لبيك وسعديك يا ترامب
لقد وجه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز دعوات إلى زعماء أكثر من 50 دولة عربية وإسلامية لحضور لقاء قمة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء زيارته للرياض تحت مسمى (القمة العربية الإسلامية الأمريكية)، حيث كان الهدف الرئيسي والأساسي لهذه القمة هو تتويج ترامب زعيمًا لتحالف يضم هذه الدول، بالإضافة إلى تبرئة ساحته وتنظيف سمعته، كرئيس أمريكي يكن كراهية للإسلام والمسلمين، ويناصبنا العداء نحن العرب والمسلمين من منطلقات عنصرية صرفة، والتي عبر عنها بكل صفاقة في الأيام الأولى لرئاسته، وذلك عندما أصدر تشريعًا بمنع مواطني ست دول عربية من دخول الولايات المتحدة، ما زال ساري المفعول حتى الآن، كما أنه لم يظهر أي ود تجاه دول الخليج والسعودية نفسها، عندما مارس أبشع أنواع الابتزاز المالي لها، وقال إنها يجب أن تدفع ثمن حماية أمريكا لها التي لولاها لاختفت من الوجود.
لكن أستغرب أو يجب أن لا أستغرب من هذا الاحتفال الكبير الذي خصت به المملكة العربية السعودية الرئيس ترامب، وهو الذي اتهمها مؤخرًا بالوقوف وراء عمليات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، كما كان قد طلب وقف استيراد النفط منها بشكل كامل، وهو الذي قال أيضًا قبل بضعة أشهر: «في السعودية يرغبون في قتل المثليين وتحويل النساء إلى أدوات للمتعة»، طبعًا دون أن ننسى ما كتب عبر حسابه الرسمي على «تويتر» في تغريدة سابقة قبل توليه الرئاسة، نشرت في 11 سبتمبر 2014 ولا تزال على حسابه حتى الآن، قائلًا: «السعودية هي لا شيء، ولكن عبارة عن أفواه متحدثين ومتنمرين وجبناء. لديهم المال ولكن ليست لديهم الجرأة».
زيارة الزعيم الروحي ترامب إلى بلاد الحرمين، ورقصته بالسيف، واجتماع الزعماء العرب والمسلمين حوله من كل حدب وصوب، وهو الذي لم يتولَّ الحكم إلا قبل مئة يوم ونيف، شكلت مصدر إلهام وإيحاء للمحللين السياسيين في الإعلام الصهيوني، الذين استغلوا هذا الاستقبال الفاخر للتندر والتهكم على العرب والمسلمين بشكلٍ عامٍ، وعلى السعوديين بشكل خاص، والتي كان ملخصها هو تكريس للنظرية القائلة إن العرب والمسلمين هم جماعة من المنافقين والمدلسين، الذين يتهافتون من جميع أرجاء الوطن العربي والإسلامي لاستقبال الرئيس الذي أكد أكثر من مرة على أنه يكره الإسلام.
أما الهدف الحقيقي لهذه القمة والذي يمثل الرؤية الاستراتيجية السعودية الأمريكية، فهو تجريم وتحريم المقاومة للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، والقضاء على أي خطر يمكن أن يهددها، واعتبار حماس والجهاد وحزب الله وباقي حركات المقاومة الأخرى منظمات إرهابية مثل القاعدة وطالبان وداعش وجبهة النصرة، والعمل على حشد العالم العربي والإسلامي لتشكيل حلف تحت قيادة أمريكا ومشاركة إسرائيل لمحاربتها، وأن التطرف في مفهوم الرئيس الأمريكي ومضيفيه يعني العداء لإسرائيل وأمريكا، أما الاعتدال فهو الانضواء تحت جناحيهما والقبول بهما وكل سياساتهما، وبهذا فإن إيران والتي وصفها ترامب بأنها تنشر الدمار والفوضى وتؤجج الصراع الطائفي في المنطقة، وتشكل رأس حربة في دعم الإرهاب وميليشياته، فهي العدو الذي تجب محاربته وليس إسرائيل الحضارية، صديقة وحليفة العرب والمسلمين.
هذا ويجب التأكيد على أن ترامب زار السعودية لبيع الأسلحة أولًا، وتحصيل للضرائب أو بالأحرى للإتاوات الدفاعية ثانيًا، وذلك لابتزاز أكبر قدر ممكن من المليارات السعودية، ويبدو أنه لم يحتَجْ إلى جهد كبير لتحقيق هذا الهدف، فالخزائن السعودية مفتوحة على مصراعيها، وبذلك سيكون ترامب قد ضمن إبرام أكبر صفقات تسليح في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، وسيكون أيضًا قد وفى بالوعد الذي قطعه على نفسه أثناء حملته الانتخابية، وتحديدًا هو حمل آل سعود على الدفع، بما في ذلك دفع ثمن الصواريخ التي لن يتسنى لهم استخدامها بتاتًا.
فقد جرى توقيع عدد كبير من صفقات الأسلحة الضخمة، العسكرية والاستثمارية، بين المسؤولين السعوديين والأمريكيين، فأما الصفقات العسكرية، فقد بلغت قيمتها 460 مليار دولار من بينها فقرة فورية التسليم بحدود 110 مليار دولار، تشمل منظومة صواريخ «ثاد» المضادة للصواريخ، ومنصات بحرية، وذخائر وقنابل ذكية، والباقي، أي 350 مليار دولار، فسيجري تسليمها على مدى السنوات العشر المقبلة، هذا عدا الصفقات والاستثمارات المالية السعودية في مشاريع البنى التحتية الأمريكية.
طبعًا كل هذه الصفقات العسكرية وأرقامها الخيالية، لا تحقق التفوق العسكري السعودي في منطقة الشرق الأوسط ولا تكسر احتكار إسرائيل له، فهي حتى لا تضم طائرات حربية مثل «إف 35» التي حصلت عليها إسرائيل قبل عدة سنوات، وبذلك سوف تظل إسرائيل متفوقة عسكريًا، لأنه وبكل تأكيد فإن هذه الصفقات وما تضمه من معدات عسكرية، غير موجهة على الإطلاق، لا اليوم ولا بعد عشرات السنين لتحرير فلسطين والمسجد الأقصى، وإنما لمحاربة دول عربية وإسلامية أقل تقدمًا في مجال الدفاع مثل ما يحدث في اليمن الآن أو لدعم جماعات مناوئة للأنظمة كما في العراق وسوريا ومن الممكن قريبًا في إيران وغيرها من الدول.
وهكذا فإن الثروات السعودية يجري رهنها وتوظيفها في خدمة مخطط يرمي إلى توفير الحماية والاستقرار لإسرائيل لعقود قادمة، ومحاربة كل من يشهر سيف العداء لها، هذا بالإضافة إلى العمل على إنقاذ الاقتصاد الأمريكي، وترجمة وعود ترامب الانتخابية على شكل استثمارات ضخمة في البنى التحتية، وتوفير الوظائف لناخبيه البيض (العنصريين) لإنقاذ شعبيته المنهارة، ومن هنا يصبح اختيار الرئيس ترامب للعاصمة السعودية الرياض لكي تكون محطته الخارجية الأولى بعد توليه الحكم، لم يكن بسبب مكانتها الدينية أو السياسية أو تزعمها للعالم الإسلامي، وإنما لأنها تستطيع دفع الثمن أو الرسوم المطلوبة، لا أكثر ولا أقل.
الرئيس ترامب طالب السعودية ودول الخليج بدفع ثمن الحماية الأمريكية لها، فهو يرى باعتباره رجل أعمال وتاجرًا أن هذه الحماية لا يمكن أن تكون مجانية، ولهذا جرى الاتفاق مثلما هو الحال في كل الصفقات التجارية على طريقة الدفع، وطريقة الدفع هنا تمت عن طريق صفقات، بعضها عسكري مثلما هو الحال في صفقة الأسلحة هذه، والبعض الآخر استثماري.
ولكن السؤال المهم هو من أين ستأتي الأموال التي ستمكن القيادة السعودية من الإيفاء بهذه التعهدات، فبيع 5% من أسهم شركة أرامكو لا يغطي ربع هذه التعهدات، ثم إن العجز في ميزانية السعودية للعام الحالي يقدر بحوالي 84 مليار دولار، يضاف إليها حوالي 13 مليار دولار هي قيمة التراجع عن قرار وقف العلاوات والبدلات لموظفي الدولة، أما السؤال الأهم فهو ماذا عن مشاريع البنى التحتية السعودية؟ وماذا عن رفاهية المواطن السعودي؟ وماذا عن دعم السلع والخدمات الأساسية في السعودية؟
أخيرًا نقول إن المملكة العربية السعودية بدأت تفقد حاليًا هيبتها أو على الأقل معظمها، بالإضافة إلى قوتها المالية الناعمة، وهذه خسارة كبرى من الصعب تعويضها في جميع الأحوال، ورحم الله الشاعر أحمد مطر القائل:
أمس اتصلت باﻷمل، قلت له: هل ممكن أن يخرج العطر لنا من الفسيخ والبصل؟
قال: أجل.
قلت: وهل يمكن أن تشعل نار بالبلل؟
قال: بلى.
قلت: وهل من حنظل يمكن تقطير العسل؟
قال: نعم.
قلت: وهل يمكن وضع اﻷرض في جيب زحل؟
قال: نعم. بلى.. أجل، فكل شيء محتمل.
قلت: إذن عربنا سيشعرون بالخجل.
قال: تعال ابصق على وجهي إذا هذا
حصل!
رابط المقال
في ساسة بوست:
https://www.sasapost.com/opinion/for-you-trump/