أهمية الوقفة أمام الكاميرا للمراسل الصحفي التلفزيوني
يحتاج المراسل الصحفي إلى إتقان
اللحظة التي يسجل فيها حضوره وتوقيعه داخل التقرير التلفزيوني؛ وذلك لأن هذه
اللحظة هي التي ستربط شخصه بالتقرير، كما أنها تمثل الرابط بينه وبين المشاهد الذي
يمثل له حينها، العين التي تنقل له الأحداث من الميدان، فالوقفة أمام الكاميرا هنا
تمثل ذلك الجزء من التقرير التلفزيوني الذي يتحدث فيه المراسل الميداني مخاطبا
الجمهور من خلال عدسة الكاميرا، بحيث يسجل حضوره في الكادر التلفزيوني، والتي يطلق
عليها أيضا تحطيم الجدار الرابع، ويحصل هذا مثلا عندما يتحدث ممثل في فيلم
تلفزيوني أو سينمائي إلى الجمهور عبر الكاميرا بهدف إيصالهم رسالة معينة ومحددة،
وهو ما يحدث خلال الفترة التي يظهر فيها المراسل على الجمهور.
الوقوف أمام الكاميرا هو خطاب مباشر
من المراسل إلى الجمهور، وهو أكثر جزء سيعلق في ذهن المشاهد في التقرير الميداني،
لأنه ببساطة في موقع الحدث وهو ما يكسب التقرير مصداقيته وجاذبيته، ويجعل المراسل
عينا للمشاهدين في الميدان، وممثلهم في حضور الحدث وفي موضوع التقرير الذي جرى
عرضه، ولأنه أيضا الوسيلة الأمينة لنقل الخبر، كما ولأن لهذه الوقفة أمام الكاميرا
أهمية كبيرة في عرض التقرير الميداني، فإن لها أيضا عدة أشكال لعرضها واستخدامها
خلال تصوير التقرير والتي أهمها:
- الوقفة في نهاية
التقرير، ويطلق عليها وقفة ختامية، وفيها يختم المراسل بذكر اسمه واسم القناة التي
يعمل بها، ثم المكان الذي أنجز منه التقرير، وفيها يظهر المراسل أمام عدسة
الكاميرا.
- الوقف في منتصف التقرير، والتي تسمى جسرا، ويظهر من خلالها المراسل
التلفزيوني أمام عدسة الكاميرا، وذلك إما للربط بين موضوعين، أو للانتقال من مكان
إلى مكان، ولا يذكر في هذه الحالة المراسل اسمه ولا اسم القناة ولا مكان الحدث.
- يمكن للمراسل أن
يختم تقريره بلا ظهور أمام عدسة الكاميرا ولا يظهر للمشاهدين بتاتا، وتسمى الوقفة
في هذه الحالة التوقيع بلا ظهور، ومن خلالها يمكن للمراسل أن يضيف معلومة أو يطرح
تساؤلا وأحيانا يذكر اسمه واسم القناة والمكان.
- الوقفة أمام
الكاميرا في بداية التقرير، والتي تسمى وقفة استهلالية، وهي حالات نادرة، ويلجأ
إليها عادة عندما يكون الموضوع على قدر استثنائي من الأهمية، ويريد المراسل من هذه
الحركة الاستثنائية، جذب انتباه المشاهدين من أول ثانية من عمر التقرير، وينتشر
استخدام هذا النوع من الوقفات أمام الكاميرا في مدارس التلفزيونات الأميركية،
لأنها تعرّف المشاهدين بمن أعد التقرير، فإما يتابعونه أو يمتنعون عن متابعته.
هذا وينبغي عند إعداد التقرير
الميداني أن يحدد المراسل فكرة تصلح للوقفة أمام الكاميرا ليخاطب بها المشاهدين،
فتكون إما استنتاجا أو إشارة إلى تناقض أو تعاطفا مع مأساة إنسانية أو استنكارا
لظلم واضح، على أن يستخدم للتعبير عنها لغة مبهرة في أسلوبها، بسيطة وواضحة في
مفرداتها، وبعيدة عن المبالغة والكلام الغريب، أما الخطوات والمبادئ التي تساعد في
تعلم الوقفة أمام الكاميرا، والتي يمكن أن تفيد المراسل المبتدئ والمتمرس على حد سواء
هي:
- التمرين: وتقوم
فكرة التمرين على محاكاة ما يحصل للمراسل وقت تنفيذ الوقفة، ولمحاكاة الوقفة أمام
الكاميرا ينصح بالوقوف أمام مرآة وتمثيل دور المراسل كأنه في الميدان، بحيث يقرأ
النص الذي يريد قوله في الميدان وقت الوقفة أمام الكاميرا، وبهذه الطريقة سيتمكن
من ملاحظة شكل الانفعالات المتوقعة من تقاسيم الوجه ولغة الجسد عموما، والعمل على
تحسينها مرة بعد مرة.
الوقوف أمام الكاميرا خطاب مباشر من
المراسل إلى الجمهور، لهذا فإن الإقناع ونقل الإحساس يعتمد على نبرة ذلك الخطاب،
وهذه النبرة يجب أن تكون منسجمة مع طبيعة الموضوع ومرتفعة بالقدر المطلوب، والأهم
أن تكون واضحة، ولعل أفضل تمرين لتحقيق ذلك، هو العض على قلم والقراءة بصوت مرتفع
نسبيا، وهذا التمرين يعمل على تقوية عضلات اللسان والشفتين وتحسين مخارج الحروف.
- التخطيط: يجب
على المراسل أن يعد خطة لكيفية إنجاز التقرير المكلف به، وليس بالضرورة أن تكون
هذه الخطة مكتوبة، فقد تكون خطة ذهنية تساعد في بناء تقرير واضح في الذهن إلى حد
ما، والأهم أن تكون فكرة الوقفة أمام الكاميرا جاهزة تقريبا، حتى وإن لم تختر لها
الكلمات أو النص بعد، كما لا بد عند إعداد الخطة من إشراك فريق العمل مثل المصور
والمنتج؛ فقد تكون لهما رؤية مفيدة للتقرير وللوقفة، فمن تبادل أطراف الحديث ينبثق
النور دوما، إضافة إلى أنه يجب التحلي بالمرونة لتكييف الخطة، بحيث تتماشى مع
الظروف في الميدان حتى وإن كانت مفاجئة، بما في ذلك المرونة في تغيير مضمون الوقفة
نفسها.
- التنفيذ: عند
تنفيذ الوقفة أمام الكاميرا، يبرز أولا أداء المراسل والرسالة التي سيقدمها من
خلال التقرير الميداني، وأغلب المدارس التلفزيونية تنصح دوما، بل وتشدد على عدم
كتابة الوقفة أمام الكاميرا؛ وذلك مخافة أن ينزع ذلك من عفويتها، ولا بأس من
كتابتها وحفظها عن ظهر قلب، حتى تبدو ارتجالية وغير مصطنعة، بمعنى أن تكتب من واقع
وحي الميدان، وما تم رؤيته من داخل الميدان وتنقل إلى عين المكان، لا أن تجهز أمرا
من قبل أن تذهب إلى المكان ليبدو مصطنعا وتمثيليا.
هذا وللوقفة أمام الكاميرا العديد من
المهارات التي يجب على المراسل أن يتحلى بها ويكتسبها من خلال التمرين والممارسة،
وفي هذا السياق نؤكد على وجوب الوقوف باعتدال أثناء الإلقاء، الكتفان إلى الوراء
قليلا والجسم إلى الأمام قليلا، هذه هي القاعدة الأساسية، وأي استثناء كالجلوس أو
الاتكاء، واتخاذ وضعية القرفصاء أو الانحناء أو غيرها، يجب أن يكون لغرض مقصود
يخدم التقرير والوقفة، كما إن التلقائية مهمة جدا، ويجب أن تكون الوضعية أمام
الكاميرا مبررة دائما، سواء واقفا أو متكئا أو خلف جدار، أو مرتاحا أو غير ذلك،
فكلها مشاعر تمثل الواقعية التي تنقلها إلى المشاهد.
الوقفة أمام الكاميرا قد لا تزيد على
20 ثانية فحسب، لكن نجاحها يبدأ من اتقان أدق التفاصيل، وذلك من المظهر ونظرة
العين، ونبرة الصوت والثقة بالأداء وغيرها، ولهذا يجب الاعتناء بالمظهر الخارجي
للمراسل، بحيث لا تكون فيه عيوب ظاهرة، كأن يكون أحد طرفي ياقة القميص فوق السترة
والثاني تحتها، أو أن تكون جهة من أسفل القميص فوق السروال وجهته الثانية تحته أو
أن تظهر بطانة أحد الجيوب، أو أن تكون ربطة العنق مائلة ميلا شديدا مثلا، وهنا
يبرز دور المصور في تنبيه المراسل وإظهاره في اللبس والهيئة الصحيحة.
كما ولا يجب أن يحمل المذيع أي شيء في
اليدين، إلا إذا كان ذلك مقصودا وله صلة بالموضوع، فلا يحمل قلما أو كتابا إلا إذا
كان الموضوع عن القلم أو الكتاب، لأن ما يمسكه المذيع قد يشتت انتباه المشاهدين
بلا فائدة، فدوره هو أن يركز، وذلك ليركز معه المشاهد بلا تشتت، كما لا يجب قطع
الاتصال البصري بالكاميرا؛ فذلك هو حبل الوصل مع المشاهدين، ولهذا يمنع المراسل من
ارتداء النظارات الشمسية أو أن يشيح بناظره عن عدسة الكاميرا طوال الوقت، فإذا
أشاح المراسل بنظره عنها، فإن ذلك ينشئ بؤرة اهتمام جديدة لدى المشاهد بأن يعرف
الشيء الذي أشاح المراسل نظره تجاهه، وإذا لم يكن ذلك مقصودا لإظهار شيء ما، فإن
ذلك يعد خطأً جسيما لا سبيل إلى إصلاحه إلا بإعادة تسجيل الوقفة.
أخيرا وقبل البدء في تسجيل الوقفة،
يجب التدرب عليها بالقدر الكافي أمام الكاميرا، وينصح بأخذ نفس عميق قبل أول جملة،
إذ إن مخزون الهواء في الرئتين يحول دون انقطاع النفس في بداية الوقفة، ويعطي
مزيدا من الثقة في النفس لإتمام ما بقي منها براحة وعفوية، كما يجب الحفاظ على
وتيرة معتدلة وواحدة في قراءة مضمون الوقفة، وإذا كان هناك من سلّم بين القراءة
السريعة والبطيئة، فالأحسن أن تكون أقرب إلى البطيئة منها إلى السريعة، وفي جميع
الأحوال لا ينبغي أن تتعدى مدة الوقفة عشرين ثانية، وعلى المذيع أن يعد الكلمات
عند الكتابة، حيث أن كلمتين تعادلان ثانية واحدة، ويجب أن تتضمن الوقفة فكرة
واحدة، يعبر عنها بلغة بسيطة وجميلة، فتعدد الأفكار يؤدي إلى تعقيدها، وعطف الجمل
بعضها على بعض، يجعل المراسل يبدو قارئا لا ملقيا يركز في الكلمات أكثر من التركيز في معانيها، فضلا أن
ذلك قد يرغمه على تخطي الحدود الزمنية المسموح بها، كما لا يجب الإستعجال في تسجيل
الوقفة، إذ يحق للمراسل أن يعمل على تسجيل الوقفة عدد ما يلزم من المرات لتحقيق
الوقفة المثالية، فالأمر عبارة عن تسجيل وليس بث مباشر على الشاشة، لكن التكرار
المبالغ فيه يقضي بالتدريج على الثقة بالنفس ويضرب في الصميم عفوية التسجيل الأول
وحماسته.
