سبب احتلال فرنسا للجزائر
بدأت الثورة الفرنسية في عام 1789 م،حيث شهدت السنة
الأولى من الثورة (القسم) في شهر يونيو والهجوم على سجن الباستيل في يوليو وصدور
إعلان حقوق الإنسان والمواطنة في أغسطس والمسيرة الكبرى نحو البلاط الملكي في
فرساي خلال شهر أكتوبر مع إتهام النظام الملكي اليميني بمحاولة إحباط إصلاحات رئيسية،وعندها
تم إعلان إلغاء الملكية ثم إعلان الجمهورية الفرنسية الأولى أي (النظام الجمهوري)
في سبتمبر 1792م،وفي العام التالي أعدم
الملك لويس السادس عشر.
وقد كان أبرز سبب من أسباب الثورة الفرنسية هو الحالة
الإقتصادية السائدة في البلاد آنذاك،إذ كان الجوع وسوء التغذية منتشرا بين الفئات
الفقيرة في فرنسا،وذلك مع إرتفاع أسعار المواد الأساسية كالخبز وأسعار المحاصيل
الزراعية المختلفة،نتيجة الكوارث الطبيعية والعوامل الجوية إلى جانب نظام وسائل
النقل غير الكافية التي كانت تعيق نقل القمح من المناطق الريفية إلى المراكز
السكانية الكبيرة،حيث زعزع كل ذلك بدرجة كبيرة إستقرار المجتمع الفرنسي في السنوات
التي سبقت الثورة،وبالإضافة إلى ما سبق كله فقد كان هناك العامل الرئيسي لكل ذلك
وهو إفلاس الدولة الفرنسية بسبب التكلفة الكبيرة للحروب السابقة التي شاركت فيها،لا
سيما بعد مشاركتها في حرب الإستقلال الأمريكية والتي كان من أبرز نتائجها إرتفاع
الدين العام الذي تراوح بين 1000-2000 مليون فرنك،فضلا عن الأعباء الإجتماعية
المتولدة من الحرب وفقدان فرنسا عددا من ممتلكاتها الإستعمارية في أمريكا الشمالية
وتزايد هيمنة بريطانيا التجارية.
ونتيجة لذلك كله وفي مايو 1776 إستقال وزير المالية الفرنسي
بعد فشله في تطبيق الإصلاحات الإقتصادية المطلوبة،وعين إثر ذلك الغير فرنسي جاك نيكر
مراقبا للمالية العامة من قبل الدائنين الأوروبيين،ولكنه لم يحز على لقب وزير
لكونه بروتستانتيا،وهكذا حاصرت الدول الأوروبية فرنسا وإستنزفت مواردها في سداد
الديون،ومع ذلك فشلت فرنسا في سداد ديونها.
حادثة المروحة وسبب إحتلال فرنسا للجزائر لمدة 132 سنة
تعود الجذور التاريخية لحادثة المروحة في الأساس إلى
أزمة الديون التي نشبت بين الأيالة الجزائرية وهو إسم الدولة الجزائرية في العهد
العثماني والحكومة الفرنسية,إذ دعمت الأيالة الجزائرية فرنسا بالحبوب خاصة بعد
العزلة التي فرضت عليها أوروبيا،وذلك بسبب إعلانها لمبادئ الثورة الفرنسية وحقوق
الإنسان ومحاولتها الضرب بيد من حديد على الأنظمة الملكية الرجعية،فكانت بذلك الأيالة
خير صديق وحليف لفرنسا بإعتراف حكامها أنفسهم.
وهنا ذهبت فرنسا للداي حسين الحاكم الجزائري لتقترض من
الجزائر 20 مليون فرانك بسعر وقتها،عندها ساعدت الجزائر فرنسا،في حين أعلنت الدول
الأوروبية حصارا عليها بسبب إعلانها للثورة الفرنسية،وهنا حدثت حادثة غيرت مجرى
التاريخ،حيث عندما طالبت الجزائر ممثلة بالداي فرنسا بتسديد الديون التي عليها (20
مليون فرنك فرنسي) والتي حدث أن توسطت شركة يهودية يتزعمها الأخوة بكري عمليات ذلك
التبادل،بحيث كانوا أذكياء في خلق أزمة سياسية بين الأيالة الجزائرية والحكومة
الفرنسية،وقد ساعدهم في ذلك المخطط قنصل فرنسا بالجزائر شارل دوفال والذي تطاول ورد
بطريقة غير لائقة على أعلى رتبة قيادية بالأيالة آنداك (الداي حسين) عند إستفساره
عن سبب تأخر الحكومة الفرنسية في الرد على رسائله وبرقياته،قائلا: إن حكومتي لا
تتنازل لإجابة رجل مثلكم.
وقد شكل رد القنصل الفرنسي بتلك الطريقة إهانة وإستفزازا
صريحا للداي وديوانه,مما جعله يطرده من مجلسه وملوحا له بمروحيته،وعندما لم يرق للإدارة
الفرنسية سلوك الداي,طلبت منه الإعتذار في خلال 24 ساعة ورفع الراية الفرنسية على الأيالة
الجزائرية وشروطا أخرى إعتبرها الداي بمثابة إهانة له،حتى أن الداي سخر من ذلك وقال
فيما معناه: (لم يبق لفرنسا إلا أن تطلب زوجتي).
وحادثة المروحة هذه كانت الذريعة أو السبب غير المباشر
لإعلان فرنسا الحرب على الجزائر ومن ثم إحتلالها،حيث بعث شارل العاشر بجيشه بحجة إسترجاع
مكانة وشرف فرنسا،وهذه الذريعة كانت السبب في الحصار على الجزائر سنة 1828 لمدة 6
أشهر وبعدها دخول السواحل الجزائرية ثم إحتلت فرنسا بعدها الجزائر لمدة 132 سنة
نهبت فيها كل خيرات الجزائر.
وقد حاولت الإدارة الفرنسية عند إحتلالها للجزائر أن
تضفي الشرعية على هذه الحملة،هادفة من خلال ذلك إلى إقناع الرأي العام الفرنسي قبل
العالمي بمصداقية هذا الفعل،ومؤمنة أنه لا وجود لنتائج إيجابية دون مقدمات سواء
كانت صادقة أو كاذبة،وبذلك قامت بتعبئة الرأي العام الفرنسي قبل موعد الحملة
وتصويرها على أنها حملة لإسترجاع هيبة وشرف فرنسا الذين داسا عليهما داي الجزائر حسين،فيما
أصطلح عليه فيما بعد بحادثة المروحة.
لكن السؤال يبقى هل يمكن أن يسير حوالي 40 ألف جندي
فرنسي من الموانئ الفرنسية جنوبا إلى الجزائر لتأديب الداي وديوانه ؟ هل يعقل أن يبرر
تواجد الإحتلال الفرنسي بالجزائر لمدة قرن وثلاثين سنة تقريبا بمهمة إعادة شرف
فرنسا وهيبتها ؟