قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

الدين آخر ملاذ للمسلمين في الغرب

الدين آخر ملاذ للمسلمين في الغرب
يعترف المسلم الملتزم وغير الملتزم في الغرب بأن (الدين) تدين الأسرة المسلمة في الغرب هو الضمانة الأساسية للحفاظ على السلوك القويم للأطفال المسلمين الذين تستغرقهم وتصهرهم الحياة الإجتماعية الغربية أكثر من آبائهم، وذلك بإعتبار أن الأطفال المسلمين في الغرب وتحديدا الذين ولدوا في أوروبا وأمريكا تستوعبهم المؤسسات الغربية بدءا من الحضانة مرورا بالمدرسة وإلى الجامعة ووصولا إلى سوق العمل، مغطية بذلك مجمل مفاصل حياة المجتمع الغربي وفي كل التفاصيل تقريبا، هذا بالإضافة إلى أنه وبحكم إيقاع الحياة الغربي السريع والضاغط، وبحكم أن المرأة المسلمة كالرجل المسلم مجبرة على الخروج من بيتها والتوجه إلى مكان الدراسة أو العمل، فإن الوقت المتاح والمخصص للأولاد أصبح ضئيلا للغاية.

وبناءا عليه فإن العائلة المسلمة في الغرب لا تقضي وقتا كاملا وكافيا مع أولادها الذين تضطلع الحضانات والمدارس والمجتمع عامة بتلقينهم المبادئ والمفردات الحضارية الغربية من تاريخ وثقافة وسياسة وفن وإقتصاد وأدب، وفي هذا السياق يشار إلى أن مفردات الحضارة الغربية يدرسها الأطفال في المدارس الغربية مع شيء من الخصوصية في كل دولة غربية، ففي السويد مثلا عندما يدرس الطفل تاريخ أوروبا يتم التركيز على الدور السويدي في هذا التاريخ، وفي الدانمارك يجري التركيز على الدور الدانماركي وهكذا دواليك، فينشأ الطفل وهو ينهل من الحضارة الغربية ومفرداتها، فيما تبدأ ذاته الحضارية بالتلاشي وعقيدته الإسلامية في الذوبان، ولا يبقى منه غير الإسم الإسلامي والذي يتلاشى مدلوله مع مرور الأيام.

وكثير من العوائل المسلمة وبحكم إنهماكها في الإيقاع الغربي السريع وصعوبة العيش، وإمتداد ساعات العمل إلى وقت متأخر من الليل فإن صلة الآباء بأبنائهم تتضاءل، ويحدث أن يغادر الأبناء أباءهم عندما يصلون إلى سن الرشد (الثامنة عشرة) تقريبا، لينفصلوا بذلك وبشكل نهائي عن ذويهم تماما كما يفعل الشباب الغربي الذي يضطر إلى ترك والديه في هذه السن ويعتبر ذلك من الضروريات بل من الواجبات عليه، وحتى إذا تقاعس الشاب الغربي عن القيام بمثل هذه الخطوة يجبره والداه على الذهاب بعيدا عنهما ليعيش وحده وليعتمد على نفسه، بإعتبار أنهما سلكا الدرب نفسه، ولا فرق هنا بين الذكر والأنثى.

ومما يزيد في ضياع أطفال المسلمين هو أن نسبة الأمية الحضارية والدينية والعقائدية والفقهية مرتفعة بين العوائل المسلمة بشكل مذهل، وهو الأمر الذي يفقد هذه العوائل آليات تحصين أبنائهم، وكثير من العوائل تشرع في التخلي عن الإلتزام ببديهيات الأحكام الشرعية بالتقسيط، فتبدأ المسألة بترك الصلاة ثم بترك الصيام ثم عدم السؤال عن شرعية اللحوم وما إلى ذلك، وينتهي الأمر بشرب الخمر والذهاب إلى المراقص والزنا، أي بترك الدين كليا على إعتبار أن ذلك من مظاهر التحضر في الغرب.

هذا وتشير المعلومات الميدانية أن العوائل المتدينة (التدين الصحيح) هي أكثر من غيرها في الحفاظ على أبنائها، حيث يضطر الأب الملتزم والمتدين أو الأم الملتزمة والمتدينة إلى متابعة الطفل بدءا من المدرسة وإلى كافة تفاصيله الحياتية الأخرى، وكثيرا ما تذهب الأم الملتزمة إلى المدرسة التي يدرس فيها إبنها أو إبنتها فتطلب أن يكون الطعام المخصص لأولادها شرعيا، وتفهم المشرفين على المدرسة بأن لحم الخنزير محرم أكله على المسلمين، وأن بعض المواد الجنسية على وجه التحديد يجب أن لا تقدم بهذه الطريقة (الخاطئة) للأطفال المسلمين، وكثيرا ما يساهم هذا الإلتزام الديني الأسري في تسييج الطفل من الذوبان في واقع ملئ بالشهوات والمغريات.

وحرص الأسر المسلمة على تعليم أبنائها الصلاة والصيام وبقية الواجبات الإسلامية وإصطحاب الأطفال إلى المساجد، كل ذلك يؤدي إلى تماسك شخصية الطفل، وقد تبين أن هذا الإلتزام يساعد الطفل المسلم في التفوق في مدرسته وتجنبه كل الرذائل، ونظرا لدور الإلتزام الديني في توجيه الأطفال توجيها صحيحا، فإن كثيرا من الأباء المسلمين غير الملتزمين يبعثون أولادهم إلى المدارس العربية والإسلامية التي أقامها بعض المسلمين لمساعدة الأطفال المسلمين على تعلّم لغتهم ودينهم، وقد تجد الأب مبتلى بالخمر والأم بما هو أعظم، إلا أنهما يبعثان أولادهم إلى مثل هذه المدارس لتدارك ما فات، وقد إزداد هذا التوجه بعد أن أبتليت بعض الأسر العربية والإسلامية غير الملتزمة بالدين بضياع أبنائها وتوجههم إلى المخدرات أو السرقة وغير ذلك، وضياع مستقبلهم العلمي والعملي.

كما أنه في بعض دول شمال أوروبا على وجه التحديد، بدأت المؤسسات فيها تولي أهمية للإسلام بل تحرص على تدريسه لأبناء المسلمين وغيرهم، إذ وجدت هذه المؤسسات أن من ينشأ على المعتقد الإسلامي الصحيح سيكون خير عون للمجتمع الغربي، فالغرب الآن مبتلى بآفات كثيرة مثل المخدرات والإغتصاب وغيرها الكثير، والتي باتت تطال حتى الأطفال الصغار، والإسلام يحارب ذلك كله ويحرمه حرمة شرعية لا شبهة فيها، والغرب يعلم تلاميذ المدارس بأن الكذب والسرقة والقتل والسطو والتزوير والإعتداء على كرامة الإنسان صفات يمقتها الإنسان السوي، والإسلام بدوره قد أقر بأن ذلك كله محرم.

لهذا فإنه من الخطأ الشنيع والفظيع أن يضع الغرب إستراتيجيات لمحاربة الإسلام، لأن الطفل المسلم الذي ينشأ على عقيدة الإسلام الصحيحة هو شخص مثالي بالنسبة للغربيين، بينما الطفل المسلم الذي لا ينشأ على الإلتزام فسوف يواجه خطر المخدرات والسرقة وغيرها من الآفات، فالحكمة تقتضي عدم الوقوف في وجه الإسلام الصحيح، ويبقى القول أن العوائل العربية والإسلامية إن وجدت في دول الغرب فإنها تعيش تحديات قد تكون شبيهة بالتحديات المحدقة بأبنائنا في العالم العربي والإسلامي، لكن تبقى التحديات الغربية ذات شأن خطير أيضا.

د.يحيى أبو زكريا

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart