قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

أرجوكم لا تقتلوا الكفار

أرجوكم لا تقتلوا الكفار

هدف وغاية النبي محمد صلى الله عليه وسلم وجميع الأنبياء والمرسلين لم يكن أبدًا هو قتل الكفار (المخالفين لهم) وإهلاكهم وإبادتهم وتدميرهم، وإلا لما كان مع الأنبياء حواريون وأصحاب لأن الحواريين والأصحاب كانوا قبل الدعوة كفارًا، لكن كان هدفه صلى الله عليه وسلم وجميع الأنبياء والمرسلين، بل وهدف كل داعية عرف حقيقة الدعوة هو إدخال الناس في دين الله، إدخال الناس في الهداية، إدخال الناس في الرحمة، إدخال الناس في جنة الدنيا وجنة الآخرة، حيث قال الله تعالى عن رسوله محمد: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم 4) وقال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا) (الأحزاب 21)، وهذا الأمر من الوضوح والجلاء بمكان، ولكن البعض قد يعمى أو يتعامى عنه بسبب الفتن وردود الأفعال والغيرة والحماسة والاندفاع.


هذا ولو ذهبنا نعدد النماذج والأمثلة على ذلك من القرآن الكريم والسيرة النبوية وسيرة الصحابة لطال بنا المقام ولكن نذكر بعضها للبيان فقط، وفي قصة الطائف خير شاهد على ذلك، فقد قال ملك الجبال للنبي صلى الله عليه وسلم: (إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين لفعلت) ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يكن هدفه هو تدمير الكفار وقتلهم بل كان هدفه هداية الكفار، ولذا كان جوابه: (لا، إني لأرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبده ولا يشرك به شيئًا)، وهنا نرى كيف فكر صلى الله عليه وسلم في من هم في أصلاب المشركين وكأنه يريد أن يقول: (إذا كان هؤلاء لا أمل في إسلامهم، فإن الأمل في أن يسلم من في أصلابهم)، وأيضًا لما بعث صلى الله عليه وسلم سيدنا علي لأهل خيبر قال له: (لأن يهدي بك الله رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم) وكأنه يقول له: لا يكن همك الغنائم من الإبل وغيرها، بل ليكن همك هداية الناس، وهذا مع كون أهل خيبر من اليهود المعاندين الحاقدين الحاسدين.


أما حكم قتل المدنيين من المسلمين، فلا يخفى على أحد أن دم المسلم من أعظم المحرمات سواء كان مدنيًا أم عسكريًا، حيث قال الله تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) (النساء 93) ولو لم يكن في ذلك إلا هذه الآية لكفت في بيان عظيم هذا الجرم، والآيات والأحاديث في حرمة دم المسلم كثيرة جدًا ولا داعي لإيرادها، لأنها أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر.


كما لا يجوز أيضًا قتل هذه الأصناف الثلاثة (أهل الذمة والمعاهدين والمستأمنين) سواء كانوا مدنيين أم عسكريين، إذ وردت أيضًا الآيات والأحاديث والآثار الكثيرة في الدلالة على ذلك:


– أهل الذمة: هم الكفار الذين أُقروا في دار الإسلام على كفرهم بالتزام الجزية ونفوذ أحكام الإسلام فيهم، وهؤلاء لهم ذمة مؤبدة لأنهم عاهدوا المسلمين على أن يجري عليهم حكم الله ورسوله إذا هم مقيمون في الدار التي يجري فيها حكم الله ورسوله، حيث قال الله تعالى في أهل الذمة: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (التوبة 29).


– المعاهدون: هم الكفار الذين صالحهم إمام المسلمين على إنهاء الحرب مدة معلومة لمصلحة يراها، والعهد هنا هو الصلح المؤقت ويسمى أيضًا الهدنة والمهادنة والمعاهدة والمسالمة والموادعة، فهم صالحوا المسلمين على أن يكونوا في دارهم سواء كان الصلح على مال أو غير مال، ولا تجري عليهم أحكام الإسلام كما تجري على أهل الذمة، لكن عليهم الكف عن محاربة المسلمين، حيث قال الله تعالى في أهل العهد: (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (التوبة 4) وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو: (عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عامًا) وأخرجه أحمد والنسائي بلفظ: (من قتل قتيلًا من أهل الذمة…).


– المستأمن: هو في الأصل الطالب للأمان، وهو الكافر يدخل دار الإسلام بأمان أو المسلم إذا دخل دار الكفار بأمان، وهو الذي يقدم بلاد المسلمين من غير استيطان لها وهؤلاء أربعة أقسام: رسل وتجار ومستجيرون وطالبو حاجة من زيارة أو غيرها، وحكم هؤلاء ألا يهجروا ولا يقتلوا ولا تؤخذ منهم الجزية، وأن يعرض على المستجير منهم الإسلام والقرآن، فإن دخل فيه فذاك وإن أحب اللحاق بمأمنه ألحق به ولم يعرض له قبل وصوله إليه فإذا وصل مأمنه عاد حربيًا كما كان، حيث قال الله تعالى في أهل الأمان: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ) (التوبة 6).


مسائل مهمة تتعلق بأهل الذمة والمعاهدين والمستأمنين


1- إذا لم يأخذ ولي الأمر الجزيةَ من أهل الذمة فلا يجوز أبدًا أن تستحل دماؤهم لأجل ذلك، لأن الجزية قد تسقط عن أهل الذمة في بعض الحالات، ومنها عند استعدادهم للاشتراك في واجب الدفاع عن دار الإسلام.


2- لو فرض أن ولي الأمر قصّر في أخذ الجزية من أهل الذمة مع قعودهم عن الدفاع، فإن هذا لا يبيح دماءهم بلا شك، لأنهم لا يؤخذون بتقصير غيرهم (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، ولأهل الحل والعقد حينئذ أن يوجهوا السؤال لولي الأمر ويقولوا له: لماذا لا تأخذ الجزية من أهل الذمة؟ فإن أبدى عذرًا فذاك وإلا نصحوه بأن لا يقصر في ذلك، فإن استجاب فالحمد لله وإلا فيتحمل هو وزر ذلك ولا دخل لأهل الذمة في تقصيره.


3- إذا امتنع الذمي عن أداء الجزية، فإن ذلك لا يبيح دمه ولا ينتقض بذلك عهده في مذهب الحنفية وغيرهم خلافًا للجمهور، حيث قالوا: (ويحمل امتناعه على العجز ولا ينتقض العهد بالاحتمال).


4- إذا حصل من الذمي تجسس، فلا يستباح بذلك دمه في مذهب الجماهير من أهل العلم، حيث قال جماهير العلماء: (لا ينتقض عهده بذلك قال أصحابنا: إلا أن يكون قد شرط عليه انتقاض العهد بذلك).


5- قتل الذمي للمسلم وزناه بالمسلمة كرهًا وتعرضه للدين بالإساءة كل ذلك لا ينتقض به عهده في مذهب الحنفية وغيرهم خلافًا للجمهور، وإنما يعامل بحسب ما يقتضيه عمله من غير أن ينتقض بذلك عهده، وإذا حصل العكس فقَتل المسلم ذميًا فإنه يقتل به في مذهب الحنفية أيضًا خلافًا للجمهور.


6- حكم الحاكم واختيار ولي الأمر يرفع الخلاف فيما يتعلق بالمسائل المختلف فيها بين أهل العلم في التعامل مع أهل العهد وأهل الذمة والمستأمنين وفي غيرها من المسائل كما هو مقرر عند أهل العلم، حيث قال القرافي في الفروق: (اعلمْ أن حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد يرفع الخلاف ويرجع المخالف عن مذهبه لمذهب الحاكم وتتغير فتياه بعد الحكم عما كانت عليه على القول الصحيح من مذاهب العلماء).


أخيرًا نقول إن سيدنا نوح عليه السلام ابنه كافر ولم يقتله، وسيدنا إبراهيم عليه السلام عمه كافر ولم يقتله، وسيدنا لوط عليه السلام زوجته كافرة ولم يقتلها، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه كافر ولم يقتله، بل وعندما سمع بحضور الموت عمه أبا طالب، سارع في زيارته لعرض الإسلام عليه مرة أخيرة، وحزن عليه عندما لم يقبل الإسلام، فما بال المسلمين اليوم يقتلون بعضهم البعض ويقتلون الآخرين! ومن أقنعهم أن طريق الجنة فوق جثث المسلمين؟


رابط المقال في ساسة بوست:

https://www.sasapost.com/opinion/do-not-kill-non-muslims/

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart