قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

تكريم ورعاية الإسلام لذوي الاحتياجات الخاصة

تكريم ورعاية الإسلام لذوي الاحتياجات الخاصة 
لقد حرم الإسلام كل ما يخل بتكريم الإنسان الذي جعله الله تعالى مكرما في آدميته، ولهذا حث المجتمع بالتأدب مع ذوي الاحتياجات الخاصة بآداب الإسلام التي تزرع المحبة والود وتقطع أسباب الشحناء والبغضاء والحزن، كما جعل من المحرمات والكبائر السخرية والإستهزاء والهمز واللمز بأي وسيلة كانت على هؤلاء الأفراد، حيث قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الحجرات 11)، بل وحتى جاءت السنة النبوية الشريفة بما يصبرهم على أقدار الله المكتوبة عليهم، فالرضى بقضاء الله وقدره علامة على صدق الإيمان وسبب قوي لتحصيل الراحة والطمأنينة في الحياة، بحيث يعيش من إبتلاه الله بالعمى أو الصمم والبكم أو بشيء من الإعاقة العقلية أو العضلية أو العصبية، بنفسية عجيبة تجعل الأصحاء المعافين يتخذونهم قدوة لهم في الصبر والتسليم لأقدار الله تعالى.

هذا وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن إحتقارهم والإستخفاف بهم حرام، فقد يكون المبتلى أعظم قدرا عند الله أو أكبر فضلا على الناس، علما وجهادا وتقوى وعفة وأدبا، كما وأن هناك وعيد شديد لمن إتخذ العيوب الخلقية سببا للتندر أو التلهي أو السخرية أو التقليل من شأن أصحابها، فصاحب الإعاقة ما هو إلا إنسان إمتحنه الله، ليكون فينا واعظا وشاهدا على قدرة الله، لا أن نجعله مادة للتلهي أو التسلي، وهكذا نهى القرآن الكريم ونهى النبي (صلى الله عليه وسلم) نهيا عاما وقاطعا من أن تتخذ العيوب الخلقية سببا للتندر أو العيب أو التقليل من شأن أصحابها، كما أوجب الإسلام أن يعطى المعاق حقه كاملا في المساواة بغيره ليحيا حياة كريمة، ولا يفضل عليه أحد مهما كان مركزه.

أما من أدلة رعاية الإسلام لذوي الاحتياجات الخاصة أنه يسر لهم في الأحكام التكليفية ورفع الحرج عنهم، بحيث خفف عليهم في بعض الإلتزامات الشرعية بقدر طاقاتهم، حيث يقول الله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) (النور 61)، بيد أن هذا التخفيف الذي يتمتع به المعاق في الشرع الإسلامي، يتسم بالتوازن والإعتدال، فخفف عن كل صاحب إعاقة قدر إعاقته وكلفه قدر إستطاعته، حيث يقول القرطبي: (إن الله رفع الحرج عن الأعمى فيما يتعلق بالتكليف الذي يشترط فيه البصر، وعن الأعرج فيما يشترط في التكليف به من المشي وما يتعذر من الأفعال مع وجود العرج، وعن المريض فيما يؤثر المرض في إسقاطه، كالصوم وشروط الصلاة وأركانها، والجهاد ونحو ذلك)، فالحرج عنهم مرفوع في كل ما يضطرهم إليه العذر.

كما إن حكمة الله ورحمته بعباده اقتضت إختلاف النظرة إلى بعض الفئات، فإما أن يكون الموقف منها هو الإعفاء المطلق من المسؤولية والتكليف، كما في قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل)، وأما بالتخفيف من المسؤولية وإيجاد الرخصة المبيحة أو المسقطة في بعض الأمور التي تجب على الآخرين بأصل التكليف، وهو ما نجده في بقية ذوي الاحتياجات الخاصة كل بحسب صورة العائق ومداه.

أيضا من الحقوق التي ذكرها القرآن الكريم لذوي الاحتياجات الخاصة، أن لهم أن يأكلوا من بيوت أهلهم أو أقاربهم دون أن يجدوا في ذلك غضاضة أو حرجا، حيث قال تعالى: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (النور 61)، وأيضا من حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة الكفاية المعيشية وحفظ أموالهم، فالنفقة وتحصيل الكفاية المعيشية واجبة على ولي المعاق ولا يجوز له الهروب من هذه المسؤولية، كما وقد يكون للمعاق مال فيجب حفظ ماله وتنميته وإستثماره له إن أمكن، ولا يجوز تبديده أو إنفاقه دون وجه حق، حيث قال تعالى: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (النساء 5).

هذا وإن المسلم أيا كان لا يعذر في تقصيره تجاه هذه الشريحة، فصاحب البلاء إما أن يكون إبنا أو بنتا أو أخا أو أختا أو أبا أو أما أو ... وهؤلاء هم من الرعية التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، كما جعل الإسلام العمل من أجلهم وخدمتهم ونفعهم من أجلّ الأعمال، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهرا، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له، أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل)، وقال صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة).

آخيرا جعل الإسلام لذوي الاحتياجات الخاصة إيثارا على الغير وتخصيصهم بالعطاء من الصفات الحميدة، حيث قال تعالى واصفا المؤمنين: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر 9)، هذا وقد جعلهم البعض من أهل للزكاة، حيث ورد في رسالة الفقيه إبن شهاب الزهري رحمه الله لعمر بن عبدالعزيز رحمه الله، وهو يوضح له مواضع السنة في الزكاة: (إن فيها نصيبا للزمنى والمقعدين، ونصيبا لكل مسكين به عاهة لا يستطيع عيلة ولا تقليبا في الأرض).

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart