مواطنون دونما وطن
مواطنون دونما وطن
مطاردون كالعصافير على خرائط الزمن
مسافرون دون أوراق ... وموتى دونما كفن
نحن بغايا العصر
كل حاكم يبيعنا ويقبض الثمن
نحن جواري القصر
يرسلوننا من حجرة لحجرة
من قبضة لقبضة
من مالك لمالك ومن وثن إلى وثن
نركض كالكلاب كل ليلة
من عدن لطنجة
ومن طنجة إلى عدن
نبحث عن قبيلة تقبلنا
نبحث عن ستارة تسترنا وعن سكن
وحولنا أولادنا
احدودبت ظهورهم وشاخوا
وهم يفتشون في المعاجم القديمة
عن جنة نظيرة
عن كذبة كبيرة ... كبيرة
تدعى الوطن
مواطنون نحن فى مدائن البكاء
قهوتنا مصنوعة من دم كربلاء
حنطتنا معجونة بلحم كربلاء
طعامنا ... شرابنا
عاداتنا ... راياتنا
زهورنا ... قبورنا
جلودنا مختومة بختم كربلاء
لا أحد يعرفنا في هذه الصحراء
لا نخلة ... ولا ناقة
لا وتد ... ولا حجر
لا هند ... لا عفراء
أوراقنا مريبة
أفكارنا غريبة
أسماؤنا لا تشبه الأسماء
فلا الذين يشربون النفط يعرفوننا
ولا الذين يشربون الدمع والشقاء
معتقلون داخل النص الذى يكتبه حكامنا
معتقلون داخل الدين كما فسره إمامنا
معتقلون داخل الحزن ... وأحلى ما بنا أحزاننا
مراقبون نحن في المقهى ... وفي البيت
وفي أرحام أمهاتنا
حيث تلفتنا وجدنا المخبر السري في انتظارنا
يشرب من قهوتنا
ينام في فراشنا
يعبث في بريدنا
ينكش في أوراقنا
يدخل في أنوفنا
يخرج من سعالنا
لساننا ... مقطوع
ورأسنا ... مقطوع
وخبزنا مبلل بالخوف والدموع
إذا تظلمنا إلى حامي الحمى
قيل لنا: ممنوع
وإذا تضرعنا إلى رب السما
قيل لنا: ممنوع
وإن هتفنا ... يا رسول الله كن في عوننا
يعطوننا تأشيرة من غير ما رجوع
وإن طلبنا قلما لنكتب القصيدة الأخيرة
أو نكتب الوصية الأخيرة
قبيل أن نموت شنقا
غيروا الموضوع
يا وطنى المصلوب فوق حائط الكراهية
يا كرة النار التي تسير نحو الهاوية
لا أحد من مضر ... أو من بني ثقيف
أعطي لهذا الوطن الغارق بالنزيف
زجاجة من دمه
أو بوله الشريف
لا أحد على امتداد هذه العباءة المرقعة
أهداك يوما معطفا أو قبعة
يا وطني المكسور مثل عشبة الخريف
مقتلعون نحن كالأشجار من مكاننا
مهجرون من أمانينا وذكرياتنا
عيوننا تخاف من أصواتنا
حكامنا آلهة يجرى الدم الأزرق فى عروقهم
ونحن نسل الجارية
لا سادة الحجاز يعرفوننا ... ولا رعاع البادية
ولا أبو الطيب يستضيفنا ... ولا أبو العتاهية
إذا مضى طاغية
سلمنا لطاغية
مهاجرون نحن من مرافيء التعب
لا أحد يريدنا
من بحر بيروت إلى بحر العرب
لا الفاطميون ... ولا القرامطة
ولا المماليك … ولا البرامكة
ولا الشياطين ... ولا الملائكة
لا أحد يريدنا
لا أحد يقرؤنا
فى مدن الملح التي تذبح في العام ملايين الكتب
لا أحد يقرؤنا
في مدن صارت بها مباحث
الدولة عراب الأدب
مسافرون نحن في سفينة الأحزان
قائدنا مرتزق
وشيخنا قرصان
مكومون داخل الأقفاص كالجرذان
لا مرفأ يقبلنا
لا حانة تقبلنا
كل الجوازات التى نحملها
أصدرها الشيطان
كل الكتابات التى نكتبها
لا تعجب السلطان
مسافرون خارج الزمان والمكان
مسافرون ضيعوا نقودهم ... وضيعوا متاعهم
ضيعوا أبناءهم ... وضيعوا أسمائهم ... وضيعوا إنتمائهم
وضيعوا الإحساس بالأمان
فلا بنو هاشم يعرفوننا ... ولا بنو قحطان
ولا بنو ربيعة ... ولا بنو شيبان
ولا بنو لينين يعرفوننا ... ولا بنو ريغان
يا وطني ... كل العصافير لها منازل
إلا العصافير التي تحترف الحرية
فهي تموت خارج الأوطان
قصيدة ألقاها
الشاعر الكبير نزار قباني في مهرجان المربد الخامس في بغداد عام 1985 م