تاريخ الرأي العام
لقد بدأ الإهتمام بالرأي العام منذ عشرينيات القرن الماضي ،ولكنه كظاهرة فهو يعاصر المجتمعات الإنسانية في نشأتها حيث إن الحضارات القديمة لم تكن خالية من مفاهيم قريبة من مفهوم الرأي العام وقد مرّ مفهوم الرأي العام بمراحل مختلفة عبر العصور المختلفة أهمها:
1-الرأي العام عند الإغريق والرومان
لقد كان الرأي العام في أثينا وإسبارطة هو الحاكم المباشر والذي يسيطر على كافة نشاطات المدينة وكان يتم ذلك عن طريق إجتماع من لهم حق المواطنة في هيئة أو برلمان وتكون لهم جميع السلطات والصلاحيات لإتخاذ القرارات التي تصب في مصلحة المجتمع وذلك بأخذ رأي الأغلبية.
أما الدولة الرومانية فقد إتبعت ما كان سائدا في أثينا وإسبارطة وأعتبرته مظهرا من مظاهر الديمقراطية مع إختلاف أنّ من كان له حق المواطنة في الدولة الرومانية هم فقط أبناء الأسر المعرفة بأصلها من نفس المدينة وأستثنيا من ذلك العبيد ومن لا ينتمي إلى أرض روما فلم يكونوا يشاركوا بالعملية الديمقراطية،وقد عبرعن الرأي العام في النصوص الرومانية بصوت الشعب أو الجماهير.
2-الرأي العام في العصور الوسطى (المسيحية والإسلامية)
لقد كان للأديان السماوية دورهام وكبير في تشكيل الرأي العام حيث كان الباباوات والأباطرة يستخدمون عبارات مثل الشعور العام والجمعي وهي مرادفة لمعنى الرأي العام في المسائل الهامة ،أما في الإسلام فقد إستفاد نظام الحكم فيه من تجارب الأمم والحضارات السابقة له حيث كان مفهوم الديمقراطية يتماشى مع المفاهيم الإنسانية التي دعا إليها الإسلام فقد كان للرأي العام أهمية كبرى في الدولة الإسلامية وذلك من خلال تطبيق مبدأ الشورى ووجود ما يسمى بأهل الحل والعقد الذين إذا إجتمعوا على أمر ما فإن هذا الرأي يصبح عام ويقوم مقام ولي الأمر أو الخليفة.
3-الرأي العام في العصر الحديث
نتيجة لثورة المعلومات والإتصالات والتقدم التكنولوجي في هذا العصر الحديث، أدى ذلك للإهتمام بقضية الرأي العام التي كانت ثمرة مباشرة لقضيتين أساسيتين هما:
1-المبادئ الإنسانية والشعبية التي فرضت نفسها من خلال الثورات الإجتماعية والسياسية الكبرى.
2-إيمان الحكام بضرورة كسب الرأي العام طوعا بالإستجابة له أو التأثير فيه عن طريق الدعاية والإعلام ليستجيب لهم.
ففي بداية العصر الحديث أبدى العديد من الفلاسفة والعلماء إهتماما بالرأي العام مع إختلاف المصطلحات المستخدمة منهم، فكان إهتمام ميكافيلي إهتماما ضمنيا بما يسمى بصوت الشعب وكان مونتسكيو قد إستخدم مصطلح العقل العام الذي قابله عند روسو مصطلح الإرادة العامة ،ولكن مع كل ما شهده هذا العصر الحديث من تطور وتقدم في وسائل المواصلات والإتصالات التي كان لها الفضل في تجانس المجتمعات الكبرى فكرا وفهما وتمكين الشعوب من التفاعل مع بعضها البعض وتحويل هذا العالم إلى قرية صغيرة وظهور مصطلحات جديدة كالعولمة والكوكبة والكونية فقد بقي أهم شيء مما سبق كله آلا و هو نضال الشعوب من أجل حقها في تقرير مصيرها بالإضافة لإنتشار التعليم والثقافة وظهور مبادئ حقوق الإنسان التي كان للرأي العام دورا كبيرا فيها.
ففي هذا
العصر الحديث إتسعت جماعة الرأي العام كما وكيفا وتطورت وسائل الإتصال حتى تتماشى
مع زيادة عدد الأفراد ومشاركة الفرد العادي من بيته أو عمله في الرأي العام
وإلتقائه بغيره من الأفراد، فأصبح الفرد يتمتع بالمواطنة بعيدا عن الفروق العنصرية
من طبقة أو دين أو عقيدة أو غيرها مما كان سائدا في المجتمعات القديمة وهذا أدى
بدوه إلى زيادة تأثير الرأي العام فأصبح محل إهتمام الساسة و رجال الحكم في كل
أرجاء العالم .
رابط المقال في مجلة تحت المجهر: