قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

تاريخ السياسة الإيرانية بعد الحرب العالمية الثانية

تاريخ السياسة الإيرانية بعد الحرب العالمية الثانية

بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، أعلنت إيران حيادها مرة أخرى كما حصل في الحرب العالمية الأولى، إلا أن الهجوم الألماني على الاتحاد السوفييتي ورفض الشاه رضا بهلوي طرد الخبراء الألمان دفع القوات البريطانية والسوفييتية إلى اجتياح إيران في 25 آب 1941م، مما أجبر رضا شاه على التنازل عن العرش لابنه محمد رضا بهلوي الذي تولى الحكم خلال الفترة (1941–1979م)، وبعد استلامه السلطة في البلاد، أعاد العمل بالدستور، وفتح المجلس النيابي، وأفرج عن المعتقلين السياسيين، كما منح الصحافة حريتها، وفي كانون الثاني 1942م، وقعت إيران معاهدة تحالف مع بريطانيا والاتحاد السوفييتي، لتعزيز موقفها في تلك المرحلة الحرجة.


لكن كانت نتائج الحرب جسيمة في إيران، والتي تمثلت بغلاء المعيشة الهائل إضافة إلى ما نجم عن ما كان يعتبر تحالف مع البريطانيين والسوفيات من صعوبات، والذي تحول إلى ما يشبه احتلال وذلك من خلال سعي كل منهما لزيادة نفوذه في إيران، حيث سهّل السوفيات قيام أحزاب سياسية تؤيد قضيتهم في أذربيجان وكردستان، كما وتعاونوا مع حزب تودة (الجماهير) الشيوعي الإيراني للإطاحة بالحكومة المركزية في هذين الإقليمين وإعلان إستقلالهما، في حين عمل الإنجليز على زيادة نفوذ شركة الزيت الإنجليزية ـ الإيرانية.


هذا وقد شهدت إيران في عام 1949م ثلاثة أحداث مهمة، والتي تمثلت بفرض حالة الطوارئ من جديد بعد إخفاق محاولة اغتيال الشاه، وبدء تنفيذ الخطة السبعية الأولى للتنمية الاقتصادية، وتأسيس الجبهة الوطنية الإيرانية بزعامة محمد مصدق، والتي أخفقت جهود رئاسته للحكومة بين (29 نيسان 1951م - 19 آب 1953م) على تأميم الصناعة النفطية، حيث انتهت بمثوله أمام محكمة عسكرية والحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات، كما أُلغيت في هذه الفترة الممارسات الدستورية وقوانين البلاد الأساسية، إضافة إلى أنه في عام 1954م عُهد إلى كونسورتيوم (مجموعة شركات) دولي مؤلف من شركات إنجليزية وهولندية وأمريكية باستخراج النفط واستخدام المنشآت النفطية في إيران، وهذا ما ضمن للدولة الإيرانية ما نسبته 51٪ من العائدات النفطية.


لكن بعد سقوط حكومة مصدق، أخذ الشاه بممارسة سياسة أكثر ديكتاتورية، فأنشأ في عام 1957م جهاز الأمن السياسي (سافاك) في سعي منه للقضاء على الفساد والرشوة، إلا أن الوضع السياسي بقي غامضا على العموم، حيث أخفقت تجربة الشاه مع (الديمقراطية المراقبة)، والتي تقوم على حزبين سياسيين مصطنعين هما حزب «الحكومة» وحزب «المعارضة المخلصة»، إذ ألغى الشاه انتخابات آب 1960م، كما ألغى الانتخابات التي بدأت في كانون الأول 1961م لما صاحبها من اضطرابات عامة مما أدى أيضا إلى حلّ البرلمان في (9 أيار 1961م). 


أما في مجال التنمية الاقتصادية، فقد عمل الشاه على تطوير وسائل الاتصال والزراعة والريّ والصناعة والمناجم والأشغال العامة، حيث تم بناء عدد من المشاريع الكهرمائية وتوسيع موانئ الخليج العربي، كما وارتفع انتاج السكر ومواد البناء والأنسجة، بالإضافة إلى أنه ومنذ عام 1941م حلّ الخبراء الأمريكان محل نظرائهم الألمان وتزايدت أعدادهم، كما وأخذ نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاظم مع مرور الأيام.


هذا وفي 9 كانون الثاني 1963م بدأ الشاه ما دعي بـ (الثورة البيضاء)، والتي سعى من خلالها في المقام الأول إلى تحسين أوضاع الفلاحين، وسرعان ما تلاها تبني سياسة التخطيط والتصنيع المتسارع وإنشاء بنى تحتية حديثة (طرق وموانئ ومترو طهران) وتطوير نظامي التعليم والصحة، حيث زودت العائدات النفطية الكبيرة الشاه بالمال اللازم للقيام بما سبق كله، إضافة إلى بناء جيش من أحدث جيوش العالم وأقواها، وذلك بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية بهدف جعل إيران «شرطي الخليج العربي».


إلا أن ما حققته الثورة البيضاء من تقدم مستمر وما نجم عن ذلك من تغييرات مهمة، أثار قلق الأوساط الدينية واليسارية واستياءها، فعلى المستوى الاجتماعي اتسعت الهوة بين أقلية مميزة وهي (رجال المال والأعمال وكبار رجال الإدارة والجيش)، والتي أصبحت ذات ثراء فاحش باستغلالها عملية التحديث أو الرشوة، فيما الغالبية العظمى من الإيرانيين كانت تعاني من الآثار السلبية للتوسع الاقتصادي (غلاء المعيشة وإفلاس صغار الفلاحين والهجرة من الريف إلى المدينة...)، مما أدى إلى القطيعة بين هذا النظام الإمبراطوري والشعب، وقد عبّر عن ذلك الاحتفال المفرط في البذخ بمناسبة مرور 2500 عام على النظام الملكي الفارسي في (تخت جمشيد) في تشرين الأول 1971م والذي دُعي إلى حضوره أغنى أغنياء العالم، في حين استبعدت الجماهير الإيرانية من المشاركة فيه، أما على المستوى الديني فقد أدى قيام الشاه بتجريد طبقة رجال الدين من احتكار عملية التعليم والجزء الأكبر من موروثها العقاري (الخاص والديني) إلى توليها قيادة المعارضة ضد عملية تغريب الثقافة والأخلاق (إلغاء حجاب المرأة وإدخال كتب وأفلام إباحية) التي أخذت تجتاح البلاد، وانعكست آثارها السلبية على العادات والتقاليد الاجتماعية المحافظة.


أما في مجال العلاقات الخارجية، فقد اتبعت حكومة الشاه سياسة خارجية اتسمت بالديناميكية، وبعزم الشاه على أن يكون له دور حاسم في المجال الإقليمي والدولي، حيث عمد إلى توثيق علاقات إيران مع كل من باكستان وتركيا وذلك بإنشاء (منظمة التعاون الإقليمي للتنمية)، وتأسيس شركات مشتركة في مجال الاتصالات والصناعة والتعليم والصحة، كما أنه وفي عام 1955م انضمت إيران إلى حلف بغداد الذي ضم كل من باكستان وتركيا والعراق وبريطانيا العظمى، والذي صار يعرف باسم حلف السانتو بعد انسحاب العراق منه سنة 1959م، إضافة إلى أن الشاه سعى إلى إقامة علاقات طيبة مع الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية، كما عمل على توثيق العلاقات مع المملكة العربية السعودية والكويت ومصر، إلا أن احتلال إيران لجزر أبو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى في الخليج العربي بدأ يهدد هذا التقارب الإيراني ـ العربي، ولكن في الوقت نفسه تدهورت علاقات إيران مع العراق بسبب الخلاف على الحدود في شط العرب، بالإضافة إلى منح الحكومة العراقية حق اللجوء السياسي للمعارضين السياسيين الإيرانيين، ولم تتم تسوية هذه الخلافات بين الجانبين إلا في عام 1977م (اتفاقية الجزائر).


أخير وبدءا من 1970م - 1971م استطاعت المعارضة الإيرانية (رجال الدين الشيعة والأحزاب اليسارية) أن تعبئ أعداد متزايدة من الإيرانيين المعارضين لنظام الشاه، في حين ردّ الشاه على ذلك بالقمع القاسي، حيث قام جهاز الأمن السياسي (السافاك) بعمليات اعتقال جماعية، كما وأُصدرت الأحكام الصورية ونفذت أحكام الإعدام بعدد كبير من المعارضين، ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية والتضخم النقدي المتسارع، اتخذت حركة المعارضة فجأة في بداية عام 1978م أبعادا هائلة وذلك بدعم من رجال الدين، وأكثرهم نفوذا آية الله الخميني الذي كان في منفاه في العراق، ثم في باريس يقود حركة المقاومة في مواجهة الشاه، ويدعو الإيرانيين إلى قلب نظام الحكم الإمبراطوري وإقامة نظام جديد يقوم على المبادئ الإسلامية.

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart