قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

التكفير وتشويه الدين باسم التاريخ الإسلامي

التكفير وخلط الدين بالتاريخ الإسلامي

يجمع علماء الإسلام ومفكروه على أن التاريخ الإسلامي ليس مقدسا، ولا يجب الاستسلام بالكامل لنصه ومضمونه، وأن تلك هي واحدة من أسباب الانهيار الكبير الذي ألم بالعالم الإسلامي اليوم، وهو عندما اعتبر تاريخ الإسلام معصوما ومنزها، بل وأضيف عند البعض إلى مصادر التشريع ومقاصد الشريعة الإسلامية، وذلك لأن التاريخ الإسلامي عبر كل العصور تعرض للتشويه والتحريف من قبل المستشرقين، ومن بعض المسلمين والعرب والعجم، ومن أجل كل ذلك طالب الغيارى على الإسلام كدين وحضارة بضرورة إعادة كتابة التاريخ الإسلامي بشكل حقيقي وعلمي وموضوعي.


وفي هذا السياق يقول المفكر الإسلامي، الدكتور عبدالحليم عويس: (الحقيقة أنه ليس التاريخ الإسلامي وحده هو الذي صنعته وطبخته بطريقة خاصة مطابخ الاستشراق وتلامذة الاستشراق، بل إن الذين صنعوا التاريخ الإسلامي عمدوا إلى تشويه الإسلام تاريخا وحضارة، بحيث ركزوا على مناطق الخلاف بين المسلمين)، فيما يذهب المفكر الإسلامي، أنور الجندي إلى القول: (أنه غلبت على دراسة التاريخ الإسلامي مذاهب الاستشراق، وهي مذاهب غربية أصلا، وقامت في ظل تاريخ أوروبي وغربي له تحدياته وظروفه، مثل الصراع بين الكنيسة والعلماء، وبين الأمراء والشعب، وصراع المذاهب الكاثوليكية والبروتستانتية، وذلك القتال الرهيب بين الملوك والدول والأمم، لهذا كله يجب وضع منهج أصيل في قراءة التاريخ الإسلامي).


وهنا يجب ألا نخلط بشكل واع أو غير واع بين الدين بقداسته التي يمثلها الوحي (القرآن الكريم)، والسنة (الأحاديث النبوية)، والإجماع والقياس وأقوال العلماء الثقات، وبين الرأي والخطاب الديني الذي يستخدمه كل من هبّ ودبّ للدفاع عن نفسه وجماعته وقضيته، حتى لو كان ذلك باطلا بطلانا واضحا، وهو للأسف الخلط الذي انسحب من الدين إلى الخطاب الديني وإلى أصحاب هذا الخطاب أنفسهم، والذين عمدوا إلى تأكيد ذلك المعنى، بالخلط المقصود بين الدين في ذاته وبين خطابهم المصلحي، حتى أصبحوا ينعمون في نظر العامة على الأقل بهيبة مستمدة من قداسة الدين، وبخوف من الزيّ واللباس الذي يرتديه رجل الدين المتكهن عادة.


وهذا كله ما ساعد أصحاب الخطاب الديني السياسي والمصلحي (الحاكم) دوما على خداع الجماهير ضد مصالحها، وتبرير أفظع المظالم وتمرير أشد الفظائع إثما، وذلك باعتبارها مقبولة ومشروعة دينيا، وهو الأمر الذي تدلل عليه إطلالة سريعة على مراحل تاريخية مختلفة من تعاقب دول الخلافة الإسلامية من الصعود إلى السقوط، وبعدها تاريخ الأنظمة الثيوقراطية والديكتاتورية والسلطوية الشمولية، سواء في أوروبا أو في بلادنا العربية والإسلامية، وذلك عندما كان الناس يحكمون بمساندة رجال الدين أو بهم مباشرة، خاصة عندما يدّعون لأنفسهم ميزة سربلهم الله تعالى بها أو حقا إلهيا مزعوما، سواء كان الداعي إلى ذلك أميرا أو ملكا أو سلطانا أو خليفة أو إمبراطورا.


ولهذا كله يجب أن نعي هذا الخلط جيدا، وذلك لأن اليوم ومع كل ما نسمع ونقرأ من كلام مرسل، لم نعد نستطيع أن نفرق بوضوح بين الدين وبين المشتغلين بأمور الدين، وبين الدين وبين الخطاب الديني، وبين الدين في ذاته كمقدس سرّ تقديسه الوحي الإلهي، وبين الفكر الديني الذي يشرح أو يفسر أو يضيف أو يؤول أو يستخدم ذلك الوحي لمأربه الخاصة بدل أن يكون لوجه الله تعالى، حيث أصبح هناك تزييف هائل للشعارات الإسلامية، وتشويه وتلطيخ لدين الإسلام نفسه، تارة عن جهل وتارة أخرى عن عمد، وهؤلاء الانتهازيون من كل شكل ولون ونوع، والذين يخرجون ببضاعتهم المزيفة على الناس كل يوم، حولوا الإسلام للأسف إلى رصاصة غادرة بحق الآخرين، وطوعوا الآيات والأحاديث لتتوافق مع أهوائهم ومصالحهم الخاصة والضيقة.


والعجيب أن هؤلاء القوم لم يتوقفوا عند حدود ما سبق من أباطيل، بل بدأو بتكفير كل مخالف ومعارض ورافض لهم ولأفكارهم وتوجهاتهم الشاذة والباطلة، كما أن الذي يسمح ويتيح لنفسه منهم تكفير وقتل المسلم أو غير المسلم، لم يرقى ولن يرقى إلى درجة الاجتهاد التي تتيح له صناعة الفتوى أو استنباط الحكم الشرعي اللازم لمثل هذا الفعل أو ذاك، إضافة إلى أن معظم هؤلاء التكفيريين، والذين يقومون بأعمال عنف لفظي أو نفسي أو جسدي في حق الآخرين، هم في الحقيقة فقط مثقفو دروس وأشرطة وفيديوهات لبعض الغلاة من شيوخهم، والذين يقدمون الإسلام على أنه دين سيف وليس دين قلم، دين امتهان الروح وليس دين تقديس الروح، دين صدام وليس دين حوار، دين ظلم وقتل وليس دين رحمة وسماحة ومكارم أخلاق.


وهكذا للأسف بات التكفير مذهبا وأطروحة وعقيدة للكثيرين، كما وليس صحيحا أن التطرف الذي نشهده اليوم وافد جديد على الإسلام، وذلك لأن التاريخ السياسي للإسلام كان مزدحما بنصوص التكفير من كثير من الفرق والطوائف والجماعات، فالإسلام كان يبني الحياة والتكفيريون كانوا يدمرونها، الإسلام كان يقدس حياة الإنسان والتكفيريون كانوا يذبحونه، الإسلام كان يأمر بالحكمة والموعظة الحسنة، والتكفيريون كان ديدنهم الإرهاب والعنف والتهديد، الإسلام كان مع الجمال والرحمة والتكفيريون كانوا عنوان للقبح والبطش، الإسلام كان ينهى عن قتل الشيخ والمرأة والطفل وهدم الصوامع والكنائس، والتكفيريون ألحقوا الأذى حتى بالحيوانات والعجماوات والجمادات، الإسلام جعل روح الإنسان مطلق الإنسان مقدسة، والتكفيريون عينوا أنفسهم وكلاء لملك الموت في قبض الأرواح، الإسلام جعل الدين في المعاملة والتكفيريون نفروا الجميع من الإسلام بسبب معاملاتهم.


 الإسلام كمفهوم هو عبارة عن وعي كوني شامل واحتضان للقوانين والسنن الإلهية، وانسياب جميل ومتناغم مع متطلبات الحياة على هذه الأرض، وهو دين العلم والعقل والأخلاق والسلام، وهو أبعد ما يكون عن هذه التشنجات العدوانية التي نراها من حولنا، والتي لا تعكس سوى أحقاد وسوء أخلاق وجهل أصحابها، كما وأن طريق الإسلام للتغيير الاجتماعي صريح وواضح، حيث يقول الله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11)، فالعبد عنده أسباب وعنده عمل، وعنده إرادة وعنده مشيئة، ولكنه بكل ذلك لا يخرج عن قدر الله تعالى ومشيئته، والواجب عليه أن يستعمل ما استطاع في طاعة الله ورسوله، وأن يستقيم على ما أمره الله تعالى ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم به، وأن يحذر ما نهى الله تعالى ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم عنه، وأن يسأل ربه العون والتوفيق، ليعرف الضار والنافع والخير والشر؛ فإذا استعمل عقله وأسبابه في الخير جازاه الله تعالى على ذلك بالخير العظيم، وأدر عليه نعمه، وجعله في نعمة وعافية بعدما كان في سوء وشر؛ كما وإذا تاب إلى الله تعالى وأناب واستقام؛ فالله جل وعلا بجوده وكرمه يغير حاله السيئة إلى حالة حسنة، وهكذا أيضا إذا كان العبد على راحة واستقامة وهدى، ثم انحرف وحاد عن الطريق، واتبع الهوى والباطل والشيطان، فالله سبحانه قد يعاجله بالعقوبة، وقد يغير عليه حاله للأسوء سبحانه وتعالى؛ وهنا ينبغي له أن يحذر وأن لا يغتر بأنعم الله تعالى عليه.


وأخيرا نقول إن الله تعالى جعل دورنا في التغيير أن يغير كل منا ما بنفسه، فإصلاح كل واحد منا لنفسه هو البداية وأول الطريق، وذلك بحيث يطبق كل منا الشريعة على مملكة نفسه أولا قبل أن يحمل العصا على غيره، ولا يتم هذا إلا بأن نحدث ثورة في الفكر والتاريخ والموروث الإسلامي وننهي التكفير لصالح التفكير، وأصحاب طغيان التكفير لا يخشون شيئا كخشية يقظة عقول الناس وصحوة القلوب، ولا يكرهون أحدا كما يكرهون الداعين إلى الوعي واليقظة والحقيقة، ولا ينقمون على أحد كما ينقمون على من يهزون العقول النائمة والضمائر الغافية، والنفس البشرية حين تستيقن حقيقة الإيمان بدين الإسلام، تستعلي على قوة الظالمين وتستهين ببأس الطغاة، وتنتصر فيها العقيدة الصحيحة على الجهل والباطل والشرور، وذلك للوصول إلى الخلود الدائم في جنات ربها.

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart