المناوشات الإيرانية الإسرائيلية على الأرض السورية وغياب الرد الروسي
حفل حدث الضربات الإسرائيلية/الإيرانية المتبادلة مؤخرًا بالكثير من المفاجآت والمفارقات، حيث لم تكتف إيران بتلقي الضربات الموجعة هذه المرة، ولكنها ردت بـ55 صاروخًا وجهتها إلى مواقع في الدولة العبرية، في الوقت الذي استمر فيه الهجوم الإسرائيلي ساعات طويلة واستهدف حسب الناطقين باسم تل أبيب، كل البنية التحتية العسكرية الإيرانية داخل سوريا، كما أن المفارقة في هذه المعركة كانت بحدوثها على أراضي وأجواء بلد ثالث (سوريا)، وهو ما يعني أنه يجري بين طرفين إقليميين على أرض بلد فاقد للسيادة تقريبًا.
ليس جديدًا طبعًا أن تقصف الصواريخ الإسرائيلية أهدافًا عسكرية في العمق السوري، فقد أغارت طائراتها أكثر من 100 مرة في السنوات القليلة الماضية على هذه الأهداف، وباعتراف قادتها العسكريين، ولكن الجديد وغير المسبوق أن تصل الصواريخ الإيرانية إلى هضبة الجولان، وتفشل القبة الحديدية الإسرائيلية في اعتراض عدد منها، وهي التي كان يتم تقديمها على أنها الحامية والمنقذة لإسرائيل من صواريخ حزب الله وسوريا وإيران.
هذا وقد تناولت كل وسائل الإعلام العربية والعالمية الهجوم الصاروخي المتبادل بين سوريا وإسرائيل، إلا أن أغلب وسائل الإعلام العربية الرئيسة، مثل وسائل الإعلام السعودية، وعلى رأسها قناة العربية، إضافة إلى قناة الجزيرة القطرية وغيرها، سقطت أو عملت على الترويج للرواية الإسرائيلية عن قصد وبدون وعي إعلامي وتهميش الرواية السورية، وذلك من باب العداء لسوريا وإيران وحزب الله، كما أنها تجاهلت التطور النوعي في هذا الرد العسكري وهو أحقية سوريا بالرد على الصواريخ الإسرائيلية، رغم مبرر تل أبيب أنها تستهدف إيران، كما تناست أن صواريخ سوريا تقصف لأول مرة ومنذ عقود مناطق تحت الاحتلال الإسرائيلي في الجولان السوري المحتل.
وصول جل الصواريخ المنطلقة من الأرض السورية إلى أهدافها ثبّت حقيقة أن القبة الحديدية الإسرائيلية عاجزة عن حماية الجبهة الداخلية في إسرائيل، حيث تم تصوير الفيديوهات خلال الهجوم من قبل العديد من الإسرائيليين، والتي أكدت بشكل لا يترك مجالًا للشك بأن مواطني شمال كيان الاحتلال أُصيبوا بحالة من التوجس والفزع والذعر، وذلك لدى انطلاق صفارات الإنذار وسماعهم دوي الانفجارات في الجولان المحتل، كما ونقلت شركة الأخبار الإسرائيلية عن رؤساء السلطات المحلية في مستوطنات الجولان المحتل قولهم إن بلداتهم تعرضت لخسائر اقتصادية جسيمة، وأنهم يطالبون الحكومة الإسرائيلية بدفع تعويضات لهم عن هذه الخسائر، إضافة إلى إلغاء حجوزات السياح الأجانب والمحليين في الفنادق الكبيرة والصغيرة على حدّ سواء، وذلك نظرًا للتوتر الأمني الحاصل في الجبهة الشمالية مؤخرًا، وهذا يذكرنا بما كانت إسرائيل تدعيه بعدم تعرضها لخسائر إبان حرب تموز ضد حزب الله، بحيث ظهر مع مرور الوقت كم الخسائر الفادحة التي تكبدتها، ومنها تعرض أكثر من 100 دبابة للعطب والخروج من الخدمة العسكرية، إضافة إلى الخسائر المادية والاقتصادية الجمة وغيرها الكثير.
وزير الحرب الإسرائيلي، إفيغدور ليبرمان، يكذب كعادته عندما يقول إن الصواريخ التي أطلقتها طائراته دمرت البنية التحتية العسكرية الإيرانية في سورية بالكامل، وذلك لأن نصف هذه الصواريخ (80 صاروخًا) جرى اعتراضها حسب بيان وزارة الدفاع الروسية، كما أن 100 غارة إسرائيلية قبلها استهدفت البنى التحتية لسورية ولحزب الله على مدى السنوات القليلة الماضية، ودون أن يعترضها أحد، فشلت جميعها في القضاء عليها، بل وتضخمت هذه الترسانة بشكل لافت في السنوات الأخيرة، كما أنه في العلم العسكري أو الحربي، لا بد وفق خبراء أن تتخذ الدولة المعتدى عليها أو المعرضة للاعتداءات بشكل دائم ومستمر بعض الإجراءات الاحترازية تحسبًا لضربات عسكرية على مواقعها، وذلك لتقليل الخسائر البشرية والمادية، وقد تخلي مواقع معينة بعينها، وتستعد في مواقع أُخرى، وهذا ينطبق بالتأكيد على الجيش السوري وحلفائه الإيرانيين بطبيعة الحال، والذين يخوضون معركة معًا منذ سبع سنوات أصلًا، إلا أنه في الوقت نفسه لا يمكن الاستهانة بالخسائر التي تسببت فيها إسرائيل للقوات الإيرانية والسورية، لأن القصف كان عنيفًا وبالصواريخ، لكنه يبقى أقل مما تدعيه إسرائيل، وذلك بحكم عدم تمركز القوات السورية والإيرانية في مكان واحد بهدف امتصاص الضربات وجعل الخسائر في حدها الأدنى.
هذا وتكشف الغارات الإسرائيلية المتكررة على مواقع النظام السوري والضربات التي تتلقاها القواعد الإيرانية في سوريا أن تل أبيب لن تسمح بتواجد إيراني على حدودها أو بإنتاج (وجود) أسلحة استراتيجية في سوريا، وأن الكيان الصهيوني عازم على فرض خطوطه الحمراء إذا ما أهملتها القوى الكبرى، وأن حضور الدفاعات الجوية الروسية لن يعيق توجيه الضربات لأي هدف تراه إسرائيل يهدد أمنها، وأن الضربة الأخيرة كانت بهدف تطويق إيران وزرع الخوف فيها، واستثمار سريع لانسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني.
طبعًا كان لافتًا عدم الرد الروسي على هذا القصف وغيره، وغياب منظومات الصواريخ الروسية من طراز (إس 300) في هذه المعركة، ولماذا لم تف موسكو بوعودها إلى سورية بتزويدها بمثل هذه المنظومات في ظل تزايد الاعتداءات الإسرائيلية؟ وهنا يتضح الدور الروسي الملتبس والاشكالي في سوريا، فروسيا منذ تدخلت كأصيل في الحرب السورية تحت مسمى محاربة (الإرهاب)، كانت تستهدف حماية النظام عن طريق قتل كان من تجرأ عليه أو شق عصى الطاعة عليه، باختصار كل ما تفعله روسيا في سوريا تكون مصالحها هي من يحركها، كما وأنها بحمايتها ودعمها لـ (النظام) إنما تحميه لأنه كان ولا يزال الضامن الوحيد لهذه المصالح، فهي لا ترد إلا عندما يكون الفعل الذي يستهدف (النظام) داخل سوريا لا معاديًا (إسرائيليًا) حتى الآن، وإن ما نشرته من عتاد عسكري متطور سواء مضادات جوية أو طائرات، معني به الحراك الداخلي لا دولة الكيان، وهذا قد يؤكد أنها أضعف من أن تواجه أمريكا أو إسرائيل في سوريا بشكل مباشر وواضح، لكن في الوقت عينه فإن أي هجوم إسرائيلي على المنظومات والقواعد الروسية سيتمثل برد روسي وإسقاط الطائرات أو الصواريخ الإسرائيلية المغيرة حسب ما هو متوقع، إلا أنه وبلا شك هناك ضمانات وتطمينات أمريكية وإسرائيلية للروس بأنهم لن يتم استهداف مناطق تواجدهم في سوريا كما أنهم لن يمسوا بشار ونظامه، وإنما هي ضربات محدودة للإيرانيين لتقليم أظافرهم، الأمر الذي لا يعارضه بوتين أصلا كي لا تطالب إيران بأكبر من حصتها المحددة لها في سوريا على حساب روسيا، وكون ذلك أيضا يقلص من نفوذ إيران ويجعلها تلجأ لها، وبالتالي ستقوم روسيا بفرض شروطها على إيران، فهذا مآل يخدم الاستثمار الروسي في المنطقة على المدى القريب والبعيد معًا، خاصة في ضوء التقارير المتزايدة التي تتحدث عن منافسة شرسة بين موسكو وطهران على اكتساب المزيد من النفوذ على الأرض السورية.
الحرب غير المباشرة أو بالإنابة بين الجانبين الإيراني والإسرائيلي على أرض سورية ولبنان لم تتوقف مطلقا منذ هزيمة المقاومة (حزب الله) للجيش الإسرائيلي مرتين، الأولى عام 2000 عندما انسحب هذا الجيش مهزومًا ومنهيًا احتلاله لجنوب لبنان، والثانِية أثناء العدوان الإسرائيلي في يوليو (تموز) عام 2006، لكن هذه الحرب ستنتقل إلى مرحلة المواجهة المباشرة قَريبا جدا بين الجانبين، سواء محدودة على الأراضي السورية أو شاملة على أربع جبهات في لبنان وسورية وإيران وفلسطين المحتلة، فترسانة إيران وحزب الله وسورية من الصواريخ المتطورة كبيرة جدًا، ويصل تعدادها إلى مئات الآلاف من مختلف الأحجام والأبعاد، وهي كافية لإلحاق أضرار جسيمة إن لم تكن هزيمة كبرى بدولة الاحتلال ومستوطنيها، حيث إن صواريخ المقاومة قَطعًا ستصل بعشرات الآلاف إلى جميع مدنها ومستوطناتها ومطاراتها من أكثر من جبهة، كما أن الحروب التي خاضتها إيران أو حلفاؤها وأذرعتها العسكرية طوال العشرين عامًا الماضية انتهت بالانتصار، سواء في سوريا أو لبنان أو العراق، بينما لم تخض إسرائيل أي حرب في الفترة الزمنية نفسها إلا وخسرتها، سواء في لبنان أو قطاع غزة وأخيرًا في سوريا.
أخيرًا نقول إن هذه الهجمات الصاروخية المتبادلة قد تضع إيران وإسرائيل على الحافة بالفعل، كما أن هناك مناخات لمعارك عسكرية قريبة بين طهران وتل أبيب على أرض سوريا، والتي تنطوي على احتمالات الانقلاب إلى حرب مفتوحة وشاملة بين أقوى قوتين إقليميتين في منطقة الشرق الأوسط، وذلك لأن هذه هي المرة الأولى التي تدخل فيها إيران الحرب بشكل مباشر ضد إسرائيل، فيما أصبح الصراع بين محور يضم بعض العرب وإيران، في حين تدفع السعودية إسرائيل والولايات المتحدة إلى مواجهة ايران عسكريا ليس فقط في سوريا، وإنما ضرب طهران ذاتها، كما أن انفجار أي حرب إيرانية إسرائيلية على الأرض السورية ربما يورط الدولتين العظمتين أمريكا وروسيا فيها حتمًا، وذلك رغم محاولاتهما الحثيثة لضبط النفس، هذا وقد يكون القرار بشن عدوان إسرائيلي عربي على إيران قد صدر، ونقطة الصفر أي تنفيذه اقتربت وباتت وشيكة، ونحن الآن في انتظار الذريعة، فإفيغدور ليبرمان، وزير الحرب الإسرائيلي، قال في تصريحٍ لصحيفة (الجيروزاليم بوست) أن إسرائيل لديها ثلاث مشاكل هي: إيران.. ثم إيران.. ثم إيران، التي تزعزع استقرار الشرق الأوسط وتزرع وكلاءها حول إسرائيل.
سوريا أصبحت
مرتعًا يلهو على أرضها الجميع بلا هوادة، فالكل يريد الانقضاض عليها ونهب ثرواتها
واحتلالها وتقسيمها، وخيوط المؤامرة الغربية بدأت تتكشف ووجب التصدي لها، وعلى
رأسهم القوى الصهيونية والغرب المنافق، فكيف تفترض القيادة الإسرائيلية أنه من
حقها الاستمرار في شن الغارات العدوانية على أهداف سورية ولبنانية وفلسطينية، دون
أن يعترِضها أحد، وإن تم هذا الاعتراض فهو جريمة تستحق الرد؟ كما أنه من قمة
الوقاحة والغطرسة أن تهدد إسرائيل وتضرب في سوريا وغيرها، فيما يتم حرمان سوريا
وحلفائها من حق الدفاع عن النفس في مواجهة هذه الانتهاكات الإسرائيلية لأجوائها
وسيادتها الوطنية، فحق الدفاع عن النفس كفلته كل القوانين الوضعية والسماوية، وهذا
الغرور الإسرائيلي الوقح يجب أن ينتهي في أسرع وقت ممكن.
رابط المقال
في ساسة بوست: