الحق الطبيعي والعقد الإجتماعي عند هوبز
هوبز
يعتبر هوبز أول فيلسوف إنجليزي يقدم نسقا يقف على قدم وساق مع الأنساق الكبرى في التاريخ،فقد كان من أوائل المؤسسين لمذهب العقد الإجتماعي،وهو المذهب الذي إستنتجه هوبز لضرورة الخروج بالإنسان من حال الطبيعة الأولى إلى حال المجتمع المدني المتحضر،ولقد رفعته أعماله هذه إلى منزلة كبار المفكرين السياسين،كما وظلت نظريته مثار جدل كبير بينهم سواء من أولئك الذين رفضوها أو من الذين قبلوها.
ولقد نشأ هوبز في إنجلترا وتحديدا في فترة الحروب الأهلية،حيث تميزت تلك الفترة بعديد القضايا التي كانت مطروحة للنقاش عند الرأي العام،فالقضية الأولى كانت الحرية الدينية حيث كان النقد موجه إلى الكنيسة الإنجليزية على أنها كنيسة رسمية،بمعنى أنها كانت تابعة للدولة وتأتمر بأوامرها،هذا بالإضافة إلى أنّ الكثيرين قد عاب عليها تشابه نظامها ونظم الكنيسة الرومانية الكاثوليكية،ولكن بالرغم من كل تلك الإنتقادات لم تستطع الأصوات التي طالبت بالحرية الدينية أن تحقق أي تقدم في مطالبها،أما القضية الثانية وهي التي أشعلت نار الحرب الأهلية فكانت تدور حول من هو صاحب السيادة في إنجلترا،فهل هو الملك أم البرلمان وممثلو الشعب،أما القضية الثالثة فكانت إجتماعية إقتصادية وإتصلت بالمدى الذي يجب أن يمثل فيه المحامون والتجار ورجال الأعمال والمال في الطبقات الحاكمة وفي الأجهزة التشريعية في إنجلترا،وفي هذه البيئة المتصارعة نشأ الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز.
وقد بدأ هوبز حياته بتعلم و قرأة الإغريقية واللاتينية وهو صبي لم يتعدى السادسة من عمره،ومن ثم إنتسب إلى جامعة أوكسفورد وهو في سن الخامسة عشرة،وبعد تخرجه منها عمل معلما للإبن الأكبر للورد كارفندش،حيث كانت أسرة اللورد كارفندش إحدى العائلات الأرستقراطية الكبيرة في إنجلترا،وعن طريقها أستطاع هوبز أن يلتقي بكثير من رجال الفكر والعلم في العالم مثل بيكون وهارفي وديكارت وجاليليو.
كما وسافر هوبز طويلا وكثيرا بمفرده وبصحبة عائلة اللورد كارفندش عبر دول أوروبا إلى مدة طالت إلى عشرين عاما،إلاّ أن باريس كانت محببة لديه كثيرا،ومن هنا نلاحظ أن هوبز قضى معظم وقته في الخارج،وهذا ما مكنه من أن يشهد عن كثب التطورات العلمية والفلسفية في تلك الأونة،ومن هنا تأثر وهو يسوق فلسفته بما ساد القرن من علوم طبيعية،لذلك كان من أوائل من ثاروا على المنهج اللاهوتي الذي قامت عليه مجتمعات العصور الوسطى،بحيث قدم فكرا علميا منطقيا فسر من خلاله الكون تفسيرا ماديا حركيا.
وقد كان هوبز نصيرا للسلطة الملكية،حيث إستخدم نظريته في العقد الإجتماعي لتأييد الحكم الملكي المطلق،والذي أعتبره أسمى نظم الحكم وأكثرها كمالا وإستقرار،ولكن إهتمامه الأكبر كان بالحكم المطلق أكثر من الحكم الملكي،وقد إنتهج هذا الخط في كافة كتابته،حيث كان جوهر مؤلفه هو أنّ أي حكومة تستطيع أن تسيطر واقعيا تعتبر حكومة شرعية يجب الخضوع لها تماما،وذلك تحقيقا لصالح الأفراد أنفسهم الذين أوجدوا الدولة،وهذا ما جعله يتخذ (التنين) رمزا للدولة والسلطة السياسية الضخمة في مواجهة الرعايا.
الحالة الطبيعية الأولى عند هوبز
يعتبر هوبز أن حياة الناس في حالة الفطرة الأولى كانت تتميز بأن الأقوياء والأذكياء فيها يستأثرون بغالبية الثروات والإمتيازات بينما لا يتبقى للضعفاء وقليلي الحيلة والذكاء إلا القليل،ومن هنا نتج الصراع من أجل البقاء والمحافظة على الذات وتحقيق الرغبات المتفاوتة،وبالإضافة إلى ما سبق فقد وجدت عوامل أخرى غذت هذه الصراعات والنضالات وهي:
1-المنافسة الدائمة بين الناس لتحقيق الرغبات.
2- الخوف الدائم والإحساس بالخطر مما يفوق الإنسان قوة أو ذكاء.
3- تمني الإنسان المستمر في أن يحوز على إعجاب الآخرين به كشخص أعظم تفوقا ومجدا.
2- الخوف الدائم والإحساس بالخطر مما يفوق الإنسان قوة أو ذكاء.
3- تمني الإنسان المستمر في أن يحوز على إعجاب الآخرين به كشخص أعظم تفوقا ومجدا.
وهذا كله يؤدي لحرب الجميع على الجميع،أي أن كل إنسان عدو للإنسان الآخر،ومن هنا نستنتج أن الحالة الأولى التي كان عليها الإنسان تميزت بما يلي :
1-لم يكن هناك تمييز بين الخطأ والصواب،لأن الإنسان كان مدفوعا برغباته وشهواته ونزواته الكاملة فيه،فلم يكن بالإمكان قياس أخلاقية الفعل أو عدم أخلاقيته،لأن هذا المعيار لم يكن قد وجد بعد.
2-لم يكن ثمة تمييز بين ما هو عادل وبين ما هو ظالم،لأن القانون لم يكن قد وجد بعد فلا يمكن أن توجد عدالة.
3-لم يكن ثمة ملكية محددة تخص فرد واحد،لأن كل إنسان كان يحصل على ما يستطيع من ممتلكات بالقوة،بحيث كانت تظل هذه الممتلكات له طالما أنه إستطاع أن يحتفظ بها.
نظرة هوبز للحق الطبيعي
في الحالة الطبيعية كان الحق دائما للأقوى ولم يكن هناك أي إمكانية لتأكيد حقوق ثابتة على أي شيء،ولكن هوبز ميّز بين الحق الطبيعي والقانون الطبيعي،حيث أن الحق الطبيعي يشير إلى الحرية التي يتمتع بها الإنسان في فعل ما يحقق له البقاء في الوجود وهو غير مقيد في هذه الحالة بقيود خارجية،أما القانون الطبيعي فيشير إلى ما هو أعمق من الحرية،إذ أنه يشير إلى تلك القواعد الصادرة عن العقل والتي تعوق أي فعل لا يؤدي إلى حفظ البقاء،ويتجه الإنسان بواسطة الحق الطبيعي إلى إرضاء رغباته ونزواته أيا كانت،ولكنه يكون مضطر بواسطة القانون الطبيعي إلى أن ينبذ بعض رغباته من أجل تحقيق أمنه وسعادته،ولهذا فإن الحقوق الطبيعية المتساوية بين أفراد الإنسان لابد أن تنتهي بحالة حرب،أما القانون الطبيعي فهو نسق من المبادئ يقدمها العقل لكي يجعل حياة الإنسان آمنة ومطمئنة.
العقد الإجتماعي عند هوبز
لقد ذهب هوبز إلى أن الناس سئموا حالة الصراع والقتال وأدركوا أن الحرب هي أسوأ الشرور،فأجتمعوا فيما بينهم وأتفقوا على تنظيم حياتهم للتخلص من هذه الشرور،كما ورأو أن ذلك لن يتحقق لهم إلاّ إذا بحثوا عن السلام وأتبعوه،ولكي يحققوا ذلك فقد إجتمع الجميع مع بعضهم البعض وأتفقوا على أن يتنازلوا على كامل حقوقهم الطبيعية،بحيث يكون هذا التنازل لرجل واحد يملك كل الحقوق ولا يترتب عليه إلا واجب واحد وهو صيانة الأمن،وبمقتضى هذا الإتفاق والتنازل ينتقل هؤولاء الناس من حالة الفطرة إلى حالة المجتمع المدني،وعلى الرغم من خسارة الإنسان للإستقلاله من خلال هذا الإتفاق إلا أنه يكسب الأمن والأمان والطمأنينة.
ومن هنا فإن تنازل كل فرد عن سلطته وعن حقه في حكم ذاته إلى الشخص الذي إختاروه لكي يمثلهم جميعا،تكون الوحدة الحقيقية وهي الدولة،حيث تكون هناك إرادة واحدة للدولة تذوب فيها كل الإرادات أو تنصهر فيها الإرادات والقوى المختلفة في إرادة واحدة هي إرادة وقوة الحاكم .
ولهذا فإن العقد الإجتماعي عند هوبز هو عقد بين رعايا ورعايا،لأن الحاكم ليس طرفا فيه وبذلك لا يستطيع الحاكم أن يخرق العقد لأنه غير موقع عليه أصلا،وإختيار المواطن للحاكم هو بمثابة خلق للحاكم،لهذا فإن المواطن يكون مشارك فيما يقدم عليه الحاكم من أعمال ولا يجوز له أن يشتكي من أي تصرف للحاكم لأنه بذلك يشكو نفسه،وبهذا يلجأ هوبز لتبرير سيادة القوة،فالقوة عنده لا تتجزأ أو تنفصل عن صاحبها ولا يمكن التنازل عنها لآخر،لهذا فهو يهاجم أي نظام يضعف من القدرة الكلية للدولة،كما ويعترض بشدة على تقسيم القوة وتجزأتها،وهذا ما جعله يرى أن الحرب في إنجلترا كان من الممكن تجنبها لو لم تكن السيادة مقسمة بين الملك واللوردات ومجلس العموم.
ومن هنا نادى هوبز بأن سيادة الحاكم مطلقة لا تحدها حدود أو قيود،لأن الأفراد تنازلوا بمقتضي العقد الإجتماعي عما كان لديهم من حريات وحقوق في الحالة الطبيعية وهو تنازل كامل وغير مشروط، وإلاّ أتيح للفوضي الفطرية أن تعود من جديد،ومعنى هذا أن الإنسان لا يستطيع أن يسترد ما أعطاه للحاكم كما أن الحاكم غير ملزم من قبل الناس بشيء،لأنه لم يكن طرفا في العقد اللّهم إلاّ بتوفير الأمن لهم،وبما أن الحاكم لم يكن طرفا في العقد فإنه لم يتنازل عن حقوقه الطبيعية ولا عن حريته بل إنه إحتفظ بهما فله بذلك أن يفعل ما يشاء.
ومن هنا فإنه ليس للإنسان إلا أن يختار بين السلطة المطلقة وبين الفوضى الكاملة،ذلك أن الحاكم إما أن يكون سلطانه كاملا معترفا به ومن ثم توجد الدولة أو لا يعترف به ومن ثم توجد الفوضى.
أهم الملامح الأساسية للعقد الإجتماعي عند هوبز
1-إن المشتركين في هذا العقد هم الأفراد وليس الجماعات،حيث إن الأفراد وهم متساوون في الحقوق الطبيعية يتفقون ويتعاقدون على التنازل عن هذه الحقوق لشخص أو هيئة حاكمة،ولكن هذا الشخص أو الهيئة الحاكمة لا تكون مشتركة في هذا العقد.
2-إن الخضوع لصوت الأغلبية التي عينت السلطة يكون مادة رئيسية في العقد،ومن هنا فإنه ليس هناك أدنى أهمية لمعارضة الأقلية،بل إن للحاكم كامل السلطة للقضاء عليها دون أن يكون لفعله هذا أدنى مسحة لا شرعية.
3-إن غاية المتعاقدين هو تحقيق الأمن الداخلي ومقاومة الخطر الخارجي،ويجب أن تكون هذه الغاية هي الشرط الأساسي في الوجود الدائم للدولة.
وأخيرا فإن هوبز لم يتحدث عن فصل السلطات ولا التعاون بينها،بل أنه بين أن الهيئات المختلفة الموجودة في المجتمع مثل الهيئة البرلمانية والهيئة التنفذية والهيئة القضائية إنما تستمد سلطاتها من إرادة الحاكم،كما أن حياة أفرادها ونفوذهم وسلطاتهم منوطة بإرادة الحاكم المطلقة .