قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

كيف يتم تطبيق صفقة القرن عمليا

كيف يتم تطبيق صفقة القرن عمليا
الرئيس الأمريكي ترامب بات منحازا إلى إسرائيل بشكل لم يسبقه إليه أحد، حيث تصعد إدارته عداءها للشعب الفلسطيني على نحو بالغ القسوة، وذلك بدعوى أن منظمة التحرير الفلسطينية لم تقم بمسئولياتها إزاء دفع المفاوضات المباشرة مع الإسرائيليين، كما يسود الكثير من اللغط حول ما يسمى بصفقة القرن التي تحاول الإدارة الأمريكية الحالية فرضها على الشعب الفلسطيني، حيث إن الرئيس ترامب ومن خلال صهره جاريد كوشنر يعتزم إعلان تفاصيل هذه الصفقة قريبا سواء وافق عليها الفلسطينيون أو رفضوها.

الولايات المتحدة ستقف دائما مع صديقتها وحليفتها إسرائيل، كما تواصل الإدارة الأمريكية الحالية على مضد خطة التسوية المرتقبة، المعروفة باسم (صفقة القرن)، وذلك بإصدارها لقرارات تنتهك الحقوق الوطنية الفلسطينية، وتشكل خطرا حقيقيا على القضية الفلسطينية، وكله بهدف فرض وقائع على الأرض لصالح إسرائيل، وإجبار قيادة السلطة في رام الله على العودة إلى المفاوضات، ولكن بدون ملفي القدس واللاجئين، حيث تدعو هذه الخطة المشؤومة إلى الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل فقط، ومنح الفلسطينيين عاصمة في ضاحية (أبو ديس) القريبة من المدينة، كما تسعى الخطة أيضا لإنهاء حق العودة للفلسطينيين، وشطب قضية اللاجئين، ومنح الفلسطينيين في أفضل الأحوال حكما ذاتيا في الضفة الغربية، مع الإعتراف بشرعية الإستيطان الإسرائيلي فيها.

دونالد ترامب ليس أول رئيس أمريكي يتبنى فقط إستراتيجية موالية لإسرائيل بل وإستراتيجية موالية للإستيطان اليهودي، فمن أجل إرضاء قاعدته الإنجيلية المتطرفة والمتبرعين اليهود الكبار قام بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وبدون حتى الطلب من إسرائيل تقديم ثمن لما قدمه لها، وفي الوقت نفسه إلتزم الصمت تجاه الإستيطان الإسرائيلي المستمر في الأراضي الفلسطينية، وهو الآن يقوم بإلغاء برامج الدعم الأمريكي للفلسطينيين، خاصة التعليمية والصحية كعقاب لهم على عدم التفاوض على خطة جاريد كوشنر (صفقة القرن)، والتي يقال أنها تخضع لتعديلات لم تتضح ملامحها النهائية بعد.

لكن صفقة القرن قد بدأ تطبيقها فعليا وعمليا، بدعم أمريكي وتواطؤ من بعض العرب، وذلك حين أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسميا في 6 ديسمبر/كانون أول 2017، إعتراف إدارته بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، ومنكرا حقوق الشعب الفلسطيني في المدينة المقدسة على غير إرادة العرب وأغلبية دول العالم، كما ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس فعليا في 14 من مايو/ أيار الماضي، لتكون أول سفارة بالمدينة المحتلة، وذلك في خطوة لاقت إدانات وانتقادات عربية ودولية وإسلامية، حيث أنه ومنذ إقرار الكونغرس الأمريكي عام 1995م قانونا بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، دأب الرؤساء الأمريكيون على تأجيل المصادقة على هذه الخطوة لمدة ستة أشهر كل مرة، وهو التقليد الذي أنهاه ترامب.

كما بدأت واشنطن في 16 من يناير/ كانون الثاني الماضي، بتقليص مساعداتها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ، بحيث جمدت نحو 300 مليون دولار من أصل مساعدتها للوكالة والبالغة حوالي 365 مليون دولار، ثم قررت الإدارة الأمريكية في 3 أغسطس/آب الماضي، قطع كافة مساعداتها المالية عنها، وقد تسبب ذلك الإجراء بمفاقمة الأزمة المالية التي كانت تعاني منها الوكالة أصلا، مما أدى بإدارة الوكالة إلى إتخاذ عدة قرارات، أبرزها تقليص خدماتها في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، حيث اعتبرت هذه الأزمة المالية بفعل تقليصات واشنطن لدعمها لها هي الأكبر في تاريخها، وهي التي تقدم المساعدة والحماية لحوالي 5 ملايين لاجئ فلسطيني في مناطق عملياتها الخمس: (الأردن، سوريا، لبنان، الضفة الغربية وقطاع غزة).

فإدارة ترامب الصهيونية وبمساعدة أعضاء في الكونغرس، يعملون على إنهاء وضعية (لاجئ) لملايين الفلسطينيين، وذلك من أجل وقف عمل وكالة غوث وتشغيل الفلسطينيين (أونروا)، والسعي لسن قانون جديد يعتبر عدد اللاجئين الفلسطينيين 40 ألفا لاجئ فقط منذ حرب 1948م (النكبة)، وذلك من أصل 5.9 مليون لاجئ مسجلين في وكالة الأونروا، وسيتم هذا عن طريق حصر تعريف اللاجئ الفلسطيني بمن تشردوا خلال النكبة فقط واستثناء نسلهم من الأجيال اللاحقة، وكل ذلك لإزاحة هذه القضية عن الطاولة في أي مفاوضات محتملة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

هذا وقد قررت الإدارة الأمريكية مؤخرا وقف كل أشكال المساعدات المقدمة للفلسطينيين، حيث قال صهر ترامب، جاريد كوشنر: (إن الفلسطينيين يستحقون خسارة المساعدات الأمريكية، لأنهم شوهوا الإدارة الأمريكية)، وقد شمل هذا القرار كافة المساعدات المباشرة وغير المباشرة للخزينة الفلسطينية، والتي تأتي لصالح مشاريع البنية التحتية ومشاريع التنمية، كما تم وقف تمويل برامج شبابية فلسطينية/إسرائيلية مشتركة بقيمة 10 ملايين دولار، إضافة لحجب 25 مليون دولار، كان من المقرر أن تقدمها واشنطن كمساعدة للمستشفيات الفلسطينية في القدس، وعددها 6 مستشفيات، وذلك في تضييق على الوجود الفلسطيني (العربي) فيها، والتي  تقدم خدمات طبية للفلسطينيين من سكان الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة، حيث أن بعض الخدمات الطبية المتوفرة في مستشفيات القدس غير متوفرة في الضفة الغربية وقطاع غزة مثل علاج الأورام والعيون، وأخيرا قررت هذه الإدارة إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وإغلاق كافة الحسابات المصرفية الخاصة بها، وطرد السفير الفلسطيني لديها، وذلك في مخالفة صريحة للأعراف الدبلوماسية.


وهكذا تكتمل آخر عناصر تنفيذ صفقة القرن، بينما ما بقي من نظام عربي ومن سلطة فلسطينية وحماس وغيرها يضحكون على الشعوب، ويقولون أنهم سيواجهون هذه الصفقة، والتي يبدو أنها إكتملت أصلا، فماذا بعد أن أقرّ الكنيست الإسرائيلي يهودية الدولة والتي تنطبق على الفلسطينيين أيضا، وماذا بعد أن تم إقرار أن القدس هي العاصمة الأبدية لإسرائيل، ولم يتحرك لا الفلسطينيون ولا العرب ولا المسلمون بالشكل المطلوب والفعال، حتى أن بعض فلسطينيي الداخل والذين يعيشون تحت إشراف إسرائيل وعندهم جنسيتها، أصبحوا يفضلون إسرائيل على العيش في أي شكل من الأشكال الممسوخة للدولة الفلسطينية المرتقبة، ولكن لحسن الحظ أن قسما كبيرا منهم لا يزال يعتبر إسرائيل كيان محتل ويقاومه بكافة السبل والوسائل ويرسل خيرة أبنائه لمواجهته.

هذا ولا ننسى كيف جرى العمل إعلاميا في السنوات القليلة الماضية، على مشاريع مدروسة تماما لتبسيط وتمرير الكلام عن أن إسرائيل ليست عدوة وأن العدو هي إيران، كما تم استضافة المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي على الشاشات العربية في أوج الحروب والإعتداءات الإسرائيلية، للحديث عن فضائل العلاقة مع إسرائيل والتطبيع معها، وهو الحاصل عمليا جهارا نهارا، كما يجري حاليا العمل على تمرير مشاريع تجارية وصناعية وسياحية تعاونية في المنطقة تتطلب تعاونا مباشرا بين إسرائيل ومصر والأردن والسعودية وغيرها، خصوصا مشروع (نيوم) الهائل وما يرصد لجزيرتي تيران وصنافير وغيرها من مشاريع متنوعة، وذلك كله طبعا يتم بعد وضع جميع أشكال المقاومة العربية المسلحة أكانت سنية في فلسطين (كتائب عز الدين القسام، سرايا القدس وغيرها) أو شيعية (حزب الله) أو علمانية يسارية على لوائح الإرهاب العربية قبل العالمية، وأصبح كل من يحمل السلاح إرهابيا، والرئيس محمود عباس نفسه في طليعة من جاهر برفض أي عمل مسلح مقاوم ضد إسرائيل.

أما السلطة الوطنية في رام الله فقد باتت مثقلة بكل أنواع وأشكال الفساد، كما أنها تشعر بالإحباط من عدم تلقيها أي إشادة أو شكر من إسرائيل أو الولايات المتحدة بسبب تعاونها الأمني في الضفة، فعلى الرغم من إيقاف الإدارة الأمريكية لجميع مساعداتها لمؤسسات السلطة ومنظمة الأونروا، إلا أنها تزيد من حجم مساعداتها لقوات الأمن الفلسطينية، وذلك حتى يستمر التنسيق الأمني الفلسطيني الإسرائيلي لقمع أي تحرك أو مقاومة، حيث أن المبعوث الخاص للشرق الأوسط، دينيس روس، يشير إلى أن الفلسطينيين لا يريدون خسارة سلطة الحكم في الضفة الغربية، وفي الوقت نفسه لا تريد أمريكا وإسرائيل فراغا، لأن كل الفراغ في الشرق الأوسط يملأ بشيء أسوأ، وأخيرا لا ننسى غزة المحاصرة والمخنوقة، وكيف توسع ويتوسع الشرخ بين حماس وفتح، والتصريحات المهمة فقط هي ضد بعضهم البعض، في حين أن المخيمات الفلسطينية في الداخل والشتات باتت تعاني أكثر من أي وقت مضى، ففلسطين وأهلها باتوا عبئا على العرب ووجب التخلص منه.

الرئيس ترامب يريد عملاء وعبيد يرضخون لإملاءاته، ويتحولون إلى أدوات في خدمة الإحتلال ومستوطنيه، لكن الشعب الفلسطيني لن يرضخ لهذه الضغوطات الأمريكية، كما يجب أن تفيق القيادات الفلسطينية لخطورة الموقف الراهن وتدرك أن الشعب الفلسطيني والشعوب العربية قد فقدت الثقة بهم، وأن إعادة ترتيب البيت الفلسطيني أولوية مهمة لا تسبقها أي قضية أخرى، وأنه يجب قطعا رفض التفاوض مع فريق ترامب على قراراته الفردية الحمقاء، ورفض الإبقاء على الولايات المتحدة وسيطا أوحدا في عملية السلام، فاتفاقيات أوسلو التي كانت عربتها أمريكا مثّلت خطيئة تاريخيةً، قادت إلى كل الكوارث الحالية، ابتداء من نقل دولة الإحتلال الإسرائيلي من خانة الأعداء إلى خانة الأصدقاء والحلفاء، إلى الاعترافات المتبادلة بين إسرائيل ومنظمة التحرير ونبذ المقاومة، والوعود بتعديل أو إلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني وعار التنسيق الأمني، وأخيرا بإعطاء الضوء الأخضر للتطبيع العربي مع إسرائيل.

ولكن يبقى وحدهم شباب فلسطين والمقاومة والشرفاء في الأمتين العربية والإسلامية، القادرون على قلب المعادلة على هذا المحتل لأرضنا الحبيبة فلسطين، وتبديد وهم صفقة القرن وإفشال كل رهانات الاستسلام، وذلك في وقت تشهد فيه المنطقة العربية صراعات وتداعيات خطيرة لا تحمل في طياتها إلا المزيد من التخاذل والتقاعس عن الدفاع والانتفاض من أجل قضيتنا الكبرى، القضية الفلسطينية، حيث يسعى المتآمرون عليها من كل حدب وصوب لتصبح فلسطين قضية هامشية ومنسية.

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart