قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

تاريخ دائم من النزاع التركي السوري

تاريخ دائم من النزاع التركي السوري

كتب الباحث السياسي المتخصص بشؤون تركيا د. عقيل محفوظ بدقة وموضوعية أنه: «لم تكن العلاقات بين سوريا وتركيا ودية في أي فترة من تاريخ الدولتين الحديث، وكان الشمال (تركيا) مصدر معظم الأخطار التي هددت سوريا خلال حقب تاريخية عديدة، وكان الجنوب (سوريا) بالمقابل مصدر (الفتوح والغزوات) العربية الإسلامية نحو الأناضول وآسيا الصغرى… ويعتبر كل (أو معظم) مفردات العلاقات بينهما موضوعات نزاع وتوتر، فمثلًا: أمن الحدود، ولواء إسكندرونه، ومياه الأنهار الدولية، وأنابيب السلام، ومشروع الغاب Gap، وحزب العمال الكردستاني، والسياسة العربية، والعلاقات مع إسرائيل، وإيران، والمسألة العراقية..إلخ، هي موضوعات خلافية تسبب أزمات بينية للدولتين اللتين تتجاذبان الملفات بكيفية تؤثر سلبًا في إمكانات التلاقي والحوار».


زار الرئيس بشار الأسد أنقرة في يناير (كانون الثاني) 2004، أي في العام التالي للغزو الأمريكي البريطاني للعراق، حيث كان الأسد يدرك أنه يتوجه إلى دولة عضو في حلف شمال الأطلسي وأن رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان إسلامي قريب جدا من أفكار الإخوان المسلمين، وأن علاقاتها مع إسرائيل قوية ومتجذرة بالرغم من الخطاب العلني المناهض، لكن تركيا ذات العمق السني كانت مفيدة في التوازن على ضوء التحالف السوري العضوي مع إيران الشيعية، وكانت مهمة للانفتاح السوري الاقتصادي والسياسي في عهد الرئيس الشاب، فلم يُعر الأسد أهمية إلى الخسائر السورية بسبب الانفتاح الاقتصادي الكبير على تركيا، حيث كان يعتبر أن هذا مؤقت وأن الفوائد الإستراتيجية بعيدة المدى أهم.


هذا وتوالت بعد ذلك الزيارات بين البلدين، كما تم توقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والصناعية والثقافية والعسكرية، وأهمها اتفاق التبادل الحر عام 2007، حيث تم تشكيل مجلس التعاون الاستراتيجي ودخول اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين حيز التنفيذ في نفس العام، كما أن تركيا لم تستجب للضغوط الأمريكية والفرنسية لعزل النظام السوري بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وذلك عندما كان الضجيج يملأ العالم آنذاك لتأجيج الدول السنية ضد النظام السوري ومحور إيران وحزب الله.


واللافت أنه بعد أشهر على بدء الانتفاضة في سوريا، كان تبادل الوفود الاقتصادية بين البلدين لا يزال قائما، حيث أكد الرئيس التركي عبد الله غول آنذاك خلال لقائه وفد رؤساء غرف الصناعة والتجارة السورية ومجموعة من رجال الأعمال السوريين ضرورة دفع خطوات التعاون بين البلدين إلى مستوى العلاقات السياسية المتميزة، كما لفت إلى «أهمية الدور الذي يقوم به رجال الأعمال في البلدين لزيادة حجم التبادل التجاري ومضاعفته إلى 5 مليارات دولار خلال السنتين القادمتين».


بعدها يمكن القول أن أردوغان قام بكل ما بوسعه لإسقاط نظيره السوري، وذلك من الدعم السياسي ثم العسكري للمعارضة، إلى فتح الحدود لكل من هبّ ودبّ لقتال الجيش السوري، وإلى نقل جزء لا بأس به من المصانع الحلبية، وصولا إلى تشكيل فصائل مسلحة تابعة مباشرة لأنقرة، حتى أنه في 5 سبتمبر (أيلول) 2012 أي بعد عام تقريبًا على اندلاع أولى شرارات الحرب السورية، قال أردوغان بلغة الواثق بالنصر، وبإسقاط الأسد أنه ذاهب مع رفاقه لتلاوة الفاتحة فوق قبر صلاح الدين الأيوبي، ثم الصلاة في باحات الجامع الأموي، وزيارة تربة الصحابي بلال الحبشي والإمام ابن عربي والكلية السليمانية ومحطة الحجاز.


كما أن الواقع يظهر إن حلب كانت فعليًا حجر الرحى في العلاقة السورية التركية، حيث إن أوغلو مهندس السياسة التركية كان يُدخل عاصمة الشمال في كل حساباته التوسعية الإستراتيجية، لا بل إن من يراجع التهافت التركي والدولي لإبقاء عروس الشمال السوري وأم المصانع والعاصمة الاقتصادية خارج سيطرة الدولة، يدرك أهمية ما حققه الجيش السوري وحليفاه الروسي والإيراني في تلك المنطقة التي باتت عمليًا تحت إشراف الدولة، حيث كانت تركيا، وكذلك الدول الأطلسية ترى في حلب جوهر الضغوط العسكرية والسياسية والاقتصادية على قيادة الأسد، كما كانت الجسر الأهم للرئيس رجب طيب أردوغان صوب تحقيق أحلامه العثمانية، وكانت محطة أساسية في العمل المسلح بما فيه الإرهاب ضد الجيش السوري وحلفائه، كما أنها شريان حيوي محلي وإقليمي، وإن استعادتها تعني أن النظام السوري سيربح الحرب ويستعيد كامل سورية، وأنه وحليفيه الروسي والإيراني سيستعيدون زمام الأمور ويُسقطون المشروع الغربي الخليجي التركي الإسرائيلي في سورية.


لهذا فإن أهم هواجس الرئيس بشار الأسد كانت حلب، كما تولدت لديه قناعة بأنه مهما فعل فإن الحرب ضد قيادته ستستمر حتى إسقاطه، وأنه كان لا بد عن ربح الحرب العسكرية أولًا، وبعدها كل شيء سيكون قابلًا للحل، حيث كان واضحًا أن حلب كانت المفصل وبيضة القبّان وحجر الرحى في المواجهة بين مشروعين إقليمي ودولي في سورية، وكان يعتبر أن استعادة حلب ستقلب كل المعادلات، أو على الأقل أبرزها، وتكون بداية فعلية لنهاية الحرب الضروس، لهذا كان واضحًا منذ استعادة الجزء الأساس من حلب في العام 2016، إن الحرب السورية بدأت تتجه نحو النهاية، فالأسد نفسه كان قد قال في حينه إن ما بعد حلب لن يكون كما قبلها، لكنه بقي محافظًا على واقعيته نظرًا لشراسة الحرب وتآلف أعداء خطيرين ضده، كما أن ربح معركة تحرير ريف حلب وإدلب لا يعني انتهاء الحرب.


وهنا لا بد عن القول إنه من وجهة النظر الرسمية السورية والقوانين الدولية، فإن تركيا دولة مُحتّلة، وأن أمريكا دولة معتدية ومحتلة، بينما إيران من خلال المنظور الرسمي السوري حليفة دخلت بطلب رسمي سوري وساهمت مساهمة كبيرة في عدم سقوط الدولة والقيادة الحالية وفي ضرب الإرهاب، بينما روسيا دولة حليفة للأسباب نفسها المساقة بشأن إيران، وكل المؤشرات المنطقية تقول بأنه حين يسيطر الجيش السوري على كل المناطق السورية، فإن كل القوى غير السورية ستخرج.


الرئيس التركي أردوغان في فترة لاحقه للصراع مع الأسد خفض سقف طموحاته، وذلك بعدما لاح في الأفق تهديد قيام دولة كردية عند الحدود، فاستعاد خطوط التعاون الكبرى مع روسيا وإيران، لكنه بقي يناور على خطا أمريكا وروسيا، وحين انعدمت كل الفرص بعد مفاوضات سوتشي وأستانا في الحفاظ على مناطق واسعة تحت سيطرته، انتقل إلى الحرب المباشرة مع الجيش السوري.


طبعًا لا يمكن أن يستمر أردوغان في حرب خاسرة للحصول على شيء يبدو مستحيلًا، خصوصًا مع تعاظم معارضة الداخل التركية لأي حرب واسعة، لذلك فليس له سوى العودة إلى التفاهم مع دمشق عبر بوتين، وهذا قد يحصل بعد حين بالرغم من غبار المعارك، لأن أردوغان لا يدافع عن أرض أو شعب له في الشمال السوري (إدلب).


وإنما عن مصالح ورهانات في سورية، وإذا ما حصل على «جائزة» مناسبة فلن يمانع، ولو أن في أفق سياساته هناك، أطماع جغرافية وديمغرافية لا تخفى، لكن سورية تعد موسكو وطهران ضمانة لها في مواجهة تركيا، وذلك من خلال دعم جهود الجيش السوري لاستعادة السيطرة على كل الأراضي السورية، ولكنهما في نفس الوقت لن تفرطا بتفاهماتهما مع تركيا، فمصالح الدول تبقى الأساس، بالرغم من عمق كل الجراح، ومن ثم فإن من المرجح أن تشهد عملية الاستعادة تباطؤًا في إيقاعها، لكنها لن تتوقف، والشيء الوحيد الذي ينهي الحرب الآن، هو تفاهم واشنطن مع موسكو (ترامب وبوتين).


الرئيس الروسي بوتين يسعى إلى تطبيق إستراتيجية دقيقة جدًا في الشمال السوري، لأن بين أنقرة وموسكو مصالح هائلة، كما أنه في الوقت الذي كانت فيه الطائرات الروسية تشكل الغطاء الجوي الحاسم للجيش السوري وحلفائه في المعارك الكبرى، كان بوتين ينسج شبكة علاقاته العربية والإسرائيلية والتركية والإيرانية على نحو واسع، ولم يأبه لمن يدعم أو يعادي القيادة السورية، وإنما وسع علاقاته صوب الجميع وقفز فوق كل المتناقضات، لكن تبقى بالنسبة لسيد الكرملين مركزية سورية في إستراتيجيته العالمية والإقليمية الكبرى، وبدونها سيفقد مرتكزه الأبرز في الشرق الأوسط وعلى ضفاف المتوسط، لا بل سيهتز دوره على الساحة الدولية، أما أمريكا فلا ريب في أن علاقة بوتين بالرئيس الأميركي دونالد ترامب هي من أفضل العلاقات بين رئيسي البلدين في التاريخ الحديث بالرغم من كل ما يقال فوق السطوح.


محصلة الأمر أنه لن يتراجع الرئيس الروسي عن دعم الدولة السورية حتى استعادة كل الأراضي وإعادة توحيد البلاد طال الزمن أو قصر، لكنه بحاجة إلى مناورات سياسية مع تركيا وأمريكا وإسرائيل، ويقينه أن بعض القوة وكثيرًا من الدبلوماسية تؤدي الغرض، وذلك مع ضرورة التوصل لاتفاقات رادعة (قوية وصلبة) مع هذه الدول وتجنب المواجهة والصدام المباشر معها.


رابط المقال في ساسة بوست:

https://www.sasapost.com/opinion/turkish-syrian-conflict/

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart