قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

الغزالي بين المدح والنقد

الغزالي بين المدح والنقد
أبو حامد الغزالي رحمه الله ملأ الدنيا وشغل الناس، وقد كثرت أقوال العلماء فيه بين مادح ومنتقد، والمنتقدون بعضهم منصفون، وبعضهم متحاملون، ولكن مع كل ذلك يبقى الغزالي باتفاق، حجة الإسلام ومجدد المئة الخامسة، حيث يقول فيه شيخه إمام الحرمين: (الغزالي بحر مغدق)، ويقول تلميذه محمد بن يحيى: (الغزالي هو الشافعي الثاني)، كما وترجم له الحافظ الذهبي (748 هـ) فقال: (الشيخ الإمام البحر، حجة الإسلام، أعجوبة الزمان، زين الدين أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الشافعي، الغزالي، صاحب التصانيف والذكاء المفرط)، وترجم له تاج الدين السبكي (771 هـ) فقال: (حجة الإسلام ومحجة الدين التي يتوصل بها إلى دار السلام، جامع أشتات العلوم، والمبرز في المنقول منها والمفهوم، جرت الأئمة قبله بشأو ولم تقع منه بالغاية، ولا وقف عند مطلب وراء مطلب لأصحاب النهاية والبداية)، وقال عنه ابن كثير (774هـ): (كان من أذكياء العالم في كل ما يتكلم فيه)، وقال أبو بكر بن العربي: (رأيت الغزالي ببغداد يحضر درسه أربعمائة عمامة من أكابر الناس وأفاضلهم يأخذون عنه العلم)، وقال عنه ابن النجار (972 هـ): (أبو حامد إمام الفقهاء على الإطلاق، ورباني الأمة بالإتفاق، ومجتهد زمانه، وعين أوانه، برع في المذهب والأصول والخلاف والجدل والمنطق، وقرأ الحكمة والفلسفة، وفهم كلامهم وتصدى للرد عليهم، وكان شديد الذكاء، قوي الإدراك، ذا فطنة ثاقبة وغوص على المعاني)، وتحدث عنه ابن العماد الحنبلي (1089 هـ) في الشذرات فقال: (الإمام زين الدين حجة الإسلام، أبو حامد أحد الأعلام، صنف التصانيف مع التصون والذكاء المفرط والإستبحار في العلم، وبالجملة ما رأى الرجل مثل نفسه)، وقال الإمام محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر: (إذا ذكرت أسماء العلماء اتجه بك الفكر إلى ما امتازوا به من فروع العلم، وشعب المعرفة، فإذا ذكر ابن سينا أو الفارابي خطر بالبال فيلسوفان عظيمان من فلاسفة الإسلام، و إذا ذكر البخاري ومسلم وأحمد، خطر بالبال رجال لهم أقدارهم في الحفظ والصدق والأمانة والدقة ومعرفة الرجال.....، أما إذا ذكر الغزالي فقد تشعبت النواحي ولم يخطر بالبال رجل واحد، بل خطر بالبال الغزالي الأصولي الحاذق الماهر، والغزالي الفقيه الحر، والغزالي المتكلم، إمام السنة وحامي حماها، والغزالي الإجتماعي الخبير بأحوال العالم وخفايا الضمائر ومكنونات القلوب، والغزالي الفيلسوف أو الذي ناهض الفلسفة وكشف عما فيها، إنه يخطر بالبال رجل هو دائرة معارف عصره، رجل متعطش إلى معرفة كل شيء نهم إلى فروع المعرفة). 

أما الناقدون للغزالي فليسوا فئة واحدة، بل هم مدارس شتى، فمنهم من ينقده لأشعريته ومذهبه في تأويل الصفات، ومنهم من ينتقد تصوفه، ومنهم من ينتقده لتأثره بالفلسفة ولاشتغاله بها فترة من الزمن، ومنهم من ينتقده لضعفه في الحديث، ومنهم من ينتقده لسلبيته أمام الأحداث الكبرى التي هددت الأمة في عصره، وعلى رأسها الإحتلال الصليبي لبيت المقدس، حيث لم نعثر على أي تعليق في كتبه على ما جرى من أحداث، ومن هذه الإنتقادات انتقاد الطرطوشي رحمه الله له لتركه طريق العلماء وانخراطه في غمار المتصوفة وهجره للعلوم وأهلها، وقد بالغ الطرطوشي في نقده حتى زعم أن الغزالي كاد يخرج من الدين، وهذا الإنتقاد غير دقيق وفيه من التجني ما فيه، فالغزالي رحمه الله ترك التدريس في النظامية لما كان يعانيه فيها من أمراض العجب وحب الرياسة، وقصده من أعمال التأليف والتدريس بلوغ المجد الدنيوي ومنافسة الأقران، فكان انقطاعه في تلك الفترة ليداوي ما علق بنفسه من هذه الآفات حتى إذا رأى نفسه قد برئ منها عاد للتدريس في نظامية نيسابور، ثم عاد إلى بلده فبنى مدرسة، ولم ينقطع عن التدريس والتصنيف حتى توفي. 

ومن الإنتقادات إنتقاد الحافظ تقي الدين ابن الصلاح رحمه الله للغزالي لتصديره كتابه (المستصفى) بطائفة من مسائل المنطق اليوناني، وزعمه أن العالم لا ثقة بعلمه إن لم يخضع علمه لمعايير هذا المنطق وأحكامه، والحق أن إدخال المنطق وتطعيمه وتطويعه في أصول الفقه، جاء متأخرا عند الإمام الغزالي، وذلك بعد بحث مستفيض، وبعد تجريد للقالب المنطقي عن معانيه اليونانية، وتطبيعه بالمعاني الإسلامية، والذي نتج عنه تقوية الدليل العقلي والرأي والإجتهاد، وضبط الإستدلال، والقضاء على روح الإنحراف والشطط في الإستنباط.

ومن الإنتقادات أيضا إنتقاد الإمام أبي بكر بن العربي رحمه الله له، فقد زعم أن الغزالي (بلع الفلاسفة ولم يستطع تقيؤهم)، وهذا الإنتقاد غير صحيحٍ، فالغزالي رحمه الله أتقن علم الفلسفة حتى وازى أهلها، ثم كرّ راجعا على هذا العلم بالنقد والنقض، وكتابه (تهافت الفلاسفة) أكبر شاهد على ذلك، حيث رد فيه على الفلاسفة القائلين بالقدم النوعي للعالم، وإنكارهم البعث بعد الموت، وإثباتهم التأثير الذاتي للأسباب، وغيرها من أقاويلهم التي تحتوي على الزيغ والضلال. 

كما ومن أهم ما أخذ على الغزالي تقصيره في علم الحديث، وقد وصفه ابن الجوزي رحمه الله بأنه في الحديث (حاطب ليل)، أي يأخذ كل ما يجده أمامه، دون تمحيص ولا انتقاء، وهذا الإنتقاد صحيح، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى أن المدرسة التي نشأ فيها الغزالي، وتكونت في حلقاتها العلمية شخصيته العلمية – مدرسة إمام الحرمين خاصة – كان يغلب عليها الطابع العقلي الجدلي، وكان أهم ما يدرس فيها علم الكلام والأصول والفقه والمنطق والجدل، ولم تكن لها عناية كافية بالحديث وعلومه، وقلما يسلم المرء من تأثير بيئته، وقد صرح الغزالي في أكثر من موضع أن بضاعته في الحديث مزجاة، ومع ذلك فقد عكف في أواخر حياته على تعلم الحديث، واستقدم المحدثين إلى بيته وسمع منهم الحديث.

بعد هذه الجولة في الإنتقادات الموجهة للإمام الغزالي، يبقى الإمام الغزالي حجة الإسلام ومنار السالكين، وهذه الإنتقادات لا تنقص من مكانته العلمية فهو غير معصوم، ولكل جواد كبوة، حيث يقول الدكتور القرضاوي: (ومهما يكن من الخلاف في منزلة الغزالي وأثره في الأمة الإسلامية بالإيجاب أو بالسلب، فإن التاريخ يذكر أن جمهور المسلمين قد عرفوه بأنه حجة الإسلام ومجدد القرن الخامس ومحيي علوم الدين)، ويقول الدكتور محمد سليمان الأشقر: (وقد كثر مادحوه وناقدوه قديما وحديثا، والحق أنه بذكائه المفرط، وإيمانه الصادق إن شاء الله ونفسه الحساسة، أمدّ المكتبة الإسلامية بمادة غزيرة في كل العلوم التي تطرق إليها، كالفقه وأصول الفقه وعلم طريق الآخرة، ورد على الفلاسفة والباطنية والملاحدة والإمامية، وتقوى به أهل السنة، بما أمدهم به من حسن الإحتجاج وقوة البيان).

الغزالي رحمه الله موسوعة عصره، فلم يترك علما من العلوم إلا واشتغل به، بل وبرع فيه حتى وازى أرباب هذا العلم وفاقهم، وكان منهجه يستند إلى الشك العلمي، فهو يبدأ في دراسته لأي علم بعدة تساؤلات، ثم يدخل في غمار هذا العلم ويتعمق فيه تعمق الخبير المتبصر، ثم يؤلف فيه ذاكرا ماله وما عليه، ويخرج لنا بنظرة مستقلة عن هذا العلم، فهو لا يقبل التقليد ويتمرد عليه.

وهنا بعض كتب الغزالي رحمه الله التي تدل على تنوع علومه: أولا: في الفقه، (البسيط في المذهب أو البسيط في الفروع). (الوسيط في المذهب أو الوسيط المحيط بآثار البسيط وهو خلاصة البسيط). (الوجيز في الفقه). (خلاصة المختصر ونقاوة المعتصر). (الفتاوى). ثانيا: في أصول الفقه. (المنخول من تعليقات الأصول). (شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل). (أساس القياس). (المستصفى من علم الأصول). ثالثا: في الفلسفة والمنطق والكلام والعقيدة. (مقاصد الفلاسفة). (تهافت الفلاسفة). (المنقذ من الضلال). (الاقتصاد في الاعتقاد). (فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة). (قواعد العقائد أو الرسالة القدسية في العقائد) وهي قسم من الإحياء. (كيمياء السعادة). (المقصد الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى). (الأربعين في أصول الدين). (معارج القدس في معرفة النفس - قانون التأويل). (معيار العلم في فن المنطق). (محك النظر في المنطق). (القسطاس المستقيم.) (إلجام العوام عن علم الكلام). (جواهر القرآن). (القانون الكلي في التأويل). (الحكمة في مخلوقات الله). رابعا: (في التصوف والأخلاق والتربية). (إحياء علوم الدين). (منهاج العابدين). (بداية الهداية). (ميزان العمل). (أيها الولد). خامسا: (في الأديان والفرق والسياسة الشرعية). (الرد الجميل على ألوهية عيسى بصريح الإنجيل). (المستظهري). (فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية). (التبر المسبوك في نصيحة الملوك).

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart