قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

التجارب اللاأخلاقية والحياد العلمي اللاإنساني في الإبادة النازية

التجارب اللاأخلاقية والحياد العلمي اللاإنساني في الإبادة النازية
لقد أثيرت دائما قضية مدى أخلاقية الاستفادة من معلومات علمية تم الحصول عليها في ظروف تجريبية جهنمية (لا إنسانية)، وطرق موضوعية شيطانية (لا أخلاقية)، وهو الذي تمثل عالميا في الحياد العلمي والعائد المرتفع من الإبادة النازية، وذلك من خلال تلك التجارب العلمية التي كان النازيون يجرونها على ما كان يسمى بـ (الخنازير البشرية)، والتي كانت عبارة عن تجارب منفصلة تماما عن أية منظومات قيمية، حيث كان النازيون يختارون بعض العناصر البشرية التي لها أهمية تجريبية خاصة لإجراء التجارب عليها، وكان هذا يتم بسهولة ويسر وسلاسة، وذلك لأن البشر عندهم تحولوا إلى موضوع أو مادة محايدة في عقول القائمين على هذه التجارب.

وأهم الأمثلة على ذلك هو ما قام به (الدكتور هانس إيسيل) من عمليات استئصال لأعضاء بشرية دون تخدير ليدرس أثرها، كما وأجريت تجارب أخرى من قبل العلماء النازيين على نزلاء معسكرات الاعتقال لا تقل رهبة عن تجارب إيسيل، حيث كان بعضهم يطلق عليه الرصاص لاختبار مدى فعاليته في الحرب، كما وتم تعريض آخرين لغازات سامة في عمليات اختبارية، إضافة إلى أن البعض كانوا يوضعون في غرفة مفرغة من الهواء لمعرفة المدة التي يستطيع الإنسان خلالها أن يظل حيا، وهو على ارتفاعات عالية أو بدون أوكسجين، حيث كان الأوكسجين يقلل تدريجيا ويخفض الضغط، وبذلك تزداد آلام هذه (الخنازير البشرية) شيئا فشيئا حتى تصبح آلاما لا يمكن احتمالها، وصولا إلى المرحلة التي تنفجر فيها رئاتهم ويخنقوا، كما كان الضغط الداخلي على أغشية طبلات الأذان يسبب لهم عذابا يوصلهم إلى حد الجنون.

هذا وكان (الدكتور راشر) وهو عالم نازي آخر، شموليا في أبحاثه إلى درجة عالية، حيث قام بتزويد غرف الضغط بمبردات تجبر عيناته على مواجهة شروط أقرب ما تكون إلى الارتفاعات العالية، كما وكان راشر مسئولا أيضا عن الكثير من تجارب التجميد التي يتعرض فيها الأشخاص إلى البرد الشديد المستمر حتى الموت، حيث كان الهدف من هذه التجارب معرفة مدة مقاومتهم وبقائهم أحياء، وما الذي يمكن صنعه لإطالة حياة الطيارين الذين يسقطون في الجبال العالية أو المياه المتجمدة، وقد كان بعض نزلاء معسكر الإعتقال (داخاو) ضمن ضحايا راشر أو ضمن خنازيره البشرية (إن أردنا إلتزام الدقة والحياد العلميين)، هذا وكان يتم أيضا غمر الضحايا/الخنازير في وعاء ضخم أو كانوا يتركون عراة في الخارج طوال الليالي الثلجية، حتى أنه في أواخر شتاء عام 1943 حدثت موجة برد شديدة، حيث ترك بعض السجناء عراة في الخلاء أربع عشرة ساعة، تجمدت خلالها أطرافهم وجلود أجسامهم الخارجية وانخفضت درجة حرارتهم الداخلية، هذا وكان أسلوب العمل مع هؤلاء (السجناء) هو متابعة تجمدهم تدريجيا، مع متابعة النبض والتنفس ودرجة الحرارة وضغط الدم وغير ذلك، كما وكانت هناك تجارب أخرى من بينها تدفئة أشخاص مجمدين في الثلج.

وبناءا على تقارير (الدكتور راشر)، فقد أجريت أكثر من أربعمائة تجربة على ثلاثمائة ضحية، وقد مات من هؤلاء زهاء تسعين شخصا نتيجة التجارب والمعالجة اللاحقة، كما وجنّ عدد ممن بقى، أما الآخرون فقد قتلوا لكيلا يتحولوا إلى شهود مزعجين فيما بعد، وقد توصل راشر من خلال تجاربه هذه إلى حقائق علمية جديدة تتحدى كثيرا من المقولات العلمية السائدة في عصره، كما وأجريت بالطبع تجارب أخرى لا حصر لها على نزلاء أحياء في معظم معسكرات الاعتقال، والتي كان من بينها الحقن بالسم أو بالهواء أو بالبكتريا، وكان معظمها مؤلم وكلها قاتلة، كما أجريت تجارب أخرى مروعة كزرع (الغرغرينا) في الجروح وترقيع العظام وتجارب التعقيم.

هذا وفي الإطار التجريبي نفسه كان يتم اختيار التوائم وإرسالهم إلى الطبيب النازي الشهير (الدكتور منجل) لإجراء تجارب علمية فريدة عليهم، لا يمكن للعلماء الآخرين القيام بها، وذلك  نظرا لعدم توفر العينات اللازمة، حيث كان يفصل التوأمين ويضعهما في غرفتين منفصلتين، ثم يعذب أحدهما أحيانا ليدرس أثر عملية التعذيب على الآخر، بل وكان يقتل أحدهما لدراسة أثر هذه العملية على الاخر، وكما قال (بريمو ليفي) إن ألمانيا النازية هي المكان الوحيد الذي كان بوسع العلماء أن يدرسوا فيه جثتي توأمين قتلا في نفس اللحظة، كما وقال إن دراسات منجل على التوائم لا تزال أهم الدراسات في هذا المجال، ولا تزال الجامعات الألمانية والأمريكية تستفيد من النتائج التي توصل إليها الباحثون والعلماء الألمان في ظروف فريدة لم ولن تتح لعلماء غيرهم من قبل أو من بعد.

كما وقد أجرى بعض العلماء الألمان تجارب على أمخاخ الضحايا، حيث اختار (الدكتور برجر) التابع لإدارة الإس. إس، عددا من العينات البشرية (79 يهوديا - بولنديان - 4 أسيويين - 30 يهودية)، تم إرسالهم لمعسكر (أوشفيتس)، ثم قتلهم بناء على طلب عالم التشريح الأستاذ (الدكتور هيرت)، والذي أبدى رغبة علمية حقيقية في تكوين مجموعة كاملة وممثلة من الهياكل العظمية اليهودية، كما كان مهتما بدراسة أثر الغازات الخانقة على الإنسان، أما (الدكتور برجر) نفسه فقد كان مهتما بالآسيويين وجماجمهم، كما كان يحاول أن يكون لديه مجموعته الخاصة منهم.

هذا ويبدو أن عملية جمع الجماجم هذه وتصنيفها لم تكن نتيجة تخطيط محكم، وإنما نتيجة عفوية للرؤية النفعية المادية المتجردة من القيمة لدى هؤلاء النازيين، ويذكر هنا أنه ورد إلى علم (البروفسور هاليروفوردن) أنباء عن إبادة بعض العناصر البشرية (التي لا تستحق الحياة)، فقال للموظف المسئول بشكل تلقائي: (إن كنتم ستقتلون كل هؤلاء، فلماذا لا تعطوننا أمخاخهم حتى يمكن استخدامها؟ فسأله: كم تريد؟ فأجاب: عدد لا يحصى، وكلما زاد العدد كان أفضل)، ويقول البروفسور المذكور إنه أعطاهم بعد ذلك الأحماض اللازمة والقوارير الخاصة بحفظ الأمخاخ، وكم كانت فرحته حينما وجد أمخاخ معوقين عقليين (في غاية الجمال، على حد قوله) و(أمخاخ أطفال مصابة بأمراض عقلية أو تشوهات خلقية)، كما وقد لاحظ أحد العاملين في مركز من مراكز البحوث أن عدد أمخاخ الأطفال المتوفرة لإجراء التجارب أخذت تتزايد بشكل ملحوظ، ونتيجة لهذا كله تم الحصول على مواد ومعلومات علمية مهمة تلقي الضوء على أمراض المخ عموما.

أخيرا ومن أطرف الأمثلة الموضوعية على هذه التجارب المقيتة، هي قضية النازي (البروفسير كلاوس)، والذي اكتشف البعض أنه يعيش مع سكرتيرته اليهودية، وفي (دفاعه) عن نفسه أثناء محاكمته، قال إنه يواجه مشكلة في دراسته لليهود، وهي أنه لا يمكنه أن يعيش بينهم، ولذا كان عليه أن يحصل على عينة ممثلة يمكنه دراستها عن قرب، وسكرتيرته اليهودية بالنسبة له لم تكن سوى موضوع للدراسة، حيث كان يراقبها كيف تأكل وكيف تستجيب وتتعامل مع الناس، وكيف تقوم بتركيب الجمل بطريقة شرقية وغربية معا!!.

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart