قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

تطور مفهوم حماية المدنيين في القانون الدولي الإنساني

تطور مفهوم حماية المدنيين في القانون الدولي الإنساني

لم يصل العالم إلى القانون الدولي الإنساني الحالي وتفعيله إلا بعد أن مر بمراحل وتجارب مريرة أودت بحياة ملايين الناس، حيث كان لابد من وجود قانون واتفاقيات دولية تنظم وتحمي حياة الإنسان والناس، وتقلل من آثار الحروب والنزاعات بقدر المستطاع، لهذا عمدت دول العالم إلى عمل اتفاقيات ومعاهدات تنظم علاقات الدول في وقت الحرب أهمها:


1- إعلان باريس لعام 1856م بخصوص الحرب البرية، وألغيت بموجبها القرصنة.


2- اتفاقية لاهاي لعام 1899م وعام 1907م، المتعلقة باحترام قوانين الحرب.


3- معاهدة جنيف لعام 1906م، المتعلقة بالجنود الذين يصابون بجروح في ساحة القتال.


4- اتفاقية واشنطن لعام 1922م حول حرب الغواصات والغازات.


5- بروتوكول جنيف لعام 1925م، والذي شاركت فيه ما يزيد عن أربع وثمانين دولة.


6- اتفاقيات جنيف الأربعة التي تم توقيعها في 12/8/1949م وهي:


(أ) اتفاقية جنيف بشأن تحسين حال الجرحى والمرضى من أفراد القوات المسلحة في الميدان.


(ب) اتفاقية جنيف بشأن تحسين حال الجرحى والمرضى من أفراد القوات المسلحة في البحار.


(ج) اتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب.


(د) اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب.


هذا وقد أخضعت البشرية الحرب على مر العصور لعدة مبادئ، وذلك من أجل رعاية الضرورات العسكرية والاعتبارات الإنسانية معا، فالقانون الدولي على مر العصور حاول إعمال التوازن بين هذه الاعتبارات، كما إن الغرض من القواعد والأحكام المقننة لتنظيم الحروب، والتي استقرت بين الدول لا يخرج عن أمرين:


- الأمر الأول: أن الحرب القائمة إذا دعت إليها حالة الضرورة، فإن هذه الحالة هي التي تقضي أو تشفع في استعمال أساليب العنف والقسوة والخداع في الحرب، وذلك حتى يتحقق الهدف منها، وهو قهر العدو وهزيمته وإحراز النصر على المعتدي.


- الأمر الثاني: وجوب مراعاة المبادئ الإنسانية في الحرب، وذلك بقصر ويلاتها على القوات المتحاربة من الطرفين، مع تجنيب غير المحاربين تلك المضار والأهوال، بالإضافة إلى تجنب أعمال القسوة أو الوحشية طالما أن استعمال هذه الأساليب تزيد عن تحقيق الهدف المرجو من وراء الحرب.


وقد كان من المتعذر على الدول المتحاربة أن تضبط سلوكها الحربي وفقا لتلك القواعد القانونية، وذلك في ظل التقدم الرهيب للوسائل الحربية والتقنيات الحديثة التي تتيح استخدام الأسلحة الفتاكة ذات القوة التدميرية واسعة المجال سواء على الأرواح أو المنشآت، مما أثر بالسلب على أمن وسلامة البشرية جمعاء، لكن التشبث بمثل هذه القواعد القانونية التي استقرت ورسخت بين أعضاء المجتمع الدولي كانت كفيلة بالحد من مخاطر الحروب، والتي لم تنل في المقام الأول إلا من المدنيين بشتى طوائفهم، وبالتالي كان يجب على جميع الدول وخاصة الدول الضعيفة من مواصلة العمل ومجاهدة النفس على تجديد الدعوة لدول العالم باحترام تلك القواعد القانونية بل وتقديسها.


كما أن وظيفة القانون الدولي هي ضمان الحد الأدنى من إجراءات الحماية والمعاملة الإنسانية للجميع سواء في وقت السلم أو في زمن الحرب، وسواء كان النزاع دوليا أو كان داخليا، حيث يجب حماية الإنسان في كل الأحوال وخاصة في وقت الحرب، وذلك بأن لا يلحق المتحاربين أضرارا لا تتناسب مع الغرض من الحرب، وألا يتضرر الأفراد الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ والعجزة، ومن في حكمهم من المدنيين الذين لا يشاركون في الحرب والعسكريين الذين ألقوا سلاحهم.


ولكي نحدد المدنيين ونوضح مفهوم المدنيين في القانون الدولي، نعرج على تعريف المدنيين في المعاهدات والاتفاقيات الدولية كي يتضح المعنى، حيث عرفت المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف في فقرتها الأولى السكان المدنيين بأنهم: (الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجراح أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر، حيث يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، دون أي تمييز ضار يقوم على أساس اللون أو الدين أو المعتقد أو الجنس أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل آخر).


هذا ونجد من خلال التعريف المذكور في الاتفاقية أن هذه المادة أخذت بمعيار الوظيفة أو العمل الذي يتمثل في الدور الذي يقوم به الأشخاص ومدى المشاركة في العمليات العسكرية، فمن كان يعمل في القوات المسلحة فليس بمدني، ومن شارك في الأعمال العدائية كذلك ليس بمدني ولا تشملهم حقوق المدنيين، كما عرفت المادة الرابعة في اتفاقية جنيف بشأن الأشخاص المدنيين وقت الحرب، والمؤرخة 12/آب/1949م، المدنيين بأنهم: (الأشخاص الذين يجدون أنفسهم في لحظة ما وبأي شكل كان في حالة قيام حرب أو احتلال، تحت سلطة طرف في النزاع ليسوا من رعاياه أو دولة احتلال ليسوا من رعاياها)، ثم أضافت في نفس المادة المستثنين من نطاق الحماية في هذا وهم: 1- أهالي الدولة التي لا تكون مرتبطة بهذه الاتفاقية، حيث لا تحميهم الاتفاقية. 2- أهالي الدولة المحايدة الذين يجدون أنفسهم في أراضي دولة محاربة، وكذا رعايا الدولة التي تتعاون مع دولة محاربة، لا يعتبرون أيضا أشخاصا تشملهم حماية الاتفاقية، طالما كانت الدولة التي يحملون جنسيتها لها تمثيل سياسي عادي لدى الدول الموجودين في أيديها.


أما تعريف البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف 1977 للمدنيين، فقد عرفت المدني في المادة (50) في فقرتها الأولى: (المدني هو أي شخص لا ينتمي إلى فئة من فئات الأشخاص المشار إليها في البنود الأول والثاني والثالث والسادس من الفقرة (أ) من المادة الرابعة من الاتفاقية الثالثة، والمادة (43) من البروتوكول، وإذا ثار الشك حول ما إذا كان شخص ما مدنيا أم غير مدني فإن ذلك الشخص يعد مدنيا، ويندرج في السكان المدنيين كافة الأشخاص المدنيين، كما لا يجرد السكان المدنيون من صفتهم المدنية عند وجود أفراد بينهم لا يسري عليهم تعريف المدنيين).


هذا ونصت المادة (50) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 على بعض القواعد الخاصة بتحديد الوضع القانوني للمدنيين، بحيث لا ينتمي المدني إلى أفراد القوات المسلحة والميليشيات المتطوعة التي تعد جزءا منها، وألا ينتمي إلى أفراد القوات المسلحة النظامية الذين يعلنوا ولاءهم لحكومة أو سلطة لا تعترف بها الدولة الحاجزة، وألا يكون من السكان الذين يحملون السلاح من تلقاء أنفسهم عند اقتراب العدو لمقاومة القوات الغازية حالة الهبة الشعبية.


كما وتنص المادة (51) من مواد البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977م على حماية السكان المدنيين، إذ يتمتع الأشخاص المدنيون بحماية عامة من الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية، ولا يجوز أن يكون السكان المدنيون محلا للهجوم، إذ يتمتعون بالحماية ما لم يقوموا بدور مباشر في الأعمال العدائية، فالحماية مكفولة للمدنيين بمقتضى الأحكام القانونية طالما أن هؤلاء المدنيين لم يقوموا بدور مباشر في الأعمال العدائية.


هكذا وباستعراض مجموع النصوص الدولية التي تستهدف تحديد فئة المدنيين، نجد أن أهمها يعود إلى اتفاقية جنيف الرابعة 1949م والبروتوكول الإضافي الأول 1977م، وقد اعتمدت هذه النصوص الدولية على العديد من المعايير التي حاولت من خلالها تعريف المدنيين، ومن بين أهم هذه المعايير التي وجدت لتعريف المدنيين وتفرقتهم عن غيرهم من المقاتلين، هو معيار الجنسية والذي يستشف من نص المادة الرابعة من اتفاقية جنيف الرابعة 1949م الخاصة بحماية المدنيين زمن الحرب، حيث من الواضح الأثر البارز لمعيار الجنسية على هذا التحديد الذي ذكرته المادة للأشخاص المحميين بموجبها، وذلك حين ذكرت أنهم (الأشخاص الذين يجدون أنفسهم في لحظة ما وبأي شكل كان)، والمقصود هنا كما يذكر شراح اتفاقيات جنيف، جميع الحالات التي يكون فيها الأشخاص قبل اندلاع الحرب أو في بداية الاحتلال أو غير ذلك، كما ميزت الاتفاقية بين حالتي النزاع المسلح وحالة الاحتلال، لكنها في الحالتين ذكرت أن المدنيين أو الأشخاص المحميين هم الأشخاص الذين ليسوا من رعايا الدولة المحاربة أو المحتلة.


وقد تم انتقاد هذه المادة الرابعة أولا كونها اقتصرت على الحالة التي يكون فيها المدنيون تحت سلطة طرف في النزاع، ولم تتطرق لحالة المدنيين الذين لا يوجدون في الحالة المذكورة، لكنهم يتحملون أخطار الهجمات العسكرية الواقعة عليهم من العدو وإن لم يكونوا تحت سلطتها هذا من جهة، أما من جهة أخرى فالمادة قامت بعملية تعداد الأشخاص الذين تحميهم الاتفاقية، ولا يمكن لذلك أن يشكل تعريفا خالصا لمفهوم المدنيين، وعليه يمكن اعتبار ذلك مجرد عملية تحديد للنطاق الشخصي للاتفاقية، وذلك عن طريق معيار الجنسية الأمر الذي أدى إلى جمود مفهوم المدنيين وتضييق دائرة الأشخاص المحميين بموجب هذه الاتفاقية، كما شاب هذا التعريف الكثير من الاستثناءات عبرت في حقيقتها عن قصور معيار الجنسية بمفهومه الجامد في تعريف المدنيين.


أما تعريف المدنيين في القانون الدولي فكان عام: (هم الأشخاص الذين لا يشاركون في الاشتباكات (غير المحاربين)، أي هم الذين يحجمون عن الاشتراك في الحرب ولا يكون لهم أي دور قتالي ضد الجهة الأخرى، كما يمتنعون عن القيام بأية أعمال حربية مهما كان نوعها من قبيل المشاركة أو المعاونة برأي أو تخطيط أو مساعدة)، فلا يجوز الاعتداء عليهم في نظر القانون الدولي، ومن واجب الأعداء مراعاتهم، حيث يجب الحفاظ على حياة هؤلاء المدنيين قدر الإمكان.


هذا وقد أشار وخلص المؤتمر الدولي العشرون، والذي انعقد في عام 1965م إلى وضع صيغة المبادئ، كما وضمن القواعد الواجبة التطبيق بالنسبة للمدنيين أثناء المنازعات قائلا: (يحظر الهجوم على السكان المدنيين عن عمد، وهؤلاء المدنيون من الأطفال والنساء والعجزة والفلاحين وغيرهم لهم حقوق داخل الدولة كفلته الأعراف والمواثيق الدولية، كما ويتمتعون بحقوق مدنية وسياسية وفقا للاتفاقيات والمواثيق الدولية ذات الصلة، كالحق في الحياة والسلامة والأمن وحرية التنقل والتعبير والرأي وممارسة الحرية الدينية، وتحريم التعذيب والعقوبة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة للكرامة وغيرها من حقوق المواطن داخل الدولة، كما تنص المواد القانونية على أن الناس أحرار متساوون في الكرامة والحقوق، ولا يجوز القبض على أي إنسان أو نفيه تعسفا، وأن له حرية التنقل داخل الدولة وله حرية التفكير والدين والضمير والرأي والتعبير).


وخلاصة الأمر أن تعريف القانون الدولي للمدنيين هو الراجح والذي ينبغي الأخذ به، لأنه تعريف جامع مانع لمفهوم المدني في القانون الدولي، إذ أن المدني من لم يساهم في الأعمال الحربية بأي شكل كانت هذه المساهمة، سواء كان ممن سكن المدن أو لا فإنه يعتبر من المدنيين، وبذلك يخرج من هذا التعريف أفراد الجيش وقواده والمشاركون معهم، أما تعريف الاتفاقية للمدنيين فإنه مقتصر على رعايا الدولة المنظمة أو الموقعة على اتفاقية جنيف، والاستثناء الأول الوارد في المادة الرابعة يؤكد هذا، لذلك فهو غير جامع لمصطلح المدنيين في القانون الدولي.


رابط المقال في مجلة تحت المجهر:


http://www.almjhar.com/ar-sy/NewsView/230/184260/%d9%83%d8%aa%d8%a8_%d8%ad%d8%b3%d9%86%d9%8a_%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%b7%d9%8a%d8%a8_%d8%aa%d8%b7%d9%88%d8%b1_%d9%85%d9%81%d9%87%d9%88%d9%85_%d8%ad%d9%85%d8%a7%d9%8a%d8%a9_%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%af%d9%86%d9%8a%d9%8a%d9%86_%d9%81%d9%8a_%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d9%86%d9%88%d9%86_%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84%d9%8a_%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%86%d8%b3%d8%a7%d9%86%d9%8a.aspx

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart