قيمة الآثار في التواصل الإنساني
الآثار الباقية اليوم في عالمنا هي انعكاس لتاريخ الأمم السابقة ونمط
حياة أجيال متعاقبة تبلغ آلاف السنين، والتي من خلالها تتواصل الإنسانية وتتعرف على الحضارات السابقة وعلى عطاءات أجيالها
ومنها الأجيال التي سبقت الإسلام، فعندما يذهب السياح مثلا إلى مصر ويشاهدون
الآثار الفرعونية، يدركون نمط الحياة آنذاك ويتعظون ويقولون هذه آثارهم تدل عليهم،
فأين هم الآن؟ كما أن الإنسان عموما والمسلم خصوصا عندما يرى آثار الفراعنة في
مصر، فإنه سوف يزداد إيمانا بالخالق وليس العكس، لأنه سيقول ويتسأل: أين فرعون؟ وأين
من بنى هذه الأهرامات؟ وأين هؤلاء الذين جاءوا بأكثر من مليون صخرة لبناء كل واحدة
من هذه الأهرامات؟ أليس ذلك دلالة على عظمة الله الواحد الذي لا ينتهي ولا يفنى.
لهذا يجب أن تبقى هذه الآثار وهذا التراث خالدا لكل الأمم، لأن فيه
تواصلا إنسانيا ضروريا لتقدم الإنسانية، وضروريا أيضا للتصرف على مواقع الضعف والخطأ
في ذلك التاريخ الطويل من أجل إصلاحه والمضي قدما في بناء حضارة تفيد الناس والبشر،
كما أن لهذه الأثار رسالة سياسية بالإضافة إلى الرسالة الدينية والعقائدية، وهذا يعني
أن العظماء والحكام مهما كانت قوتهم فسوف ينتهون حتى لو كانوا علماء وفقهاء، لكن
يبقى فعلهم وعلمهم ينتفع به الناس، وحتى الفكر أيضا له دلالة ورمزية، فالإسلام جاء لخدمة الناس والبشرية كلها وليس قوم دون قوم، وبهذا فإن الحضارة
الإنسانية استفادة من المسلم وغير المسلم بدرجات متفاوتة.
كما ويجدر الذكر هنا أن كثير من الناس تأثروا بالإسلام من خلال فنه وحضارته وتأثروا حتى بالخط الإسلامي، فبعض الناس أعلنوا إسلامهم، لأنهم رأوا في انسياب الخط العربي الإسلامي دليلا على قدر من الطمأنينة والأمن الداخلي لدى الإنسان المسلم، فاستجابوا لدعوة الإسلام ودخلوه من خلال الآثار والفنون، حيث إن الفن الإسلامي فن جميل وراقي، يحبه ويعجب به غير المسلمين ربما أكثر من المسلمين، فمن يزور الآثار الإسلامية في الأندلس يعود وهو فخور بحضارة الإسلام وما استطاع المسلمون إنجازه عبر العصور، وكذلك من يزور العراق والشام يجد آثار المسلمين واضحة، حيث يعتبر هذا نوع من التبليغ للدعوة إلى الإسلام إذا وجدت هذه الآثار، ويتضح للآخرين أن الإسلام قديم قدم الحضارات الأخرى.