النجاح في تربية الأبناء من الأولويات في هذه الحياة
الزواج والإنجاب
وتربية الأبناء هو من ضمن دائرة النجاح في الأساسيات والأولويات في هذه الحياة،
إضافة إلى أن النجاح في تربية الأولاد يعتبر من أهم المشاريع والاهتمامات المشتركة
بين الزوجين، وذلك في سبيل البحث عن الذات لكلا الطرفين، ولهذا فإن هذه المسؤولية
المشتركة بين الأب والأم لتربية أولادهم تتطلب الاهتمام والسعي لتحقيق أهم أساسيات
التربية الصحيحة.
فالتربية تعني
أن تدل أبناءك على الإجابات عن الأسئلة الوجودية الكبرى: من أنا؟ من خلقني؟ إلى
أين المصير؟ ما الغاية من وجودي؟ لماذا أنا مسلم؟ ما الأدلة على أن القرآن من عند
الله تعالى؟ ما الأدلة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم؟ كيف أحفظ وأتعلم القرآن
والسنة اللذان أرجع إليهما في حياتي؟ وأن تجعل أعظم قيمة لدى أبنائك توحيد الله
تعالى، تعظيم الله تعالى، محبة الله تعالى ورسوله، لتكون فوق كل محبة، وتجنبيهم كل
ما يشوب التوحيد، وأن تربط أبناءك بالقرآن، وتنمي لديهم ملكة فهمه والاستدلال به،
مما سيتطلب منك تحبيب اللغة العربية إليهم، وأن يكون إصرارك على ولدك أن يقوم إلى
صلاة الفجر أكثر من إصرارك عليه أن يقوم إلى المدرسة، بحيث تبني تعظيم الله تعالى
في قلبه، ويجعل (الله تعالى أولا) في حياته بالفعل، وذلك بأن يتعلم أبناءك أن شرع
الله حاكم على حياة المؤمن، وألا يعترفوا بأية مرجعية غيره، وذلك في زمن يراد فيه
لدين الله تعالى أن يحصر في شعائر محدودة، ويكون التقديس والتعظيم لأهواء البشر.
التربية تعني أن
الولد عندما يبلغ عمره (22) سنة، ويكون قد أمضى منها (18) سنة في المدارس
والجامعات، يجب عليه أن يعرف إجابة ما سبق من أسئلة، بل ويعرف كيف يفكر، وليس كلمة
قد تهز كيانه، ومقال تافه أو مقطع فيديو يخلعه من دينه بكل سهولة، وأن لا يناقش
الآخرين بكل سذاجة، فاقدا لأدنى مقومات التفكير الصحيح، والنقاش العقلاني والنقد
العلمي، وهو يعتقد بنفسه أنه متعلم!! بل وربما هو مهندس أو طبيب أو حتى دكتور جامعي!!
التربية تعني أن
تربط أبناءك وبناتك بالرموز الحقيقية في تاريخهم العربي والإسلامي، وتعرّفهم
بتاريخ أمتهم ليعلموا أن لهم جذورا عميقة ويعتزوا بها، وأن يتعلموا الانتماء إلى
أمتهم العربية والإسلامية والاهتمام بأحوالها، وتحويل الهم لها إلى العمل بإيجابية
دون يأس ولا قنوط ولا إحباط، وذلك بدل أن يكونوا طحالب، إمعات، مقلدين للتافهين،
والزناة والمخمورين، وتائهي وأغبياء المشاهير في الاهتمام بملابسهم وقصات شعرهم
وحركاتهم وغيرها من توافه الأمور، وأن يطرح الولد سؤال: (لماذا أفعل ذلك؟) في كل
ما يفعل؛ وذلك حتى لا يكون قطيعيا مقلدا غيره تقليدا أعمى.
التربية تعني أن
تربي أبناءك على معاني الحياء، الشهامة، النخوة، الرحمة، الكرامة، العزة، رفض
الظلم، الغضب لله تعالى، الغيرة على الحرمات والنهي عن المنكر، وأن يتمتع كل منهم
بقوة الشخصية في هذا العالم، والذي يحاول سحق هذه المعاني والقيم بكل الوسائل، وذلك
من خلال التعليم والإعلام والأفلام ومسلسلات الكرتون والألعاب الإلكترونية وغيرها،
وبما في ذلك كله من إيحاءات مدروسة تهدم الحياء وتنمي العنف.
التربية تعني أن
تنمي في طفلك ملكة التنبه للمدخلات، فينتبه لحيل وسائل الإعلام وطرقها في محاولة
إعادة صياغة نفسيته وقيمه، وأن يتم مناقشة كل ما يشاهد لتأكد من صحته ونفعه، وأن يتعلم
ابنك كيف يفكر، كيف يطرح الأسئلة الصحيحة، كيف يعبر عن نفسه، كيف يميز بين العلم
الحقيقي والعلم الزائف، كيف ينقد الأفكار التي تعرض عليه، كيف يعرف المغالطات في
النقاش التي يستخدمها المبطلون ليشككوه في دينه وكيف يتحقق من المعلومة.
التربية تعني أن
تعلم أبناءك وبناتك حقوق كل فرد من أفراد الأسرة، وواجباته وأولوياته، وتعلم ابنك
أن يصل إخوانه ويحن عليهم ذكورا أو إناثا، وأن تعمل على بناء علاقة وطيدة مع
أبنائك، تقوم على المحبة والثقة والاهتمام بهم، وسماع مشاكلهم والصداقة معهم،
وبغير ذلك لن تتحقق الأهداف المنشودة، كما وأن تربط أبناءك بالصحبة الصالحة، وتبحث
لهم عن رفاق الخير بحثا، وذلك لتوفر المحاضن الآمنة التي يعيشون فيها ومن خلالها.
التربية تعني أن
تعين ابنك وابنتك على معالجة المشاكل التي تعرض لهم في طريق بناء شخصياتهم، كما
تحرص على علاج أمراض أجسادهم، بل وأكثر، كما وأن يتعلم أولادك الجدّية وتحمل نتائج
أفعالهم، وتوقع الألم في الحياة والتعامل معه بصبر ورضا، وأنهم ليسوا في هذه
الحياة للراحة والركون إلى الدنيا، وأنها أولا وأخيرا دار بلاء لا دار جزاء.
التربية تعني أن
تتعرف على خصائص كل مرحلة عمرية لأبنائك وما يلزم لها، وأن تعين ابنك وابنتك على
اكتشاف نفسه واستثمار جوانب قوته، ومن ثم على اختيار الأهداف التي تناسب قدراته
وظروفه، ويساهم بها في إعزاز نفسه ومجتمعه وأمته، وأن تعلم ولدك، أن كن نفسك، تقبل
نفسك، لا تتقمص شخصية غيرك، وأن لا تحس بالفشل إن لم تحقق ما حققه غيرك، كما ولا
ترسم أهدافا لا تناسبك، فلكل شخصيته، وبغير ذلك لن يقنع ولن يسعد الأولاد أبدا.
التربية تعني أن
تحبب إلى ابنك وابنتك طلب العلم النافع في كل المجالات، وعلى إمساك الكتب والبحث
عن المعرفة، وأن يكون شعارهم في ذلك (احرص على ما ينفعك)، وأن يشعر بالامتلاء
العقلي والروحي بدل الفراغ الذي يدفعهم إلى متابعة توافه الأمور، أو الإدمان على المخدرات
والمقاطع الإباحية، أو العيش في وهم الألعاب الإلكترونية وخيال الأفلام والمسلسلات،
وأن يتولد لدى ابنك الحافزية ليتعلم ما يعينه على اتقان أدوات عصره، ليكون مؤثرا
وناجحا كإنسان مسلم؛ فيتعلم استخدام التقنية، إدارة المال، مهارات الإقناع، مهارات
القيادة، والعمل في فريق وغيرها.
التربية تعني أنكما أيها
الزوجين (الوالدين) يجب أن تكونا قدوة
عملية تمثل هذه المعاني كلها في ذاتكما قبل أمر أولادكم بها؛ وذلك بأن تجعلوا جميعكم
مراقبة الله تعالى نصب أعينكم، كما أن برّكما بوالديكم وخدمتهما، قراءتكما كتبا
منهجية أمام الأولاد ومعهم، وعدم الاقتصار على متفرقات مواقع التواصل، سوف تجعلهم
يألفون القراءة والعلم، وهكذا لن يحتاج بعدها أن تملأ وقتهم بنفسك ما دمتم قد وضعتم
أقدامهم على الطريق الصحيح، فدمعة صادقة منكما عند قراءة آية، أو ذكر رسول الله
صلى الله عليه وسلم، أو موقف معين ستفعل فعلها في قلب أولادك أكثر من ألف نصيحة،
أو محاضرة، أو حتى درس دين في المدرسة، فالأمانة والصدق مع النفس يجب أن تترسخ في
قلوب أبنائك حتى تنفعهم، وإن لم تزرعها فيهم، لم ولن ينفعهم شيء، وسيصبحوا فقط أرقاما
في ظاهرة الغثائية والنفاق.
وهكذا فإن التربية
تعني في المحصلة أن تبني الإنسان الذي يعمل لغاية، وهي تحقيق العبودية لله تعالى بمفهومها
الشامل لصلاح الدنيا والآخرة، حيث مطلوب منك أن تحيط أولادك من كل مكان، ليس بكثرة
النصائح والانتقادات، فهي تحدث السآمة والنفور من أولادك تجاهك؛ وإنما بالقدوة
العملية والتوجيهات عند الحاجة، وحمايتك لهم مما يضرهم، وحزمك في ذلك، مع عطفك
وودك، وأنتما أيها الوالدين مؤهلان لبناء هذا كله وترسيخ هذه الأمانة في قلوب
أبنائكما بسلوككما العملي.
كل هذه الأركان
لتربية النفس البشرية عموما وليس الأبناء فقط، ولهذا يجب أن نتعلمها جيدا، كما أن
أكبر رسالة سلبية نوصلها لأولادنا أن العبودية لله تعالى بمعناها الشامل ليست هدف
حياتنا، وهم للأسف يتشربون هذه الغفلة يوميا من سلوكنا، كما أن المدارس لا تحقق
هذه الأهداف أو حتى مقوما واحدا من مقومات التربية الصحيحة، بل هي للأسف تدمرها،
إلا من رحم ربي من معلم هنا أو معلمة هناك، أو مدرسة هنا أو مدرسة هناك، ومؤلم فعلا
ما يحصل لعامة أبناء المسلمين، فهم بحاجة لعلاج إنسانيتهم من الجهل والهوى، فالذي
يعطى في كثير من المناهج التعليمية هو العادي، بل وفي كثير من الأحيان سموم،
والأبوان يعتبران أنهما أديا ما عليهما بإرسال الأولاد إلى هذه المدارس.
أخطر شيء لا أن
تترك المريض دون علاج، بل أن تدخل لجسمه أشياء عادية أو سموما، وأنت توهمه وأهله
أنك تقدم له علاجا، أبناؤك هم في صلب مشروعك، وحمل التربية بداية ليست حملا بل
شرفا؛ التربية، التزكية وبناء الإنسان، هذه وظيفة الأنبياء عليهم السلام، وشرف
العامل على قدر شرف العمل، فالمطلوب منكم يا أيها الآباء والأمهات أن تبنوا هذه
الأساسات، وتضعوا أقدام أولادكم على الطريق الصحيح، ثم تولدوا لديهم الحافزية
للتعلم والعمل بما يتعلموا، وبعدها يكون دوركم أن تعينوهم وتشجعوهم، بحيث إذا طرأت
عليه شبهة سمعوها؛ تبحثوا معا عن الجواب والحل، وتتعاونوا معا في التعرف على
المصادر والمراجع الموثوقة والأشخاص الذين يسمع لهم.