الخليج التاريخي
الوضع القانوني والصراع
السياسي المتعلق به
الخليج التاريخي
الخليج التاريخي هو الخليج الذي يخضع لسيادة دولة
ما أو لسيادة عدة دول واقعة عليه إستنادا إلى إعتبارات تاريخية رغم أن مياهه لا
تعتبر وفقا للمعيار الحسابي من قبيل المياه الوطنية،ومعنى ذلك أن الدولة أو الدول
التي تقع على هذا الخليج تستطيع أن تحول بين الدول وبين المرور في هذا الخليج حتى
ولو كان المرور بريئا وذلك بإعتبارها صاحبة السيادة على مياهه،وفي هذا الخصوص يقول الفقيه الدولي شارل دي فيشر
(أنه إذا أخذنا بعين الإعتبار الوقائع يتأكد لنا أن الخليج لا يكون ذا صفة تاريخية
إلا على أساس ممارسة سلطة الدولة عليه بشكل هادئ وطويل ولا تكون هذه الممارسة
ممكنة إلا إذا لم تعرقلها أو تبلبلها ردود فعل معاكسة من دول أخرى) ومن هنا نلاحظ أن
ما ذهب إليه شارل دي فيشر لا يتجاوز ما تعارف عليه الفقه الدولي من أن الشروط
الواجب توافرها في الخليج لكي يكون تاريخيا هي ما يلي:
1-ممارسة الدولة الساحلية لسيادتها الفعلية على
الخليج
وهذا يعني مباشرة الدولة لكافة إختصاصاتها من حيث
التشريع والتنفيذ والقضاء على الخليج بإعتباره يمثل جزءا لا يتجزء من إقليمها،والسند
القانوني لسيادة كل دولة على إقليمها هو في واقع الأمر وضع اليد طويل الأجل،وكما
يقول برايلي أن التقادم هو أكثر طرق إكتساب السيادة الإقليمية شيوعا،وقلما يثور في
الواقع العملي نزاع دولي يقتضي من الدولة أن تثبت سند سيادتها على إقليمها إذا كان
ذلك السند هو إنقضاء مدة طويلة.
ولا يحد من السيادة الفعلية للدولة على الخليج
عدم ممارستها لهذه السلطة أو لبعض عناصرها لأسباب مادية معينة كإفتقار الدولة مثلا
للموارد اللازمة لإستثمار مياه الخليج وثرواته وبناء أسطول يحميه ويستغله وما إلى
ذلك من الظروف المادية التي لا تمنع من إستمرار السيادة القانونية لهذه الدولة
حكما على هذا الخليج.
كما أن إدارة وإستغلال خليج تابع لدولة ما من قبل
دولة أخرى لا يؤثر في موضوع سيادة الدولة الأولى عليه،ذلك أن مثل هذه الإدارة
والإستغلال غالبا ما يكون بموجب إتفاقيات دولية تتضمن إعترافا بسيادة الدولة
المالكة على الخليج،وهنا لا يمكن الطعن بإنقطاع ممارسة السيادة الفعلية كسبب موجب
لإنتفاء الصفة التاريخية عن الخليج،كما يترتب على ذلك أن الدولة التي تقوم بإدارة
وإستغلال الخليج لا تملك الحق في الإدعاء بإكتسابها السيادة عليه نتيجة لوضع اليد
الطويل،لأن الدولة التي تدير الخليج وتستغله وإن كانت تباشر بعض السلطات عليه إلا
أنها تفعل ذلك بصفتها نائبة عن الدولة صاحبة السيادة القانونية.
2-أن تتصف هذه الممارسة للسيادة بالإستمرار
والثبات
ويعني ذلك مضي فترة طويلة على هذه الممارسة،فالحكمة
في تقرير السيادة بمرور فترة زمنية طويلة هي إحترام الأوضاع القائمة التي مضى
عليها زمن طويل،بحيث أصبح الإعتراف بها ضروريا لإستقرار النظام الدولي،وهذا يستوجب
أن يكون قد مضى على ممارسة السيادة زمن طويل تصرفت فيه الدولة بإعتبارها صاحبة
سيادة على الخليج في مواجهة الدول الأخرى بعلانية وبشكل مستمر وغير متقطع.
وعلى الرغم من أن الدول لم تتوصل إلى إتفاق حول
تحديد طول المدة الزمنية التي تمضي على ممارسة السيادة لكي توصف بأنها مستمرة،إلا
أن الفقه القانوني الدولي الحديث يرى أن المسألة هنا تقديرية وتترك لظروف كل حالة
وملابساتها،وأن الضابط في هذا الأمر هو مرور فترة طويلة على ممارسة السيادة على
الخليج والتي يمكن معها القول بأن الشعور قد تولد لدى الجماعة الدولية بأن الوضع القائم
يتفق مع النظام الدولي وأن إحترام هذا الوضع يساعد على إستقرار المجتمع الدولي،ويجب الإشارة هنا أن فقدان الدولة لسيادتها على
الخليج مؤقتا نتيجة لظروف خارجة عن إرادتها كأن يقع إحتلال من قبل دولة أخرى،فإن
إستمرارية سيادة الدولة الساحلية لا تنقطع مهما طالت فترة الإحتلال ولا يمكن
مواجهتها في حقها التاريخي بخلجانها بحجة عدم إستمرار ممارستها لسيادتها عليه
أثناء فترة الإحتلال.
أما بالنسبة لحالة الثبات في ممارسة السيادة،فهي
كما يقول الأستاذ عمر محمد المحمودي (لا تعني أكثر من قيام الدولة بإستعمال كافة
صلاحياتها ومباشرة كل إختصاصاتها السيادية بصورة تظهر تمسكها وتشبثها بحقها في
السيادة على الخليج وأن لا تعترف بأي محاولة تدويل له وأن تدافع بثبات عن حقها في
السيادة عليه في كل الأوقات والمناسبات دون أن تتزعزع عن ذلك ولا أن تتذبذب في
قناعتها بحقها في السيادة عليه فلا تقبل مطلقا كل محاولة لسلبه منها وتستمر في
ممارستها على الخليج والدفاع عن حقها فيه بثبات).
3-أن تكون ممارسة السيادة على الخليج هادئة وغير
متنازع عليها
وهذا يعني أن تكون ممارسة السيادة من قبل الدولة
الساحلية على الخليج غير متنازع عليها،بمعنى أن لا تكون هناك إدعاءات جدية من دولة
أو دول أخرى تدّعي أحقيتها في الخليج،حيث إن عدم وجود منازعة في السيادة على
الخليج من قبل الدول الأخرى يعني أن هذه الدول تقر وتعترف بسيادة الدولة المالكة،ولا
يستوجب هذا الإقرار والإعتراف أن يكون صريحا وإنما يكفي أن تدل تصرفات وأعمال هذه
الدول ضمنا إلى الإعتراف للدولة المالكة في سيادتها على الخليج بإعتباره خليجا
وطنيا تملك كامل الحق في السيادة عليه.
والإتجاه الفقهي السائد في الوقت الحاضر يذهب إلى
تغليب واقعة الحيازة الفعلية على الإحتجاج الرسمي غير المقترن بتسوية سلمية للنزاع
خاصة إذا كان هذا الإحتجاج متقطعا وغير جدي،فالقانون الدولي العام يأبى أن يكون
المركز القانوني للخليج التاريخي الذي تمارس عليه الدولة سيادتها زمنا طويلا عرضه
لعدم الثبات والهدوء بمجرد لجوء دولة أخرى إلى تقديم إحتجاجات ورقية على تلك
الممارسة.
وأخيرا فإنه إذا توافرت في الخليج الشروط الثلاثة
السابقة الذكر،فإنه يعتبر من الخلجان التاريخية التي تعتبر من المياه الوطنية،وبالتالي
فإنها تخضع لكامل سيادة الدولة الساحلية المالكة وبكل ما تحمله كلمة السيادة من
حقوق وسلطات،كما أنه إذا جرى الإقرار بأن الخليج هو من الخلجان التاريخية فإن خط
الأساس الذي يبدأ من عنده قياس البحر الإقليمي يتمثل بالخط الواصل بين طرفي فتحته
بغض النظر عن المسافة الفاصلة بينهما،أما ذلك الجزء من الخليج المحصور بين خط
الأساس واليابسة فإنه يعتبر مياها داخلية يخضع كليا لسيادة الدولة الساحلية.