قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

الطرق الدبلوماسية والسياسية لتسوية النزاعات الدولية

الطرق الدبلوماسية والسياسية لتسوية النزاعات الدولية
النزعات الدولية

النزاع الدولي هو الخلاف الذي ينشأ بين دولتين حول موضوع قانوني أو حادث معين أو بسبب وجود تعارض في مصالحهما السياسية أو الإقتصادية أو العسكرية،وهناك نوعين من المنازعات الدولية هما:

1-المنازعات القانونية: وهي تقع في إختصاص المحكمة الدولية ومحكمة التحكيم ومحكمة العدل للنظر فيها طبقا لقواعد القانون الدولي،أي يتم تسوية المنزعات هذه وحلها عن طريق التحكيم أو القضاء الدوليين على أساس قواعد القانون الوضعي.

2-المنازعات السياسية: وهي لا تصلح لأن تنظر في محكمة دولية،بل يتم الرجوع بشأنها إلى طرق التسوية الأخرى كالوساطة أو التوفيق،أي يتم تسوية هذه المنازعات وحلها بالطرق الدبلوماسية أو السياسية،بحيث يراعى فيها التوفيق بين مختلف المصالح المتضاربة.

وقد أكدت المواثيق الدولية على تسوية المنازعات بالطرق السلمية،حيث ألزم ميثاق الأمم المتحدة الدول الأعضاء جميعها بفض منازعاتهم بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر،وبالإمتناع في علاقاتهم الدولية عن التهديد بإستعمال القوة أو إستخدامها ضد سلامة الأرض أو الإستقلال السياسي لأي دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة،وقد بيّن الميثاق الوسائل السلمية وهي :

1-الطرق الدبلوماسية

أ-المفاوضات

وهي عملية تتم بين جهات لها آراء ومطالب مختلف عليها،يحاولون حلها من خلال المساومات والتنازلات المشتركة للوصول إلى إتفاقية مقبولة لكليهما،لذا فالمفاوضات هي الحوار المنظم الذي يتم بين طرفين أو أكثر لهما شخصية قانونية محددة كاسلوب متفق عليه لحل الخلافات بينهما أو التوصل إلى حلول أو إتفاقات للمسائل ذات الأهمية المشتركة،كما أنها هي أسلوب للتفاعل العقلي بين طرفين يستخدمان ما لديهما من مهارات الإتصال اللفظي لتبادل الحوار الإقناعي ليصلا إلى تحقيق مكاسب مشتركة،ويقول مايك بدلر أن أكثر تعاريف المفاوضات إنتشارا هي التي تقول بأن التفاوض هو التباحث مع طرف آخر بهدف التراضي أو الإتفاق.

وتقوم المفاوضات عادة على الإتصالات المباشرة بين الدولتين المتنازعتين بغية تسوية النزاع القائم بينهما عن طريق إتفاق مباشر،وتتم المفاوضات عادة بين وزراء خارجية الدول المتنازعة وممثليها الدبلوماسيين أو من يوكلون إليهم القيام بتلك المهمة،حيث تنطوي المفاوضات الدبلوماسية على قدر من المرونة والكتمان،لهذا هي موجودة في مختلف أنواع المنازعات وأغلبها بإستثناء ما هو عسير منها،ولكن فعالية المفاوضات الدبلوماسية تعتمد على توافر حد أدنى من تكافوء القوى السياسية بين الطرفين المتفاوضين وإلا وقعت الدولة الضعيفة تحت رحمة الدولة القوية في المفاوضات الجارية بينهما.

ب-المساعي الحميدة

وهي العمل الودي الذي تقوم به دولة ثالثة حيال الدولتين المتنازعتين،بقصد التخفيف من حدة الخلاف بينهما وإيجاد جو أكثر ملائمة لإستئناف المفاوضات والوصول إلى تفاهم فيما بينهما،وذلك تفاديا لنشوب نزاع مسلح أو حل النزاع الدولي حلا سلميا،أي أناّ هذه المساعي الحميدة تهدف إلى وضع حد لحرب قائمة أو محتملة.

ج-الوساطة

تختلف الوساطة عن المساعي الحميدة،وهي أن الدولة التي تقوم بالمساعي الحميدة تكتفي بالتقريب بين الدولتين المتنازعتين وحثهما على إستئناف المفاوضات لتسوية النزاع  دون أن تشترك هي في ذلك،بينما تشترك الدولة التي تقوم بالوساطة في المفاوضات التي تتم بين الطرفين المتنازعين،كما تقوم أيضا بإقتراح الحل الذي تراه مناسبا للنزاع إذا رأت أن ذلك يساعد أطرافه على الوصول إلى نهاية موفقة في إتصالاتهم،أي أن الوساطة تمثل مسعى ودي تقوم به دولة ثالثة من أجل المساعدة في حل نزاع قائم بين دولتين،كما تتسم الوساطة بأنها إختيارية حيث أن الدولة التي تتوسط في حل النزاع تقوم به متطوعة،كما تكون الدول المتنازعة حرة في قبول الوساطة أو رفضها ولا تعد بذلك مخالفة للقانون الدولي وإن كان الرفض يعد عملا غير ودي،كما تستخدم الوساطة كالمساعي الحميدة إما لمنع نشوب حرب أو لوضع حد لحرب قائمة بين دولتين،ومن أجل تجنب الضغط السياسي الذي تمارسه الدولة الوسيطة على الطرفين المتنازعين أو تحيز الدولة الوسيطة،برزت ضرورة الإلتجاء إلى شخصية مستقلة مؤهلة للقيام بدور الوسيط.

د-التحقيق

في الحالات التي يكون فيها أساس النزاع خلافا على وقائع معينة،يكون من المفيد أن تعين الدولتان المتنازعتان لجنة تحقيق دولية تعهد إليها بفحص وقائع النزاع والتحقيق فيها،وقد أشير إلى هذا في المادة 9 من إتفاقية لاهاي،وعادة يكون تكوين لجنة التحقيق بناءا على إتفاق خاص بين الدولتين المتنازعتين،حيث يتضمن هذا الإتفاق الوقائع المطلوب التحقيق فيها والسلطة المخولة للجنة في ذلك ومكان إجتماعها والإجراءات التي تتبعها وكيفية تشكيليها،وعند عدم إتفاق الدولتين على تشكيل خاص للجنة تنتخب كل دولة عضويين إثنين ومن ثم يختار الأعضاء الأربعة العضو الخامس،وتتولى لجنة التحقيق مهمتها من خلال جلسات غير علنية،وتتخذ قراراتها بالأغلبية وتحرر به تقرير تسلم نسخة منها لكل من ممثلي الطرفين في جلسة علنية،ويتناول هذا التقرير سرد الوقائع المطلوب التحقيق فيها وبيان ما ظهر للجنة بشأنها ومن غير أن يتضمن التقرير أي حكم في المسؤولية،بل يترك لطرفي النزاع كامل الحرية في إستخلاص ما يرادانه منه،وبعد إيضاح حقيقة الوقائع المختلف عليها على النحو المدرج في تقرير التحقيق،يصبح من الأيسر على الطرفين تسوية النزاع بالمفاوضات الدبلوماسية أو التحكيم.

ه- التوفيق

وتتميز طريقة التوفيق بثلاث خصائص هي:

أولا: تنظيم لجان التوفيق وذلك بالخضوع لمبدأين هما: 1-مبدأ الجماعية. 2-مبدأ الدوام،بحيث أن كل لجنة تتكون من ثلاث أعضاء أو خمسة،كما أنها لا تتكون لحل خلاف معين وإنما تنشأ مقدما بموجب معاهدات تنص عليها.
ثانيا: صلاحية لجان التوفيق،حيث إن الغرض من طريقة التوفيق هو تسوية المنازعات المتعلقة بالمصالح المتبادلة للدول،فمهمة اللجنة تنحصر في دراسة النزاع وتقديم تقرير عنه إلى الأطراف المتنازعة،حيث يتضمن الإقتراحات التي تراها مناسبة لتسوية النزاع مع عدم إلزامية هذا التقرير.
ثالثا: الإجراءات التي تتبعها لجان التوفيق،حيث أنها تجتمع بصورة سرية وجميع قراراتها تتخذ بالأغلبية،كما أنها غير مجبرة على نشر تقرير لها.

2-التسوية السياسية

بمقتضى عهد عصبة الأمم لعام 1919 أنشأت هذه الطريقة في تسوية المنازعات الدولية،وقد ظلت مستمرة حتى 1939 ثم أعيدت مع ميثاق الأمم المتحدة عام 1945،وقد تطور هذا النمط في التسوية عندما أخذت المنظمات الإقليمية تقوم بدور مهم في هذا الجانب،كما نشأت وتطورت هذه الطريقة في التسوية على الشكل الآتي:

أ-تسوية المنازعات الدولية كما وردت في عهد عصبة الأمم

لقد عالج ميثاق عصبة الأمم هذا الموضوع في المواد 12—15،وقد جاءت النصوص على ضرورة تسوية جميع النزعات بالطرق السلمية،وذلك بإختيار إحدى الطريقتين:

1-عرض المنازعات على التحكيم أو القضاء الدولي (محكمة العدل الدولية الدائمة).
2-عرض المنازعات على مجلس العصبة الذي يعمل كوسيط محاولا حمل الطرفين على التفاهم أو الوصول إلى تسوية،كما يتم إعداد تقرير يعرض على التصويت،فإذا حصل على الإجماع (عدا أصوات الدول المتنازعة) يكتسب صفة القانون ويصبح ملزما للدول المتنازعة،أما إذا حصل على الأغلبية فلا يكتسب أي صفة إلزامية وتصبح الحرب ممكنة من الناحية القانونية.

ب-تسوية المنازعات الدولية كما وردت في ميثاق الأمم المتحدة

لقد تبنت (المادة 33) من الميثاق المبدأ القاضي بوجوب اللجوء إلى إحدى الوسائل السلمية وترك الدول الأعضاء لكي تختار بحرية الوسيلة التي تعتقد بأنها مناسبة (مفاوضات،وساطة،تحقيق،توفيق،تحكيم،تسوية قضائية)،أما (المادة 34) فقد منحت لمجلس الأمن الحق في التدخل المباشر في حالة وجود نزاع أو موقف يهدد السلام العالمي،وذلك على النحو التالي:

1-الإستناد إلى قرار يصدره مجلس الأمن (المادة 34).
2-الإستناد إلى طلب يتقدم به أي عضو من أعضاء الأمم المتحدة (المادة 35).
3-الإستناد إلى طلب السكرتير العام للأمم المتحدة (المادة 99).

وعادة تختلف السلطة التي يتمتع بها مجلس الأمن في هذا الشأن بإختلاف درجة حساسية المشكلة المعروضة عليه ودرجة خطورتها،ففي حالة إذا كان الأمر يتعلق بمجرد تهديد للسلم،فإن مجلس الأمن لا يملك إلا إصدار توصيات يدعو فيها أطراف النزاع إلى حل خلافاتهم بالطريقة التي يراها مناسبة لهما أو قد يقوم مجلس الأمن بتحديد الطريقة الواجب عليهما إتباعها أو يقترح عليهما الحل المناسب وهذا يمثل جوهر ما تناولته المواد (33-38) من ميثاق الأمم المتحدة،أما في الحالات التي يكون فيها النزاع أو الصراع متصاعد للدرجة التي تمثل تهديدا مباشرا للسلم،فإن المجلس هنا لا يكتفي بالتوصية بل يصدر أوامره بفرض تدابير مؤقتة كإيقاف القتال أو سحب القوات،كما له أيضا أن يأمر بتطبيق الجزاءات الإقتصادية والعسكرية المنصوص عليهما في الفصل السابق من الميثاق،أما في حالة عجز مجلس الأمن عن القيام بالمسؤولية السابقة على الوجه المناسب،فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة هي أيضا تملك هذه الإختصاصات،وذلك بالإستناد إلى القرار 377  والمعروف بإسم قرار (الإتحاد من أجل السلام).

ج-تسوية المنازعات عن طريق المنظمات الإقليمية

لقد أشار ميثاق الأمم المتحدة إلى هذه الطريقة في (المادة 33) التي تنص (يجب على أطراف أي نزاع من شأن إستمراره أن يعرض حفظ الأمن والسلم الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ الأمر عن طريق المفاوضات والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية وأن يلجأوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها إختيارها)،ولكن شدد الميثاق على وجوب لجوء الدول إلى التنظيمات الإقليمية قبل عرض أي نزاع نهائيا على مجلس الأمن،ومن هنا جاء نص (المادة 52) الفقرة 2 والتي تنص (يبذل أعضاء الأمم المتحدة الداخلون في مثل هذه التنظيمات أو الذين تتألف منهم تلك الوكالات كل جهدهم لتدبير حل سلمي للمنازعات المحلية عن طريق التنظيمات الإقليمية أو بواسطة الوكالات الإقليمية وذلك قبل عرضها على مجلس الأمن)،كما أن (المادة 52) وفي الفقرة 3  تنص على (مجلس الأمن يجب أن يشجع على الإستكثار من الحل السلمي لهذه المنازعات المحلية بطريق هذه المنظمات سواء كان ذلك بناء على طلب الدول المعنية أو عن طريق الإحالة إليها من مجلس الأمن).

وأخيرا فإن مواثيق كل المنظمات الإقليمية تقريبا تحتوي على نصوص لتسوية المنازعات التي تقوم بين دول الأعضاء فيها بالطرق السلمية،ومثال ذلك ما جاء في (المادة 5) من ميثاق جامعة الدول العربية والتي تنص (لا يجوز الإلتجاء إلى القوة لفض المنازعات بين دولتين أو أكثر من دول الجامعة،فإذا نشب بينهما خلاف لا يتعلق بإستقلال الدولة أو سيادتها أو سلامة أراضيها ولجأ المتنازعون إلى المجلس لفض هذا الخلاف،كان قراره عندئذ نافذا وملزما،ويتوسط المجلس في الخلاف الذي يخشى منه وقوع حرب بين دولتين من دول الجامعة وبين أي دولة أخرى من دول الجامعة أو غيرها للتوفيق بينهما).

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart