قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

نشأة وتطور الظاهرة الحزبية في أمريكا اللاتينية

نشأة وتطور الظاهرة الحزبية في أمريكا اللاتينية
لقد بدأ ظهور الأحزاب في أمريكا اللاتينية منذ 150 سنة وذلك مع تحقيق الإستقلال عن إسبانيا،كما أن النمط الذي تطورت به هذه الأحزاب منذ البداية إنطبق أيضا على الدول التي تأخرت في إستقلالها هناك مثل البرازيل وبنما وكوبا،وفي حين أنه لا يوجد أي مجال للحديث عن نشأة برلمانية للظاهرة الحزبية في أمريكا اللاتنية،فإن التحليل الإجتماعي والإقتصادي من ناحية وتحليل علاقات الإستعمار والتبعية من ناحية أخرى ساعدا مباشرة على تفهم أصولها والمؤثرات التي تحكمت في تطورها،وذلك منذ أن نمت عقب الإنفصال عن الدولة المستعمرة جماعات سياسية تعكس مصالح كبار ملاك الأراضي والعسكريين والكنيسة،واضعة بذلك  البذور الأولى للأحزاب السياسية،ولقد إنطبقت هذه الحقيقة على نشأة الأحزاب وعلى طول مسارها التاريخي،حيث كان الدور المعترف به للهيئة التشريعية أي (البرلمان) في العملية السياسية ومعه دور الأحزاب السياسية في التنظيم والتأمل في دول أمريكا اللاتنية،أقل بكثير في قوته وفاعليته مما كان عليه الوضع في أوروبا وأمريكا الشمالية،وذلك بالرغم من القواعد الدستورية المنصوص عليها عن فصل السلطات ومراعاة الشكليات الدستورية في صنع السياسة،إلا أن السلطة السياسية الحقيقية ظلت في يد الهيئات التنفذية التي سيطرت على الأحزاب السياسية التي لم تكن في الواقع سوى تجمعات شخصية.

وقد كان نمط النظام السياسي لعديد من دول أمريكا اللاتنية  يعطي قسطا كبيرا من مسؤولية تشكيل السياسات العامة في أيدي ما يمكن أن يسمى ب (الحكومات الخاصة) مثل الغرف التجارية والصناعية وإتحادات المصارف وجمعيات التجار والمزارعين بل وحتى نقابات العمال،حيث أن القرارات المتعلقة بالمصالح التي تمثلها أي من تلك الهيئات قد لا تصل أبدا إلى الهيئات الحكومية المتخصصة،وإذا حدث ذلك فهي تقدم بإعتبارها حقائق حاصلة للتصديق عليها أكثر منها مجرد إقتراحات للتنسيق وذلك بسبب إعتبارات السياسة العامة ككل،وفي هذا الإطار أضحى دور الأحزاب السياسية ضعيفا ومهملا.

كما وأصبحت إجراءات مثل الإنتخابات والمناورات الحزبية ذات أهمية محدودة في العملية السياسية،أما من زاوية أزمات التنمية السياسية فإن الأمر لم يقتصر على مجرد إرتباط نشأة الظاهرة الحزبية بوجود تلك الأزمات وإنما أيضا بحدوثها في وقت واحد أو متقارب وهو ما يميز كافة مجتمعات العالم الثالث بدرجات متفاوتة،ومن هنا نشأت الظاهرة الحزبية وتطورت وتنوعت أنماطها  في أمريكا اللاتنية إستجابة لحاجات مجتمعية مختلفة عبر التطور التاريخي وغالبا عند نقاط تحول حاسمة في تاريخ بلادها.

والجدير بالذكر أن الأحزاب السياسية في دول أمريكا اللاتنية لم تزيد عن كونها مجرد زمر أو تجمعات نابعة من النخبة الحاكمة تنافست على المناصب العامة ولم تختلف فيما بينها كثيرا حول هوية القوى التي يجب أن تحكم،حيث أن كلها كانت تؤمن بحكم النخبة إلا أنها إختلفت حول السياسات التي كان ينبغي على الحكومة  أن تتبعها،فمن ناحية كان هناك أحزاب المحافظين الذين يمثلون ملاك الأراضي ورجال الدين وكانوا يرو في دور الحكومة مجرد الحفاظ على الهياكل الإجتماعية والإقتصادية السائدة،أما معارضييهم فقد أطلق عليهم الأحزاب الليبرالية والتي كانت أكثر طموحا حيث كانوا يدعون إلى قيام الحكومة بتنمية الزراعة التجارية والتصدير السلعي وذلك من خلال إعادة توزيع أراضي الكنيسة وأراضي الهنود (السكان الأصليين) على المستثمرين في الريف، إلا أن نسبة المشاركة في هذه الإنتخابات التي كان يتنافس فيها هذين الحزبين (بين المحافظين والليبيراليين) لم تتعد عشرة في المائة من السكان.

ولكن ظهرت بعد ذلك أحزاب سياسية جديدة مكونة من الجيل الجديد من المهاجرين ورجال الأعمال في المدن والمهنيين وصغار المزارعين التجاريين والذين عملوا على محاربة المعارضة التي كانوا يتلقونها من الأحزاب التقليدية،وإستعملوها للدعوة إلى إدخال إصلاحات إنتخابية يمكن أن توفر لهم الفرصة للتنافس مع الأحزاب القائمة،ولقد نجحت هذه القطاعات الوسطى في عدد من البلدان ليس في تحقيق الإصلاحات المنشودة وإنما أيضا في الوصول إلى المناصب العامة،ومثال عليهم ما سمو بالراديكاليين في كل من تشيلي والأرجنتين،إلا أن هذه الأحزاب تلقت ضربة قاسية على أثر الكساد العام الذي ميز الأزمة الإقتصادية العالمية في عام 1929 حيث أنها عجزت عن حل المشكلات التي أثارتها الأزمة،كما أنها تعرضت لهجوم قاسي من المحافظين بالإضافة إلى أنه تم إقصائهم في حالات عديدة على أيدي العسكريين.

أما بعد الحرب العالمية الثانية فلقد ظهرت حركات سياسية جديدة فجرتها ظروف الكساد،وكان أهمها (الحركات الشعبية) والتي ظهرت في الأرجنتين والبرازيل،ولقد قامت هذه الحركات على عاتق عناصر مدنية وعسكرية إتسمت بالطموح والمهارة وتجاوزت دعوى الراديكاليين وذلك عن طريق تعبئة وتحريك الطبقة العاملة الحضرية ودفعها إلى ساحة العمل السياسي وهي الطبقات التي عانت من الحرمان الشديد أثناء فترة الكساد،وقد كان أبرز أولئك القادة الشعبيين خوان بيرو في الأرجنتين وجيتوليوفارجاس في البرازيل،ولقد إستفادت هذه الحركات الشعبية من التصنيع السريع الذي تم في بلدانها ومن الآمال المتصاعدة للبروليتاريا الحضرية المتنامية والتي لم تلقى سوى التجاهل والإهمال من جانب القوى الراديكالية والليبرالية والمحافظة،إلا أن التنظيمات الحزبية لهذه الحركات الشعبية لم تكن محكمة على الإطلاق،حيث أنها إعتمدت على الجاذبية الشخصية لقادتها وعلى قدرات عدة تنظيمات فرعية وليس على تنظيمات جماهيرية قوية،كما أن هذه الأحزاب الشعبية وبمجرد وصولها للحكم بدأت بإستعمال القوة والعنف وهذا ما لم يجعلها أبدا محل قبول من جانب أغلبية المثقفين والمهنيين،ونتيجة لذلك ظهر سياسيون رافضين لهذا الوضع القائم،حيث سعو لخلق نواة أحزاب إصلاح ديمقراطية ذات أساس جماهيري وذلك عن طريق ربط المثل الديمقراطية للراديكاليين مع الجاذبية الجماهيرية للشعبيين مع التنظيم الحزبي المحكم الذي طوره كل من الإشتراكيون والديمقراطيون والإجتماعيون في أوروبا، حيث إنقسمت أحزاب الإصلاح هذه إلى نوعين هما: 1-(العلماني) مثل حزب أبريستا والذي نظمه راؤول هايادي لاتور في بيرو والحزب العمل الديمقراطي في فنزويلا والذي كان أكثر نجاحا وغيرها من الأحزاب. 2- (الديني أو اللاهوتية) وهي المتوحدة مع الديمقراطية المسيحية،ولكن هذه الأحزاب لم توفق فيما كان متوقع منها إلا في بلدين هما في تشيلي وفنزويلا والتي حكموا فيها مرة واحدة،وقد عملت هذه الأحزاب على ضم القطاعات الوسطى في المجتمع إلى جانب الطبقات العمالية،حيث كان العنصران الأساسيان في حملتهم هما: أ-تنظيم قومي محكم يتغلغل إلى أدنى المستويات. ب-تعبئة الناخبين الريفيين من خلال إستخدام المنظمات الفلاحية المرتبطة بحزبهم السياسي،كما أنهم قدموا لمواطنيهم إلتزاما بإصلاح المؤسسات الإقتصادية التقليدية وبتخطيط التنمية،ومع ذلك كله إلا أن هذه الأحزاب لم تصادف النجاح سوى في حالات قليلة.

وجاءت بعد ذلك الأحزاب الثورية والتي كانت نوعين (أحزاب ماركسية) و (أحزاب غير ماركسية)،أما الأحزاب الماركسية فتمثلت بعدد من الأحزاب الإشتراكية والشيوعية الصرفة التي كانت تحاول تكوين أتباع لها بين الطبقة العاملة،وقد كانت قضيتهم الأولى هي الثورة البروليتارية والعدالة الإجتماعية فيما كانت أسلحتهم هي الإضرابات والمظاهرات وتعليم الجماهير،إلا أن أغلب هذه الأحزاب ظل هامشيا بالنسبة لسياسات بلادها وذلك لإنها إما كانت مطاردة من الحكومات أو في المنفى،كما أنها واجهت منافسة من الحركات الشعبية تارة ومن الأحزاب الإصلاحية الديمقراطية تارة أخرى وفي كلتا الحالتين أبدت دائما ضعفا،أما أبرز الإستثناءات فتمثلت في تشيلي حيث وصل سلفادور ألليندي للرئاسة في عام 1970 إلى جانب قيام النظام الشيوعي في كوبا على يد فيدال كاسترو،في حين أن الأحزاب غير الماركسية فكان يقصد به الحزب المؤسسي الثوري في المكسيك إلا أن بعض الباحثين لا يوافقون على صفة الثوري على الحزب المكسيكي،حيث يعتبرون أنه كان ثوريا بالإسم فقط لأنه عمل على الإحتفاظ بالسيطرة السياسية على الناخبين في المكسيك وفي خلق إقتصاد رأسمالي مختلط وليس عمل ثورة إقتصادية وإجتماعية،بينما يشير المدافعون عنه أنه أنجز الكثير في الحد من نفوذ طبقة (اللاتيفونديو) والكنيسة والمستثمرين الأجانب أكثر من أي حكومة أخرى في أمريكا اللاتنية،كما أنه قام بتنفيذ إصلاحات زراعية هامة قبل وقت طويل من إهتمام أي حكومة أخرى بالمسألة.

وأخيرا يجدر بالذكر أن الظاهرة الحزبية في أمريكا اللاتنية شملت أيضا أنماط حزبية أخرى مثل الأحزاب الإنتقالية أو الشخصية والتي ترتط بأشخاص بعينهم ثم تتلاشى مع هزيمة مرشحيها،ومع أن (الشخصانية) تمثل سمة سائدة في كل الأحزاب اللاتنية الأمريكية تقريبا بدأ من أكثرها محافظة إلى أكثرها ثورية،إلا أن بعض الأحزاب إحتفظت بوجودها بعد ذهاب مؤسيسيها في حين أن ما يسمى بالأحزاب الشخصية إختفت بإختفاء زعمائها،كما ظهرت أحزاب إقليمية في أمريكا اللاتنية لم يكن هدفها الوصول للسلطة بقدر ما كان تمثيل وجهة نظر إقليمية في الهيئات التشريعية وإجبار حكوماتها المحافظة والليبيرالية على قبول مطالبها بالحكم الذاتي،كما ظهرت أيضا أحزاب فاشية من نوع آخر وذلك مع نشأت الحركة الفاشية في إيطاليا وإسبانيا وألمانيا،إلا أنها ظلت على هامش السياسات القومية في بلادها غالبا.

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart