استفتاء أردوغان ليس تفويضا شعبيا مفتوحا
فوز الرئيس رجب طيب أردوغان في الاستفتاء التركي الذي جرى يوم الأحد 16/04/2017م لم يكن مفاجئًا، بل كان متوقعًا إلى حد كبير؛ وذلك لأن أردوغان وحزبه الحاكم: العدالة والتنمية، يملكان قاعدة شعبية عريضة في الوقت الراهن على الساحة السياسية التركية، والتي جاءت نتيجة إنجازات اقتصادية ضخمة على مدى سنوات سابقة، هذا وبسبب وجود معارضة سياسية ضعيفة ومهلهلة ومحيط إقليمي ملتهب، استطاع أردوغان نسج عدد من التحالفات السياسية – الآنية والمؤقتة – مما أعطاه القدرة الكبيرة على الحشد والتحشيد، مستغلًا بذلك ذكاءه، أو بالأحرى خبثه السياسي في كيفية اختيار الأعداء – وقتيًا – وتوجيه الرأي العام التركي ضدهم، مما جعله اللاعب الرئيس الأول على الخريطة السياسية التركية بلا منازع.
كما لا يمكن لذي عينين ألا يرى الجانب الشخصي في تمرير هكذا تعديل في نظام الحكم، فأردوغان الطموح المجسد في ذاته صفات الزعيم بكل مميزاتها ومثالبها، يريد أن يحصل على أوسع سلطة تنفيذية ممكنة في البلاد وبصورة مباشرة.
لهذا يقدم أردوغان نفسه للشعب التركي بعد الاستفتاء بصفته «أتاتورك جديد» – لفظًا ومعنى – فهو باني تركيا الجديدة والتي يراد لها أن ترث الجمهورية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك عقب حرب الاستقلال، لكن الرئيس أردوغان نجح بهذا الفوز أيضًا في كسر هيبة كمال أتاتورك مؤسس تركية الحديثة، ووجه ضربة قوية إلى إرثه السياسي الذي أراد حرف الهوية التركية من هوية إسلامية إلى هوية أوروبية غربية، وهذه حقيقة لا يجب إغفالها أو التقليل من شأنها وتداعياتها المستقبلية على تركيا والمنطقة بأسرها.
تحويل تركيا من نظام برلماني إلى رئاسي، يعطي أردوغان صلاحيات تنفيذية وتشريعية مطلقة، ويطلق يديه في رسم السياسات الداخلية والخارجية وإعلان الحروب دون منازع، حيث سيتم إلغاء منصب رئيس الوزراء، وبذلك سيكون بمقدور الرئيس تعيين الوزراء والسيطرة بالكامل على كل مؤسسات الدولة، بما في ذلك الجيش، والمحكمة الدستورية، والنظام القضائي.
هذا وستتيح هذه التعديلات كما تقول وسائل الإعلام لأردوغان بأن يبقى في السلطة حتى عام 2029! وحتى لو فرضنا أن أردوغان لم يسئ – ولن يسيء – استخدام هذه التعديلات أثناء حكمه، فليس هناك ما يضمن أن من يخلفه لن يوظف هذه التعديلات لإقامة نظام ديكتاتوري ومستبد.
وهكذا سيعمل أردوغان على فرض طموحاته السلطانية، واجتثاث خصومه داخل تركيا، معيدًا بذلك الإرث العثماني – حلم أردوغان – وإزالة إرث كمال أتاتورك، وفي هذا السياق يصبح مفهومًا تصريح أردوغان الدعائي، بأن هدف التعديلات الدستورية هو إنهاء حكم «بؤر الوصاية والأوليجاركية» القائم في تركيا، وتضحي زيارة أردوغان لأضرحة «مندريس»، و«أوزال»، و«أربكان» صبيحة اليوم التالي للتصويت واضحة المعنى والرمزية.
فأردوغان يريد فعلًا أن يكون سلطانًا عثمانيًا يتفرد بالحكم، ولا يستمع مطلقًا للرأي الآخر الذي يعارضه أو يختلف معه حتى من أقرب المقربين إليه، ولنا في إبعاد السيدين عبد الله غول وأحمد داوود أوغلو، بالإضافة إلى الانقلاب على فتح الله غولن وجماعته، أسطع الأمثلة في هذا المضمار، لكن ندعو الله تعالى أن هوس العظمة المتأصل لدى أردوغان لا يقوده هو وبلاده الى التهلكة، ويكون سببا في تقديم الذرائع للقوى الأجنبية وأعداء الداخل والخارج للتآمر عليها.
هذا ومع التأكيد أن انتصار أردوغان وحزبه جاء عبر صناديق الاقتراع، وليس من خلال انقلاب عسكري كما كان سائدًا في السابق، إلا أنه في الوقت نفسه ليس تفويضًا شعبيًا كبيرًا أو مفتوحًا، يؤهله لإدارة البلاد كسلطان، دون مشاكل أو مطبات، فنسبة الفوز كانت محدودة 51.2% مقابل 48٫8٪ للمعارضين من مجموع المشاركين، مما يعني أن ما يقرب من نصف الشعب التركي لم يمنحه هذا التفويض الذي يريد، وسيبقون في المعسكر المضاد، خاصة من أبناء المدن الكبرى التي تشكل العصب التركي الرئيس سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، مثل إسطنبول وأنقرة وأزمير، وهي المدن ذات الكثافة السكانية العالية.
لهذا فإن هذا الاستفتاء والفوز فيه ربما يكون مكلفًا في السنوات المقبلة لصاحبه وحزبه معًا؛ لأنه كشف عن حالة استقطاب طائفي وعرقي ومناطقي غير مسبوقة في تركيا، مثلما كشفت عن انقسام تركيا إلى معسكرين كبيرين، واحد مع الرئيس وحزبه، والثاني يقف في المعسكر المضاد، الأمر الذي قد يتطور إلى مواجهات مستقبلية.
أخيرًا نقول إن هذا الاستفتاء يجب أن يتم توظيفه في مصلحة تركيا كلها، وليس في مصلحة أردوغان فقط وحزبه، بحيث يجب العمل الآن على توحيد تركيا، ومواجهة التحديات الحقيقية، والتي من أبرزها وقف التدهور الاقتصادي المستمر، والمعركة الداخلية مع الأكراد ومناصريها، وحروب الاستنزاف التي تخوضها تركيا في دول الجوار؛ لأن حجم الأعداء سيتضخم عددًا وقوة في الداخل والخارج.
https://www.sasapost.com/opinion/erdogans-referendum-is-not-an-open-popular-mandate/