مفهوم المسؤولية الدولية والأنواع المتعارف عليها
دولياً
المسؤولية الدولية
المسؤولية الدولية هي رابطة قانونية تقوم نتيجة مخالفة
الدولة أو أي شخص آخر من أشخاص القانون الدولي العام لإلتزام دولي يولد ضررا
للمجتمع الدولي أو لأحد أشخاصه،وإن أهم الإلتزمات التي يقررها القانون الدولي على
أشخاصه هي:
1-إحترام الحقوق الأساسية المقررة لكل منها.
2-مراعاة قواعد القانون الدولي العام والسير بمقتضاه.
3-إحترام العهود التي إرتبطت بها وتنفيذ تعهداتها
الدولية بحسن نية.
وتكمن أهمية المسؤولية الدولية في أنها تعتبر الأدة
القانونية اللازمة لضمان المحافظة على تطبيق قواعد القانون الدولي العام وبالتالي
تدعيم وتعزيز الأمن والتعاون الدوليين،وعلى الرغم من أن الكثير من قواعد القانون
الدولي العام المتعلقة بالمسؤولية الدولية هي قواعد عرفية،إلا أن العمل يجري في
الوقت الحاضر من أجل تدوينها وتقنينها،لهذا عهدت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى
لجنة القانون الدولي في عام 1956 بمهمة دراسة هذا الموضوع ووضع مشروع إتفاقية
دولية بشأنه،وبالفعل فقد بدأت لجنة القانون الدولي دراستها لموضوع المسؤولية
الدولية منذ عام 1969 وقد حددت في حينها البروفسور الإيطالي آكو كمقرر رئيسي لها.
أنواع المسؤولية الدولية
أولا:المسؤولية الدولية
المدنية
وهي إلتزام
تتحمل به الدولة ما ينسب إليها من القيام بعمل أو الإمنتناع عن القيام بعمل خلافا
لإلتزماتها الدولية،مما يوجب عليها تعويض الدولة التي تضررت منه في شخصها المعنوي
أو في أشخاص موطنييها وأموالهم.
شروط قيام المسؤولية
الدولية
1-أن يكون هناك عمل غير مشروع قامت به دولة معينة أو أي
شخص من أشخاص القانون الدولي العام،بحيث يكون نتيجة إخلال بأحد الواجبات القانونية،وقد
يكون هذا الإخلال إيجابيا أو سلبيا،كما يشترط في العمل الغير المشروع أنه أرتكب
خطأ سواء نتيجة إهمال أو بشكل متعمد،وهذا يعني إنتفاء المسؤولية الدولية عن
الأضرار الناتجة عن قوة قاهرة أو ظرف طارئ.
2-أن يترتب على الإخلال بأحد الواجبات القانونية ضرر
يصيب المجتمع الدولي أو أحد أشخاصه،ويكون الضرر إما ماديا أو معنويا.
3-أن تكون هناك علاقة سببية بين الإخلال بالواجبات
القانونية والأضرار الناتجة التي تلحق بالغير.
وأخيرا فإننا نلاحظ أن الإخلال بأحد الواجبات القانونية
يترتب عليه إلزام المتسبب بإصلاح الضرر الناتج وحق الشخص المتضرر بالمطالبة
بالتعويض،وهذا هو الأثر الأهم والوحيد الذي يترتب في نطاق القانون الدولي على عدم الوفاء بإلتزام دولي،كما أن هذا ما
يميز المسؤولية الدولية عن المسؤولية في القوانين الداخلية التي عادة ما ترتب
مسؤوليات جنائية أو قضاء بإلغاء بعض التصرفات.
أنواع المسؤولية
المدنية
أ-المسؤولية التعاقدية: وهي المسؤولية التي تنشأ عندما تخل الدولة بإلتزماتها
التعاقدية مثل الإخلال بالمعاهدات والإتفاقات مع الدول الأخرى،وفي هذه الحالة
تلتزم الدولة المخلة بالتعويض عن الأضرار التي نتجت وإن لم ينص على ذلك في الإتفاق
الذي جرى الإخلال به،وهناك نوعين من التعهدات هما:
1-التعهدات التي تبرمها الدولة بصفتها شخصا معنويا،وهنا
يستطيع الشخص المتضرر أن يلجأ إلى القضاء مطالبا بالتعويض والتنفيذ،وفي هذه
الحالة لا تترتب على الدولة مسؤولية دولية.
2-التعهدات التي تبرمها الدولة بصفتها سلطة عامة،وهنا
تكون الأمور أكثر صعوبة لأن الأمر يتعلق بأعمال السيادة والتي لا يملك القضاء حق
النظر فيها عندما تخل الدولة بعقد أبرمته بصفتها سلطة عامة،بحيث لا يسمح للأطراف
المتضررة برفع القضية إلى القضاء لمطالبتها بالتعويض أو بالتنفيذ،وفي هذه الحالة
على المتضرر أن يلجأ إلى حكومته لتسعى بوسائلها الخاصة إلى تحصيل حقوقه،ومع ذلك
لا تنشأ المسؤولية الدولية على الدولة المخلة ما لم تقرر دولة الشخص المتضرر
التدخل لحمياته،كما أن هذا التدخل يجعل
علاقة المسؤولية علاقة بين دولتين لا يكون للشخص المتضرر شأن بها مطلقا،وبما أن
الشخص المتضرر لا يجوز له أن يحرك دعوى المسؤولية ضد الدولة،فإنه لا يجوز له أيضا
التدخل في سير الدعوى إذا ما حركتها دولته،مطالبة في هذه الحالة بالتعويض عن الضرر
الأدبي الذي لحقها نتيجة المساس بأحد رعاياها لا عن الضرر المادي الذي أصاب هذا
الإنسان.
ب-المسؤولية التقصيرية: وهي التي تنشأ عن أفعال صادرة عن إحدى سلطات الدولة أو
هيئاتها العامة إخلالا بقواعد القانون الدولي،حتى وإن كانت هذه الأفعال لا تتعارض
مع أحكام قانونها الداخلي،وهنا فإن السلطات الثلاث للدولة بالإضافة إلى تصرفات الأفراد التابعين لها هي التي تتحمل الدولة مسؤولية دولية نتيجة أفعالها.
1-مسؤولية الدولة عن
أعمال السلطة التشريعية
للدولة بمقتضى سيادتها أن تصدر ما يحلو لها من التشريعات
بشرط أن لا تكون هذه التشريعات مخالفة لقواعد القانون الدولي العام ولا لإلتزمات
الدولة في مواجهة غيرها من الدول،وإذا لم تراع الدولة ذلك وحصلت للغير أضرار جراء هذه
التشريعات،تترتب على الدولة المسؤولية الدولية،كما تتحمل الدولة تبعة المسؤولية
الدولية إن هي أهملت إصدار تشريع داخلي معين يستوجب إصداره إحترام الدولة
لتعهداتها الدولية التي إرتبطت بها.
فالدولة تتحمل المسؤولية الدولية عن تشريعها لقانون يحرم
الأجانب المتواجدين في إقليمها من بعض حقوقهم أو يصادر أملاكهم دون أن تدفع لهم
تعويضا مناسبا،كما تتحمل الدولة نفس المسؤولية في حالة عدم إصدارها لتشريع تقتضيه
واجباتها الدولية،أما بالنسبة للقوانين التي تصدرها الدولة والمتعلقة بتأميم
المصالح الأجنبية،فلا يترتب على الدولة مسؤولية تجاه الدول المتضررة بشرط أن
تتضمن هذه القوانين نصوصا بدفع تعويضات مناسبة وسريعة،لأن التأميم بهذه الصور هو
من إختصاص الدول الداخلي،وهذا ما أقره الفقه والإجتهاد.
2-مسؤولية الدولة عن
أعمال السلطة التنفذية
السلطة التنفذية في الدولة هي جميع الهيئات والمؤسسات
التي تتولى شؤون الإدارة في الدولة أو تشرف عليها،وإنّ كل إخلال بواجبات الدولة أو
بالقواعد الدولية يقع من قبل السلطة التنفذية سواء كان إيجابيا أو سلبيا،وسواء
كان هذا التصرف مطابقا لقوانين الدولة أو مخالفا لها،تتحمل الدولة مسؤوليته.
أما تصرفات الموظفين العموميين التي ينتج عنها إخلال
بالواجبات الدولية فهي:
أ-التصرفات والأعمال التي يأتيها الموظفون بأمر من
حكومتهم أو في حدود إختصاصهم الوظيفي،فتترتب في هذه الحالة المسؤولية الدولية على
الدولة إذا ترتب على هذه التصرفات إخلال بالواجبات الدولية،سواء كان الموظف الذي
قام بالعمل رئيس دولة أو أحد وزرائه أو أحد الموظفين العاديين في السلم الوظيفي.
ب-الأعمال المخلة بالواجبات الدولية التي يأتيها
الموظفون عند تجاوزهم لحدود صلاحياتهم الوظفية أي بصفتهم الشخصية،وفي هذه الحالة
تنتفي المسؤولية الدولية عن الدولة ويسمح للأشخاص المتضررين برفع الأمر إلى محاكم الدولة
ومقاضاة الموظف المذنب.
3-مسؤولية الدولة عن
أعمال السلطة القضائية
بما أن الدولة في ميدان العلاقات الدولية تواجه الدول
الأخرى كوحدة مسؤولة عن تصرفات سلطاتها المختلفة،فهي بذلك تصبح مسؤولة دوليا عن
الأحكام الصادرة من محاكمها،وذلك عندما تكون هذه الأحكام مخالفة للقواعد والإلتزمات
الدولية،كما لا يمكن هنا الإحتجاج بمبدأ إستقلال القضاء،لأن هذا المبدأ يشكل
قاعدة داخلية تحدد علاقة القضاء ببقية السلطات في الدولة ولا شأن للدول الأخرى
بهذه العلاقة.
وإن مخالفة أحكام السلطة القضائية للقواعد والإلتزمات
الدولية يتم إذا بنى القضاء حكمه على تفسير خاطئ لنص قانوني داخلي منسجم مع
إلتزمات الدولة الخارجية أو إذا بني الحكم على تفسير صحيح لنص داخلي هو في طبيعته
مخالف ومتعارض مع الإلتزمات الدولية أو في حالة كون الحكم مبني على تفسير أو تطبيق
خاطئ لقاعدة دولية.
كما أن هناك حالة تدخل في نطاق أعمال السلطة القضائية ويترتب عليها مسؤولية دولية وهي حالة إنكار العدالة أو الإستنكاف عن إحقاق الحق،وذلك كأن تقوم المحكمة بشكل متعمد بتأخير وتسويف القاضي أو منع الأجنبي المتضرر من اللجوء للقضاء أو إذا وجد نقص كبير في إجراءات التقاضي أو أن تصدر المحكمة حكما ظالما ضد الأجنبي سببه الخضوع لشعور عدائي ضد الأجانب أو إرتكاب أخطاء فاحشة أو متعمدة في الحكم،أما الخطأ الغير مقصود قلا يعتبر إنكارا للعدالة.
وأخيرا فإنه لا يجوز إثارة مسؤولية الدولة عن أعمال
سلطتها القضائية إلا إذا كان الأجنبي المتضرر قد إستنفذا كافة الوسائل القضائية
التي يقررها تشريع الدولة،أما إذا كان الحكم المشكو منه قابلا للإستئناف أو
التمييز،وجب على المدعي أن يسلك طريق الطعن قبل اللجوء لحماية دولته،كما تنتفي
مسؤولية الدولة التي أصدرت محاكمها الحكم المشكو منه،ويكتسب الحكم درجة القطعية
بسبب إهمال المدعي الأجنبي أو تقصيره في الطعن فيه في المواعيد المحددة.
4-مسؤولية الدولة عن
تصرفات الأفراد المقيمين فيها
في الحالة التي يرتكب فيها الأفراد الموجودين في دولة ما
أعمالا تنطوي على إعتداء على الدول الأخرى أو رعاياها،فإن الدولة تتحمل مسؤولية
دولية مباشرة عن هذه الأعمال أمام الدولة الأجنبية التي تعرضت أو تعرض رعاياها
للإعتداء،حيث تعتبر هذه الدولة قد أخلت بأحد إلتزماتها الأساسية وهو المحافظة على
الأمن العام في البلاد،وهو الواجب الذي ينقسم لشقين،الأول هو واجب الحيطة
والثاني هو واجب الردع،لهذا فعلى الدول قدر إستطاعتها أن تحول دون قيام حوادث عنف
في إقليمها وأن تعمل على توفير الحماية الكافية للأجانب المهددين،وذلك بأن تحتاط
بإتخاذ التدابير الأمنية اللازمة لحماية بعض الأماكن (السفارات ومناطق الحدود) أو
بعض الأجانب (الوزراء والدبلوماسيين) في بعض الظروف (الإضرابات والمظاهرات) وفي
حالة إثباتها وهو أمر صعب أنها إتخذت كافة الإحتياطات اللازمة ورغم ذلك وقع الضرر،فإنها تتحلل من المسؤولية الدولية على أساس نظرية القوة القاهرة.
ولكن الدولة تتحمل المسؤولية الدولية بشكل مطلق عما يقع
أثناء الثورة أو الحرب الأهلية من أعمال ضارة بالدول الأخرى في حالتين هما:
1-حالة ما إذا إعترفت الدولة للثوار في أراضيها بصفة
المحاربين.
2-حالة ما إذا إعترفت لهم الدولة التي وقع الضرر
بمواجهتها أو في مواجهة رعاياها بهذه الصفة.
وفي حالة صدر الضرر عن أفراد بصفتهم الرسمية أي رجال
الدولة وممثليها،فإن دولتهم تتحمل مسؤولية أعمالهم إذا كان تصرف الموظف في الحدود
التي رسمها له القانون الداخلي والتي تدخل في حدود صلاحياته الوظفية،أما إذا كانت
تصرفات ممثلي الدولة تتجاوز حدود الصلاحيات الوظفية،فإن الدولة أيضا تتحمل
المسؤولية الدولية لأن مسألة تجاوز الحدود في الصلاحية الوظيفية أو عدمه يعتبر من
المسائل الداخلية البحتة التي لا يتطرق القانون الدولي لبحثها،وهذا ما قرره مجمع
القانون الدولي عام 1927 عندما حمل الدولة مسؤولية الأعمال التي تقع من موظفيها
خارج حدود إختصاصهم.
أثار المسؤولية الدولية
المدنية وأحكام الدعاوى الدولية
الشروط الواجب توافرها لكي يحق للدولة رفع دعوى
المسؤولية الدولية نيابة عن الشخص المتضرر هي:
1-وجود رابطة قانونية سياسية بين الدولة المطالبة والشخص
المتضرر وهي رابطة الجنسية،حيث يجب أن يكون الشخص حاملا لجنسية الدولة منذ تاريخ
وقوع الضرر حتى الفصل في دعوى المسؤولية.
2-أن يكون الشخص المتضرر قد إستنفذا كافة الوسائل
القضائية الداخلية للدولة التي تقع عليها المسؤولية الدولية.
3-أن يكون هذا الشخص حسن السلوك تجاه الدولة الأجنبية،وحسن السلوك هذا ينتفي إذا ما قام هذا الشخص بخرق حرمة القوانين الداخلية للدولة
التي يقيم فيها أو إذا قام بنشاط مخالف لقواعد القانون الدولي العام.
إن النتيجة الأساسية إذا ما ثبتت المسؤولية الدولية على
الدولة،هو إلزامها بتعويض الضرر الذي نتج عن العمل غير المشروع،وهذا التعويض يأخذ
إحدى الصور الآتية:
1-الترضية: وهي تعني قيام الدولة المسؤولة بعدم إقرار التصرفات
الصادرة عن سلطاتها أو موظفيها الرسميين،كأن تقدم إعتذار رسمي أو تحاسب الموظف
المتسبب بالضرر،وعادة ما يجري الإكتفاء بالترضية عندما لا يكون هناك أضرار مادية
توجب التعويض.
2-التعويض العيني: ويعني إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل وقوع الضرر،وذلك كإعادة الأموال المصادرة بدون وجه حق إلى أصحابها الأجانب.
3التعويض المادي: ويكون في حالة ما إذا تعذر إعادة الأمور إلى ما كانت
عليه قبل وقوع الضرر،بحيث يصار إلى دفع مبلغ من المال لتعويض الأضرار.
كما أن هناك حالات يحدث فيها أحيانا أن تتضمن العقود
التي تبرمها الدول مع الأجانب،خصوصا عقود المقاولات شرطا يتنازل بمقتضاه الأجانب
عن حقهم في اللجوء إلى الدولة التي ينتمون إليها لكي ترفع نيابة عنهم دعوى
المسؤولية الدولية،وقد عرف هذا الشرط بشرط (كالغو) نسبة إلى وزير خارجية الأرجنتين
السابق وأستاذ القانون الدولي بجامعتها 1824-1906 والذي كان أول من صاغ هذا الشرط،،وهذا ما تضمنته الكثير من العقود التي وقعتها دول أمريكا اللاتنية مع الرعايا
الأجانب،ولكن الفقه الدولي وبعد تردد طويل أعتبر هذا الشرط باطلا لسببين هما:
1-إن حق الدولة في حماية رعاياها هو في الأصل حق ثابت
للدولة وليس للأفراد،ومنه فلا يحق للأفراد التنازل عن حق لا يعود لهم.
2-يرى الفقه الدولي في عدم الإعتراق بهذا الشرط ضمانا
لإحترام الدول لأحكام القانون الدولي،ولكن هناك بعض العقود الجديدة ما تزال تدرج
هذا الشرط وخاصة عقود التنقيب عن النفط.
ثانيا:المسؤولية الدولية
الجزائية
وهي مسؤولية الدولة عند إرتكابها فعلا يعتبره القانون
الدولي جريمة دولية،بحيث يسبب ضرر لدولة أو مجموعة دول أو للمجتمع الدولي أو
للإنسانية ويهدد السلم والأمن الدوليين،ومنه يجب معاقبتها من قبل المجتمع الدولي
بالعقوبات المقررة للجريمة الدولية المرتكبة والتي تكفل ردعها عن تكرار جريمتها
الدولية.
وعلى الرغم من أن موضوع المسؤولية الدولية من المواضيع
القديمة التي نظمها المجتمع الدولي،إلاّ أن المسؤولية الجزائية الدولية ليست كذلك،وذلك
نظرا لتطور وتغير المعايير والمبادئ التي تحكم العلاقات الدولية،ففي القانون
الدولي لا يوجد لحد الآن تعريف واضح ومحدد لمفهوم العدوان الذي يستوجب المسؤولية
الدولية،كما أن القانون الدولي العام التقليدي لم يقر المسؤولية الدولية عن الحرب
بل على العكس من ذلك فهناك قواعد ومبادئ معاكسة تحكم هذه العلاقات مثل حق الحرب
وحق المنتصر،والتي تولد نوعا من الحقوق المكتسبة كنتيجة للإنتصار.
أما في القانون الدولي المعاصر فهناك الكثير من
المخالفات القانونية الدولية التي يعتبرها المجتمع الدولي جرائم دولية تهدد السلم
العالمي،كما تهدد المكتسبات الحضارية التي حققتها الإنسانية،وبالتالي تستوجب
مواجهتها بشكل جماعي وإنزال العقاب على الدولة المخالفة،ومن الأمثلة على هذه الجرائم
الدولية،العدوان،الإبادة البشرية،التفرقة العنصرية،الإتجار بالرقيق والإتجار
بالمخدرات وغيرها.
وأخيرا فإن موضوع المسؤولية الدولية قد تم تقنينه في
كثير من المواثيق الدولية وعلى رأسها ميثاق الأمم المتحدة الذي يسعى لحماية السلام
العالمي وتحقيق التعاون بين الدول،كما أن هناك معاهدات خاصة بتحريم الإبادة
والعنصرية وغيرها مما حرمته المواثيق الدولية ويعتبر من الجرائم الدولية.
أساس المسؤولية الدولية
الجنائية
إن الأساس الذي تقوم عليه مسؤولية الدولة الجزائية هو
إرتكابها لمخالفة قانونية دولية،وتعريف المخالفة القانونية الدولية هي كل عمل أو
الإمتناع عن عمل خلافا لقواعد ومبادئ القانون الدولي العام أو للإلتزمات الدولية
المقررة يولد ضررا،سواء كان ماديا أو معنويا لدولة أخرى أو لمجموعة دول أو لعموم
المجتمع الدولي،كما أن الدولة المخالفة لا تستطيع تبرير تصرفاتها المولدة
للمسؤولية الدولية بالدفع بأن قوانينها الداخلية تجيز لها مثل هذه التصرفات،كما
لا يمكنها الدفع بالجهل بقواعد القانون الدولي أو بخطئها في تفسير وفهم هذه
القواعد،حيث أن الواقع يقول أن جميع المخالفات القانونية الدولية أرتكبت عن عمد
وسابق تخطيط وكانت تهدف إلى تنفيذ مخططات عدوانية توسعية لا يمكن تبريرها،وليس كما
يدعي مرتكبيها أنها وقعت كضرورة لحماية الحياة أو لحماية المصالح أو حتى الإدعاء
بأنها كانت أعمال دفاعية،ومن الأمثلة على ذلك،غزو الولايات المتحدة لغرينادا عام
1983 ولليبيا عام 1986 ولبنما عام 1990 وعدوان إسرائيل على لبنان عام 1982 وغيرها
الكثير.
كما إن المخالفات القانونية التي توجب المسؤولية الدولية
يمكن أن تقوم بها أجهزة ومؤسسات الدولة وكذلك الشخصيات الرسمية التي تقوم بعملها
بإسم الدولة،كما تتحقق مسؤولية الدولة الجزائية عندما تستخدم دولة أخرى أراضيها
أو قواعدها للإعتداء على دولة ثالثة،ففي هذه الحالة تعتبر الدولة مشاركة للدولة
المعتدية في عدوانها،إلا إذا إستطاعت أن تثبت أنها أجبرت على ذلك ومثال ذلك
إستخدام الولايات المتحدة الأمريكية لقواعد بريطانية لشن عدوان على ليبيا،وهذا
يرتب مسؤولية دولية جزائية على بريطانيا لأنها مشاركة في العدوان،كما يترتب على
الدولة مسؤولية دولية إذا إرتكبت قواتها العسكرية أو أحد أفرادها مخالفات قانونية
في وقت الحرب خلافا لما هو مقرر في إتفاقية جنيف لعام 1949 حول الدفاع عن ضحايا
الحرب وغيرها من الإتفاقيات المتعلقة بهذا الموضوع،فالدولة ملزمة بإتخاذ كافة
الإجراءات القانونية والإدارية والعسكرية لإلزام مواطينيها وقواتها الحربية
بإحترام قواعد وقوانين الحرب التي أقرتها الإتفاقيات والمؤتمرات الدولية.
أنواع المخالفات
القانونية التي تؤدي إلى قيام المسؤولية الدولية الجزائية
1-الجريمة الدولية: وهي أخطر المخالفات القانونية على المستوى الدولي،لأنها
تؤدي إلى إلحاق الضرر بالمصالح الحياتية للدول والشعوب،كما وأنها تعتبر خرقا فاضحا لأهم
المبادئ التي يقوم عليها القانون الدولي والعلاقات الدولية وتهدد السلم والأمن
الدوليين،ويدخل في نطاق هذه الجرائم الدولية،العدوان،الإبادة البشرية،جرائم
الحرب والجرائم ضد الإنسانية،وبما أن هذه الجرائم تمس عموم المجتمع الدولي،فإن
الدول وطبقا لميثاق الأمم المتحدة يحق لها أن تتخذ إجراءات جماعية وحازمة لمواجهة
الدول المرتكبة للجريمة.
2-الجريمة الجنائية ذات الطابع الدولي: وهي الجرائم التي تشكل خطرا إجتماعيا على المستوى الدولي يمس مصالح مجموعة دول أو كلها،ومن هذه
الجرائم،تجارة العبيد،إنتاج وتجارة المخدرات،إختطاف الطائرات والإرهاب الدولي
وغيرها.
3-المخالفات الدولية الأخرى: وهي التصرفات الغير مشروعة التي تولد ضررا لدولة أخرى
أو لمجموعة دول،وفي هذه الحالة فإن علاقة المسؤولية الدولية تقوم بين الدولة
المرتكبة للمخالفة والدولة المتضررة ولا تتعداها إلى دول وشعوب أخرى،ومن هذه
المخالفات الإعتداء على البعثات الدبلوماسية للدول الأجنبية أو مخالفة الإلتزمات
التجارية وغيرها.
جزاء المسؤولية الدولية
الجنائية
تقع المسؤولية الدولية الجزائية على أساس أن هناك ضررا
أصاب أعضاء المجتمع الدولي ومصالحهم الحياتية،وتؤسس هذه المسؤولية على مبدأ
الشرعية،بمعنى أن لا تكون هناك جريمة ولا عقوبة إلا بنص،كما تجدر الإشارة أن
هناك ترابطا بين المسؤولية الدولية المدنية والجزائية من حيث المنشأ،فقد تنشأ
المسؤولية الدولية المدنية نتيجة إتيان دولة عملا غير مشروع يشكل جريمة دولية تسأل
عنه جزائيا،وهذا يعني أن المسؤولية الجزائية للدولة تكون أساسا للمسؤولية المدنية بينما العكس غير صحيح،حيث لا يمكن أن تكون مسؤولية الدولة المدنية أساسا لمساءلتها
جزائيا.
ولقد عرفت المواثيق الدولية وتطبيقاتها العملية نوعين من الجزاء هما:
1-الجزاء السياسي: وهو عبارة عن مجموعة إجراءات تتخذ ضد الدولة المخالفة،وغالبا ما يترافق هذا الجزاء مع الجزاء المادي،كما وإن أكثر أنواع الجزاء السياسي
إستخدما هو العقوبة الدولية التي يمكن أن توجهها المنظمات الدولية الإقليمية أو
العالمية أو مجموعة محددة من الدول ضد الدولة المخالفة،كما تختلف العقوبات
الدولية من حيث حجمها ونوعها تبعا لنوع الجريمة المرتكبة من الدولة،وقد حددت
المواد 39 41 42 من ميثاق الأمم المتحدة نوعية العقوبات التي توجه إلى الدول مقابل
الجرائم التي تهدد الأمن والسلم الدوليين،كما أنه يدخل ضمن الجزاء السياسي عقوبات
المقاطعة السياسية كقطع العلاقات الدبلوماسية أو حرمان الدولة من التصويت في المنظمات
الدولية،بالإضافة إلى المقاطعة الإقتصادية وحظر التعامل مع الدولة المخالفة.
2-الجزاء المادي: ويقوم هذا الجزاء حين تتسبب الجريمة الدولية بأضرار
مادية للدولة المعتدى عليها،ويمكن أن يظهر هذا الجزاء إما بصورة تعويض تلزم
الدولة المعتدية دفعه للدولة المعتدى عليها أو بصورة إلزام الدولة المعتدية
بإصلاح الأضرار التي ألحقتها أو إعادة ما إستحوذت عليه من أموال حين قيامها
بجريمتها الدولية،كما أن مساءلة الدولة جزائيا عن الجرائم الدولية قد يترافق مع مساءلة بعض أشخاصها الرسميين عن تلك الجرائم التي إرتكبوها بإسم دولتهم،فمواطنوا
الدولة المرتكبة للجريمة يخضعون للحساسية الدولية التي يقوم بها المجتمع الدولي
نظرا لإرتكابهم جرائم تمس المجتمع الدولي وتهدد الأمن والسلم الدوليين وكذلك جرائم
الحرب،ومثال ذلك محاكم نورنبرغ العسكرية لمحاكمة مجرمي الحرب الألمان.
أما بالنسبة
لنوع العقوبات المطبقة على الأفراد فإنها تختلف بطبيعتها عن تلك العقوبات التي
تطبق على الدول،فالدولة بإعتبارها شخصا معنويا لا يمكن أن تخضع لبعض العقوبات
الجنائية التي يمكن تطبيقها على الأفراد الطبيعيين وهي العقوبات البدنية السالبة
والمقيدة للحرية وإنما يمكن أن تفرض عليها جزاءات أخرى تتلائم مع طبيعتها كالعقومات
المالية والمعنوية،وفي هذا الصدد فإن الرأي الراجح في فقه القانون الدولي المعاصر
والأقرب إلى الموضوعية والأكثر إتفاقا مع مبادئ القانون الدولي العام هو إقرار
المسؤولية الجنائية المزدوجة المترتبة على الدولة وعلى الأفراد،على أن توقع على كل
طرف من أطراف المسؤولية التدابير والجزاءات المناسبة لطبيعته والملائمة لمصالح
الدفاع الجماعي الدولي.
وأخيرا فإن الجرائم التي يرتكبها العدو الصهيوني في حق
الشعب الفلسطيني،فهي جرائم دولية تستوجب المساءلة والمحاسبة بإعتبارها جرائم حرب
وإعتداء وإحتلال لأراضي الغير بشكل يتنافى مع قواعد ومبادئ القانون الدولي العام
المعاصر،لذلك يجب على المجتمع الدولي أن يعمل على محاكمة ومحاسبة حكام إسرائيل كمجرمي
حرب،لأنهم السبب المباشر والرؤوس المدبرة والمنفذة لهذه الجرائم الدولية التي
تتنافى مع مبادئ القانون الدولي العام وقواعد الأخلاق والإنسانية التي يقوم عليها
العالم المتمدن.