الأحزاب السياسية.. أهدافها ووظائفها وأنواعها
تتعدد التعريفات المختلفة للأحزاب
السياسية وذلك
كأي مفهوم من
مفاهيم العلوم الإجتماعية، إلا أنه ومن خلال النظر لهذه التعريفات يمكن الإشارة
إلى أن الحزب السياسي هو: (إتحاد بين مجموعة من الأفراد بغرض العمل معا لتحقيق
مصلحة عامة معينة، وفقا لمبادئ خاصة متفقين عليها، وذلك من خلال الوصول إلى
السلطة وممارستها)، حيث أن للحزب السياسي هيكل تنظيمي يجمع قادته
وأعضاءه، كما وله جهاز إداري معاون يسعى من خلاله دائما إلى توسيع
دائرة أنصاره بين أفراد الشعب.
أما أهم أهداف الأحزاب السياسية هو تنظيم إرادة قطاعات من الشعب وبلورتها، وتوفير قنوات
للمشاركة الشعبية والصعود بمستوى هذه المشاركة إلى درجة من الرقي والتنظيم الفاعل،
بشكل يسهل للأفراد طرح الأفكار وإختيار البدائل للتفاعل السياسي، وبمعنى آخر هي سد
الفراغ الناشب عن إحساس الهيئة الناخبة بالحاجة للإتصال مع الهيئة الحاكمة، إضافة
إلى الحصول على تأييد الجماعات والأفراد بغية تسهيل الهدف المركزي من وجود الحزب،
وهو الوصول إلى السلطة والإستيلاء على الحكم بالوسائل السلمية، وفي هذا الشأن تقوم
الأحزاب بإختيار مرشحين لها في الإنتخابات لتمثيلها وتحقيق مبادئ محددة (هي مبادئ
الحزب)، وإدارة كيفية للرقابة على الحكومة وتشريع ما تريده من قوانين، لأن الأفراد لا يستطيعون بمفردهم القيام بهذا العمل، وذلك لا عن عجز ولكن لعدم توافر
التنظيم والمعلومات اللازمة للقيام بذلك.
هذا ويعتبر أهم أسس تقييم الحزب السياسي هو مدى قيامه
بتحقيق الوظائف العامة المنوطة بالأحزاب والمتعارف عليها في أدبيات النظم
السياسية، والتي تتضمن سواء كان الحزب في السلطة أو المعارضة خمس وظائف أساسية هي: 1-التعبئة.
2-دعم الشرعية. 3-التجنيد السياسي. 4-التنمية. 5-الإندماج القومي، والمعروف أن تلك الوظائف يقوم بها الحزب في
ظل البيئة التي ينشأ فيها والتي يعبر من خلالها عن جملة من المصالح في المجتمع، وهو
في هذا الشأن يسعى إلى تمثيل تلك المصالح في البيئة الخارجية، الأمر الذي يعرف في
أدبيات النظم السياسية بتجميع المصالح والتعبيرعنها.
1- وظيفة
التعبئة: تعني التعبئة هنا هو حشد الدعم والتأييد لسياسات النظام السياسي من قبل
المواطنين، وتعتبر وظيفة التعبئة بطبيعتها وظيفة أحادية الإتجاه، بمعنى أنها تتم
من قبل النظام السياسي للمواطنين وليس العكس، حيث تلعب الأحزاب دور الوسيط في هذه
الحالة، وذلك بالرغم من أن البعض يربط بين وظيفة التعبئة وشكل النظام السياسي من
حيث كونه ديمقراطيا أو شموليا أو سلطويا، إلا أن الإتجاه العام هو قيام النظم
السياسية الديمقراطية أيضا بأداء تلك الوظيفة، كما أن النظم السياسية في الدول
النامية تتطلع وهي في مرحلة التنمية الإقتصادية والسياسية والإجتماعية إلى قيام
الأحزاب بلعب دور فاعل لحشد التأييد لسياستيها الداخلية والخارجية.
هذا وتختلف
طبيعة وظيفة التعبئة التي تقوم بها الأحزاب من نظام سياسي لآخر (النظم التعددية أو
المقيدة)، كما أنها تختلف داخل نفس النظام السياسي المقيد، وذلك وفقا لطبيعة
المرحلة التي يمر بها ومتأثرا دون شك بالبيئة الداخلية والخارجية المحيطة به، كما
أن النظم السياسية تسعى دائما لتجديد سياساتها نتيجة لطبائع الأمور التي تتسم
بالتبدل المستمر للأفكار والأيديولوجيات، وهذا التغير بشكل عام وأيا كان سببه يحمل قيما ومبادئ تسعى النظم
السياسية القائمة إلى ترسيخها عبر تبادل الحوار الديمقراطي المفتوح بين الحكومة
والمواطنين إذا كانت نظما ديمقراطية، كما تسعى لإيصالها عبر وسائل غرس القيم
السياسية في النظم السياسية الشمولية والسلطوية فيما يعرف بعملية التثقيف السياسي،
وفي جميع الأحوال تلعب الأحزاب دورا مهما في أداء هذا الوظيفة.
2 - وظيفة دعم
الشرعية: تعرف الشرعية هنا بأنها مدى تقبل غالبية أفراد المجتمع للنظام السياسي وخضوعهم له طواعية وذلك لإعتقادهم
بأنه يسعى إلى تحقيق أهداف الجماعة، ويعتبر الإنجاز والفاعلية والدين والكاريزما
والتقاليد والأيديولوجية ضمن المصادر الرئيسية للشرعية في النظم السياسية
المختلفة، على أن الديمقراطية تعد المصدر الأقوى للشرعية في النظم السياسية في
عالم اليوم، كما وهناك العديد من الوسائل التي تهدف إلى دعم الشرعية والتي تلعب
الأحزاب وغيرها من المؤسسات دورا بارزا في هذا المضمار، لكن تتميز الأحزاب عن تلك
الوسائل الأخرى بأنها ليست فقط من وسائل دعم الشرعية بل أنها في النظم السياسية
المقيدة تسعى إلى أن يكون تطور أحوالها وأوضاعها وأيديولوجياتها هي نفسها مصدرا
للشرعية.
والحديث عن
علاقة الأحزاب بالشرعية الديمقراطية يفترض أن الأحزاب تتضمن هياكل منتخبة من بين
كل أعضائها، حيث تستمد الأحزاب الحاكمة شرعيتها من تلك الإنتخابات ومن تداول
السلطة داخلها، وحتى ربما قبل الإنتخابات العامة التي تأتي بها إلى السلطة، إضافة
إلى تطلعها بإستمرار إلى التنظيم الجيد ووجود دورة للمعلومات داخلها، ولكن هذا لا
يحدث في كل الأحزاب كما وأنه مفقود في الأحزاب المسيطرة.
3 - وظيفة
التجنيد السياسي: يعرف التجنيد السياسي بأنه عملية إسناد الأدوار السياسية لأفراد
جدد، وتختلف النظم السياسية في وسائل التجنيد السياسي للنخبة، فالنظم التقليدية
والأوتوقراطية يعتمد التجنيد بها بشكل عام على معيار المحسوبية أو الوراثة...الخ، أما
في النظم التعددية المقيدة فإنها تسعى (دون أن تنجح في كثير من الأحيان) لأن يكون
أدائها لهذه الوظيفة يماثل أدائها في النظم الأكثر رقيا وتقدما، حيث يكون هناك
ميكانزمات محددة للتجنيد، ويفترض أن تكون الأحزاب في هذه النظم أحد وسائل التجنيد
السياسي، وهي تؤدي تلك الوظيفة ليس فقط بالنسبة إلى أعضائها بل وأيضا بالنسبة إلى
العامة، فمن خلال المناقشات الحزبية والإنتخابات داخل هياكل وأبنية الأحزاب والتدريب
على ممارسة التفاعل الداخلي وبين الأحزاب بعضها البعض والإنغماس في اللجان والمؤتمرات
الحزبية، تتم من خلال كل ذلك المساهمة في توزيع الأدوار القيادية على الأعضاء ومن
ثم تتم عملية التجنيد بشكل غير مباشر.
كما ويتسم أداء
الأحزاب في النظم التعددية المقيدة لوظيفة التجنيد السياسي ببعض القيود، إذ أن
أعضاء الأحزاب لم يكونوا قد خرجوا بعد من الميراث الثقافي السلطوي، الذي خلفته
تجربة التنظيم الواحد والذي كان الحزب فيه مجرد أداة للتعبئة لكسب الشرعية للنظام
السياسي.
4 - الوظيفة
التنموية: تتمثل تلك الوظيفة في قيام الأحزاب بإنعاش الحياة السياسية في المجتمع، الأمر
الذي يدعم العملية الديمقراطية والإتجاه نحو الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي
في النظم السياسية المقيدة، وقد طرحت العديد من الأدبيات المتخصصة في دراسة
الأحزاب السياسية مسألة وجود الأحزاب وكيف أنها تلعب دورا فاعلا في عملية التداول
السلمي للسلطة من خلال الإنتخابات، وكذلك دورها في إنعاش مؤسسات المجتمع المدني مثل
النقابات المهنية والعمالية، وتقديم الخدمات بشكل مباشر للمواطنين من خلال
المساهمة في حل مشكلاتهم، ناهيك عن قيام الأحزاب بلعب دور مؤثر في التفاعل السياسي
داخل البرلمانات خاصة في عمليتي التشريع والرقابة.
5 – وظيفة الإندماج
القومي: تنطوي هذه الوظيفة على أهمية خاصة في البلدان النامية، حيث تبرز المشكلات
القومية والعرقية والدينية والنوعية وغيرها في تلك البلدان، وذلك في ظل تاريخ طويل
من إنتهاكات حقوق الإنسان.
أما أنواع الأحزاب السياسية فتنقسم إلى:
أ- الأحزاب الأيديولوجية أو أحزاب البرامج: وهي الأحزاب التي تتمسك بمبادئ أو أيديولوجيات وأفكار محددة ومميزة، ويعد
التمسك بها وما ينتج عنها من برامج أهم شروط عضوية الحزب، وذلك مثل الأحزاب الإشتراكية والشيوعية، إلا أنه ومنذ منتصف القرن الماضي بدأ الكثير من الأحزاب غير
الأيديولوجية إصدار برامج تعبر عن مواقف محددة وخاصة، فأصبح بذلك هناك أحزاب برامج
أيديولوجية وأحزاب برامج سياسات عامة.
ب - الأحزاب البرجماتية: ويتسم هذا النوع من الأحزاب بوجود تنظيم حزبي له
برنامج يتصف بالمرونة مع متغيرات الواقع، وذلك بمعنى إمكانية تغيير هذا البرنامج
أو تغيير الخط العام للحزب وفقا لتطور الظروف.
ج -أحزاب الأشخاص: وهي من مسماها ترتبط بشخص أو
زعيم ما، بحيث أنه هو الذي ينشئ الحزب ويقوده ويحدد مساره ويغير هذا المسار دون
خشية من نقص ولاء بعض الأعضاء له، وهذا الإنتماء للزعيم مرده لقدرته الكاريزمية أو
الطابع القبلي أو الطبقي الذي يمثله، وتظهر هذه الأحزاب في بعض بلدان الشرق الأوسط
وأمريكا اللاتينية، حيث إنتشار البيئة القبلية وتدني مستوى التعليم.