الديانة الإيزيدية
إن تسمية الإيزيدية بهذا الإسم لا علاقة له بالخليفة الأموي يزيد بن معاوية،ثاني حكام الدولة الأموية،حيث يرفض الإيزيديون بشدة الربط بين إسم ديانتهم ويزيد بن معاوية،والذي أمر بمحاربة حفيد الرسول “الحسين بن علي”،حيث إستشهد الأخير مع (72) من أصحابه في واقعة كربلاء جنوب العراق،كما أن التسمية لا علاقة لها أيضا حتى بمدينة يزد في بلاد فارس،ولكن يأتي مصطلح الإيزيدي،من كلمة (يزد) أو (يزدان)،وذلك لإعتقاد هذه الفئة بـوجود (إله) بهذا الإسم،ويطلق الإيزيدون على أنفسهم هذه التسمية نسبة إلى كلمة “إزداي” والتي تعني “الشعب الذي يؤمن بالله من دون نبي” وذلك في لغتهم،ويطلق على أصحاب هذه الديانة كلمة “يزيدي” في اللغات التركية والإنكليزية والعربية،بالإضافة إلى ”إيزيدي” في اللغة الكردية،والتي يتحدث الإيزيدون بإحدى لهجاتها.
أما الإسم الذي يطلقونه على أنفسهم فهو "الدواسين" وهو إشتقاق من إسم "ديوسيس" أي الأبرشية والمأخوذ من المعتقد النسطوري الكنسي القديم في الشرق،حيث يستنبط الإيزيديون الكثير من معتقداتهم من الديانة المسيحية،كما أنهم يوقرون القرآن والإنجيل معا،بيد أن جزءا كبيرا من تراثهم يعتبر شفهيا.
ونتيجة للسرية التي تكتنف معتقداتهم،فإن هناك الكثير من المفاهيم الخاطئة والتي تعتقد بأن معتقد الإيزيدية له إرتباط بالديانة الزرادشتية المجوسية بل وحتى عبادة الشمس،إلا أن الدراسات الحديثة أظهرت أنه وبالرغم من أن أضرحتهم غالبا ما تزين برمز الشمس وأن مقابرهم تشير إلى جهة الشرق في إتجاه الشمس،فإن هذا التقديس والإجلال ينبع من أهمية هذا الكوكب وعلاقته المباشرة بالحياة والضياء،إلا أنهم يستقون بعض شعائرهم الدينية من المسيحية والإسلام أيضا،ومن ذلك أن يقوم البير،وهو مسمى يطلق على إحدى طبقات رجال الدين عند الإيزيديين،بتعميد الأطفال بمياه مباركة،كما أنه وفي مراسم الزواج يقسم رغيف خبز إلى نصفين ويعطي أحدهما للعروس والآخر للعريس،حيث ترتدي العروس فستانا أحمر وتزور الكنائس المسيحية،بالإضافة إلى الختان والذي يعتبر من العادات الأساسية والمهمة عند اليزيديين.
كما ويعرف إله الإيزيديين الأعظم بإسم "ئيزدان" وهو يحظى بمكانة عالية لديهم بحيث لا يمكن عبادته بشكل مباشر،حيث يعتبرونه صاحب قوة كامنة،ومع أنه هو خالق الكون إلا أنه ليس حارسه،كما أن هناك سبعة أرواح أخرى تنبثق عن هذا الإله،أعظمها هو الملَك طاووس وهو المنفذ والفاعل للمشيئة المقدسة،وقد كان الطاووس في المسيحية القديمة يرمز إلى الخلود،لأن لحمه لا يفسد،ويعتبر الملك الطاووس عند الإيزيديين تجسيدا لذات الإله ولا ينفصل عنه،ويصلي الإيزيديون إلى الملك طاووس خمس مرات يوميا،كما أن عندهم له تسمية أخرى هي "الشيطان"،لذا فإن ذلك ما جعلهم معروفين خطأً لدى الناس بأنهم عبدة الشيطان.
أما تسميتهم بعبدة الشيطان فأساسها أن اليزيديين يرفضون الجمع بين حرفي الشين والطاء،ولعدم التمييز بين ما تعنيه التسميتين كما هي واضحة عند اليزيدية،حكم عليهم وأتهموا بعبادة الشيطان،والحقيقة أنهم يتشأمون من أي لعن،وحتى لعن الشيطان وإبليس،ولأن إبليس لم يسجد لآدم فإنه بذلك ـ في نظرهم ـ يعتبر الموحد الأول الذي لم ينس وصية الرب بعدم السجود لغيره،في حين نسيها الملائكة وسجدوا،حيث إنهم يعتقدوا أن أمر السجود لآدم كان مجرد إختبار،وقد نجح إبليس في هذا الإختبار فهو بذلك أول الموحدين،وقد كافأه الله على ذلك بأن جعله طاووس الملائكة ورئيساً عليهم،فهم بذلك لا یعبدون الشیطان بل یعتقدون بأنه ملك رفض عبودیه غیر الله،وهذا الإعتقاد معتبر عند کثیر من العارفین کإبن العربی،كما وأن الله عز وجل جعل هذا الموجود (إبلیس) فتنه للإنسان ووسیله للإمتحان.
كما ويعتقد الإيزيديين أن الأرواح تنتقل داخل أشكال جسدية متعاقبة وأن التطهير التدريجي ممكن من خلال التوالد الجديد وتعاقب الأجيال،ويعتبر أسوأ ما يصيب معتنق الإيزيدية أن يُطرد من مجتمعه،حيث إن ذلك يعني أن روحه لا يمكن لها أن تتجدد،لذا فإن إعتناق أي ديانة جديدة يعد أمرا غير وارد.
كما ويؤمن الإيزيديون أن “الشيخ عدي بن مسافر” تلقى وحيا من السماء،وأنهم شعب إختارهم الله،ويعتبر مرقده الكائن في منطقة “شيخان” بمحافظة نينوى مكانا مقدسا،حيث يوجد معبد “لالش” المقدس،الذي يحج إليه الإيزيديون في العراق ومن جميع أنحاء العالم،وللإيزيدية “كتابان مقدسان هما كتاب رش “الكتاب الأسود” و”كتاب جيلوة”،الذي يؤكد على التوحيد،ولكنه لا يشير إلى النبوة بشيء.
في حين يرى بعض الكتاب أن اليزيدية هم ملة أبراهيم الخليل،وكتابهم المقدس (مصحف رش) نزل على إبراهيم،والدليل عندهم على أن اليزيدية هم ملة ابراهيم الخليل،هو أن عيد القربان عندهم يأتي مع عيد الأضحى عند المسلمين وهو من الأعياد البارزة عند اليزيديين،حيث أنه ذكرى لمحاولة إبراهيم الخليل ذبح ولده إسماعيل،ففداه ربه بذبح عظيم.
وهكذا فإن الديانة الإيزيدية وكما هو الحال مع ديانات الأقليات الأخرى في المنطقة،كالدروز والعلويين،لا يعتنقها إلا من ولد بها ولا يمكن إعتناقها دون ذلك،فهي بذلك ليست تبشيرية،كما ويعتبر ترك الديانة “خطيئة كبيرة” لهذا يتزاوج الإيزيدون فيما بينهم،ويعتبر الزواج من أصحاب الديانات الأخرى عندهم خطيئة،كما ولم تسجل عليهم أفعال مخلة بالأمن والأخلاق والتعدي على من جاورهم من أقليات أخرى مثل الشبك والتركمان والآشوريين والأكراد وغيرهم
ويقدر عدد الإيزيديين بعشرات آلاف في العراق،والذي يعتبر مركز الديانية الإيزيدية،ويقطن أغلبهم في قضاء “سنجار” غرب الموصل و”شيخان” و”الحمدانية” وقليل منهم قريب من جبل كوكب في منطقة الحسكة السورية،كما توجد مجموعات منهم في بعض ولايات تركيا وذلك في المناطق النائية جنوب شرقي تركيا (الاناضول) على الحدود مع العراق وسوريا،كما وتعيش جالية إيزيدية في ألمانيا وفرنسا وبلجيكا،وعلى الرغم مما واجهوه من تضييق وإضطهاد لقرون،فإن الإيزيديين لم يتركوا دينهم أبدا،وهي دليل على إحساسهم المتميز بهويتهم وقوة شخصيتهم،حيث يبلغ تعدادهم في العالم ما بين مليون ونصف ومليونين ونصف نسمة.
الأعياد الإيزيدية
توجد أعياد كثيرة لدى اليزيدية،حيث يؤدون فيها بعض طقوس الإغتسال في النهر،وتقديم القرابين من الحيوانات وعمليات الختان كعيد الطوفان وأعياد الجمع وعيد حضور السنجق وأعياد أخرى من أهمها :
- عيد رأس السنة : تبدأ سنة اليزيدية في أول شهر نيسان (إبريل) ويقع في يوم الأربعاء،حيث يزعم اليزيديون أن (طاووس ملك) هبط في مثل هذا اليوم إلى الأرض ليخلص موسى وصحبه من كيد الفراعنة،ويعتبر اليزيديون شهر نيسان/إبريل كله عيدا مقدسا،فلا يتزوجون في النصف الأول منه ولا يحفرون أرضا ولا يقيمون بناء ولا يكتبون عقد بيع أو شراء.
- عيد القربان : وهو العيد القريب من عيد الأضحى عند المسلمين ويقع في أول يوم من حلول عيد الأضحى عند المسلمين،ويسمونه أيضا بعيد الحج،حيث يقولون أن الله تعالى أمر أبراهيم الخليل في هذا اليوم أن يذبح ولده إسماعيل،ثم هيأ له كبش فداه به،ويحج اليزيديون في هذا العيد مرقد الشيخ عدي ويتضرعون له بالدعاء.
- عيد أربعانية الصيف : ومدته خمسة أيام تبدأ من اليوم الحادي عشر من شهر تموز وتنتهي في اليوم السادس عشر منه،حيث يذهب رجال الدين اليزيديين إلى مرقد الشيخ عدي ليصوموا أيام ثم يعودون إلى ديارهم ليتموا صيام أربعين يوما،لأنهم يعتقدون أن الشيخ عدي كان يصوم أربعين يوما في الصيف.
- عيد الجماعة : ويعتبر من أهم أعياد الجماعة اليزيدية ومن أعظمها شأنا وأكثرها خطورة،حيث يعتقد اليزيدية أن في هذا الشهر تغفر الخطايا والذنوب،وهو عبارة عن سلسلة أحتفالات تستمر لمدة سبعة أيام واجبة على كل يزيدي ويزيدية،تبدأ من اليوم الثالث والعشرين من شهر أيلول/ سبتمبر،ويقوم اليزيدية فيها بالأغتسال ببئر زمزم كما يسميه اليزيدية ويقولون أن الشيخ عدي قد جاء يوما إلى هذا المكان فلم يجد ماء فطلب المتشيعون له أن يجترح لهم أية،فأخذ الشيخ عكازته وضرب الصخرة وقال للماء بالعربية (زم، زم) فزم.
- عيد يزيد : ويقوم اليزيديون فيه بصيام ثلاثة أيام (الثلاثاء والأربعاء والخميس) والتي تسبق أول يوم جمعة من شهر كانون الأول/ديسمبر (أقصر أيام السنة وأبرزها) ويجعلون اليوم الرابع عيدا عاما يسمونه (عيد صوم يزيد) فيقيمون الولائم والأفراح.
- عيد بلندة : ويقع هذا العيد في اليوم الخامس والعشرين من شهر كانون الأول/ديسمبر،أي بعد عيد يزيد بخمسة وعشرين يوما ويسمونه بعيد الميلاد.
- عيد العجوة : ويقع هذا العيد في اليوم السابع من شهر كانون الثاني/يناير،أي بعد مرور 12 يوما على عيد الميلاد.
- عيد أربعانية الشتاء : ويقع هذا العيد في العشرين من شهر كانون الثاني/يناير من كل سنة،أي بعد حلول عيد العجوة بخمسة عشر يوما،ويجري فيه ما يجري في عيد (أربعانية الصيف) من صوم وأفطار وزيارة،ويقول اليزيدية أن في هذا العيد قرب الشيخ عدي إليه أربعين من رجاله الصادقين فعلمهم أحوال الدين اليزيدي.
- عيد خضر إلياس : ويقع هذا العيد في أول يوم خميس من شهر شباط/فبراير،وقد يصوم البعض من اليزيدية الأيام الثلاثة التي تتقدمه (أي أيام الأثنين والثلاثاء والأربعاء).
- عيد المحيي : وهو من الأعياد القريبة من المسلمين والمعروف عند المسلمين ليلة النصف من شعبان حيث يحيونها حتى الصباح.
الزواج عند الإيزيدية
إن الزواج عند الإيزيدية هو الأتفاق الذي يشترط حصوله بين الراغبين في الزواج وهو لا يخرج عن كونه تفاهما وأتفاقا شخصيا،وبعدها يبدأ بمكاشفة الوالدين بما أتفقا عليه دون أن يحق للوالدين أن يقفا ضد رغبة أي منهما،بحيث أن الراغبين في الزواج أذا وجدا مقاومة منهما أو من أحدهما،يصح للفتى أن يخطف الفتاة فيهرب بها ألى أحدى القرى فيتزوجها زواجا شرعيا بحسب السنن والأداب اليزيدية،دون مهر ولا صداقة،ثم يتدخل أحد العقلاء لإصلاح ذات البين وإرجاع العروسين إلى محلهما،أما أذا رضي الأبوان فتجري حينئذ المفاوضات لتعيين المهر،كا ولليزيدي أن ينكح ما طاب له من النساء مثنى وثلاث ورباع،ولكن يحرم عليه أن يجمع بين أثنين دون رضى الأولى،كما يحرم عليه الزواج من زوجة أخيه أو زوجة عمه بعد موتهما،كذلك يحرم
عليه الزواج من أخت زوجته.
المحرمات عند الإيزيدية
يحرم على الإيزيدية أكل الخس والملفوف والقرنبيط وبعض الخضروات،ولا سيما الخس،فأنه عندهم من أخس ما خلقه الله على وجه الأرض ومجرد رؤيته حرام،كما ويحرم عليهم من اللحوم لحم الخنزير والسمك بكل أنواعه وكذلك لحم الغزال،كما يحرم على اليزيدي حلق شاربه أو أستئصاله بالمقص غير أنه يستحب تخفيفه،أما أللحية فيجوز فيها كل ذلك،كما ويحرم على اليزيدي النظر ألى وجه المرأة الغير يزيدية.
ويعتقد الإيزيديين أن الحمام والمرحاض من ملاجيء الشيطان كما هو في نظر المسلمين،فلا يدخل اليزيدية مرحاضا ولا يغتسلون في حمام،وإن تسامحوا في ذلك مؤخرا،كما ويرى اليزيدية أن الملائكة تتصل فيما بينها في شهر نيسان (إبريل) لهذا فأنهم يحرمون الزواج وتعمير البيوت في الشهر المذكور،كما ولا يجوز لليزيدي البصق على الأرض أو في وجه أنسان أو حيوان لما له من رمز للأهانة للملك طاووس.
المرأة الإيزيدية
إن المرأة اليزيدية تتزهد في كل شيء حتى في زيها،إذ ليس من حقها إمتلاك أكثر من زيين،أحدهما ترتديه في الأفراح والمناسبات الدينية ويكون ذا ألوان مختلفة،وملابس بيضاء مع عمامة بنفس اللون في الأيام العادية،أما في الحياة اليومية فإن المرأة اليزيدية تكدح وتشقى كثيرا،فإلى جانب شؤونها المنزلية فهي تعمل في الزراعة والحصاد وجني المحصول وتربية المواشي وصنع الخمور والمخللات،ورغم تقليدية المجتمع اليزيدي،إلا أنه يسمح للمرأة بالمشاركة في الرقص الجماعي مع الرجال في المناسبات السعيدة.
لكن رغم ذلك يظل للمرأة في هذا المجتمع مثل أي مجتمع آخر دوره البارز والهام،فعلى الرغم من قسوة الأوضاع فإن ثمة نساء قمن بدور الـ (الفقرا)،وهو دور يشبه دور الراهبات في الديانة المسيحية،حيث تقوم المرأة بالخدمة في ضريح الشيخ (عدي بن مسافر البعلبكي) وينذرن حياتهن لأداء هذه الخدمة دون أن يتزوجن،ويحرم على المرأة التي تنذر نفسها لخدمة معبد الشيخ عدي بن مسافر والبابا جاويش،الزواج أو التزين،حيث يوكل إليها إدارة شؤون المطبخ وتنظيف المعبد وتحضير الماء وجني الزيتون وخزن زيته وطبخ الحنطة وعمل فتائل للمصابيح الزيتية لإضاءة المعبد وإشعال وإطفاء المصابيح،ورغم ذلك فمن الملفت للنظر هو عدم جواز وجود النساء في المناصب الروحانية التي تعتبر حكرا على الرجال،كما وتمنع المرأة الإيزيدية حتى من الإشتراك بالترنم وترديد الأناشيد الدينية مع القوالين في المناسبات المختلفة.