قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

سوريا المصالح

سوريا المصالح

الأسد - الثورة - الطائفية
قبل أن يصدح الشعب السوري بمطالبه في عام 2011م، كان الصمت وحده وسيلة اعتراض هذا الشعب، فقد كانت سوريا صامته من حيث الحديث عن سياسات حزب البعث القومي السوري وسيطرت نظام حافظ الأسد على سوريا، والتي تمثلت بالقبضة الأمنية والترهيب الوحشي والإصلاحات السياسية والاقتصادية المحدودة، كما وقمعت في ذلك الوقت بنجاح كل أشكال المعارضة والتعدد السياسي، وأخمدت عدة محاولات للانتفاض السلمي والمسلح في البلاد، أبرزها ما حصل من مجزرة في حماة عام 1982م، والتي أعتبرت آنذاك أسوأ حادثة قتل جماعي في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، حيث تم قتل أكثر من 20 ألف سوري فيها طبقا لبعض الإحصائيات، لكن المخيف حقا لم يكن عدد القتلى المهول، وإنما الحكايات التي تناقلها السوريون همسا عن أحداث حماة، والتي تصف فظائع الإعتقال والتعذيب والإغتصاب.

أما بعد وفاة حافظ الأسد في مطلع الألفية الجديدة وانتخاب إبنه بشار الأسد، تطلع الناس إلى التغيير، وذلك لأن العام الأول لبشار الأسد شهد تحولا في خطاب رأس الدولة لم يعرفه السوريون من قبل، حيث تحدث بشار الأسد عن الشفافية والمساءلة وتقبله للنقد البناء، كما عملت السلطة على تخفيف قبضتها الأمنية على عنق السوريين، مما ساهم في إطلاق طاقة جبارة تمثلت في تشكيل العديد من المنتديات الحوارية والمطالبات الإجتماعية والسياسية، أهمها (بيان الألف) الذي أصدرته لجان المجتمع المدني ووقع عليه الكثير من الشخصيات العامة والمفكرين، والذي انتقد مباشرة السلطوية ونظام الحزب الواحد والفساد والمحسوبية، كما تشكلت منظمات حقوقية مستقلة وأُطلق سراح المئات من المعتقلين السياسيين أغلبهم من الإخوان المسلمين، حتى ذهب بالبعض إلى تسميت هذه المرحلة بالربيع الدمشقي.

لكن رأس النظام الجديد لم يلبث إلا أن ضاق ذرعا بضوضاء الحرية، وبدأ بتضييق الخناق على المنتديات الحوارية والحركات السياسية مرة أخرى، كما واشتدت رقابة السلطة على المنابر الإعلامية، حيث اعتقل النظام العديد من رموز هذا الحراك السياسي الوليد، وكان السجن مرة أخرى هو الوسيلة الرئيسية للسيطرة على المجتمع، وذلك من خلال تعذيب المعارضين وسوء معاملتهم، والذي كان يحدث بشكل ممنهج ونظامي في مراكز الإحتجاز التابعة للأجهزة الأمنية، حيث كان يعتقل الناس غالبا من دون أن يعرف أحد شيئا عنهم، فأصبحت بذلك سوريا بشار كما سوريا حافظ.

هذا وعندما جاء عام 2011م وخرجت جموع من الشعب السوري للمطالبة ببعض الإصلاحات السياسية والإقتصادية، فيما كان يبدو انتفاضة أو بداية ثورة لميلاد جديد محتمل لسوريا التي عانت طويلا من البطش والقمع، تحول كل ذلك إلى المشهد الفوضوي العبثي الذي نراه اليوم، وهو لم يكن بالتأكيد ما أرادته جموع الشعب التي خرجت، فمع مرور السنوات تحول الصراع في سوريا بمساهمة كل من النظام السوري والمعارضة إلى نزاع يقوم على أسس طائفية (التطرف)، حيث أدرك النظام السوري جيدا أن بقاءه يعتمد بالقدر الأكبر على إثبات أنه الدرع الوحيد في مواجهة صعود الإسلاميين المتطرفين أو الوقوع في الفوضى الشاملة، وأن مصالح الغرب ستتضرر كثيرا بسقوطه، وأنه المخلص والمنقذ الوحيد لسوريا من سقوطها في هوة هذا التطرف، لا سيما بعد اضطرار الدول الغربية للإقرار بوجود مشكلة إرهاب تكفيري في سورية لم يعد بالوسع إنكارها بعدما طالت شظاياها مدن الغرب وعواصمه، وهي اللعبة التي لطالما لعبتها الأنظمة العربية على تعاقبها.

 طبعا ساهم كل من النظام السوري والمعارضة في تأجيج نيران الطائفية في سوريا، وذلك من خلال تصعيد الإنتهاكات بحق المجتمع المدني عامة وخاصة السني منه، والتي تضمنت الإعتقال والتعذيب والإنتهاك الجنسي بل وحتى القتل (الذبح)، إضافة إلى تدمير البيوت والبنى التحتية والمساجد التي من ضمنها المسجد الأموي في حلب والذي تم حرقه وتدمير أجزاء كبيرة منه في معركة تحرير حلب، كما تم العمل على إظهار العلويين في سوريا كشريك في جرائم النظام، ليجعلهم ذلك هدفا مستباحا في أعين المعارضة وخاصة السنة منهم، وذلك من خلال لجوء النظام إلى شبيحة محليين (علويين) مشجعا إياهم على ارتكاب الفظائع بحق المدنيين في مناطق السنة والعمل على بيع (الغنائم) التي استلبها النظام وأعوانه من منازل المعارضين بأثمان بخسة، وهكذا لم يطل الوقت حتى تحول المشهد من ثورة مطالبة بالإصلاح إلى عداوة طائفية.

الصراع الطائفي في سوريا سياسي بالدرجة الأولى وليس دينيا، إلا أنه تم توصيفه على أنه تحالف بين إيران الشيعية وسوريا الأسد العلوية (الشيعة يرون العلويين هراطقة) في مواجهة المعارضة السنية المسلحة المدعومة خليجيا في سوريا، لكن هدف التحالف الأول كان تأمين بقاء النظام الأسدي على رأس السلطة، وهو ما يخدم مصالح النظامين في منطقة الشرق الأوسط، وذلك بعد عسكرة الثورة وارتمائها في أحضان الإستخبارات الأجنبية والخليجية، والتي كانت تسعى للتخلص من الأسد خدمتا لمصالحها أيضا وليس حبا في الشعب السوري أبدا.

أخيرا نقول إن الموقف في سوريا يجب أن يرتكز على ثلاث ثوابت هي: لا للطائفية لا للتسليح ولا للتدخل الأجنبي، لأن الأطراف الدولية تجلس الآن على طاولات التآمر على سوريا لتحديد مصير دولة وشعب كامل، وهي لا تبحث عن حلول قريبة لسورية كدولة ذات سيادة، وإنما عن مستقبل الشرق الأوسط الجديد وتفكيك دوله من الداخل، وذلك ضمن البرنامج الكامل الموصول بين العراق وسوريا ولبنان وصولا لليمن وليبيا والخليج العربي، أما من يدعون أنفسهم بأصدقاء سوريا (لكل من الطرفين المتحاربين)، فهم ليسوا في الحقيقة إلا أصدقاء المصالح والمطامع، أصدقاء الإجرام والدم، أصدقاء الرصاص والمدافع والصواريخ، أصدقاء التهجير والحصار والتجويع، فهم من تلطخت أيديهم بدماء الشعب السوري البريء للحفاظ على المصالح أيا كانت.


عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart