مشروب ريد بول القاتل
Red Bull …Red Death
قد يستغرب البعض من هذا العنوان ولكنه العنوان المتداول في الأوساط الصحية في العالم وخاصة في أوروبا لهذا المشروب،وقبل الخوض في سبب هذه التسمية لهذا المشروب نبدأ بنبذة تاريخية بسيطة عن هذا المشروب .
ريد بول وهو مشروب للطاقة تنتجه شركة نمساوية وليس كما يعتقد الكثيرين أنه منتوج لشركة أمريكية، وقد تأسست هذه الشركة على يد رجل الأعمال النمساوي ديتريتش ماتيشتس في سنة 1987،و قد جائته فكرة إنتاج هذا المشروب عندما كان متواجد في إحدى حانات هونغ كونج حيث قرأ مقالا عن رجل أعمال ياباني كون ثروة هائلة من خلال بيعه لمشروب للطاقة في اليابان ، فقرر في ذلك الوقت أن يقوم بالمثل ويصبح غنيا مثل ذلك االرجل، فإستقال من منصبه الذي كان يشغله في إحدى الشركات الكبرى، وبدأ بإنشاء شركته الخاصة في النمسا وذلك عن طريق شراكته مع رجل أعمال تايلندي يملك بدوره شركة لمشروبات الطاقة في تايلند تسمى ب( الثور الأحمر)،فأخذ نفس المنتوج التايلندي وأضاف عليه الغاز ووضعه في علبة جديدة آخذا أيضا شعار الثورين من المشروب التايلندي وترجم الإسم إلى الإنجليزية ،ثم بدأ بعملية التسويق لمنتجه الجديد في النمسا حيث تطلبه الحصول على ترخيص فيها إلى 3 سنوات حتى يستطيع بيعه وكاد في تلك الفترة أن يفلس لولا أن حصل على الترخيص، وبعد ذلك بدأ بالترويج لمنتجه في باقي أنحاء أوروبا ومنها إلى جميع أنحاء العالم ،حيث أن ريد بول الآن يوزع في أكثر من 146 بلدا عدا ايسلند والدنمارك والنرويج وبعض الدول الأخرى وتبلغ ارباح هذه الشركة حوالى 3 مليارت يورو في السنة وهي في تزايد مستمر .
وإن أكثر ما يميز هذه الشركة هي أنها شركة مغلقة أمام وجه الإعلام والصحافة، حيث أنها تتمتع بسرية تامة بحيث لم تسمح لأي أحد بالتصوير داخل مصانعها، وحتى مالكها الملياردير ديتريتش ماتيشتس لا يمكن للصحافة الوصول إليه بأي شكل كان ،وأما المكان الوحيد المسموح بدخوله، للصحافة والإعلام ولبعض الجماهيرهو متحف ريد بول الموجود في النمسا و الذي يحتوي على العديد من السيارات مختلفة الطرز بالإضافة للطائرات من مختلف الأنواع والأحجام وغيرها من الأشياء الأخرى،والتي تمثل الأنشطة المختلفة من رياضية وفنية التي تقوم هذه الشركة برعايتها،و يبلغ عدد زوار هذا المتحف حوالي 200 الف زائر سنويا.
وتعتبر علامة ريد بول التجارية من الأشهر عالميا وقد تضاهي في شهرتها شهرة بعض المشروبات الغازية الأخرى مثل بيبسي وكوكاكولا،وتعمل الشركة المنتجة لهذا المشروب في تسويقها له، على إستهداف الشبان بين 14-25 على أساس ان هذا المشرب يقضي على التعب والإرهاق ويعطي الطاقة والنشاط للإنسان العادي وخاصة الطلاب وذلك لمساعدتهم على السهر للدراسة كما أنه يروج على أنه مشروب للرياضيين حيث أنه يعمل على زيادة النشاط والأداء الرياضي ،لهذا فإن شركة ريد بول تعمل دائما على رعاية معظم التظاهرات الفنية والرياضية في أوروبا والعالم وذلك للترويج لعلامتها التجارية وذلك مثل مسابقات الفورميلا وان وسباقات الدرجات( بي إم إكس) والرياضات الخطرة مثل تسلق الجبال والقفز بالمظلات ومسابقات البريك دانس، وهذا كله في سبيل تحقيق الهدف الرئيسي لهذه الشركة وهو ترويج هذا المشروب بين الشباب على أنه مشروب يساعد على تجاوز قدرة الذات والإحتمال والمخاطرة و تحدي المجتمع والحياة وحتى الموت.
والغريب في هذا المشروب أنه لم يدخل إلا مؤخرا إلى فرنسا ،كما أن الشركة لم تعتمد في حملة ترويجها لهذا المشروب في فرنسا على الأسلوب التقليدي في الدعاية من خلال أجهزة الإعلام فقط ،بل إنها إعتمدت على الإتصال المباشر مع الناس وخاصة الشباب وذلك من خلال سيارات ميني صغيرة تحمل علبة كبيرة من مشروب ريد بول ظاهرة لكل الناس، مع وجود فتاتين جملتين في السيارة تطوفان الشوارع المختلفة وتتوقفان بين الشباب في الشوارع و المؤسسات والمراكز الرياضية وتعملان على توزيع المشروب مجانا للكل مستخدمين كلمات وجمل براقة،مثل ( إذا أردت الطاقة فالحل هو ريد بول) أو مثل( لإزالة التعب والإرهاق فأشرب ريد بول)،وقد أكد خبراء الدعاية على أن هذه الطريقة هي الأنجح للترويج لأي شيء،وذلك لأن الإتصال المباشر بالمستهلكين أفضل بكثير من غيره لأن كل شخص في هذه الحالة يخبر الآخرين وهكذا ينتشر الخبر بين الناس، وتسمى هذه الطريقة بالبيع ( من الفم إلى الأذن) ،ومن هنا انتشر هذا المشروب كالنار في الهشيم بين الشباب وأصبح متواجدا في كل مكان في أوروبا وخاصة في فرنسا وبلجيكا التي تأخر دخول المشروب إليها لفترة طويلة، فلا توجد الآن أي حفلة في أوروبا إلا ويتواجد فيها هذا المشروب ولكن الخطير في الأمر أن الشباب لا يطلوبونه وحده وإنما يخلطونه مع الفودكا وهي مشروب كحولى قوي التأثير ،وهذا ما إعترضت عليه جمعيات مكافحة الإدمان على الكحول في فرنسا، وهو أن مشروب ريد بول في هذه الحالة سوف يؤدي الى زيادة إستهلاك الكحول بالنسبة للشباب ظنا منهم أن خلط الكحول مع مشروب الريد بول سوف يؤدي للتخفيف من تأثير الكحول عليهم، وهذا غير صحيح إطلاقا بل إنه بهذه الطريقة يزيد من إستهلاكهم للكحول بشكل مضاعف، حيث أن مشروب الريد بول يؤثر على الحواس المسؤولة عن الكحول في جسم الإنسان ويعمل على زيادة قدرتها على مقاومتها، وذلك بالعمل على التقليل من التعب الناتج عن تناول الكحول، لأن الريد بول في هذه الحالة يعمل كمحفز ينقص من مقاومة الجسم للكحول وهنا نصبح ندور في حلقة مفرغة تشجع على الزيادة من إستهلاك الكحول .
وهنا نرجع إلى سبب منع الريد بول من دخول فرنسا لمدة 12 سنة،و هو وجود شكوك من أن مكونات هذا المشروب قد تشكل خطرا على الصحة ، حيث يتكون الريد بول من ما مقداره 9 قطع من السكر والكافيين والبروتين والمياه الغازية بالإضافة إلى وجود المادتين غلوكورونولاكتون والتورين وهما مادتان موجودتان في المواد الغذائية ويحتاجهما البشر للعيش ولكن المشكلة تكمن في تركيزهما في المشروب فمادة الغلوكورونولاكتون موجودة بتركيز 500 مرة أكثر مما يحتاجه الجسم يوميا،أما مادة التورين فهي مادة موجودة في الجسم وتساعد على الهضم ولكنها توجد في الريد بول بما يشكل 5 اضعاف مما يحتاجه القلب في اليوم ،لهذا عندما أجريت تجارب على الفئران ظهرت نتائج مقلقة ،منها ظهور درجات عالية من التوتر على الفئران بعد تناولها للمشروب بحيث كانت تقضم اظافرها في محاولة منها لإيذاء النفس وهي اشارات دعت لقلق العلماء،وعلى الرغم من ذلك دخل مشروب الريد بول فرنسا حتى دون موافقة وزيرة الصحة ،وذلك حسب قوانين الإتحاد الأوروبي حيث انه اذا لم تستطيع الوزيرة ان تثبت وبشكل قاطع ان مشروب ريد بول ضار فانها لن تستطيع منعه والا واجهات قضايا تعويض قد تبلغ 300 مليون يورو .
وأخيرا فقد
أعتبر الريد بول مسؤول عن العديد من وفيات الشباب في العالم ممن كانوا يستهلكونه
بشكل دوري ومستمر أو ممن كانوا يستهلكونه بكثرة،حيث ظهرت وفيات في عدد من دول
أوروبا مثل ايرلندا وانجلترا وايضا في استراليا لشباب اصيبوا بذبحات قلبية مفاجئة،
ولكن بعد التشريح لم يظهر اي سبب واضح لسبب الموت، ولكن العامل المشترك بينهم كان إستهلاكهم لمشروب ريد بول بشكل متكرر
ومستمر، وللتأكيد على ذلك فقد قام في السويد أخصائي قلب بإجراء بحث عن تأثير الريد
بول على 10 من الشباب المتمتعين بصحة جيدة ،وأجرى تخطيط للقلب لهم في فترات مختلفة
،ففي المرة الأولى تم عمل تخطيط عادي للقلب ثم طلب منهم شرب 3 علب ريد بول واجرى
الفحص مرة اخرى ثم تم شرب نفس الكمية من ريد بول مع إضافة بعض الكحول وأجري الفحص
للمرة الثالثة وتم عمل هذه التجربة مع جميع المشاركين لفترة من الزمن، وكانت
النتيجة أن فحوصات القلب للمشاركين بعد
تناول ريد بول أظهرت تخطيطا مشابها لمن
يعانون من مرض القلب، حيث إن المشروب يؤدي الي انتظام في عمل دقات القلب (كل دقة
مشابهة للدقة التي تليها) وهذا يزيد من احتمال توقف القلب فجأة،وكل ما سبق يعتبر
إشارات خطر قادمة من تناول ريد بول،فأرجوا أخذ هذه المعلومات بشيئ من الجدية إلى حين ظهور دراسات وأبحاث علمية
تؤكد أو تنفي مخاطر هذا المشروب، وسبب عدم وجود هذه الدراسات والأبحاث حتى الآن هو
عدم توفر التمويل اللازم للقيام بذلك من الحكومات والدوائر الصحية.
رابط المقال في مجلة تحت المجهر:
http://www.almjhar.com/ar-sy/ArtView/510/59144/Red_Bull_Red_Death.aspx