مفهوم الديمقراطية مع إستعراض الأسباب التي تحول دون تحقيقها في المجتمعات المعاصرة
إن النظم السياسية الغربية تطورت بسبب العوامل السياسية والإجتماعية والإقتصادية المختلفة وهذا ما صاغه المفكرون والفلاسفة في نظرياتهم المختلفة والكثيرة والتي أثرة التجربة الإنسانية في مجال التنظيم السياسي وعملت على تقديم مفاهيم جديدة ساعدة على تقدم وتطور أساليب الحكم والمؤسسات السياسية وأبرز هذه المفاهيم هي الديمقراطية.
الديمقراطية
إن الديمقراطية مبدأ يعتمد على أسانيد وحجج عملية وله أساس فلسفي وهو نظرية العقد الإجتماعي التي أخذ بها كثير من فلاسفة القرن السابع عشر والثامن عشر أمثال جون لوك وروسو حيث أن جون لوك في كتابه (الحكومة المدنية) أعتبر أن حل المشاكل السياسية يتم عن طريق الديمقراطية النيابية التي يكون فيها البرلمان نائب عن الأمة و بديل عن سلطة الملوك المطلقة، أما فكزة روسو فأعتمدت على سيادة القانون الذي يعبر عن الإرادة العامة وعلى سيادة الشعب الكاملة وهذا يتعارض مع فكرة النيابة ووجود مجلس منتخب ينوب عن الأمة لذلك إنتقد روسو النظام النيابي الإنجليزي في عصره حيث إعتبر أن الشعب فيه حرا في عملية الإنتخاب وبعدها يصبح عبدا للبرلمان، ومن هنا إختلفت النظم السياسية بإختلاف فلسفة كل من لوك وروسو .
الديقراطية وتطبيقاتها في حكومة
الجمعية
إن نظام حكومة الجمعية هو الذي تكون فيه مظاهر السلطة وإختصاصاتها في يد جهة واحدة هي هيئة ممثلي الشعب وهذا أقرب تطبيق عملي لأفكار روسو ولا يوجد فيه فصل للسلطات لأن روسو ينكر ذلك ، بل كلها مدموجة مع بعضها وفي يد ممثلي الشعب نظريا أم عند التطبيق العملي فإن نواب الشعب يختارون من يقوم بالوظائف التنفذية والقضائية تحت إشرافهم وقد يكون ممثلي الشعب في مجلس واحد أو مجلسين ويمارسوا إختصاصاتهم بشكل مباشر أو عن طريق التفويض، وقد طبق هذا النظام في فرنسا في فترات متباعدة حتى يتم وضع دستور جديد وتستقر الأوضاع في البلاد، وقد عمل به بعد ثورة 1848 وكانت السلطة التنفذية فيها في ذلك الوقت في يد خمسة أشخاص ينوبون عن الجمعية في ذلك ثم إنتقلت إلى يد الجنرال كافينياك وحدة بتفويض من الجمعية وكانت أخر تجربة مع هذا النظام عند سقوط نابليون الثالث، وعلى غرار فرنسا فقد طبقت كثير من الدول هذا النظام مثل النمسا وألمانيا وبروسيا وتركيا بعد الحرب العالمية الأولى مع بعض التعديلات فيه وقد طبق كما هو وإستمر بشكل مستقر في سويسرى ولكنه إندثر في وقتنا الحالي ولايوجد إلا في ثلاث ولايات صغيرة في سويسرى تعمل به.
مدى تحقيق الديمقراطية في المجتمعات
المعاصرة
إن دمج السلطات في يد مجلس نيابي في
نظام حكومة الجمعية قد يؤدي إلى إستبداد البرلمانات وقمع الحريات وهذا يتعارض مع
الديمقراطية الحقيقية ولكنه في نفس الوقت يعتبر صورة من صور أنظمة الحكم القريبة
من تحقيق إرادة الشعب ولكن عند مناقشة هذا النظام بالتفصيل فإنه لا يمكننا إعتباره نظام ديمقراطي مباشر
لأنه من ناحية التشريع الشعب لايحضر
مشروعات القوانين ولايقدمها لأنها من إختصاص المجلس المنتخب وإنما يقوم بالمناقشة
والإقرار ظاهريا وليس جديا، أما الوظائف التنفذية والقضائية فلا يمارسها الشعب
بشكل مباشر بل ينتخب من يقوم بها بدلا عنه فيكون بذلك الشعب محكوما بدلا من أن
يكون حاكما لهذا أعتبر هذا النظام خرافة سياسية لا يمكن تطبيقها للأسباب التالية :
1-أصبح عدد السكان كبيرا جدا في
الدول مما يستحيل معه مشاركة الشعب مباشرة في السلطة على عكس ما كان سائدا في
المدن اليونانية قديما حيث كان عدد السكان قليل ومحدود مما سهل مشاركة الشعب
مباشرة في السلطة ولأن الإحتكاك الفكري المباشر لاوجود له و أما المناقشات غير
المباشرة فهي تهدف للحصول على موافقة أغلبية الأفراد لأنه لا يمكن التوصل لقرارات
ترضي الجميع بل أنه صعب ومستحيل.
2- لا يمكن الآن الأخذ بالنظام المباشر لأن شؤون الحكم في الوقت الحاضر تتميز بنواحي فنية وعلمية تستلزم خبرة ومعرفة خاصة لاتوجد عند كثير من أفراد الشعب ولهذا فإننا نرى أن الديمقراطية الغربية لا يسن الجميع فيها القوانين بل فقط البعضهم ممن هو مفوض ولا يقومون حتى بتنفيذ كل هذه القوانين .
رابط المقال في مجلة تحت المجهر: