إن إعتبار الفرد شخصا من أشخاص القانون الدولي هو موضوع جدل فقهي كبير،فالفقه التقليدي يرفض أن يكون للفرد أي مركز في هذا القانون،وبالتالي فإنه ينكر إمكانية إشتراك الفرد بطريقة ما في العلاقات الدولية،كما أنه يرفض أن تكون قواعد القانون الدولي تنطبق عليه مباشرة،وإنما يجب إعتباره محلا لهذه القواعد،ولذلك يقول الدكتور حامد سلطان ويشاركه في ذلك الرأي الدكتور محمد حافظ غانم أن الشخصية الدولية تتحدد بإجتماع وصفين،هما القدرة على إنشاء قواعد قانونية دولية وتوافر أهلية الوجوب والأداء،وبناء عليه فإن الفرد قد ترتب له حقوق دولية كما حدث في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان،وترتب عليه إلتزمات كما هو الحال في الإتفاقية الخاصة بجريمة إبادة الجنس البشري،ومع ذلك فإن تمتع الفرد بهذه الحقوق الدولية وكذلك إلتزامه بالإلتزمات لا يكسبه وصف الشخص الدولي،لأنه ليست له القدرة على إنشاء القواعد القانونية الدولية.
وعلى العكس من الإتجاه السابق نجد أن بعض الفقهاء غالى في الإتجاه المخالف،فإعتبر أن الفرد هو الشخص الوحيد للقانون الدولي العام،وأن قواعد هذا القانون تخاطب الأفراد مباشرة إما كحكام للدول وهذا هو الشائع أو تخاطب بعض المحكومين إذا تعلق الأمر بمصالحهم الخاصة،وكما أن الدولة تتكون من الأفراد المنتمين لمجتمع وطني فإن المجتمع الدولي يتكون من الأفراد المنتمين لمجتمعات وطنية مختلفة،أما الدولة فما هي إلا وسيلة قانونية لإدارة المصالح الجماعية لشعب معين.
وقد أثير هذا الموضوع بصورة خاصة حول مسألة حماية الأقليات،ذلك أن أفراد هذه الأقليات هم الذين يستفيدون من حماية القانون الدولي،وتلك هي إحدى المسائل التي يلعب فيها الأفراد بوصفهم أشخاصا طبيعيين دورا دوليا،بل أنه في حالات معينة يبدو الأمر وكأن الإتفاقيات الدولية قد إعترفت بوجود شخصية للأقليات بصورة من الصور،فالفرد في ظل نظام حماية الأقليات يستطيع أن يتدخل في المجال الدولي بصورة مباشرة في حالة ما إذا رأى أنه قد أصيب بضرر،حيث يظهر على المسرح الدولي على أنه يناضل من أجل الحفاظ على حقوقه،وهذا هو الإتجاه الذي يذهب إليه الدكتور علي صادق أبو هيف.
وأخيرا فإن هناك إتجاه ثالث وسط يحاول أن يتخذ موقفا مرنا بخصوص مركز الفرد في القانون الدولي،فالفرد في رأي هذا الإتجاه ليس موضوعا للقانون الدولي كما لا يعد من أشخاصه أيضا وذلك بالمعنى العام للكلمة ولكنه هو المنتفع من أحكام هذا القانون،كما أن هناك من يذهب بالقول بأن للفرد وضع الشخص الدولي إلاّ أن أهليته لإكتساب الحقوق والإلتزمات بالواجبات محدودة،بالإضافة إلى أنه من النادر أن يمارس الفرد هذه الحقوق بنفسه بصورة مباشرة،ومن أنصار هذا الإتجاه الدكتور محمد عزيز شكري.
عناصر الشخصية القانونية الدولية
1-القدرة على إنشاء قواعد قانونية دولية عن طريق التراضي مع غيرها من الوحدات المماثلة أي (القدرة على التعبير عن إرادة ذاتية في ميدان العلاقات الدولية).
2-القدرة على التمتع بالحقوق وتحمل الإلتزمات التي يحددها القانون الدولي العام.
وإذا ما توافرهذان العنصران في وحدة ما أمكن القول أنها تتمتع بالشخصية القانونية الدولية،ولهذا فإنه بتوفر الشرط الثاني بالنسبة للفرد وعدم توافر الشرط الأول حتى الآن وذلك (لأنه ليس في مقدور الفرد أن ينشئ القواعد القانونية الدولية،حيث إن ذلك لا يزال مقتصر على الدول والمنظمات الدولية فقط)،فإن الفرد لا يتمتع في القانون الدولي التقليدي بشخصية قانونية دولية،ويترتب على ذلك ما يلي:
1-ليس للفرد حق إبرام المعاهدات الدولية،وبالتالي لا يستطيع المساهمة في إنشاء القواعد القانونية الدولية.
2-لا يستطيع الفرد الإشتراك في تكوين العرف الدولي.
3-ليس للفرد حق تقديم المطالبات الدولية لحماية حقوقه بشكل مباشر وإنما يتم ذلك عن طريق دولته.
4-لا يحق للفرد المساهمة في عضوية المنظمات الدولية،كما أنه ليس أهلا للمسؤولية الدولية.
ورغم أن الفرد كان دائما محل إهتمام القانون الدولي،حيث أنه يكتسب بعض الحقوق ويتحمل بعض الإلتزمات في حدود معينة،وهي حقوق وإلتزمات تتقرر من خلال إتفاقيات دولية تعقد بين أشخاص القانون الدولي وخاصة الدول أو تتقرر من خلال العرف الدولي،وتبدو مظاهر إهتمام القانون الدولي بالفرد فيما تقرره الإتفاقيات الدولية من حقوق معينة للأفراد أو ما تقرره من قواعد لحمايتهم،ومن ذلك القواعد التي تستهدف حماية حياة الأفراد (تحريم القرصنة وإستعمال الغازات الخانقة والسامة) أو تستهدف حرياتهم (تحريم الرق والإتجار بالرقيق) أو تستهدف حماية أخلاقهم (حظر الإتجار بالمخدرات وإستعمالها ومنع النشرات المخالفة للأخلاق العامة).
كما وتبدو أيضا مظاهر إهتمام القانون الدولي بالفرد في تلك القواعد الخاصة بحماية الأقليات والأنظمة الخاصة بحماية حقوق الأفراد من سكان الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي،والجهود التي تقوم بها منظمة الأمم المتحدة وبعض المنظمات الإقليمية لحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وتوفير ضمانات لهذه الحقوق وتلك الحريات.
وأخيرا فإنه يجب القول هنا بأن أي حقوق تتقرر للأفراد بمقتضى الإتفاقيات الدولية لا تؤدي إلى ترتيب هذه الحقوق للأفراد مباشرة وإنما تترتب هذه الحقوق للدول الأطراف في هذه الإتفاقيات،ومؤدى ذلك أنه رغم النفع الذي يعود على الأفراد فإن حماية هذه الحقوق في مواجهة الدول الأخرى لا يتم إلاّ عن طريق الدول التي يتبعها هؤولاء الأفراد،وذلك لأن الحدود السياسية للدولة وإعتبارات السيادة للدول أعضاء المجتمع الدولي ما زالت تقف بين الشخصية الدولية للفرد وبين القاعدة الدولية موقف السد الحائل دون توجيه الخطاب للأفراد مباشرة،ولذلك فإن الدول هي المخاطبة وحدها أساسا بقواعد القانون الدولي ولا يتلقاها الأفراد كحقوق أو إلتزمات إلا بواسطة دولهم وعن طريقها،بحيث إن فعلت الدولة ذلك لبست القاعدة الدولية لباسا وطنيا وإكتسبت صفة الإلزام بالنسبة للفرد،فكأن تجنيس الدولة للقاعدة الدولية هو الذي صرف حكمها للفرد،ومن هنا يأتي القول من أن القاعدة الدولية لا تخاطب الأفراد مباشرة ولا ترتب لهم حقوقا أو تلزمهم بالإلتزمات،وإنما هي تخاطب دولهم التي لها أن تستخدم وساطتها في نقل حكم القاعدة الدولية للأفراد.
والجدير بالذكر هنا أن ما سبق لا ينطبق على الدول الأوروبية الغربية،حيث أن الجماعات الأوروبية الثلاثة (جماعة الفحم والصلب،الجماعة الإقتصادية،الجماعة الأوروبية للنشاط الذري) وكذلك الأمر بالنسبة لدول المجلس الأوروبي،فإنها تحتوي على تنظيم خاص يجعل من الفرد مخاطبا بأحكام القانون الدولي الأوروبي،حيث لا ضرورة لوساطة الدولة في نقل أحكام وقواعد هذا القانون للأفراد،فالإتفاقيات الدولية التي أنشئت بموجبها الجماعات الأوروبية الثلاث تخاطب الأفراد مثلما تخاطب الدول،والقرارات واللوائح التي تصدر عن اللجنة التنفيذية تعتبر ملزمة للأفراد بمجرد نشرها في الجريدة الرسمية للجماعات الأوروبية أو بمجرد إبلاغها إليهم دون الحاجة لوساطة الدول الأعضاء،كما أن الفرد الأوروبي في دول هذه الجماعات يمكنه اللجوء إلى محكمة العدل الأوروبية للمطالبة بحقوقه،وهذا الأمر ليس له وجود في القانون الدولي التقليدي والذي تقتصر فيه محكمة العدل الدولية بالنظر في الدعاوى التي تكون أطرافها من الدول فقط،ومن هنا يتضح أن قواعد القانون الدولي الأوروبي وهي تخاطب الأفراد بشكل مباشر،فإنها تجعل منهم أشخاصا دوليين إلى جانب الدول والمنظمات الدولية،وبذلك يمكن القول أن الفرد في ظل التنظيم الدولي الأوروبي للجماعات الأوروبية يعتبر شخصا دوليا حقيقيا،وهذا ما يعكس تقدم وتطور القانون الدولي الأوروبي.