مفهوم الحرية والسياسة عند هيجل
هيجل
كان هيجل من الناس الذين تأثروا بروسو وخصوصا في مسألة الإرادة العامة والتي كان يعتبرها أنها تستوعب كل الإرادات الفردية ويجب لها أن تكون المثل الأعلى الذي يقتدى به،ولكن هيجل خلط بين الإرادة العامة وإرادة الحاكم على أساس أنه أعتبر أن الحاكم يمثل الإرادة العامة،حيث صور هيجل الإرادة العامة على أنها روح الأمة التي من خلالها تبنى الحضارة القومية لدولة ما،وقد إستخدم هيجل كلمة روح لأنه أعتبر أن وحدة الشعب تتجاوز وتعلو على مجموع أفراده وأن هناك إنسجام بين روح الشعب وروح أفراده،ومن هنا يتحقق الإنتماء للأفراد الذي من خلاله يمارسون حريتهم وإستقلالهم،كما ولم ينسى هيجل الدين ما دام أنه يقضي على أنانية الأفراد ويذيبهم في حياة الجماعة .
الحرية والسلطة عند هيجل
يرى هيجل أنّ على الشعوب أن تكوّن الدول وعندها تستطيع أن تحقق الحرية،وذلك لأنها الهدف الأساسي من وجودها ومن خلالها يشعر الإنسان بقيمته وبجانبه الروحي لأنه يمارس العادات والتقاليد والحياة الأخلاقية والقانونية له من خلالها وفي ظل قوانينها والتي مصدرها الإنسان وهدفها الأساسي خدمته،لذلك لا يتحقق المراد من هذه القوانين إلى عند الإعتراف بها وتنفيذها.
وعند مناقشته للعمل التاريخي ومن هو الفاعل الحقيقي للتاريخ،فإنه يقول أن الأفراد ما هم إلا وسائط لتحقيق التاريخ وأن هناك نوعين من الأفراد،أولهما الأفراد الذين يديرون أعمالهم ويحققون مصالحهم الخاصة وهؤولاء لا يصنعون التاريخ،وثانيهما هم من يرتفعون فوق مستوى الأفراد السابقين ويبحثون عن المصلحة العامة ويخلقون أشكال جديدة للحياة وهم رجال التاريخ ومن يصنعوه ومن أمثالهم قيصر ونابليون،ومع ذلك لا يعتبرهم هيجل أنهم الموضوعات الحقيقية للتاريخ بل هم أدوات للتقدم التاريخي لأنهم منفذوا إرادة التاريخ أو ما يطلق عليه هيجل إسم وسطاء الروح العالمية،ويشرح هيجل هذه الفكرة على أساس أن قوة إلهية على صورة قوة موضوعية تحكمت بأفعال الناس في التاريخ القديم للقيام بأعمالها الخاصة من خلال حياتهم فلم يكونوا بذلك أسياد على أنفسهم،أي أن هذه الروح العالمية تحكمت بالعالم بدل أن يتحكم هو بها،فكشفت عن السمات المظلمة لعالم تتحكم فيه قوى التاريخ التي جلبت البؤس والدمار وجعلت بذلك صفحات التاريخ خالية من السعادة .
وبالرغم من ذلك فإن هيجل أشاد بتضحية الفرد بسعادته والمشقة التي يبذلها لتحقيق هدف ما وقد لا يصل إليه أبدا،لأن هذه المشقة والأسى هي ذاتها طريق الحرية والحقيقة،وأن الروح العالمية تسعى لتحقيق الحرية وبذلك فهي تتجسد في عالم الحرية الحقيقي أي في الدولة حيث يمارس قانون التاريخ فعله،أي أن الحرية هي حرية الدولة وهذا يعني أن يمارس الأفراد حريتهم من خلال الدولة والخضوع لها كلية عن طريق خدمتها وأداء واجباتهم كمواطنين أحرار يلتزمون القانون،لأن الدولة أسمى من الفرد وهي مصدر الحريات وبذلك لا وجود لحرية فردية بل يوجد حرية كلية تؤخذ منها حرية الفرد،لهذا يرى هيجل أن الديمقراطية والأرستقراطية يجعلان البعض أحرار أما الإستبداد يجعل فرد واحد حر وأن الملكية هي الأفضل لأن الكل فيها أحرار.
ويقول هيجل أن الحياة والنظم السياسية الجديدة لا يجب أن تقتدي بالنظم القديمة،لأن الحياة السياسية تتطور بإستمرار من خلال مفهوم الفضيلة والعدالة،كما وإن الدول تتسع من حيث المساحة وعدد السكان على عكس الدول في القديم،وهذا يجعل من المستحيل مشاركة الجميع بشكل مباشر في نظام الدولة ودستورها،فالفرد يحقق ذاته من خلال الدولة التي يستمد منها القيم الحقيقية والروحية التي تنزع عنه فرديته،ليصبح بذلك مواطن حرا فيها تكفل له كل حقوقه،ويستنتج من ذلك أنه لا وجود لفرد له أخلاق خاصة به بل هي كلها جاءت من خلال الدولة التي لا يستطيع مقاومة سلطتها أو الإعتراض عليها.
ولهذا يجب أن تحكم الدولة من خلال الدستور الخاص بها وليس المستورد من دولة أخرى،كما ويجب عدم تعديل دستورها وفق أهواء الأفراد،وإذا لم يوجد الدستور فلا وجود لدولة بل يكون هناك وجود لشيء مجرد عام لمجموعة من المواطنين،وللدولة أربعة أشياء تنتمي إليها هي:1-عالم الروح 2-الفكر 3-الإرادة 4-اللانهائي المطلق.
وقد نزه هيجل الدولة عن كل شيء وإعتبرها الفكرة الإلهية على الأرض،وقد أخلص لنظريته هذه لسببين هما:
1-أنه كان بروتستانتيا لوثريا معارض لسلطة الكنيسة.
2-كان معجب بنظام الحكم المطلق .
وفيم يتعلق بالدستور فإن فيه ثلاث سلطات:
1-السلطة التشريعية
2-السلطة الإدارية
3-السلطة الموناركية أو الملكية،وهي التي إهتم بها وميزها لأنها هي التي تربط وتوحد السلطات التشريعية والإدارية،أي إنها فكرة مركبة تجمع التشريع مع الإدارة والتنفيذ وبذلك تحقق الكمال العقلي .
وقد رأى هيخل أن الحكم المطلق المستبد هوالأمنل لأنه يتصف بالكلية،فالملك يستبد بسلطته المستمدة من الشعب فلا يتخللها ضعف أو هوى وتكون علاقته بشعبه كعلاقة الله بالكلمة،وهذا شبيه بالحلم الأفلاطوني الذي يحلم بوجود عالم فيلسوف على رأس الدولة لتحقيق توافق بين الروح والواقع على أكمل وجه،مع الأخذ بعين الإعتبار أن الفيلسوف لا يستطيع تجاوز عصره ولا يستطيع تلافي قصور عالمه الحاضر.
أبرز الإنتقادات التي وجهت إلى أفكار هيجل
1-يقول هيجل أن الحرية لا توجد من غير قانون ومن ثم يقول حيث يوجد قانون توجد حرية بالتبعية،ومن هنا يضيق معنى الحرية فتصبح محصورة بطاعة القانون.
2-القانون عند هيجل مصدره إرادة الحاكم والدولة،فكيف يضع الحاكم القانون ويخضع له في آن واحد،لأنه يستطيع أن يغير فيه ما يريد وبذلك تصبح لا سلطة للقانون على الحاكم.
3-خلط هيجل بين إرادة الحاكم والإرادة العامة للشعب،حيث أعتبر أن الحاكم يمثل إرادة الأمة وهذا غير صحيح بالمطلق،وبذلك كان الحكم عنده مطلق وفردي ولا وجود لإنتخابات ومؤسسات برلمانية.
4-برر هيجل فلسفيا تسلط الدولة القومية وعبادة الزعيم وهذا أمر غير مقبول بتاتا.
5- أخذ هيجل من روسو مبدأ الإرادة العامة الذي تقوم عليه الدولة ولكنه رفض فكرة تقييد الإرادة وحصرها في الفرد،لأن ذلك يعطي الفرد حق الإنقضاض على الدولة وسحب إرادة الأفراد من تأيديها عندما يرون ذلك مناسبا .
6-يقول هيجل أن الدولة هي الفكرة المقدسة التي تحيا على الأرض وأن قيمة الإنسان ووجوده المادي والروحي يأتي من الدولة،وهكذا تصبح الدولة كائنا عاقلا مفكرا وليس للأفراد وجود معنوي إلا بكونهم أعضاء فيها كما كان في النظامين النازي والفاشي .
7-يطالب هيجل للدولة بمكانة كما يطالب القديسين والكاثوليك بمكانة للكنيسة،ولكن المطلب الكاثوليكي أكثر تعقلا من مطلب هيجل بسبب:
أ-أن الكنيسة هي مجموعة وحدتها العقيدة وليست مجرد إرتباط جغرافي مثل الدولة.
ب-هناك كنيسة كاثوليكية واحدة بينما يوجد دول كثيرة في العالم.
8-لا يعترف هيجل بأخلاق خاصة بالفرد وإنما كلها تأتي من الدولة وأن المواطن يكسب قيمته من مكانته في الدولة،فإذا إنعزل عنها فلا قيمة له وهذا فيه ظلم للأفراد.
9-يرى هيجل أن المجتمع بلا دولة تسوده الفوضى من الناحية الأخلاقية،أما في إطار الدولة فلا فوضى حيث أنه توجد قوانين وقواعد أخلاقية منظمة لحياة الأفراد.
10-بيانات هيجل عن الحقوق السياسية الثابتة كانت غير واضحة وغامضة وكانت متعارضة مع بعضها البعض .
11-مجد هيجل الدولة القومية وفضلها على الأعضاء الموجودين فيها .
12-إعتبر هيجل الشعب والأمة أمر واحد وهذا غير صحيح.
وأخيرا كانت الدولة عند هيجل فوق القانون وفوق النقد الأخلاقي وكان بها عيوب كثيرة وتنقصها الدقة والعمق وكانت معادية لليبرالية وليس فيها إجرأت ديمقراطية وفيها كثير من البيروقراطية المنظمة وليس لها أي مسؤولية سياسية أمام الرأي العام ومع ذلك مجدها وإفتخر بها.