نظريات العلاقات الدولية.. النظرية الواقعية
العلاقات الدولية بوصفها حقلًا معرفيًّا، هي دراسة العلاقة بين الأمم، وعندما نتكلم عن الأمم هنا فإننا نقصد الدول ذات السيادة والحدود المعترف بها دوليًّا، ولكن كما هو واضح، فإن هذا الاسم لا يخبرنا بالكثير عن حقيقة الحقل العلمي للعلاقات الدولية ومجالات اهتمامه، فعندما ننظر من حولنا نرى أن هناك كيانات سياسة أخرى غير الدول تدخل في نطاق التفاعل الدولي على مستوى النظام، وتسهم في تشكيل الواقع السياسي للنظام الدولي، وذلك مثل المنظمات الدولية كالأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي، والمنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي، والمنظمات غير الحكومية كالصليب الأحمر والشركات عابرة القارات.
لكن لتفتيت المصطلح كحقل معرفي، فإنه باختصار يمكن أن نعرِّف العلاقات الدولية بأنها وصف عام يدخل في إطاره مجموعة متنوعة ومعقدة من التخصصات الفرعية مثل النظرية السياسية في العلاقات الدولية، الدراسات الأمنية، الاقتصاد السياسي الدولي، تحليل السياسة الخارجية، التاريخ الدولي والقانون الدولي وغيره.
أما أهمية دراسة حقل العلاقات الدولية حقلًا من حقول المعرفة، فإنه ينبع من كونه يمنحنا القدرة على تحديد التوجه الذي من خلاله يمكن النظر إلى العالم وفهم التفاعلات السياسية التي تحدث فيه، كما أن حقل العلاقات الدولية يحاول تقديم الوسائل المعرفية الضرورية للتعامل وإدارة الطبيعة المعقدة جدًّا للسياسة العالمية، وذلك من خلال العودة بها إلى أجزائها الأصلية بحيث يصبح كل جزء منها وحدة خاصة أكثر قابلية للفهم، وهذا يمنحنا القدرة على سبر الطرق المنهجية التي من خلالها نتوصل إلى وصف وتحليل السياسة العالمية، وذلك من خلال النظر إلى مجموعة واسعة من العوامل السببية التي تمنحنا الوضعية اللائقة لفهم أوسع وأعمق للعالم من حولنا ولتطور الأحداث، وهذا لأننا بحاجة لأن نكون قادرين على رؤية شكل النظام الدولي كما هو حتى نكون بعدها قادرين على فهم المبادئ العامة التي يتشكل منها هذا النظام ويسير بمقتضياتها.
النظرية السياسية في
العلاقات الدولية
التعريف العام للنظرية هي أنها مجموعة من الافتراضات والمفاهيم التي تفسر الظواهر محل الدراسة من خلال تحديد العلاقة بين هذه المفاهيم والافتراضات، أما نظرية العلاقات الدولية فتحاول وضع مبادئ عامة يمكن أن تساعد في توجيه فهمنا لتعقيدات السياسة العالمية، كما أن وظيفة النظرية وصف ما يحدث، وتفسير ما يحدث والتنبؤ بما سيحدث، أما النظريات الوضعية مثل النظرية الواقعية والنظرية الليبرالية وغيرها، فهي النظريات التي تتبنى المناهج العلمية في دراسة الظاهرة الاجتماعية، وتقوم على قوانين (أو ما يشبه القوانين) تحكم الظاهرة السياسية، ويمكن اكتشاف هذه القوانين من خلال التجربة، والملاحظة، والاستقراء والقياس (الفكر والعقل)، وكل ذلك مع الأخذ بعين الاعتبار مبدأ فصل الذات عن الموضوع.
أما النظريات ما بعد الوضعية مثل النظريات النقدية، وما بعد حداثية، والنسوية وغيرها، فهذه النظريات ترفض المنهجية العلمية في التعامل مع الظاهرة الإنسانية والاجتماعية، ولا يمكن فيها فصل الذات عن الموضوع، لأنه ليس هناك حقيقة منفصلة عن القيم الإنسانية والتأثير الإنساني، والذي يتمثل من خلال معارفه، ومعتقداته، وهويته وأفكاره بمحيطه الاجتماعي، وبكلمة أخرى لا يمكن تطبيق الأساليب العلمية على دراسة الظاهرة الاجتماعية.
هذا ويذكر أن هناك ما يسمى بالنظريات الأربع الكبرى لمجمل دراسات العلاقات الدولية وهي:- العلاقات الدولية الواقعية في مقابل المثالية (ثلاثينيات القرن العشرين). – العلاقات الدولية التقليدية في مقابل السلوكية (ستينيات القرن العشرين). – العلاقات الدولية الواقعية الجديدة في مقابل الليبرالية الجديدة (ثمانينيات القرن العشرين). – العلاقات الدولية العقلانية في مقابل التأملية (تسعينيات القرن العشرين).
أما الأساس العام للنظام الدولي الحالي اليوم فهو امتداد للنظام الذي تشكل على إثر معاهدة (وستفاليا 1648)، والذي يقوم على أربعة مبادئ رئيسية هي: 1- الأمة (الدولة) الوحدة الأساسية في النظام. 2- الاعتراف بسيادة واستقلال الدول الأعضاء (الاعتراف بمبدأ الحدود). 3- امتناع الدول عن التدخل في الشئون الداخلية لكل منهما. 4- الحد من طموحات الدول ضد بعضها البعض، وذلك من خلال إنشاء نظام لتوازن القوة فيما بينها.
النظرية الواقعية
النظرية الواقعية هي النظرية التي تعنى بدراسة العالم كما هو لا كما ينبغي أن يكون، حيث يركز الواقعيون على دراسة علاقة القوة بين الدول من خلال تجاوز الخطابات الطوباوية والتعامل مباشرة مع حقائق الواقع، هذا ويبين (إدوارد كار) وهو أحد رواد المدرسة الواقعية، أن الفهم الواقعي للعالم يتطلب تحليلًا للقوة، أما (مورغينثاوي) فقد آمن بأن مفهوم القوة يعد نقطة الوصل بين العقل الذي يحاول فهم السياسة الدولية والحقائق التي ينبغي فهمها.
هذا ومن خلال اهتمام الواقعيين بالأمن، فإنهم ينحازون إلى تعريف القوة بناء على القدرات العسكرية، فالدولة التي تملك جيشًا أقوى هي الدولة الأقوى، ولكن (كينيث والتز) ذهب إلى توسيع مفهوم القوة من خلال إدخال مزيد من العناصر، فبالإضافة إلى القدرات العسكرية، يمكن للقوة أن تقاس بعدد السكان، والموارد الطبيعية، والموقع الجغرافي، والقدرات الاقتصادية، كما أن بعض علماء السياسة قد وسعوا من مفهوم القوة لتشمل أيضًا التأثير بالمثال والنموذج؛ أي بقدرة الإقناع وهو ما بات يعرف بالقوة الناعمة، وهو المصطلح الذي نحته (جوزيف ناي)، وعليه يمكن القول إن القوة تنقسم إلى القوة الصلبة، والقوة الناعمة والقوة الحادة، وعليه لا بد من التأكيد على أن الواقعيين ينشغلون بالقوة الصلبة في دراسة الواقع السياسي بين الدول وتفاعلهم معًا.
أما الافتراضات الرئيسية للواقعية هي أن الأمة (الدولة) هي الفاعل الأساسي في العلاقات الدولية، والأمة (الشعب) فاعل عقلاني (الربح والخسارة) وتتصرف بصوت الدولة، كما أن الدولة تسعى فقط لتلبية مصالحها، وأعلى هذه المصالح هي الأمن القومي الذي يشكل الأساس للبقاء على قيد الحياة، إضافة إلى أن الدول تهدف إلى زيادة مكاسبها وقوتها النسبية، وذلك لأن السياسة الدولية هي في الأساس صراع على القوة.
هذا ويلقي الواقعيون الكثير من الاهتمام على شكل النظام الدولي الذي تتحرك الكيانات السياسية بداخله، ويجادلون بأن النظام الدولي معطى ثابت ويمثل المحدد الرئيسي لخيارات الدولة وسلوكها تجاه غيرها من الدول، كما ويقوم فهم الواقعيين لفوضى النظام الدولي على عدم وجود سلطة مركزية تحكم وتفصل بين الدول، إضافة إلى السعي الدائم للحفاظ على الوجود، وعدم الشعور بالأمن والاعتماد على الذات (سياسة المساعدة الذاتية)، والثقة هنا شيء صعب للغاية، وذلك مع الشعور بالخوف الدائم والتحسب للتهديد، وهذه المكونات كلها تجعل النظام الدولي عاملًا محفزًا على خوض هذه الدول للحرب للحفاظ على مصالحها وتحقيق أمنها القومي.
كما وتتولد المعضلة الأمنية عندهم عندما تسعى إحدى الدول للتسلح من أجل الدفاع عن نفسها ضد الدول الأخرى، وعندما يشعر أولئك بالتهديد، ينطلقون إلى التسلح أيضًا من أجل الهدف ذاته، والمشكلة هنا أنه وبالرغم من أن التسلح ربما يكون فقط من أجل أسباب دفاعية، فإن النظام يصبح فوضويًّا، وفي ظل غياب الثقة يمكن أن يتولد من هذا التسلح نوايا تدفع إلى تفجير الأزمات والصراعات.
لهذا تسعى الدول للمحافظة على توازن القوة داخل النظام، وذلك لكي تمنع أي دولة من الوصول إلى حالة الهيمنة، ويحدث ذلك من خلال بناء وتعزيز القدرات الذاتية وعقد التحالفات، بحيث ينتج من ذلك شكل معين للنظام يتمحور حول نظام متعدد الأقطاب، أو نظام ثنائي القطبية أو نظام أحادي القطبية، هذا ويمكن بناء عدة معادلات رياضية لتوضيح وتبسيط فرضيات النظرية الواقعية:
– نظام دولي + فوضى = حرب.
– نظام دولي + معضلة أمنية = سباق تسلح.
– سلطة مركزية = فوضى – نظام دولي.
– نظام دولي + توازن قوى = استقرار.
أما أهم رواد المدرسة
الواقعية في القرن العشرين هم: إدوارد كار، وجورج كينان، وهانس مورغينثاوي، وكينيث
والتز، وجون ميرشيمير، فيما أبرز الانتقادات التي وجهت للنظرية الواقعية فتتعلق
بنظرتهم إلى مركزية الدولة في النظام الدولي، حيث لم يلق الواقعيون الكثير من
الاهتمام على الفواعل الأخرى في النظام الدولي، كما فشلوا في التنبؤ بنهاية الحرب
الباردة، والطفرة التي أعقبتها في انتشار الديمقراطية، إضافة إلى التقليل من أثر
العولمة في تآكل سيادة الدولة (محدودية الدولة)، وإغفال فاعلية العوامل الداخلية
في تحديد سياسة الدولة الداخلية.
رابط المقال في ساسة
بوست:
https://www.sasapost.com/opinion/international-relations-theories-realism-theory/