التغييرات التي تسببها الجماعة في إختيارات
الأفراد وإتجاهاتهم
على
الرغم من أن وجود الآخرين يحفز الأفراد على تجميع ردود أفعالهم حول معيار مقدر،فإنه ليس من الضروري أن يكون المعيار محافظا أو محايدا،فلقد درس الباحثان
الفرنسيان موسكوفيتش وزافالوني تأثير الجماعة على إختيارات الأفراد وإتجاهاتهم،وإستنتجا
أن الجماعة تعمل كمستقطب للإتجاهات (الإتجاه نحو التطرف) وأن العوامل التي تسبب
هذا الأثر هي:
أ-يصبح الأفراد أكثر تورطا في المواقف
الإجتماعية.
ب-تصبح المهمة المقصودة أكثر مغزى.
ج-يصبح الأفراد أكثر تأكدا من مواقفهم.
والمثير
للإهتمام أنه قد تعمل الجماعة ومواقفها على زيادة ثورية الأفكار،كما أنها قد تعمل
على إعتدالها وتحييدها،وهنالك شكل جذاب آخر من أشكال تأثير الجماعة على أحكام
الأفراد وهو ما يعرف بإسم (التحول المجازف)،فعندما يطلب من الأفراد إتخاذ قرارات
بشأن بعض مشكلات الحياة الواقعية،فإنه من المحتمل جدا أن يتخذوا بعد المناقشة
داخل الجماعة قرارا أكثر مجازفة مما يتخذونه عندما يقررون بمفردهم،والتحول هنا
ناحية المجازفة تحول قوي وثابت بالنسبة لفئة بأكملها من مشكلات الإختيار.
وما زالت البحوث تجري لتفسير هذا الأثر المهم
إجتماعيا وذو الدلالة من الناحية النظرية،وكذلك لإكتشاف مفردات المناقشة التي تؤدي
إلى المجازفة الأكبر أو إلى المحافظة الأكبر،وحتى الآن فإن بعض النتائج تؤيد
وبعضها الآخر يشكك في عدد كبير من المحاولات التفسيرية التي تقوم على بعض
التساؤلات وأهمها:
-هل يعود
التحول المجازف إلى توزيع المسؤولية بالنسبة للقرار المبني على أساس الجماعة ؟
-هل تقوم
إختيارات الأعضاء بشأن بعض المفردات على القيم الثقافية المتعلقة بالمجازفة،والتي
قد يزداد بروزها في الموقف الجماعي ؟
-هل يريد
الأعضاء أن يظهروا أنفسهم في العلن على أنهم أكثر تحملا للمجازفة مما هم عليه فعلا ؟
-ما هي
الظروف الإجتماعية وما هي الموضوعات التي تشجع الآراء المحافظة ؟
المسايرة
لقد حدثت
تحسينات مطردة في تفسيرات علم النفس لأثر الجماعة على الفرد منذ العشرينات،وقد إننتقلت
إهتمامات الباحثين في الوقت الحاضر من تكوين معايير الجماعة إلى تحليل أكثر دقة
لردود الفعل الفردية تجاه المعايير أي إلى ظاهرة المسايرة،فلقد لاحظ كرتشفيلد من
خلال عدد من التجارب أن هناك فروق فردية كبيرة في مدى المسايرة،فهو يقول أنه من
خلال 21 محاولة على مجموعة من الأفراد لثنيهم عن مواقفهم وآرائهم إستسلم بعض
الأفراد في 17 مرة بينما لم يستسلم آخرون إلا مرة واحدة،وعندئذ يقول كرتشيفلد أنه
بدأ بدراسة السمات الشخصية المتنوعة للمفحوصين مستخدما مقاييس جيدة لسمات الشخصية،حيث بين من خلال ذلك إرتباط هذه السمات مع
مدى المسايرة،فظهر له أن الشخص المستقل في مقابل الشخص المساير هو أكثر فعالية من
الناحية العقلية وأكثر نضوجا وأكثر ثقة وأقل جمودا أو تسلطا،كذلك فإن لدى
الجماعتين إتجاهات جد مختلفة تجاه الوالدين والأبناء،إذ ينحو المسايرون إلى إضفاء
الطابع المثالي على والديهم،بينما يكون المستقلون أكثر موضوعية وواقعية حيث
يمتدحان وينتقدان،بالإضافة إلى أن المسايرين أكثر تقييدا في إتجاهاتهم نحو تربية
الأطفال بينما المستقلون أكثر تسامحا،ويلاحظ هنا أن السمات المميزة للمساير أكثر
شبها بالسمات المميزة للشخصية التسلطية،ومثلما يمكن إرجاع نشأة التسلط إلى خبرات
الطفولة المبكرة فإنه من الممكن إكتشاف المزيد عن جذور المسايرة.
وتشير
بعض الدراسات الحديثة إلى أن أحد الجذور العميقة للمسايرة هي الحاجة للإنتماء،فالأشخاص ذوو الحاجات الشخصية القوية للإنتماء معرضون بالذات للمسايرة في الظروف
الإجتماعية المشابهة وفقا لما درس آش،ويأتي التأييد لهذا التفسير من خلال أبحاث
ووكر وهينز اللذان يقولان أن المسايرة هي طريقة للسلوك تساعد الشخص على أن يحظى
بالقبول والحب من الآخرين،كما وجدا أن مدى المسايرة يتوقف على جاذبية العضوية في
الجماعة أي على المكافآت الإجتماعية المستمدة من الإنتماء،فالشخص يساير المعايير
في تلك الجماعات التي يريد أن يقبل فيها،وهو لن يساير وسوف يتمرد في الجماعات
التي لا يجدها مرضية،ولكن بما أن معظم الناس يريدون أن يقبلوا في بعض الجماعات
على الأقل،فإنه ينتج عن ذلك أنه يمكن فرض المسايرة على كل شخص تقريبا بصرف النظر
عن أسلوبه الشخصي إذا كان الموقف مناسبا،وهكذا يتضح أن التفسير النهائي للمسايرة
لابد أن يعالج كلا من سمات الشخصية والعوامل الموقفية.
وأخيرا فهناك
ما يسمى عمق المسايرة،ففي بعض الحالات يوجد فقط إذعان سطحي لضغط الجماعة،بينما
يعتمد الإذعان في حالات أخرى على تقبل حقيقي لتأثير الجماعة،وقد ركز شارلز وسارة
كيسلر على أهمية التمييز بين محض الإذعان والتقبل الخاص،فمثلا الضغط القوي العامل
على الإذعان قد يجبر الأشخاص على المسايرة مع الجماعة ولكنه يكون ذا تأثير قليل
على تقبلهم الداخلي لمحاولة التأثير،وفي الوااقع يمكن للضغط الشديد أن يكون ذا
أثر عكسي،فقد تصبح إتجاهات الفرد الخاصة أكثر معارضة لإتجاهات الجماعة نتيجة
للضغط الشديد.
عدم المسايرة
يختلف
الأفراد إلى درجة كبيرة من حيث ردود أفعالهم تجاه الجماعة،فالبعض سريعون جدا في
المسايرة مع معايير الجماعة،ولكن لا يساير الجميع المعايير،كما لا يساير الفرد مع
كل الجماعات التي يرتبط بها،وفي الحقيقة ينظر بعض الناس إلى الجماعات الإجتماعية
على أنها فرص لفرض معايير أكثر منها فرص للتكيف معها،وعلى أنها فرص لكي يكونوا
أنفسهم بدلا من أن يسايروا ولكي يقودوا بدلا من أن يتبعوا.
ويعتقد
هولاندر أن الفرد لابد أن يكتسب حق عدم المسايرة،وأنه إذا كانت إقتراحات غير
المساير الجديدة أو اللاتقليدية بشأن فعل الجماعة قد أثبتت قيمتها للأعضاء الآخرين
في الماضي،فإن الجماعة تنسب إليه فضل المزاج الخاص،أي أنه يعطي الفرصة للتعبير عن
أفكاره لأن الأخرين يعتقدون أن من صالحهم الإستماع إليه،فيما إذا كانت أفكاره
تتطلب التكيف من جانب الآخرين ويثبت عدم نجاحها فإن هذا الفضل المنسوب إليه يستنفذ
ويتوقع منه حينئذ أن يحتفظ بأفكاره لنفسه وأن يستمع لإقتراحات الآخرين،وذلك بمعنى أنه
يترك لشخص آخر محاولة تجربة نفسه في القيادة،ويجدر الإشارة إلى أن هناك عدد قليل
من الأشخاص يتمكنون من إكتناز إحتياطي كبير من فضل المزاج الخاص مما يكسبهم ميزة
إتخاذ القرارات للجماعة،وهكذا فالشخص يستطيع أن يكوّن لنفسه سمعة إمتلاكه للأفكار
الجيدة ويصبح بذلك قائدا للجماعة.
وقد درس
ر ف بيلس القادة من هذا النوع مستخدما أساليب تحليل التفاعل الإجتماعي،ووجد أن
القادة تدفعهم رغبة قوية في السيطرة على نشاطات الآخرين مع تحرير أنفسهم من
السيطرة الخارجية،وعلى الرغم من هذا الدور فإنه يمكنهم الحصول على نوع معين من
الإحترام مثلما يحظى به المختصون الأكفاء،إلا أنه من غير المحتمل حسب بيلس أن
يتمتعوا بالحب،ولكن إذا إحتفظ الشخص بحساسية تجاه حاجات الآخرين وساعدهم في
التعبير عن آرائهم بدلا من أن يقوم بدور المختص بصورة زائدة عن الحد،فإنه قد يصبح
أكثر الأشخاص المحبوبين في الجماعة،كما ويرى بيلس أنه من غير المحتمل جدا أن
يستطيع شخص القيام بدور أفضل المفكرين وأفضل المحبوبين في الجماعة الواحدة،وفي الواقع يبرز عادة نوعان متميزان من القادة في معظم الجماعات،ويبدو أن القائد
الأكثر تمتعا بالحب تدفعه حاجات قوية للإنتماء والحب.
وقد آثار
هذا النوع من القادة إهتمام سيجموند فرويد على وجه خاص،حيث قال أن القائد يبرز في
الجماعة عندما يجده الآخرون موضوعا للحب،وحيث أنهم جميعا يحسون بشعور واحد إتجاه
القائد فإن أفراد الجماعة يقتربون نفسيا من بعضهم البعض،فالشخص الذي يسعى لكي
يكون الأكثر تمتعا بالحب يمكن أن يصبح قائدا ناجحا إذا تمكن من الإبقاء على نفسه
في مركز شبكة المعلومات وإذا حافظ على أواصر الحب التي تربط بين أعضاء الجماعة.
وتكون طبيعة
القيادة معقدة،فقد يسعى الفرد بثقة لنوع معين من الزعامة في جماعة ما،لكنه يكون
مسايرا بطريقة سلبية في جماعة أخرى،وقد تستخرج مواقف معينة إمكانية القيادة
الكامنة في العديد من أعضاء الجماعة بينما لا يسعى أحد للقيادة في ظل سياقات أخرى،ويرى فريد فيدلز أن السياق أو العوامل الموقفية ترجح خواص الشخصية في تحديد الشخص
الذي سيصبح قائدا فعالا،وهو يعتقد أن أي شخص يمكنه في سياقات جماعية معينة أن
يكون قائدا فعالا بينما لا يستطيع أحد أن يقود بفعالية في ظل مواقف أخرى.
وأخيرا
فإنه يوجد في مدخل فيدلر ما يبعث على الأمل،فالعديد من الشباب اليوم يشعرون
بالقلق من جراء دور القيادة لأن القائد القوي يعني عادة السلبية بالنسبة لبقية
الجماعة،لهذا يقترح فيدلر في ضوء ذلك أن نستفيد بالإستعاضة عن اللغز المحيط
بالقائد وأن نجعل القيادة دورية بين أعضاء الجماعة،وعندئذ يمكن الإستعانة
بإستعدادات كل عضو في مشكلات خاصة.
سيكولوجية الصراع بين الجماعات
ينشأ لدى الناس عادة الولاء تجاه جماعاتهم والإحساس
بالإفتخار بها،وهو إحساس بأن جماعتهم هي أفضل في بعض النواحي من الجماعات
المقارنة التي لا يرتبطون بها،وسواء كانت هذه المشاعر مبررة أو لا فإن أعضاء
الجماعة يتأثرون بها،فالولاء للجماعة يوحد الأعضاء في حالات معينة ويبقي على قيام
الأعضاء بالإنجازات الكبيرة،ولكن حيث أن الإفتخار بالجماعة غالبا ما يتدعم
بالمقارنات السلبية مع الجماعات المشابهة فإنه يصبح مصدرا ممكنا للتنازع والصراع كلما إتصلت الجماعات ببعضها
البعض،وفي الواقع فإن الكثير من الصراع الذي يجري في شلل الأحياء والجماعات
الدينية والأمم يقوم على المشاعر المبالغ فيها بالإفتخار بالجماعة،ولا يمكن تفسير
هذا النوع من الصراع بين الجماعات على أساس التفاعل في داخل الجماعات بل يجب الحصول
على معلومات حول الإتصال الإجتماعي الفعلي بين الجماعات وآثار هذا الإتصال على
سلوك أعضاء الجماعة.
ولقد قامت جماعة من علماء النفس برئاسة مظفر شريف بدراسة
منافسات وصراعات الجماعات وتوصلت إلى أنه يمكن دراسة هذه الصراعات منهجيا،كما أظهرت
الدراسة سهولة تكون الولاء عند الأفراد لجماعاتهم وسهولة نشأة الصراعات بينها،كما
أنه يمكن تخفيض وتقليل حدة هذه الصراعات بين الجماعات وزيادة مساحة التفاعل
والتعاون فيما بينها مع الإبقاء على كيان كل جماعة منها.