الخطط في التربية الخاصة
السلوك غير المألوف لدى الأطفال يحتاج إلى تدخّل من قِبَل المُختصين في مجال علم النفس والتربية الخاصة والطب النفسي، وقد تعدّدت المُصطلحات التي تشير إلى هذا النوع من الإضطرابات منها الإضطرابات الإنفعالية والإعاقة الإنفعالية والإضطرابات السلوكية، ولكن يميل الباحثون الآن إلى استخدام مُصطلح إضطرابات السلوك لأنة أعمّ وأشمَل ويضمّ أنواعاً كثيرة من أنماط السلوك.
هذا وتشير إضطرابات السلوك إلى الإعتداء المستمر على الآخرين أو الخروج على قِيَم المجتمع، كالسلوك العدواني والسرقة وإيذاء الذات المتكرّر، والعناد وعدم الثبات الإنفعالي والنشاط الزائِد والتوحّد وصعوبات التعلّم وغيرها، ويرى فريق من الباحثين أن هذه الاضطرابات ترجع إلى أسباب بيولوجية مثل إصابات الدماغ، فيما فريق آخر يرجعها إلى أسبابٍ بيئيةٍ مثل نمَط العلاقة بين الأب والأمّ والطفل ونمَط التنشئة الأُسرية، وفريق ثالث يرى أن العوامل البيولوجية والبيئية معاً لها أثر كبير في إحداث الإضطرابات السلوكية إجمالاً.
كما ويؤكّد المُتخصّصون في مجال التربية الخاصة على ضرورة وضع الخطط العلمية المُعدّة إعداداً سليماً لتبنّي عملية تنفيذ البرامج التي اعتمدت لمساعدة الفئات الخاصة للوصول إلى أفضل مستوى من الأداء، وذلك عن طريق حُسن استثمار ما لديهم من إمكانيات وقدرات، ما يساعدهم على إحراز النجاح في الحياة، وأهم هذه الخطط والاستراتيجيات ما يلي:
أولاً: شمولية الإسهام في الخدمات
ويُقصَد بهذه الشمولية أنه ينبغي أن تقدّم الدولة الخدمات التربوية الخاصة لمتحدّي الإعاقة ومساعدتهم كغيرهم من الأفراد العاديين داخل المجتمع، بالإضافة إلى الهيئات الاجتماعية، والمنظمات الدولية، والمجتمعات المحلية التي يجب أن تعمل بجدٍ، كما ويجب الإسهام في مساعدة هذه الفئات إذا ما بدا تقصير من جانب الدولة، وذلك عن طريق توفير المعونات المالية والموارد المعنوية، والاشتراك في تعديل وتغيير الاتجاهات نحو هذه الفئات.
كما تعني الشمولية أيضاً عدم النظر إلى المُعاق على أساس إعاقته فقط، بل لا بد من اعتبار جوانب القوّة التي يتميّز بها، وكذلك كل ما يظهر لديه من الجوانب الإيجابية والإبداعية، والتي قد لا تتوافر لدى الفرد العادي، لأن هذا يساعده على إحداث عملية التعويض التي تُتيح له إدراك الجوانب الإيجابية لديه والعمل على حُسن استثمارها، كما أن إدراك الشمولية يكون في عملية تقديم الخدمات التي تُسهِم في نمو مختلف جوانب الشخصية؛ الجسمية والعقلية والنفسية والاجتماعية لدى هؤلاء الأفراد بما يساعدهم على الوصول إلى أفضل مستوى من التأهيل التربوي.
ثانياً: الإندماج
يرى المُتخصّصون في مجال الفئات الخاصة ومُتّحدي الإعاقة أنه كي تنجح الخطة الإستراتيجية لعملية التربية الخاصة لا بد من أن يوضع في برنامجها فكرة الاندماج، والتي تعني تحديد الإجراءات التي تتيح إمكانية المشاركة الفعلية لهذه النوعيات من متّحدي الإعاقة، وذلك للممارسة والمشاركة الفعلية في مختلف جوانب الحياة الثقافية والاجتماعية في المجتمع الذي يعيشون فيه.
هذا ولا بد من أن تراعي الخطة أن يكون من بين أهدافها الاندماج التعليمي، حتى يقترب التحصيل العلمي لمثل هذه الفئات بدرجةٍ أو بأخرى من بقية أفراد المجتمع، وذلك من خلال توفير القَدْر الكافي من الخدمات التربوية الخاصة لهذه الفئات، بحيث يكونون قادرين على الفهم والتعامل الجيّد مع غيرهم من أفراد المجتمع.
ويتوقّف مستوى نجاح هذا الاندماج في المقام الأول على مدى تهيئة أفراد المجتمع العاديين لتقبّل ومساعدة مثل هذه الفئات على عملية الاندماج في المجتمع، وذلك من خلال السعي وراء تغيير اتجاهات بعض أو غالبية أفراد المجتمع نحو مثل هذه الفئات، ويكون ذلك عن طريق المشاركة الفعالة معهم بما يحقّق أفضل تعامل معهم، ويساعدهم على استثمار ما لديهم من قدرات وإمكانيات في نمو المجتمع وتقدّمه، الأمر الذي يُشعِر أفراد مثل هذه الفئات بالإحساس بذواتهم وأهمية دورهم في المجتمع.
ثالثاً: التنسيق بين الجهات المعنية بهذه الفئات
يؤكّد مَن يعملون في هذا المجال على ضرورة التنسيق بين مختلف الجهات، والمؤسّسات المعنية بتربية الفئات الخاصة ومتّحدي الإعاقة، حيث أنه لا بد من التنسيق بين مختلف البرامج التي تقدّم لهم، سواء كان مِن ينفّذ هذه البرامج الأسرة أو المدرسة أو أية مؤسّسة أو هيئة تهتم بالتربية الخاصة، فضلاً عن مختلف الوزارات كالتربية، الصحة، الشؤون الاجتماعية والشباب، كما وأن يُراعى في هذه البرامج التنسيق بين مختلف الجوانب التي تُسهم في نمو شخصيتهم بشكل سوي كالجانب الجسمي، النفسي والاجتماعي.
إضافة إلى ما تقدّم لا بد من إعداد مَن يعملون مع هذه الفئات أو المنظمات والوزارات إعداداً تربوياً مبنياً على أسس سليمة من الفَهْمِ لكيفية التعامل مع هذه الفئات، مستخدمين بذلك عمليات التوجيه والإرشاد النفسي، فضلاً عن الإعداد الفني لعملية التأهيل التربوي لمَن يعملون ويتعاملون مع هذه الفئات، حيث إن عملية التنسيق لا تنجح إلا باستخدام الوسائل التربوية والفنية سوياً لتحقيق أهداف البرامج التي وضعت لحُسن استثمار قدرات وإمكانيات متّحدي الإعاقة.
رابعاً: واقعية الخطط الإستراتيجية لعملية التربية الخاصة
يرى المُتخصّصون في هذا المجال أنه كي تتحقّق الخطط التي وضِعت لاستثمار قدرات وإمكانات الفئات الخاصة ومتّحدي الإعاقة بأعلى مستوى من الأداء؛ لا بد من مراعاة مدى التطوّر الاجتماعي، والثقافي، والتقني الواقع في الحياة العصرية بما يُسهم في اقتصاد الوقت الذي يتمّ فيه تأهيل أو تعليم أو إدماج هذه الفئات في المجتمع الذي يعيشون فيه.
بالإضافة إلى مراعاة واقع البيئة الاقتصادي الذي تعيش فيه هذه الفئات، بمعنى أنه ليس بالضرورة أن يعتمدوا على أفضل ما توصّل إليه العالم المتقدّم في عملية التربية الخاصة لهذه الفئات، وإلا فلن نستطيع أن نقدّم شيئا لهم، بل المطلوب أن نستخدم ما لدينا من إمكانيات، وما نتوصّل إليه من وسائل معيّنة، وبرامج مُعدّة لإعداد متّحدي الإعاقة للمشاركة في واقع الحياة، ولا ننتظر حتى نحصل على الوسائل الجديدة التي تُعين المهتّمين بتأهيل وإعداد هذه الفئات للقيام بدورهم في تقييم ومساعدة هؤلاء الأفراد بما يحقّق لهم الإحساس بذواتهم بين أفراد مجتمعهم.
خامساً: القائمون بعملية التربية الخاصة
لتحقيق أهداف وخطط
وبرامج التربية الخاصة لا بد من إعداد مُتخصّصين لها، وأن يكونوا على أعلى مستوى
من المهارة في تنفيذ ما يُسنَد إليهم من هذه البرامج، حيث أنه لا بد من تأهيلهم
مهنياً لممارسة دورهم في عملية التربية الخاصة لهذه الفئات من متّحدي الإعاقة،
وذلك بما يجعل لديهم القدرة على التعامُل مع أمثال هذه الفئات للاستفادة من
قدراتهم وإمكانياتهم في تحقيق مستوى أفضل من تقبّل الذات والتفاعُل مع أفراد
المجتمع، حيث إن المُتخصّص في تعليم وتأهيل متّحدي الإعاقة يُعتَبر من العوامل
الأساسية والفعّالة في تحفيز وتعزيز سلوك أفرادها للوصول بهم إلى أعلى مستوى من
السواء النفسي.
رابط المقال في موقع
الميادين: