قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

الشيخ المسلم في المسلسلات

الشيخ المسلم في المسلسلات

 يعرض مسلسل «باب الحارة»، في جزئه الثامن، شخصية، أقل ما يقال عنها إنها مشبوهة؛ إذ يقوم أحد الممثلين بأداء دور «شيخ، وإمام، أو مؤذن مسجد» يدعى «سمعو»، يتصف بالتطرف الديني، ورفضه لفكرة التسامح، والتعايش بين الأديان، فيقوم بطرد (سارة) اليهودية من منزله؛ بحجة أنها يهودية، وأنه لا يجب أن يستقبلها المسلمون في منازلهم، ومن جهة ثانية اتّسامه بالعنف العائلي، والتصرفات الهمجية، وممارسته للعنف، وضربه لزوجته ضربًا مبرحًا، مما يجعلها تهرب مكشوفة الرأس من منزله، وهو الأمر الذي يعتبر عارًا في البيئة المحافظة للحارة، كما يظهره المسلسل.


هذا الأمر لم نفهم مغزاه ومدى براءته؛ إذ إنه في الأجزاء السابقة لباب الحارة كان دائمًا شيخ وإمام الجامع يصور تقريبًا كملاك حارس للحارة، ونقطة الإجماع حولها، والرابط فيما بين أفرادها لحل الخلافات والمشاكل المختلفة، أما في هذا الجزء فقد تم عكس هذا الأمر رأسًا على عقب، ودون أي مبرر أو سبب مقنع، حتى إن شخصية (سمعو) كانت تصور في الأجزاء السابقة للمسلسل على أنه الشاب الفقير المؤدب الحافظ للقرآن المسالم والخادم للجامع والمحبوب من أهل الحارة، فما الذي تغير فجأة؟ إنها بلا شك إسقاط للأوضاع التي تعيشها سوريا خاصة، والدول العربية عامة على أحداث المسلسل، إلا أن هذا الإسقاط تم بطريقة فجة، وغير حقيقية، وغير مصدقة، بل حتى مضحكة، ومثيرة للسخرية، فحتى السياق الدرامي، وتسلسل الأحداث، لا يوحي أو يبرر، مثل هذا التحول، والتغير الجذري، لهذه الشخصية، فلو تم الاستعانة بشخصية جديدة، وإضافتها لكان أرحم، وذلك على غرار ما كان يحدث في الأجزاء السابقة، والتي كان المؤلف والمخرج يفاجئنا في كل جزء بشخصيات جديدة مع تغيير لبعض الممثلين الذين يلعبون أدوار رئيسة في المسلسل.


أما النقطة الجوهرية هنا، فهي لماذا الإصرار على تسويق أن كل سلوك عنيف مرتبط برجل الدين المسلم ؟ على الرغم من أن المسلم الحقيقي يجب أن يكون بعيدًا عن السلوكيات العنيفة مع أسرته، ومع الآخرين في المجتمع، بالإضافة إلى من ينتمون لديانات أخرى، فارحموا عقولنا من هذه الترهات، ولا تقتلوا «الدراما» العربية العريقة بهذه التفاهات، وإبحثوا عن إبداعات وأفكار جديدة وخلاقة لمسلسلات جديدة، دون العودة للماضي وتشويهه، أوالتغني على أطلاله وتأكيد الصور النمطية الكاذبة الفاسدة، والتي تضر، وتفاقم المشكلات في مجتمعاتنا الهشة نسبيًا أمام هذه الأفكار والتصورات، وقوموا بأعمال تدعو لتغيير هذا الواقع المرير، وإبراز الأفكار والحلول الإيجابية؛ لنساعد مجتمعاتنا للمضي قدمًا، والتطور، واللحاق بركب دول العالم الحضاري.


ويجدر الذكر هنا أن هذا الأسلوب، والمتمثل في شيطنة «رجل الدين المسلم» بأشكال وأساليب مختلفة، لم يقتصر على مسلسل باب الحارة، بل تعداه إلى مسلسلات أخرى، ومن أبرزها مسلسل الفنان «عادل إمام» «مأمون وشركاه»؛ إذ إن هذا المسلسل ذا الطابع «الكوميدي»، وبعد حلقاته الأولى، بدأ يتخذ منحى سياسيًا وبشكل مفاجئ؛ إذ إنه، وفي أحداث المسلسل يتم إسقاط وربط ما شهدته مصر في السنوات الأخيرة؛ وذلك عندما داهمت قوات الأمن في إحدى الحلقات منزل «مأمون» واعتقلت نجله «يوسف» الذي كان قد حضر من إيطاليا مع زوجته الأجنبية وابنه الصغير، فيتسأل (يوسف) متفاجئًا عن سرّ إعتقاله، فيقول له رجل الأمن بأنه يتتّبع رجلًا يحسب على «جبهة النصرة»، وأنه شاهده يقف إلى جانب هذا الرجل، ثم يُريه مشهدًا وهو يقف إلى جانبه مع بعض الرجال الملتحين، الذين يرفعون «شارة رابعة»، وهم يهتفون «يسقط يسقط حكم العسكر»، و«الشرعية الشرعية»، ثم يأتي «صك الغفران» من رجل الأمن تجاه المتّهم «يوسف»؛ عندما يطلب الأخير منه بأن يسمح له باستعمال حاسوبه؛ لكي يريه بعض الأمور التي تثبت براءته، فيقوم بفتح  فيديوهات نشرتها مواقع إخبارية يظهر فيها، وهو يرقص، ويغني في الشارع، مع مجموعة من الشباب، على  أنغام الأغنية الشعبية «تسلم الأيادي»، التي أُعِدت بعد الإطاحة بالنظام السابق لمصر، ثم يقوم «يوسف» بعرض مقطع فيديو تظهر من خلاله علامات الضرب على وجهه، وهو يولول ويقول «حسبي الله ونعم الوكيل»؛ لأن «الإخوان» اعتدوا عليه بالضرب في روما؛ بعد خروجه لتأييد ثورة 3 يوليو، و26 يوليو، وحطموا له المطعم، وبعد كل هذه الأدلة، التي عرضها يوسف والفيديوهات التي تثبت أنّه لا ينتمي للإخوان المسلمين، ينبهر به رجل الأمن، ويعتبره النموذج المثالي والوطني المخلص والعاشق لمصر، وهذه رسالة سياسية مقصودة ومبطنة أو بالأحرى واضحة وضوح الشمس من المسلسل لمتابعيه ضد «الإخوان المسلمين»، فلا شيء يعرض على الشاشة بشكل عشوائي، وبدون دراسة؛ فالكل وراءه ما وراءه.


وأخيرا فإنني أقول: أنا، لا مع الإخوان، ولا مع السلفيين، ولا مع القاعدة، ولا مع النصرة، ولا مع «داعش»، ولا مع غيرها من الحركات والتيارات والاتجاهات الإسلامية؛ لأن الكل له ما له، وعليه ما عليه، ولا يمثل الإسلام بشيء، كما أن المسلمين أيضًا لا يمثلون الإسلام، الإسلام يمثل نفسه بنفسه، أما الآخرون فإنهم يستغلون الإسلام، كل لمآربه وغاياته ومصالحه الخاصة والضيقة، ونختم بما قاله «روجيه غارودي» الفيلسوف والكاتب الفرنسي، والذي عرف الإسلام من مصادره الأصيلة، وعرف قيمته، وأنه نعمة تستحق الحمد «الحمد لله أني عرفت الإسلام قبل أن أعرف المسلمين».


رابط المقال في ساسة بوست:

https://www.sasapost.com/opinion/muslim-sheikh/

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart