذلك تمهيدا للمعجزة العظمى،حيث ولد عيسى عليه السلام من هذه المرأة الطاهرة النقية،دون أن يكون له أب كسائر الخلق.
 وبداية القصة كما أوردها القرآن الكريم،حيث قال تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ} وبهذه الكلمات البسيطة فهمت مريم أن الله يختارها ويطهرها ويجعلها على رأس نساء الوجود،هذا الوجود والوجود الذي لم يخلق بعد،فهي أعظم فتاة في الدنيا وبعد قيامة الأموات وخلق الآخرة،ثم عادت الملائكة تتحدث،حيث قال تعالى: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} فكان الأمر الصادر بعد البشارة أن تزيد السيدة مريم من خشوعها وسجودها وركوعها لله،وهنا ملأ قلب مريم إحساس مفاجئ بأن شيئا عظيما يوشك أن يقع،ويروي الله تعالى في القرآن الكريم قصة ولادة عيسى عليه السلام،حيث قال تعالى : {وَاذكُر فِى الكِتَابِ مَريَمَ إِذِ انتَبَذَت مِن أَهلِهَا مَكَاناً شَرقِياً،فَاتخَذَت مِن دُونِهِم حِجَاباً فَأَرسَلنَا إِلَيهَا رُوحَنَا فَتَمَثلَ لَهَا بَشَراً سَوِياً،قَالَت إِني أَعُوذُ بِالرحمَـنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِياً،قَالَ إِنمَا أَنَا رَسُولُ رَبكِ لأهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِياً،قَالَت أنى يَكُونُ لِى غُلامٌ وَلَم يَمسَسنِى بَشَرٌ وَلَم أَكُ بَغِياً،قَالَ كَذلِكَ قَالَ رَبكَ هُوَ عَلَى هَينٌ وَلِنَجعَلَهُ ءايَةً للناسِ وَرَحمَةً منا وَكَانَ أَمراً مقضِياً} فقد جاء جبريل - عليه السلام - لمريم وهي في المحراب على صورة بشر في غاية الجمال،فخافت مريم وقالت،حيث قال تعالى: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا} أي أرادت هنا أن تحتمي في الله،وسألته هل هو إنسان طيب يعرف الله ويتقيه،فجاء جوابه ليطمئنها بأنه يخاف الله ويتقيه،حيث قال تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} وهنا إطمئنت مريم للغريب،لكن سرعان ما تذكّرت ما قاله وإستغربت من ذلك،فهي لم يمسسها بشر من قبل ولم تتزوج ولم يخطبها أحد،فكيف تنجب بغير زواج،فقالت لرسول ربّها،حيث قال تعالى: {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} فرد الروح الأمين،حيث قال تعالى: {كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا}.
وقد كان رد جبريل،إن هذا هو أمر الله،وكل شيء ينفذ إذا أمر الله به،ثم أي غرابة في أن تلد بغير أن يمسسها بشر،فلقد خلق الله سبحانه وتعالى آدم من غير أب أو أم،حيث لم يكن هناك ذكر وأنثى قبل خلق آدم،كما وخلقت حواء من آدم،فهي قد خلقت من ذكر بغير أنثى،وهنا يخلق إبنها من غير أب بحيث يخلق من أنثى بغير ذكر،وذلك عل خلاف العادة في أن يخلق الإنسان من ذكر وأنثى وأن يكون له أب وأم،إلاّ أن المعجزة تقع عندما يريدها الله تعالى أن تقع.
وهنا عاد جبريل عليه السلام يتحدث،حيث قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ،وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ} وزادت دهشة مريم،فقبل أن تحمله في بطنها فهي تعرف إسمه وتعرف أنه سيكون وجيها عند الله وعند الناس،كما وتعرف أنه سيكلم الناس وهو طفل وهو كبير،وهكذا وقبل أن يتحرك فم مريم بسؤال آخر،نفخ جبريل عليه السلام في جيب مريم (الجيب هو شق الثوب الذي يكون في الصدر) فحملت فورا ومرت الأيام،حيث كان حملها يختلف عن حمل النساء،فلم تمرض ولم تشعر بثقل ولا أحست أن شيئا زاد عليها ولا إرتفع بطنها كعادة النساء،فكان حملها به نعمة طيبة.
وهكذا جاء الشهر التاسع (يوجد من العلماء من يقول إن الفاء تفيد التعقيب السريع،بمعنى أن مريم لم تحمل بعيسى تسعة أشهر،وإنما ولدته مباشرة كمعجزة)،وخرجت مريم ذات يوم إلى مكان بعيد،حيث إنها كانت تحس أن شيئا سيقع اليوم،لكنها لا تعرف حقيقة هذا الشيء،فقادتها قدماها إلى مكان يمتلئ بالشجر والنخل،مكان لا يقصده أحد لبعده،ومكان لا يعرفه غيرها،حيث لم يكن الناس يعرفون أن مريم حامل وإنها ستلد،لأن المحراب كان دائما مغلقا عليها،والناس يعرفون أنها تتعبد في الداخل فلا يقترب منها أحد.
وجلست مريم تستريح تحت جذع نخلة،ولم تكن نخلة كاملة،إنما جذع فقط،لتبدأ هنا تظهر معجزات الله سبحانه وتعالى لمريم عند ولادة عيسى فيطمئن قلبها،حيث راحت تفكر في نفسها،لأنها أصبحت تشعر بألم وراح هذا الألم يتزايد ويجيء في مراحل متقاربة،وهنا بدأت مريم تلد،حيث قال تعالى: {فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا} وهنا فإن ألم الميلاد يحمل لنفس العذراء الطاهرة آلاما أخرى تتوقعها ولم تقع بعد،فكيف سوف يستقبل الناس طفلها هذا ؟ وماذا يقولون عنها ؟ حيث إنهم يعرفون أنها عذراء،فكيف تلد العذراء ؟ وهل سوف يصدق الناس أنها ولدته بغير أن يمسسها بشر ؟ كما وتصورت نظرات الشك وكلمات الفضول وتعليقات الناس،فإمتلأ قلبها بالحزن.
فولد في نفس هذه اللحظة،من قدر عليه أن يحمل في قلبه أحزان البشرية،ولم تكد مريم تنتهي من تمنيها الموت والنسيان،حتى نادها الطفل الذي ولد،حيث قال تعالى: {فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا،وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا،فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} فنظرت مريم إلى المسيح،وسمعته يطلب منها أن تكف عن حزنها وأن تهز جذع النخلة لتسقط عليها بعض ثمارها الشهية،لتأكل ولتشرب ولتمتلئ بالسلام والفرح ولا تفكر في شيء،ولم تكد تلمس جذعها حتى تساقط عليها رطب شهي،فأكلت وشربت ولفت الطفل في ملابسها،كما وقيل لها أنها في حال رأت من البشر أحدا فلتقل لهم أنها نذرت للرحمن صوما فلن تكلم اليوم إنسانا،ولتدع له الباقي،حيث كان تفكير مريم العذراء في هذه اللحظة كله يدور حول مركز واحد وهو عيسى،وهي تتساءل بينها وبين نفسها: كيف يستقبله اليهود ؟ ماذا يقولون فيه ؟ هل يصدقها أحد من كهنة اليهود الذين يعيشون على الغش والخديعة والسرقة ؟ هل يصدق أحدهم وهو بعيد عن الله،أن الله هو الذي رزقها هذا الطفل ؟ كما إن موعد خلوتها ينتهي،ولا بد أن تعود إلى قومها،فماذا سوف يقول الناس ؟
وهكذا عادت مريم وقد كان الوقت عصرا،وكان السوق الكبير الذي يقع في طريقها إلى المسجد يمتلئ بالناس الذي فرغوا من البيع والشراء وجلسوا يثرثرون،ولم تكد مريم تتوسط السوق حتى لاحظ الناس أنها تحمل طفلا وتضمه لصدرها وتمشي به في جلال وبطئ،وتسائل أحد الفضوليين: أليست هذه مريم العذراء ؟ طفل من هذا الذي تحمله على صدرها ؟ فقال أحدهم: هو طفلها،ترى أي قصة ستخرج بها علينا ؟ ثم جاء كهنة اليهود يسألونها: إبن من هذا يا مريم ؟ لماذا لا تردين ؟ هو إبنك قطعا،كيف جاءك ولد وأنت عذراء ؟ حيث قال تعالى: {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} فالكلمة هنا ترمي مريم بالبغاء،هكذا مباشرة دون إستماع أو تحقيق أو تثبت،ترميها بالبغاء وتعيرها بذلك على الرغم أنها من بيت طيب وليست أمها بغيا،فكيف صارت هي كذلك ؟ وراحت الإتهامات تسقط عليها وهي مرفوعة الرأس،تومض عيناها بالكبرياء والأمومة ويشع من وجهها نور يفيض بالثقة،فلما زادت الأسئلة وضاق الحال وإنحصر المجال وإمتنع المقال،إشتد توكلها على ذي الجلال،وأشارت بيدها لعيسى،فإندهش الناس وفهموا أنها صائمة عن الكلام وترجو منهم أن يسألوه هو كيف جاء ؟ وهنا تسائل الكهنة ورؤساء اليهود كيف يوجهون السؤال لطفل رضيع ولد لتوّ ؟ هل يتكلم طفل في لفافته ؟ حيث قال تعالى: {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} وهنا تكلم عيسى،حيث قال تعالى: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا،وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا،وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا،وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} ولم يكد عيسى ينتهي من كلامه حتى كانت وجوه الكهنة والأحبار ممتقعة وشاحبة،حيث كانوا يشهدون معجزة تقع أمامهم مباشرة،فهذا طفل يتكلم في مهده،طفل جاء بغير أب،طفل يقول أن الله قد آتاه الكتاب وجعله نبيا،وهذا يعني إن سلطتهم في طريقها إلى الإنهيار،فسيصبح كل واحد فيهم بلا قيمة عندما يكبر هذا الطفل،ولن يستطيع بعد الآن أن يبيع الغفران للناس أو يحكمهم عن طريق إدعائه أنه ظل السماء على الأرض أو بإعتباره الوحيد العارف في الشريعة.
وهنا شعر كهنة اليهود بالمأساة الشخصية التي جاءتهم بميلاد هذا الطفل،حيث إن مجرد مجيء المسيح يعني إعادة الناس إلى عبادة الله وحده،وهذا معناه إعدام الديانة اليهودية الحالية،فالفرق بين تعاليم موسى وتصرفات اليهود كان يشبه الفرق بين نجوم السماء ووحل الطرقات،ولهذا تكتم رهبان اليهود بعد ذلك على قصة ميلاد عيسى وكلامه في المهد،وإتهموا مريم العذراء ببهتان عظيم،حيث إتهموها بالبغاء رغم أنهم عاينوا بأنفسهم معجزة كلام إبنها في المهد.
وتخبرنا بعض الروايات أن مريم هاجرت بعيسى إلى مصر،بينما تخبرنا روايات أخرى بأن هجرتها كانت من بيت لحم لبيت المقدس، إلا أن المعروف لدينا هو أن هذه الهجرة كانت قبل بعثته،وهكذا كبر سيدنا عيسى ونزل عليه الوحي وأعطاه الله الإنجيل،وكان عمره آنذاك -كما يرى الكثير من العلماء- ثلاثون سنة،وقد عاش على الأرض 33 سنة،ثم رفعه الله بعد بعثته بثلاث سنوات،كما وذكر أن والدته مريم عاشت بعده 6 سنوات وتوفيت ولها من العمر 53 سنة،كما وأظهر الله على يديه المعجزات،حيث يقول المولى عزّ وجل في كتابه عن معجزات عيسى عليه السلام: {وَيُعَلمُهُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَالتورَاةَ وَالإِنجِيلَ،وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسرائيلَ أني قَد جِئتُكُم بِآيَةٍ من ربكُم أَنِي أَخلُقُ لَكُم منَ الطينِ كَهَيئَةِ الطيرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيرًا بِإِذنِ اللهِ وَأُبرِىْ الأكمَهَ والأبرَصَ وَأُحي المَوتَى بِإِذنِ اللهِ وَأُنَبئُكُم بِمَا تَأكُلُونَ وَمَا تَدخِرُونَ فِى بُيُوتِكُم إِن فِي ذلِكَ لآيَةً لكُم إِن كُنتُم مؤمِنِينَ،وَمُصَدقًا لمَا بَينَ يَدَي مِنَ التورَاةِ وَلأحِل لَكُم بَعضَ الذِي حُرمَ عَلَيكُم وَجِئتُكُم بِآيَةٍ من ربكُم فَاتقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ،إِن اللهَ رَبي وَرَبكُم فَاعبُدُوهُ هَـذَا صِراطٌ مستَقِيمٌ} فكان عيسى - عليه السلام- رسولا لبني إسرائيل فقط،ومعجزاته هي: 1-علّمه الله التوراة والإنجيل.2-يصنع من الطين شكل الطير ثم ينفخ فيه،فيصبح طيرا حيّا يطير أمام أعينهم.3 -يعالج الأكمه (من ولد أعمى)،فيمسح على عينيه أمامهم فيبصر. 4-يعالج الأبرص (المرض الذي يصيب الجلد فيجعل لونه أبيضا)،فيمسح على جسمه فيعود سليما. 5-يخبرهم بما يخبئون في بيوتهم،وما أعدّت لهم زوجاتهم من طعام.6-كان -عليه السلام- يحيي الموتى.
وقد جاء سيدنا عيسى ليخفف عن بني إسرائيل،لإباحة بعض الأمور التي حرمتها التوراة عليهم عقابا لهم،إلا أن بني إسرائيل ومع كل هذه الآيات كفروا،حيث قال تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ،رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} وقيل أن عدد الحواريين كان سبعة عشر رجلا،لكن الروايات الأرجح تقول أنهم كانوا إثني عشر رجلا،فآمن به الحواريون،لكن التردد كان لا يزال موجودا في نفوسهم،حيث قال الله تعالى في قصة هذا التردد: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ،قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ،قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ،قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ} وإستجاب الله عز وجل لهم،لكنه حذّرهم من الكفر بعد هذه الآية التي جاءت تلبية لطلبهم،حيث نزلت المائدة وأكل الحواريون منها وظلوا على إيمانهم وتصديقهم لعيسى عليه السلام إلا رجل واحد كفر وكان ذلك بعد رفع عيسى عليه السلام.
ولما بدأ الناس يتحدثون عن معجزات عيسى عليه السلام،خاف رهبان اليهود أن يتبع الناس الدين الجديد فيضيع سلطانهم،فذهبوا لمَلك تلك المناطق وكان تابعا للروم،وقالوا له أن عيسى يزعم أنه مَلك اليهود،وسيأخذ المُلك منك،فخاف المَلك وأمر بالبحث عن عيسى عليه السلام ليقتله،وقد جاءت روايات كثيرة جدا عن رفع سيدنا عيسى عليه السلام إلى السماء،ومعظمها من الإسرائيليات أو نقلا عن الإنجيل،وأقرب وأرجح رواية هي أنه عندما بلغ عيسى عليه السلام أنهم يريدون قتله،خرج على أصحابه وسألهم من منهم مستعد أن يلقي الله عليه شبهه،فيصلب بدلا منه ويكون معه في الجنة،فقام شاب،فحنّ عليه عيسى عليه السلام لأنه لا يزال شابا،فسألهم مرة ثانية،فقام نفس الشاب،فنزل عليه شبه عيسى عليه السلام،ورفع الله عيسى أمام أعين الحواريين إلى السماء،وجاء اليهود وأخذوا الشبيه وقتلوه ثم صلبوه،ثم أمسك اليهود بالحواريين فكفر واحد منهم،وبعد ذلك أطلقوهم خشية أن يغضب الناس،فظل الحواريون يدعون بالسر وظل النصارى على التوحيد أكثر من مئتين سنة،ثم آمن أحد ملوك الروم وإسمه قسطنطين،وهو الذي أدخل الشركيات في دين النصارى.
ويقول إبن عباس: إفترق النصارى ثلاث فرق،فقالت طائفة: كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى السماء،وقالت طائفة: كان فينا إبن الله ما شاء ثم رفعه الله إليه،وقلت طائفة: كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء ثم رفعه الله إليه،فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها فلم يزل الإسلام طامسا حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم،فذلك قول الله تعالى: {فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} وقال تعالى عن رفعه: {وَقَولِهِم إِنا قَتَلنَا المَسِيحَ عِيسَى ابنَ مَريَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبهَ لَهُم وَإِن الذِينَ اختَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَك منهُ مَا لَهُم بِهِ مِن عِلمٍ إِلا اتبَاعَ الظن وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً،بَل رفَعَهُ اللهُ إِلَيهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً،وَإِن من أَهلِ الكِتَابِ إِلا لَيُؤمِنَن بِهِ قَبلَ مَوتِهِ وَيَومَ القِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيهِم شَهِيدا}.
ولا يزال سيدنا عيسى عليه السلام حيا،ويدل على ذلك أحاديث صحيحة كثيرة،فعن أبي هريرة،: (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الأنبياء إخوة لعلات،دينهم واحد وأمهاتهم شتى،وأنا أولى الناس بعيسى إبن مريم لأنه لم يكن بيني وبينه نبي، وأنه نازل فإذا رأيتموه فإعرفوه،فإنه رجل مربوع (ليس بالطويل وليس بالقصير) إلى الحمرة والبياض (وجهه أبيض فيه إحمرار)،سبط (شعره ناعم) كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل بين ممصرتين (عصاتين أو منارتين) وفي الحديث الآخر ينزل عند المنارة البيضاء من مسجد دمشق)،فيكسر الصليب ويقتل الخنزير،ويضع الجزية ويعطل الملل حتى يهلك الله في زمانه الملل كلها غير الإسلام،ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال الكذاب،وتقع الأمنة في الأرض حتى ترتع الإبل مع الأسد جميعاً والنمور مع البقر والذئاب مع الغنم،ويلعب الصبيان بالحيات لا يضر بعضهم بعضاً،فيمكث ما شاء الله أن يمكث ثم يتوفى،فيصلي عليه المسلمون ويدفنونه).
وفي الحديث الصحيح الآخر يحدد لنا رسولنا الكريم مدة مكوثه في الأرض فيقول: (فيمكث أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون)،وتجدر الإشارة هنا أنه لا بد أن يذوق الإنسان الموت،وسيدنا عيسى لم يمت وإنما رفع إلى السماء،لذلك سيذوق الموت في نهاية الزمان،ويخبرنا المولى عز وجل بحوار لم يقع بعد،وهو حواره مع عيسى عليه السلام يوم القيامة فيقول: {وَإِذ قَالَ اللهُ يا عِيسَى ابنَ مَريَمَ أَءنتَ قُلتَ لِلناسِ اتخِذُونِي وَأُميَ إِلَـهَينِ مِن دُونِ اللهِ قَالَ سُبحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَن أَقُولَ مَا لَيسَ لِي بِحَق إِن كُنتُ قُلتُهُ فَقَد عَلِمتَهُ تَعلَمُ مَا فِى نَفسِي وَلاَ أَعلَمُ مَا فِى نَفسِكَ إِنكَ أَنتَ عَلامُ الغُيُوبِ،مَا قُلتُ لَهُم إِلا مَا أَمَرتَنِي بِهِ أَنِ اعبُدُوا اللهَ رَبي وَرَبكُم وَكُنتُ عَلَيهِم شَهِيداً ما دُمتُ فِيهِم فَلَما تَوَفيتَنِي كُنتَ أَنتَ الرقِيبَ عَلَيهِم وَأَنتَ عَلَى كُل شَئ شَهِيدٌ،إِن تُعَذبهُم فَإِنهُم عِبَادُكَ وَإِن تَغفِر لَهُم فَإِنكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} فهذا هو عيسى إبن مريم عليه السلام،آخر الرسل قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart