طبيعة الإعتراف بالدول وأشكاله المتعددة
الإعتراف بالدولة
إن الإعتراف بالدولة هو حدث هام في تاريخها،فهي لا
تستطيع أن تمارس سيادتها الخارجية وتتمتع بحقوقها كاملة تجاه مجموعة الدول إلا إذا
إعترفت هذه الدول بوجودها،ومسألة الإعتراف هذه ترتبط بتطور العلاقات الدولية وبتطور
فكرة الدولة،كما إن الإتفاق على تعريف دقيق للإعتراف بالدولة ليس أمرا سهلا،وذلك
لإنقسام الفقهاء على أنفسهم حول الطبيعة القانونية للإعتراف وآثاره،وقد نشأت بهذه
الخصوص نظريتان متعارضتان هما:
1-النظرية المنشئة
ويقول أصحاب
وفقهاء هذه النظرية أن للإعتراف صفة إنشائية،ومنه فإن الدولة تقبل كزميلة جديدة
للدول الأخرى في العائلة الدولية وتقرر لها بالحقوق والإمتيازات اللاصقة بالسيادة،وهم يعرفون الإعتراف وفق هذه النظرية (بأنه الإتفاق الدولي الذي ينشئ قواعد
قانونية تخاطب أطرافه،فيستمتع كل واحد منهم في وجه الآخر بوصف الشخصية الدولية،ومن ثم فهو بطبيعته إتفاق دولي منشئ)،وهذه النظرية تجعل من الإعتراف عملا يخضع
لإعتبارات سياسية طالما أنه تعبير عن الإرادة الحرة للدول،مما يمكن معه إخضاعه
لشروط وقيود سياسية معينة،كما أن منطق هذه النظرية يقضي بأن يكون الإعتراف نتيجة
رضا الدولة،وإذا لم ترضى بعض الدول بوجود الدولة الجديدة،فإن الدولة لا تكتسب
الشخصية الدولية إلا تجاه الدول التي إعترفت بها ولا تخضع بالتالي لقواعد القانون
الدولي العام إلا في علاقاتها مع هذه الدول.
أهم خصائص النظرية المنشئة
أ-للإعتراف أثرا إنشائيا لأنه هو الذي يكسب الدولة
الجديدة الشخصية القانونية الدولية ويجعلها تحتل مكانها في المجتمع الدولي وتتمتع
بجميع الحقوق والواجبات التي يقرها القانون الدولي لبقية الدول القائمة.
ب-إن الدولة الجديدة لا تكتسب الشخصية الدولية إلا تجاه
الدول التي إعترفت بها.
ج-إن الإعتراف عمل رضائي لا إلزامي،فالدولة المعترفة
حرة في منح الإعتراف أو منعه وفقا لما تقدره هي من إعتبارات.
2-النظرية الإظهارية
وهي التي تقول إن الإعتراف هو عمل إقراري يؤدي إلى إظهار
الشخصية القانونية للدولة،حيث يقول فقهاء هذه النظرية بأن الإعتراف عمل إظهاري
بحت،ويقول الدكتور علي صادق أبو الهيف أن الشخصية القانونية هي وصف يلحق بالدولة
عند نشوئها ويصدق عليها متى تمت لها عناصر الوجود،فالدولة متى نشأت فإنها تتمتع
بمجرد نشوئها بوصف الشخصية الدولية بحكم وجودها،وما الإعتراف إلا عمل إنفرادي ونظري
تقتصر وظيفته على الشهادة بنشوء عضو جديد في الجماعة الدولية وينطوي على الإقرار
بالأمر الواقع.
وتعتبر هذه النظرية أن الإعتراف هو عمل حقوقي تلتزم
الدول الأخرى بالقيام به بمجرد إستكمال الدولة الجديدة لعناصر وجودها دون أن
يخولها إعترافها بها ترتيب أية شروط أو قيود،كما أن هذه النظرية تنكر التفرقة بين
الدولة والشخصية القانونية الدولية،كما ترى أن الإعتراف لا يكسب الدولة شخصيتها
الدولية وإنما يسمح لها بممارسة سيادتها في الحقل الخارجي ويساعدها على الدخول في
علاقات مستقرة ومستمرة مع بقية دول العالم.
وأخيرا فإن النظرية الإظهارية هي الأقرب إلى منطق
الأشياء وذلك مع بعض التحفظات،فالإعتراف كما يقول الدكتور أبو الهيف هو لفظ يحمل
في مدلوله سبق وجود الشيء المعترف به ولا يمكن أن ينصرف إلى ما هو غير موجود،ومنه
فإنه لا يستساغ القول إن للإعتراف صفة
إنشائية،كما أنه عند النظر إلى المسألة موضوعيا لما تغير الموقف،حيث أن الإعتراف
لا يجدي نفعا شيئا إذا لم تكن الدولة قد إكتملت عناصرها ووجدت ماديا،فإذا لم يحصل
هذا فلا يمكن أن يجعل الإعتراف منها شخصا دوليا،لأنه لا يخرج عند ذلك عن كونه إجراءا قانونيا لإقرار مركز
فعلي سابق وجوده عليه.
وبما أن الإعتراف عمل إظهاري،فإن ذلك لا يعني أن الدول
غير المعترفة بالدولة الجديدة ملزمة بالدخول معها في علاقات دولية مهما كان نوعها،فإنشاء مثل هذه العلاقات أو عدمه أمر إختياري تقدم عليه الدولة برضاها،وكما قال
الدكتور محمد عزيز شكري الذي يذهب إلى عدم الإقرار بالقول بأن الإعتراف الإظهاري
هو عمل حقوقي بحت وإلتزام مطلق على الدول الأخرى،فتقدير توافر أو عدم توافر عناصر
الدولة في النظام الجديد هو عمل سياسي وحقوقي في نفس الوقت،فعدم إعتراف الدول
العربية بدولة إسرائيل رغم إعتراف عدد كبير من الدول بها يرجع إلى أنها لا تمثل في
نظر الدول العربية دولة جديرة بالإعتراف بالمعنى القانوني والسياسي والأخلاقي.
سحب الإعتراف
يؤكد معظم الفقهاء أن الإعتراف هو إقرار بالأمر الواقع،لهذا فإنه من الصعب قبول جواز سحب الإعتراف ما دام هذا الأمر الواقع باقيا وما
دامت الدولة المعترف بها تتمتع بجميع المقومات الضرورية والأساسية لقيام دولة ما،ولكن في حال النظر إلى الإعتراف كعمل من أعمال الإرادة والتصرف،فإنه من الصعب
القول بعدم إمكانية الرجوع عنه،وإن كان سحب الإعتراف في النطاق الدولي يعتبر عملا
خطيرا يتطلب الكثير من الحكمة والروية والتفكير قبل الإقدام عليه،ولكن هناك إتفاق
دولي أن الدولة تستطيع أن تسحب إعترافها بدولة أخرى إذا قامت هذه الأخيرة بأعمال
ضارة ومنافية لواجباتها الدولية أو إذا أخلت بإلتزماتها إخلالا سافرا واضحا وفاضحا
أو إذا سلكت طريقا أنانيا لا تقره بقية الدول أو إذا إقترفت جرائم رهيبة بحق
الإنسانية أو بحق فئات من الجنس البشري.
وأخيرا فإن سحب الإعتراف لا يكون إلا بإعلان صريح من الدولة
المستكملة لعناصر وجودها،أما في حال فقدت الدولة أحد عناصر وجودها أو كلها،فإن
الإعتراف يصبح لاغيا لأنه لا إعتراف بلا دولة،كما أن قطع العلاقات الدبلوماسية بين
دولتين لا يتضمن سحب الإعتراف.
طرق الإعتراف
إن الإعتراف لا يخضع لقاعدة شكلية خاصة،فهو إما أن يكون
صريحا وذلك عندما تنص عليه معاهدة أو وثيقة دبلوماسية بشكل صريح في حين أن السكوت
لا يعتبر بيانا،وقد يكون الإعتراف ضمنيا مثل عندما تدخل الدول في علاقات دولية مع
الدولة أو الحكومة الجديدة،كتبادل الدبلوماسيين أو دعوتها إلى حضور المؤتمرات
الدولية أو إبرام معاهدات تجارية أو ثقافية أو غيرها،والإعتراف الصريح يتم إما
بصورة فردية بحيث يصدر عن السلطة المختصة دستوريا في الدولة المعترفة،كإرسال
برقية أو الإدلاء بتصريح تقر فيه الدولة المعترفة بالدولة الجديدة أو بصورة
جماعية كأن تقرر مجموعة من الدول الإعتراف بالدولة الجديدة،ومثال ذلك مع حصل في
مؤتمر برلين عام 1875 عندما إعترفت الدول الموقعة على معاهدته دفعة واحدة بدول
رومانيا وبلغاريا والجبل الأسواد،وكما حصل أيضا في الإعتراف الجماعي بليبيا
الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرار 289/4 أ في عام 1949.
صور الإعتراف
عند نشأة أي دولة جديدة قد لا تكون الدول الأخرى متأكدة
تماما من أنها سوف تستقر كدولة نظرا للملابسات التي تحيط بها،وعندئذ قد لا ترغب
بعض الدول في إصدار إعتراف سريع بالدولة الجديدة،لأنه قد يؤدي ذلك بها إلى إشكالات
هي في غنى عنها،ولكنها في نفس الوقت لا تريد أن تتجاهل الأمر الواقع،ومن أجل ذلك
وجد ما يسمى بالإعتراف الواقعي تمييزا له عن الإعتراف القانوني .
الإعتراف الواقعي : هو إعتراف مؤقت يمكن أن يلغى تبعا للظروف،وهو يعطي
الدول فرصة الإنتظار حتى تتضح حقائق الموقف وتستقر دون أن تتهم بأنها وقفت موقفا
غير ودي من الدولة الجديدة ودون أن تتهم أيضا بأنها تسرعت في إصدار الإعتراف،وبمقتضي هذا الإعتراف الواقعي يمكن للدول أن تبرم مع الدولة الجديدة إتفاقيات
مؤقتة وكذلك يمكنها إرسال ممثلين دبلوماسيين غير عاديين.
الإعتراف القانوني : وهو عكس الإعتراف الواقعي،بحيث يعتبر إعترافا نهائيا
وهو يضع نهاية لفترة الإختبار للدولة الجديدة ويمثل نقطة بداية لعلاقات دبلوماسية
عادية.
أنواع الإعتراف
1-الإعتراف بالثوار
الثورة تعني النضال والتمرد المسلح الذي تقوم به جماعة
ما في دولة معترف بها دوليا بقصد الإنفصال عن هذه الدولة أو قلب نظام الحكم فيها،على أن لا يبلغ هذا التمرد المسلح من الجسامة مبلغ الحرب الأهلية،وفي هذه الحالة
ينتهي الأمر بإحدى حالتين إما أن تستطيع الحكومة القائمة إخماد هذا التمرد
وبالتالي إلقاء القبض على القائمين به وإحالتهم إلى المحاكم،وفي هذه الحالة تتحمل
الدولة مسؤولية الأضرار التي نتجت عن أعمال الثائرين والتي لحقت برعايا الدولة
الأجنبية أو ممتلكاتها،أو قد ينتهي الأمر بالثورة التي تمكن الثائرين من الإستقرار
في جزء من إقليم الدولة،وهنا تطرح مسألة الإعتراف بهم بصورة ملحة على الحكومة
القائمة،وغالبا ما تقوم حكومة الدولة الأم بالإعتراف بالثورة والثائرين تحقيقا
لما يلي:
-أولا: رفع مسؤوليتها عن الأعمال الضارة التي ينزلها
الثائرون بالرعايا الأجانب وممتلكاتهم.
-ثانيا: إخضاع الثوار الذين يقعون في قبضتها لقوانين
الحرب (معاملتهم كأسرى حرب لا كمجرمين أو خونة) وبالتالي تخفيف حدة القسوة التي
تتسم بها عادة الأعمال العسكرية بين القوات الحكومية والقوات الثائرة.
أما إذا صدر الإعتراف بالثائرين من دولة أجنبية،فلا
يترتب عليه إعطاء الثوار الحقوق المقررة في القانون الدولي للمحاربين مثل زيارة
وتفتيش السفن التابعة للدول،كما لا ينتج عنه إلتزام الدولة المعترفة بإتباع
واجبات الحياد وأهمها الإمتناع عن مساعدة الدولة الأم،بل يجب عدم مساعدة الثوار حرصا على صلات الدولة المعترفة
بالدولة الأم،وهذا ما نصت عليه وأكدته المادة 8 من لائحة مجمع القانون الدولي حيث
(لا يجوز للدول الأجنبية أن تعترف للجماعات الثائرة بصفة المحاربين إذا لم يكن في
حوزة هؤولاء إقليم معين لهم،ولهم حكومة نظامية وقوات مسلحة نظامية).
2-الإعتراف بالمحاربين
تأتي الحرب إذا ما تطورت الثورة وإتسع مداها وحققت
إنتصارات سمحت لها بممارسة السيادة على جزء من إقليم الدولة،ويترتب في هذه الحالة
ما يترتب من آثار قيام حالة الحرب وخصوصا ما يتعلق بقواعد الحرب والحياد،حيث إن الإعتراف
بالمحاربين لا بد وأن يصدر من الدولة الأجنبية،وهذا الإعتراف يكون بمثابة تسجيل
لواقعة مفادها أن الثورة لم تفشل وإنما إنتهت بسيطرة الثوار على جزء من أراضي
الدولة وممارستهم لسلطات فعلية فيها،وينتج عن إعتراف الدول الأجنبية بالمحاربين ما
يلي من أمور:
أ-تطبق على المحاربين قوانين الحرب،فيكون لهم حقوق
العسكريين المحاربين ويخضعون مثلهم للواجبات التي تمليها الحرب.
ب-يحق للثائرين المحاربين ممارسة الحصار والحصول على
الغنائم.
ج-يتعين على الدول الأجنبية أن تلتزم الحياد في تعاملها
مع الطرفين المتحاربين.
إن نظرية الإعتراف بالمحاربين هي أمريكية الأصل،حيث نشأت عندما ثارت شعوب أمريكا الجنوبية في وجه إسبانيا في بدايات القرن التاسع عشر،وقد
إعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بشعوب هذه المنطقة على أنها شعوب محاربة عام
1817 ثم كدول عام 1822،كما مارست بريطانيا هذا الإعتراف بحق شعوب أمريكا الجنوبية
عام 1819 معدلة من مواقفها السابقة التي كانت تعتبر فيه هذا الإعتراف عملا عدائيا
للدولة الأم ويجيز إشهار الحرب من قبلها على الدولة المعترفة،كما فعلت مع فرنسا
عام 1778 عندما إعترفت بالثورة الأمريكية.
وقد شهد العالم
العربي هذا النوع من الإعتراف،وذلك عندما بادرت الدول العربية والإسلامية
للإعتراف بالثوار الجزائريين فور تشكيل حكومتهم الأولى في القاهرة بعد إندلاع
الثورة الجزائرية الكبرى والتي آتت أكلها في تحقيق إستقلال الجزائر عام 1962.
وبما أن الإعتراف بحالة الحرب هو إجراء خطير وقد يؤدي في
حالة إتساعها إلى الخصومات بين الدول ويهدد السلام العالمي،فإنه يجب على الدول أن
لا تتسرع في إصدار إعترافها بحالة المحاربين،وقد وضع مجمع القانون الدولي عام
1900 لائحة بحقوق الدول الأجنبية وواجباتها تجاه الحركات الثورية والإنفصالية،حيث قرر أنه لا ينبغي لهذه الدول أن تعترف للجماعات الثائرة بصفة المحاربين إلا إذا
توافرت الشروط التالية:
-إذا كان لها كيان إقليمي،أي إذا كان في حوزتها جزء
محدد من الإقليم الأصلي.
-إذا توافرت لديها عناصر الحكومة النظامية التي تمارس بالفعل مظاهر السيادة على هذا الجزء من الإقليم.
-إذا كان نضالها مسيرا بإسمها وبواسطة قوات منظمة تخضع للنظام العسكري وتتبع قوانين الحرب وأعرافها.
3-الإعتراف بالحكومة
الفعلية
إن الإعتراف بالدولة يتضمن الإعتراف بكل حكومة شرعية
تقوم بها،ولكن قد تتألف في الدولة حكومة جاءت بفعل ثورة أو إنقلاب عسكري وتسمى
هذه الحكومة بالحكومة الفعلية،ولكن في هذه الحالة يجب التمييز بين نوعين من
الإعتراف هما:
1-الإعتراف بالدولة: وهو التصرف الحر الذي يصدر عن دولة أو عدة دول،للإقرار
بوجود جماعة بشرية فوق إقليم معين تتمتع بتنظيم سياسي وإستقلال كلي وتقدر على
الوفاء بإلتزمات القانون الدولي،وبهذا تعبر الدولة أو الدول عن نيتها في إعتبار
هذه الجماعة الجديدة كعضو في الأسرة الدولية.
2-الإعتراف بالحكومة: وهو التصرف الحر الذي يصدر عن دولة أو عدة دول للإقرار
بوجود سلطة أو حكومة معينة قادرة على حفظ الأمن وتمثيل الدول القائمة في المجموعة
الدولية والقيام بجميع إلتزماتها تجاه الدول.
ومن هنا فإن الإعتراف بالحكومة هو إقرار بوجود سلطة
سياسية في البلاد،أما الإعتراف بالدولة هو إقرار بظهور دولة جديدة يتضمن الإعتراف
بكل حكومة شرعية تقوم فيها آخذين بعين الإعتبار التفريق بين الظاهرتين التاليتيين:
أ- تغير الحكومة بطريق شرعي،أي حسب القواعد الدستورية
السائدة أو عملا باللعبة البرلمانية،والتبدل الحكومي هنا لا يحتاج إلى إعتراف من
الدول الأجنبية.
ب- تغيير الحكومة بفعل ثورة أو إنقلاب،والإعتراف هنا
لا يمس الشخصية الدولية للدولة بل يقتصر على تحديد الجهاز السياسي الذي يمثل
الدولة ويعبر عن رأيها في الخارج،وهذا ما يطلق عليه إسم الإعتراف بالحكومة
الفعلية.
إن الإعتراف بالحكومة الفعلية هو إعتراف بسلطة غاضبة،وهذا غير جائر ما لم تستند الحكومة الفعلية قبل كل شيء إلى تأييد مجلس قومي منتخب
من الشعب بصورة حية،وقد عرفت هذه النظرية أيضا بإسم نظرية الوضع الدستوري الشرعي،وذلك
بسبب إعتمادها بشكل أساسي ورئيسي على مدى ما تتمتع به الحكومة الفعلية من شرعية
دستورية.
وقد كان الهدف من هذه المناداة،وضع حد للإنقلابات المستمرة والمتكررة التي عكرت صفو الأمن والإستقرار في أمريكا اللاتينية،ولكن هذه النظرية وما تنص عليه جعلت من الدول الأجنبية حكما،كما أنها أعطتها حق مراقبة الوضع العام ومدى الإلتزام بتطبيق شروط النظرية،ولكن هذا يسيء إلى مبدأ إستقلال الدول وسيادتها وإلى مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى.
ولكن بما أن التعامل الدولي في هذا الخصوص يقوم على
إعتبارات سياسية بحتة،حيث أن الدول تعترف بالحكومة إذا كان إتجاهها السياسي ملائما
دون الإعتبارات الدستورية،إلاّ أن فقهاء القانون يرون أنه ما دمت الحكومة الفعلية
مستمرة ومسيطرة على زمام الأمور في البلاد فهي جديرة بالإعتراف بها،إلا أن الإقرار
بحق الشعوب في تقرير مصيرها كواحد من مبادئ القانون الدولي العام المعاصر يعيد
الإعتبار لنظرية طويار،وأما إذا كانت الحكومة الفعلية بغض النظر عن طابعها أو شكلها
لن تستند إلى رأي الشعب،فلا يمكن هنا التوفيق بين الإعتراف بها والإعتراف بحق
الشعب في تقرير مصيره.
4-الإعتراف بالأمة
إن الإعتراف بالأمة هو أسلوب جديد إبتكره الحلفاء في
الحرب العالمية الثانية،وذلك تقديرا لشعوب الدول الأوروبية المعادية التي دعمتهم ووقفت مواقف مشرفة تجاه قضيتهم،ووعدا منهم لهذه الشعوب بإستعادة حقها في السيادة على أراضيها في الوقت المناسب،حيث إنسحب زعماء الدول الأوروبية المحتلة إلى
البلاد الحليفة وشكلوا فيها لجان قومية إعترفت بها الدول الأخرى،ففرنسا سمحت
للجنة التشيكية واليوغسلافية بأن تشكل في أراضيها جيشا قوميا ومجلسا عسكريا يصدر
قراراته بإسم الأمة،وبعد ذلك إعترفت بعض الدول بالأمتين السابقتين.
وإن ما يميز الإعتراف بالأمة،هو أن الجماعة الثائرة وأجهزتها
السياسية وجيشها لا يقيمون في إقليم الدولة وإنما في إقليم دولة أجنبية،فالثوار
في هذه الحالة يجتمعون خارج بلادهم ويعبرون عن رغبتهم في الإنفصال عن دولتهم أو
حكومتهم أو يعبرون عن نقمتهم على الحاكمين الذين فرطوا بسيادة بلادهم وتنازلوا
للغير عن جزء من أراضيها،كما أنه يجب على الدول الأجنبية التي تستضيفهم بأن تعترف
بأنهم يكونون أمة ويمثلون الوجه الحقيقي لدولتهم،ونتيجة لذلك يجب أن تسمح لهم
بتكوين جيش مستقل وبرفع علم وطني وبخوض الحرب إلى جانب الجيوش النظامية الأخرى
لتحرير بلادهم .
وأخيرا فإن من الأمثلة على هذا الإعتراف،الإعتراف الذي
أعطته الدول العربية وبعض الدول الصديقة لمنظمة التحرير الفلسطنية قبل إعلان قيام
الدولة الفلسطنية،وقد أنتقد هذا النوع من الإعتراف بسبب كون اللجان أو المنظمات
المعترف بها في المنفى لا تمارس أية سلطة قانونية على السكان،كما أنه ليس لها
إقليم تمارس عليه السيادة .
النتائج التي يضمنها
الإعتراف بالدولة
أ-إن الإعتراف هو شهادة بوجود ظاهرة جديدة هي ظهور
الدولة الناشئة بعناصرها الثلاثة وقدرتها على حفظ السلام والوفاء بإلتزماتها
وتعهداتها،وهذا يعني أن الدول التي إعترفت بها تعتبرها أهلا للتمتع بالشخصية
القانونية ولدخول المحافل الدولية.
ب-إن الإعتراف هو نقطة الإنطلاق في ميدان العلاقات الحرة
بين الدول،والتعبير الصادق عنه هو إقامة علاقات دبلوماسية بين الدول الناشئة
والدول القديمة.